الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

الدور السياسي للمرأة 2
سهام القحطاني
إن قضية العلاقة بين الثابت والمتغير في النص، قضية يعتريها الكثير من الخلط، والاعتقاد خلاف ما ينبغي أن يكون، ونحن بذا نفهم الأمور خارج جوهرها بما تحتويه من علاقات ومؤثرات، استيعابها هو أمر مهم، لأن فهم جوهر الأشياء لا يقوم على طبائعها بل نوع علاقتنا بها، وهذا ما يحدد مقدار استجابتنا للمتغير والتكيف معه أو رفضه، ولعلي لذلك.
ركزت أول الأمر على قضية المساواة بين الرجل والمرأة، وأنا أتحدث عن الدور السياسي لها، والمراد منه، توضيح أصول القدرة والأهلية لكليهما، وهو أمر ذو شأن مهم لسياق المبتغى، إذا أدركنا أن التكافؤ بين الشيئين يؤهل المشاركة لكل منهما بقدر نسبة الآخر، وتلك القاعدة هي مقتضى حتمي للتوازن الكوني.
إذ إن المفهوم الكلي للرؤية يعني استيعاب الأمور وفق أبعادها المختلفة، وعلى مستويات متعددة لها القدرة على إيجاد محور تماسك لكل الترابطات باختلاف أزمانها، كما يعد هذا الأمر على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية، لأن عجزنا على إقامة استجابات صحيحة لإدراك طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، هو دليل على فقدنا لبصيرة الوعي فيما يتعلق بهذا الأمر، إضافة إلى إغفال مساحة دور المرأة الاجتماعية والسياسية والثقافية لكونها عضوا فعالا في النسيج البنائي للأمة، وعزله سدا لذرائع الفساد، وحتى مفهوم الفساد يظل مفهوماً نسبياً، أنه تمام مثل تفسير الظواهر بعلة واحدة، وهو ما يسقطنا في تفسيرات خاطئة، فنعمم استثناء على القاعدة العامة، وقد ذكرت سابقاً أن أصل التساوي قائم على التكوين العام للإنسان لا التصنيف الفئوي له، وأنا أقصد هنا شرائع التكليف من علم وأمانة واستخلاف، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.الأحزاب (35)
وفي تفسير الآية السابقة (لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء الرسول (الكريم) فقالت: هل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت الرسول (الكريم) فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسارة! فقال: ومم ذلك؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية).
وورد في الأثر (جاءت امرأة إلى رسول الله (الكريم) فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتك فيه، تعلمنا ما علمك الله؟ قال: اجتمعن يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن النبي (الكريم) فعلمهن مما علمه الله) ودعا لهن فقال: (رحم الله نساء الأنصار لا يمنعهن حياؤهن أن يسألن عن أمور دينهن).
فالمرأة تتساوى حكماً مع الرجل في قضايا الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب، لكونها أصلاً مكلفاً وتكليفها عبر مسوغات أهليتها، كعاقلة مدركة لدلالات خطاب التكليف من حق وباطل، وخير وشر، ومفاسد ومصالح.
كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام المتعلقة بالتصرفات المالية والشخصية، فللمرأة وفق التشريع الإسلامي، أن تنجز لنفسها عقود البيع والرهن والإيجار والصلح والشركة بحرية كاملة تماماً مثل الرجل، كما أنها تهب وتوصي وتتصدق وتعتق العبيد وتوقف الأوقاف، ثم هي تعقد زواج نفسها بحرية تامة ولها حق القبول والرفض.
وكل هذه التصرفات تتولاها المرأة بنفسها، أو من توكله عنها للقيام به، دون وصاية أو حجر.
إن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء، فالنص الموجه فيه الخطاب للرجال هو في ذات الوقت موجه للنساء أيضاً، في كل الأحكام والتكاليف والعظات، ما لم يأت ما يقيده بمسوغ، ولا يعني التقيد النقص في كيان المرأة بل اقتضاء الحاجة وفق التكوين الخاص.
أما قضية القوامة فيفهمها الكثير منا خارج سياقها الحقيقي في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (34 سورة النساء)، فالقوامة هنا خاصة بالأسرة، ولا تعمم في شؤون المرأة كنشاط وفعالية ومشاركة في المجتمع، وتعميمه على الافتراض وفق حادثة أو تجربة خارج سياقها التاريخي أو ملابساتها الخاصة، هو إدراك قاصر للأمور، فمثلاً التعامل مع حديث (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) و(ما ولى قوم أمرهم امرأة إلا ذلوا) فقد تم تأويلها خارج البيئة التاريخية دون الالتفات إلى: المناسبة التي ذكرت فيها؟ ولماذا قيلت؟ أسباب قولها؟ ثم هل تمثل حكما عاماً؟ ومناسبة هذا الحديث إنه لما ورد على النبي (الكريم) ان كسرى فارس مات وأن قومه ولوا ابنته مكانه، قال عليه السلام ذلك القول تعبيراً عن سخطه على قتلهم رسوله إليهم، فالحديث إذن جاء في مورد خاص، وقد قال علماء الأصول (تخصيص المورد لا يخصص الوارد) فما كان حكماً عاماً حتى يصح إطلاقه وتعميمه، إن القراءات المنعزلة للنص عن مصاحبة الحال وعزله في مفهوم العلة (الوصف الظاهر منضبط)، ولا تراعي مصالح المجتمع المستجدة التي هي أصل مقاصد التشريع، وهي العلة التي يرتبط بها كل حكم شرعي، (فكل مسألة خرجت من العدل إلى الظلم، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل) كما يقول ابن الجوزي رحمه الله والمتأمل للمجتمع السعودي سوف يلاحظ أن نسبة الإناث أعلى من نسبة الذكور في المجتمع، ووفق تلك النسبة يترتب عليها ازدياد نسبة المرأة المتعلمة والمرأة العاملة، وهذا بدوره يترتب عليه تأثير المرأة على السوق الاقتصادي بمجالاته المختلفة كمنتج ومستهلك، إن النظر بهذه الرؤية كمقتضى أول للموضوع، سيجعلنا نتعامل مع تفعيل مشاركة المرأة سياسياً، وفق دورها الرأسمالي في المجتمع، إن إغفال هذا الأمر أقصد التدقيق في نوع المقارنة بين الأمور وارتباطاتها بين المتقارنين، هو الذي يولد لنا مشكلات التفكير، والتعصب الديني، وعقلية البعد الأحادي وتعميم القاعدة بالمثال الخاص، مثل عدم قيمومة المرأة في الحياة الأسرية وتعميمها على القيمومة السياسية، والقيمومة هنا تعني التزام الرجل بالمسؤولية المالية، كما أن القوامة لا تعني الولاية (ولي حديث لاحق للتفريق بينهما)، أما المسؤولية الدينية والاجتماعية والتربوية، فهما يشتركان بها لقول رسولنا الكريم (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)، وعلى ضوء تعميم القيمومة، فنحن أيضاً نستطيع أن نسحب قاعدة الإرث (فللذكر مثل حظ الأنثيين) لتعمم على عمل المرأة الاجتماعي فيكون راتبها الشهري نصف راتب الرجل!! إذن الأمر هنا خرج من قاعدة النص إلى قاعدة مقاصد التشريع وهي (العدالة).
لاشك أن إدراكنا يصبح أكثر توثيقاً بعد اتساع رؤيتنا للأشياء المختلفة، وهذا لا يحدث إلا بعد توافر للمعارف والخبرات، تمنحنا قدرة تمييز الأفعال وعيوب الأشياء ومقادير استجابتها للمؤثرات المتغايرة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved