الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

التوظيف الشعري «5»
د. سلطان سعد القحطاني
وإذا كان الصبان من الشعراء التقليديين كما ذكرنا آنفاً فإن شاعراً مجدداً، من دعاة الإصلاح، في كل مؤلفاته ومقالات النقدية، وحتى وظيفته الأولى، في الحكومة كانت في لجنة التفتيش والإصلاح، للرقابة على المدارس والمطبوعات، وهاتان الجهتان هما الجهتان المسؤولتان عن الثقافة في ذلك الوقت، ذلكم محمد حسن عواد (ولد 1324) صاحب كتاب خواطر مصرحة، أول كتاب نقدي يثور على التخلف الفكري الثقافي، في البلاد، من حيث الدعوة للتجديد، وإصلاح الأدب، وخاصة الشعر، بالرغم من حدة أسلوبه النقدي، كما هي الحال عند العقاد، قال عنه بعض الباحثين: إنه زعيم أدب الجيل الحديث، وقد أثر في الكثير من زملائه، في ذلك الوقت، مثل محمود عارف، وعباس حلواني ومحمد علي باحيدرة، وعبد الوهاب اشي وحمزة شحاتة، ومحمد حسن فقي، وعبد الله خطيب. والعواد صاحب المدرسة المكية في النقد الأدبي، حيث استطاع أن يكوِّن له مدرسة من أتباعه، وذلك بتأثيره في الشباب المتحمس لإصلاح الأدب والمجتمع، وخاصة بعد قصيدته (جنون الناقدين) التي قلَّده فيها الشعراء الذين مر ذكرهم.
ولم يقل شعر العواد في دعوته للإصلاح عن نثره النقدي، إلا أنه شاعر مجدد ومحدِّث، لا يباشر بالقصيدة، فنجده يرمز في أغلب قصائده الإصلاحية بالليل، والنجوى، والهم، ووظيفة الشعر وضرب المثل... وهو يذكر الدجل والسحر والعرافة والخرافات الموروثة، يتضح ذلك من قصيدته الهزلية، التي يسخر فيها من اعتقاد الحسين بن علي في الدجالين والعرافيين والرمالين:
وقيل إني رامل ماهر
أو ساحر أو ملك في إهاب
فذاب هذا كله في يدي
رباه.. رباه ألا كيف ذاب؟
وبالرغم من أن العواد يهتم بالفن، إلا أنه يرى أن للشعر وظيفة وعلى الشاعر مسؤولية، لكنه لا يباشر النصح على الطريقة التقليدية، وإنما يضمن شعره أصالة الفن، الذي تنبع منه وظيفته.
وحسين سرحان من الشعراء الذين سخروا من الحياة ومن الجهل، والوظيفة الرتيبة والروتين القاتل، وكان يسخر من نفسه، التي يرى أنها تمثِّل المجتمع الذي يعيش على النفاق، والجهل المتوارث، ومنها رفض حياة مجتمعه البدوي، ومجتمع المدينة التي ينتمي إليها، وشغل بنفسه، يناجيها ويسخر من الوضع، بصورة هزلية، وموقف متشائم، يقول:
(لقد تعبد الأوثان في قلب أمة
ودينهم الإسلام أبلج فاضلاً
فذاك يرجى لالتماس ومنحةٍ
وذلك يخشى أن يصيب المقاتلا
وما ذلك عز الله عن جاهليةٍ
يصاب بها من كان أرعن جاهلا)
ولم يكن الإصلاحيون في المملكة الفتية ينظرون إلى إصلاح الأدب واللغة والفكر بمعزل عن إصلاح أحوال المجتمع الذي تعوَّد النفاق والمجاملات وتغليب حب الذات على المصلحة الاجتماعية، بل كانوا يهدفون جميعاً إلى بناء مجتمع سليم من الأمراض الاجتماعية والفكر المنحل والتقليد الأعمى، ونبذ الموروث البائد، الذي دخل إلى المجتمع عن طريق السحر والدجل والخزعبلات باسم الدين والموروث البلاغي الخاوي، وتقليد الفكر المتأخر عن ركب الحضارة الحديثة، التي أحدثتها التغييرات العالمية، فيما بين الحربين العالميتين. وكانت غيرة الشعراء (كما هي الحال عند الأدباء الناثرين) على بلادهم قد بلغت أشدها، فكل يمنيهم السعادة بالتنظير، لكن على أرض الواقع لم يتحقق من الآمال إلا القليل، وأحياناً لا شيء من هذا أو ذاك، وقد تكون آمال الشاعر أكبر على أحوال بلاده، في سرد تاريخي عن حال الحجاز:
(حزناً على أحوال أمتي التي
ما زال يرديها الشقاق المعرق
مالي أراها والحوادث حوَّم
يقظى تبيد السادرين وتسحق)
إلى أن قال:
(ومضى الحسين بقضه وقضيضه
وبنو الحجاز هم، هم لم يرتقوا
درجوا على الجهل المشين عصورهم
ونأوا عن الإصلاح وهو الأليق
فقضوا كما يقضي الكسول حياتهم
نفس ملوعة وعيش ضيق)
وهذه القصيدة ومثلها الكثير، تعكس لنا مدى التأخر الذي كان يعيشه الحجاز، من تقليد وخرافة، وضحالة في التفكير، فإذا كان هذا حال الحجاز، وهو منارة من منارات العلم والأدب في العصور المظلمة، فماذا نقول عن غيره من أقاليم الجزيرة العربية، التي حرمت من التعليم والتقدم الثقافي، إذا استثنينا بعض المناطق التي كان التعليم يقوم فيها على الحفظ والتلقين، كما هو الحال في الأحساء والقطيف، وبعض أجزاء المنطقة الجنوبية، في عسير وجيزان، لقربها من المراكز الحضارية في اليمن، لكن الحالة الثقافية تدهورت في هذه الأقاليم بتدهور الأمن الثقافي، فرحل الكثير من العلماء والشعراء إلى حيث البلاد الآمنة، لممارسة الحرية الثقافية والمذهبية. ومنهم من كان ينعى على الأمة تأخرها، ويورد الدعوة للإصلاح على هيئة رثاء وتساؤل عن الحركات الثقافية، في هذه البلاد وغيرها، وكان الأجدر أن تتطور وتعايش الحياة الحديثة، فهذا الشاعر محمد سعيد الخنيزي، من شعراء القطيف، يتساءل أين ذهبت الحياة الثقافية بعد رحيل روادها؟ وأصبحت البلاد بعدهم في دياجي الجهل والتخلف:
(يا أيها البلد الذي سلب الحمام مفاخره
أين المجالس زاهيات بالفوائد عامرة
بالأمس كانت للقطيف نجوم فضل سائرة
واليوم أضحت في دياج دامسات عاكرة)
ويصف الخنيزي الحياة الثقافية المتدهورة، وكان الأجدر بها أن تتقدم، وتساير الحياة الناهضة في الوطن العربي، في مصر وبلاد الشام والمهجر، وليت أولئك يطلون على هذا العالم، لعلهم ينورونه، في ظلمة جهله وينتشلونه من تخلفه:
(أين الجهابذة العباقرة الألى
طلعوا شموساً في دياجي الأعصر
سحبوا على قمم الخلود مطارفا
والطهر ملء ردائهم والمئزر
يا ليتهم يلقون ضوءاً ساطعاً
يمحو ظلام عماية وتحير)
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved