الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

السعوديون.. كيف تلقوا المذاهب الفكرية الغربية؟
اقتراب حثيث من النظريات الجديدة.. وحرب شرسة تواجه الحداثة

حين عاد كل من منصور الحازمي ومحمد الشامخ وعبدالرحمن الأنصاري وعزت خطاب من بريطانيا الى الرياض في ستينيات القرن الماضي حاملين درجة الدكتوراه في الآداب واللغة، وجدوا امامهم مساحة بكرا، للإفضاء بما تلقوه منهجيا في الجامعات البريطانية، كانت هذه الاسماء هي اول خيط في سلسلة المبتعثين السعوديين الى الخارج للدراسات العليا، حيث مثل الابتعاث ركيزة مهمة في خطط التنمية السعودية.
عاد هؤلاء بعد ان ابتعثوا في المرحلة الجامعية للقاهرة في الخمسينيات أولا ثم بريطانيا، وبدأوا في تدريس المفاهيم الجديدة في جامعة الملك سعود ( الرياض سابقا)، هنا كانت بداية تجلي الافكار والتيارات والمناهج الغربية في الجامعة السعودية الناشئة وعلى يد باحثين سعوديين، وكان الأمر يسير بشكل طبيعي لأنه يتقاطع بشكل أو بآخر مع البنى المتحولة في المجتمع السعودي.
ويروي د. منصور الحازمي أستاذ الادب بجامعة الملك سعود ل( الحياة) تجربة العودة الى الرياض حيث يقول:( حاولنا أن نجعل للجامعة نشاطاً علمياً وثقافياً أفضل.. وأنشأت أنا حولية كلية الآداب، فيما أنشأ د. عبدالرحمن الانصاري قسما للآثار) ويضيف: ( كنا مهتمين بالواقع المحلي نريد أن نعرف الواقع السعودي.. وجيلنا كان يريد أن يعرف نفسه) وعن المنهج الذي كان يؤثره قال الحازمي :( أنا أميل الى المنهج الواقعي.. وهو الذي كان سائداً وملائماً لبلادنا، وكان الأديبان عبدالله عبدالجبار وسعد البواردي متأثرين بالمنهج الواقعي الذي يبحث في مشاكل الواقع المحلي.. هذه المذاهب ما ظهرت عبثاً).
إن المجتمع السعودي مجتمع محافظ في جوهره، تتنامى فيه قيم القبيلة والنسب على ما عداها من قيم، وتبرز فيه الحمية الدينية بشكل كبير، كما ينظر للسعودية على أنها قلعة التراث والإسلام والمسلمين على حد تعبير الغذامي الذي يقول :( إن النظر الى السعودية على أنها قلعة التراث العربي والإسلامي جعل الآخرين يشكلون عنها هذه الفكرة الحقيقية ولا يريدونها أن تتخلى عن ذلك) وذكر في احدث كتاب له هو (حكاية الحداثة) الذي أثار بالسعودية ضجيجا لم يهدأ بعد :( إن المحافظة مطلوبة من هذا المجتمع ومتوقعة منه، عربيا وإسلاميا، ولا يوجد عربي ولا مسلم إلا ويرى أن السعودية هي جوهر المحافظة، وقد يتصورون الحداثة في أي مكان إلا في السعودية، حتى إن أكبر دعاة الحداثة عربيا ربما أخذ نفسه في جهاد مقدس كي لا يتحول المجتمع السعودي الى مجتمع حداثي)!!
ولم يظهر الموقف المناوىء للتيارات والمناهج الغربية لدى السعوديين إلا في مرحلة الثمانينيات، بعد ذيوع مفهوم:( الصحوة الإسلامية) بفعل الاحداث التي كانت تموج بها المنطقة والعالم، من ظهور الثورة الإيرانية، واغتيال الرئيس المصري السادات على يد تنظيم الجهاد، وظهور الافغان العرب وإعلان الجهاد ( الأمريكي الإسلاموي) في أفغانستان، ثم ظهور ما يسمى ب( الأدب الإسلامي) وتأسيس ( رابطة الأدب الإسلامي العالمية) في العام 1985.
ويرتبط تلقي المذاهب الفكرية الغربية بالسعودية بعدة أمور:
الخلفية التعليمية التي يتربى عليها الباحثون والمعلمون والكتاب والأدباء، وهي خلفية تتشح بالتعليم الديني بالأساس الذي ينهض على تعاليم ورسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عائدا الى الإمام ابن تيمية.
العصبية الدينية، فالمجتمع السعودي مثله مثل المجتمعات الإسلامية الأخرى يعتز بدينه الإسلامي، لكن هذا الاعتزاز يبلغ معظم الأحيان درجة كبيرة من العصبية، باعتبار أن جزيرة العرب هي مهد الرسالة الإسلامية ومهبط الوحي، وهي التي تحوي أماكن المسلمين المقدسة، وهي مرجعية المسلمين في العالم.
العصبية القبلية، حيث مازال الولاء للقبيلة طاغيا بالمجتمع السعودي، والدليل على ذلك أن الانتساب للقبيلة في الاسم وجواز السفر وبطاقة الهوية من عوامل فخر الشخصية السعودية، فضلاً عن ذلك هناك نوع من التنافس القبلي، وتباين في المستويات الكمية والاجتماعية والاقتصادية للقبائل بالسعودية.
الوضعية التاريخية، كون السعودية هي وريثة التاريخ العربي، والبداية الأولى لهذا التاريخ.
الوضعية الاجتماعية، من حيث تفاوت المستويات الاجتماعية، التي تعود بالأساس الى العامل القبلي، فهذه الوضعية تحكم بشكل أو بآخر على طرق تلقي العلم ودراسته، والتوجه الى التعليم الداخلي أو الخارجي تبعاً للحالة الاجتماعية، وأيضا الخوف الاجتماعي من تلقي نمط معين أو آخر من انماط التيارات الحديثة.
السياق الثقافي المهيمن: هذا السياق هو الذي يحدد مجرى تلقي التيار الفكري أو النظرية الجديدة، فإذا كان سياقا يقبل على الجديد وينفر من القديم فإن آلية التلقى والاستجابة تكون كبيرة، بيد أن السياق الثقافي المهيمن هو السياق المحافظ التقليدي.
في الثلاثين سنة الأخيرة شغلت مجموعة من المناهج والتيارات المثقفين السعوديين، الذين تأثروا أيضا بحضور مجموعة من النقاد والمفكرين العرب للتدريس بالجامعات السعودية بمشاربهم المختلفة ومنهم: مصطفى السقا، وأحمد الحوفي، ونذير العظمة، وشكري عياد، وأحمد كمال زكي، ولطفي عبدالبديع، وشاكر النابلسي وغيرهم وتجلت هذه المناهج والمفاهيم في: الواقعية، والرمزية، والوجودية، لكن أخطر المناهج التي استحوذت على اهتمام المثقفين والكتاب السعوديين في العشرين عاماً الأخيرة وبالتحديد منذ العام 1985 هي مناهج الحداثة التي قسمت المثقفين السعوديين الى قسمين:
حداثيون: يعلون من قيم الفن والكتابة، ويوقنون بالتجديد الادبي والفكري.
غير حداثيين: ويضم خليطا من التراثيين، ومروجي مصطلح :( الأدب الإسلامي) وهم يعلون من قيمة الالتزام الادبي والأخلاقي، ما يطابق قيم الشرع حسب تأويلهم، دون نظر أو اعتبار للقيمة الفنية العالية للإبداع الادبي، وفق ذلك انقسمت الساحة الثقافية والفكرية بالسعودية الى خندقين متجابهين، وتجلى ذلك في ظهور أشرطة كاسيت لسعيد الغامدي والشيخ عوض القرني وغيرهما تكفر ( الحداثة) و( الحداثيين) وهوجم د. عبدالله الغذامي بعد اصداره كتاب (الخطيئة والتكفير) هجوما ضاريا، مع أن الكتاب يقدم دراسة بنيوية تشريحية لشعر الشاعر السعودي حمزة شحاتة، لكن الحساسية الشديدة من المصطلحات الجديدة في مجتمع محافظ جعلت البعض يطلق أوصافاً غير علمية مثل ( حاخام الحداثة) و(تلمود الحداثة) وواجه شعراء مرحلة الثمانينيات ونقادها على الأخص بالسعودية الهجمة الضاربة من قبل المحافظين الذين أوصلوا الهجوم الى منابر المساجد، وخطب الجمعة، وظهرت قائمة كبيرة من الكتب التي تعادي المناهج (الأجنبية) بل و( تكفّر) متبعي المناهج الحداثية سواء على مستوى الفكر أو الإبداع الادبي والفني الشعري والروائي والقصصي والتشكيلي اشهرها:
(الحداثة في ميزان الإسلام)، للشيخ عوض القرني، (في خيمة النص) لعلي التمني، (الحداثة من منظور ايماني) لعدنان النحوي.. وغيرها من قبيل هذه المؤلفات.
ثم ظهرت سلاسل كتب تضع الإسلام في كفة وأي مذهب قديم أو جديد في الكفة الاخرى، من مثل: الإسلام والحداثة، الإسلام والعولمة، الإسلام والنظام العالمي الجديد، الإسلام والطريق الثالث، الإسلام وصدام الحضارات.. الخ. واليوم فإن ثمة مراجعات كثيرة، حيث حدثت هزة فكرية، وتحولات كبيرة بعد احداث 11 سبتمبر 2001 جعلت السعوديين رسمياً ونخبوياً يعيدون النظر في كثير من الافكار، بدأت بإعادة النظر في مفهوم ( الخصوصية) ولما تنته بعد بتقبل الآخر والحوار معه، وتغير مفهوم ( الولاء والبراء) الفقهي، كما يمكن رصد مجموعة من الاحداث التي حدثت بشكل متسارع ومثير في الساحة السعودية، تتمثل في: توحيد الاشراف على التعليم عبر وزارة التربية والتعليم، وإنشاء مسمى: وزارة الثقافة والإعلام، وإضفاء هامش فكري حواري في الصحف ووسائل الإعلام السعودية، وإنشاء نقابات مهنية مثل : هيئة الصحافيين، وجمعية الناشرين السعوديين، والموافقة على قيام جمعية حقوق الإنسان، وإقرار الانتخابات البلدية في الأعوام المقبلة، وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.. وعقد لقاءين وطنيين في الرياض ومكة المكرمة.. كل هذه الأمور تمت في فترة قياسية بما يشبه الانقلاب على ( ادبيات سعودية) تم التمسك بها على المستويات الفكرية والاجتماعية والعلمية والفقهية والثقافية بوجه عام.
ان هذه التحولات التي تشهدها المملكة صوب ( مدنية فكرية) حضارية هي طريق جديد يتم فيه تلقي الأنا ايضا لتقف فكريا في محاورة الآخر ومواجهته على المستوى الفكري والثقافي والمعرفي بوجه عام.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved