الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 31th July,2006 العدد : 164

الأثنين 6 ,رجب 1427

وجعٌ تُهامي.. لرحيل شاعر الوردة البيضاء
محمد علي البريدي
أتى إلى الدنيا فاستقبلته بكفيها القصيدة.. دثرته بمنديل تُهامي أصفر.. حنّكتهُ بحبتي دُخن وقمح.. صنعت له من لحافها المُقلم (حُندولاً).. ومن شعرها الليلي أقلام رصاص.. قطعت سُرته بشفرة قديمة من ألمع.. أرضعته من حليب الجبليات.. عرضته على بنات القرية والقبيلة.. فارساً للعشق الجديد.. وللحزن المُعتق.. ثم وضعته جنيناً على سرير الكلمات.. فتوضأ بعشب الأرض والمطر.. وحين استفاق واستقام - طفلاً - على حُزن حُزيران.. هشمه نزف القصيدة.. وفأل الهزيمة.. وجعٌ أن تقف وحدك كالمجنون يا ولدي على كبرياء القصيدة.. وأن تكتبها في عصر عربي احترف الزار.. وأطفأ ضوء الأقمار.. وأشعل كل فوانيس الهزيمة.. وجع يا ولدي أن تغزو حشيش الأرض بالدموع.. وجع أن تقطع برمش العين جذوع الأشجار المُعمرة.. وأن تكتب الشعر على حجارة عربية لا تستجيب ولا تلين.. وجع يا ولدي هذا العصر وهذا الشعر وهذا الزيف.. على أي جواد أصيل.. على أي حزين نبيل رقيق.. وجع أن تتغير من حولك الجغرافيا.. ويغفو التاريخ.. وجع أن يتحجر قلب الإنسان يا ولدي.. فينسى من قاسموه رغيف الخبز..
وحبر القلم.. وحكايات الهزيمة.. فلماذا كتبت الشعر يا ولدي في زمان الأدلجة؟؟.. ولماذا أجدته في عصر الفيديو كليب.. والرقص على العار الأزلي.. بدوي كنت يا ولدي.. في وضوح الأرض وشموخ الطيبين.. فسكنتك كل أوجاع البداوة.. واستوطنتك منافي العاشقين.. فعشت وحيداً وبعيداً.. في سلام وأمان.. من كل المتسلقين والمتسكعين بالشعر وبالكرامة.. اخترت الشعر الموجوع والسهر.. اخترت أن تسامر وجه القمر.. فاختارتك ليلى ولبنى وسعدى.. وكل بنات القبيلة.. وحين رحلت يا ولدي شبت النار في كل القصائد.. واستفاقت كل بنات تُهامة.. وعرفناك - كعادتنا البليدة - بالموت أكثر.. فما أصعب أن يخطف الموت من يدنا عين قصيدة.. افتقدناك يا ولدي وما زالت آثار جبهتك على سجادة الشعر.. افتقدناك وما زالت في كفيك رائحة الأرض.. وبين أناملك أعناق السنابل.. وفي فمك رائحة الحنطة والشويط التُهامي.. افتقدناك وفأس الأسئلة ما زال يضرب في كل الأشجار.. لماذا يحيا المبدعون وكأنهم في منفى؟؟.. من كتب علينا ألا نلتقي إلا في حضرة الموت والسكون والعدم؟؟.. كيف يرحل شاعر بهذا الحجم بدون أن تسمعه وتستفيد منه أجيال الشعر الجديدة؟؟.. لماذا ساهمت
مؤسساتنا الثقافية (المعممة) في إبراز الموظفين وأصحاب المناصب على حساب أصحاب الإبداع الحقيقي في البلد؟؟.. هل لدينا حراك ثقافي أصلاً؟؟.. أم أن الحس الوظيفي دخل في كل شيء حتى الأدب والإبداع؟؟.. هل ما زال الشرط أن تكون (إخوانياً) حتى يدخل أدبك وشعرك للمناهج الدراسية؟؟.. وفي هذه الحالة متى يعرف الطلاب في السعودية أدباء البلد الكبار؟؟.. أسئلة أتركها للتاريخ على قبر شاعر الوردة البيضاء.. الراحل الجميل عبد الله الزمزمي رحمه الله.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved