الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

نعم للخلاف.. لا للاختلاف
منصور الجهني
هذا ما يقوله واقع الحال على ساحتنا الثقافية، حيث لا أحد يقبل النقد أو يحتمله.. وحيث يسود المنطق (البوشي) إذا لم تكن معي فأنت ضدي، وعند الرافضين (للتغريب) منطق شيخنا الجاهلي: ألا لا يجهلن أحد علينا.. فنجهل..
الأفق أضيق من أن يتسع لعزف منفرد.. أو تحليق خارج السرب.. ويجب على من يمارس النقد أو التنظير أو الكتابة بكافة أشكالها، أن يقول ما ينتظره الجميع أو ما يعرفه الجميع أو ما يريده الجميع.. أما المغاير والمختلف والمشاكس، فلا أحد يقبله، حتى من بين من يدعون تبني منهج المغايرة والاختلاف.. خاصة إذا تعلق الأمر بذواتهم المبجلة.
ومع ما يدعون إليه من ضرورة تحريك الراكد وخلخلة الساكن والإبحار خارج الأقواس، إلا أنه لا يجوز لأحد أن يقترب من مياههم العميقة أو تجاوز ظلالهم.
هل يعني ذلك أن هناك خطاباً مزيفاً أو زائفاً ليس على مستوى واحد بل على كل المستويات.. إن هناك صدى وليس صوتاً.. إن هناك استعادة وليس تأسيساً؟
إذا لم يكن كذلك لماذا إذن هذا التناقض بين الفكر والسلوك.. بين النظرية والتطبيق.. خاصة بين من تعارفنا على أنهم يمثلون تيار الحداثة فكراً أو إبداعاً.. مع كل ما لهذا المفهوم من إيحاءات تتعلق بالانفتاح وحرية الرأي والحوار وغير ذلك مما ظلوا يروجون له هم أنفسهم لسنوات طويلة.
إن ردود الفعل التشنجية المتمثلة في الإقصاء والإلغاء والقطيعة مع كل صاحب رأي أو فكر أو اجتهاد مخالف أو صادم ليس للقيم والمبادئ إنما لغرور الذات المتوهم يكشف عن هشاشة ما يسمى بالفكر الحداثي خاصة على ساحتنا المحلية.
ويبدو أن تلك الحداثة مجرد ستار أو قناع أو بمعنى آخر مجرد لغة وأسلوب للكتابة وربما حداثة بدون قيم الحداثة الحقيقية.. حداثة تسير باتجاه أفقي أو متوازٍ، وأي محاولة لخرق هذا الاتجاه أو تحريكه أو التقاطع معه تعتبر مخالفة قانونية تستحق العقاب والردع.. حداثة تناقض نفسها عندما ترفض الرأي الآخر.. حداثة تتمحور حول رفض الآخر التقليدي المخالف بمعنى النقيض.. أما أن تنتقد ذاتها ورموزها فذلك يعتبر خيانة وخروجاً عن تعليمات ومبادئ (الحزب) الحداثي.
هنا خلاف تقليدي بين الحداثة وتقيضها التقليدي، وهو ما ظل الشاغل الوحيد لنا خلال سنوات عديدة، أو ما ظلت الساحة تدور في فضائه فيما يشبه الدوامة التي لا تنتهي حيث يعاد إنتاج نفس الأفكار والمواقف بصيغ مختلفة ومتعددة.
لم يكن ذلك اختلافاً في الرأي حول قضية أو قضايا محددة بل كان خلافاً في المواقف وهي مواقف مسبقة وغير قابلة للتغيير، إذ لا يمكن لأحد أن يتنازل عن موقفه حتى لو تبين خطأه.. ربما استناداً إلى قيم تقليدية متوارثة.
وبعيداً عن لغة المعاجم، أعتقد أن مفهوم الخلاف أكثر شمولاً من الاختلاف.. الخلاف قد يكون حول الأسس والمبادي بينما الاختلاف يتعلق بالجزئيات.
الخلاف قد يفضي إلى التصادم والمواجهة والقطيعة بينما الاختلاف قد يوصل إلى التقارب وإيجاد رؤية مشتركة.
وفي الخلاف يكون الغائب والمغيب هو الموضوع والقضية والعقل.. إزاء حضور مكثف للذات بكل سلبياتها وتناقضاتها، ومن منظور أشمل أعتقد أن لا فرق بين حوار الحضارات وصراع الحضارات.. لأنه يقضي إلى نتيجة واحدة.. لكن ربما مقابل صراع وحوار وكل مشتقات فعال بما فيها شجار.. يكون تحاور أو تبادل بما يعني تفاعلاً.
أخيراً ربما نخدع أنفسنا عندما نقول إن الخلاف لا يفسد للود قضية.. بينما الحقيقة أنه يفسد كل قضايا الود.. لذلك يمكن التحوير إلى: الاختلاف لا يفسد للود قضية.. بما يتناسب مع واقعنا الثقافي والاجتماعي و.....الخ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved