الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 31th July,2006 العدد : 164

الأثنين 6 ,رجب 1427

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي

عواطف ومشاعر
عبد العزيز بن محمد النقيدان
165 صفحة من القطع المتوسط
للعواطف خطابها.. وللمشاعر أدبياتها.. كلها تصب في مجرى واحد اسمه نهر الحب.. إذا كانت حلوة وهادئة.. وأحياناً في بحر الحب إذا كان هائجاً.. وعاصفاً.. يسلم من يسلم.. ويغنم من يغنم.. وتبقى العواطف والمشاعر مجرد صدى لحب قائم.. أو لحب غائم تحجبه عن الرؤية ضبابيات الشك والحيرة..
شاعرنا طرح على بساط مشاعره عواطفه ومشاعره كي نقرأها.. ماذا أعطى؟!
سأنتزع من ديوانه دلالات حب لأجزاء عن وطنه تغنى بها: عن القصيم هذه الأبيات:
رأيت أرضك تبرا كم طربت لها
ارخصت من أجلها الأكباد والنشبا
ملاعبي بصمات كنتُ أرسمها
وما نسيت دُمى فيها ولا لُعبا
وما نسيم ترانيم الرمال بها
تحكي البطولات مما يُطرب العربا
وعن بريدة المدينة الأم يقول:
أتيتكِ مثقل الأعباء لكن
رأيتُ بوجهك القبل العذابا
رأيت الرمل يحتضن العذارى
ويرشف من مآلتها رضابا
عروس الحسن ما أغمضت عينا
وما أوصدت للإقدام بابا
وعن عنيزة يقول:
ألقيتُ رحلي صغيرا في مغانيها
وقد كبرتُ وما أنسى أهاليها
لم أنس أربعها في كل معترك
وفي خطاها إلى الآمال تطويها
رمالها الحمر لم تبرح مخيلتي
تخيلها شاهاقات تزدهي فيها
وعن الرس يقول:
أكبرتُ فيك مواقف الشعراء
وزهير يشدو حول نبع الماء
وعلى ضفاف الرس ألف قصيدة
وعلى الرسين قوافل النجباء
عش الغضا للفيد يفتح قلبه
بين الرمال الحمر والانداء
وفي بطاح مكة يشدو:
يا مكة الخير هل جاءتك أخبار؟
وهل لديك بهذا الكون أسرار؟
أبحرت في عالم بالنور متشح
وللمُغنِّي طوال الليل إبحار
هذي السفوح تراءت لي على عجل
هذي البطاح بها عطر وازهار
وفي طيبة الطيبة يتغنى:
رأيت أمامي منبر الحق شامخا
وفيه رسول الله بالحق يصدع
بطاح بها شع الضياءُ مؤيدا
من الله.. لا يخبو ولا يتضعضع
تطوف بها الذكرى إلى كل مربع
به خط رحل الدين يبني ويرفع
وفي مدينة الطائي، حائل شدا:
فتنتني أنتِ يا عروس الشمال
أي سمراء قد مشت في دلال؟!
قي ثراك الجمل أنشودة الحب
صوت الشعور بالآمال
حائل.. قصة الوفاء للمجد
حديث الأجيال للأجيال
البيت الأخير ليس خطأ.. وأحسب أن صياغته تلافيا للمطب الواصل بين الشطرين أن يأتي هكذا:
حائل قصة الوفاء لمجد
وحديث الأجيال للأجيال
مجرد وجهة نظر
وعن أبها.. الشوق والطين قال:
ترابكٍ يا أبها من الخصب أخضر
وأرضك معطاء ووجهك نيّر
كأنك عنقود شهي مذاقه
ومن كرمها المعسول نجني ونعصر
رأيتك في شمس الأصيل كدرة
وخدكِ ورد في حيائكِ مزهر
في الشطر الأول جاءت كلمة (وأرضك معطاء) الأرض مؤنثة، ومعطاء مذكر كأن ترد (وارضك معطاءة) ولكن لأن الشعر يضبط بحركته وقافيته.. كنت أرى استبدالها ب(ترابك معطاء) بهذا تستقيم الجملة لغوياً وشعرياً.
وعن بلد النخيل.. وأخالها الأحساء يقول:
بلد النخيل أنا هنا
حقا أتعرف من أنا؟
أنا ذرة في ثوبك ال
خالي تفيض تحننا
الطير يألف وكره
الحاني ويرفل بالهنا
مقاطع مجتزأة من قصائده التي فاضت حباً ونماء، وانتماء لوطنه بقدر ما جاءت مشوقة فإنها شائقة.. ومعبرة عن مكنونات نفسه..
الرمل يكاد يكون قاسم مشتركه الأعظم.. والنخيل أيضا مصدر إلهامه من جانب، ومن حزنه على تلك النخلة التي ما زالت قائمة تعطي رطبها الجني.
(مشاعر.. ووطن) اختارها العنوان للديوان رغم قصرها.. هل لدلالتها؟!
الرؤى والسناء ملء أهابه
وسنا الحسن في اتقاد اشتبابه
تتغنى به الطيور نشاوى
تتراءى مزدانة في رحابه
من ذا يكون إن لم يكن الوطن الذي صرحت له الحياة، وشدا له الطير، ونَفْح الأريج ملء ترابه.. وخرير المياه في سواقيه.. وكثبان الرمال الذهبية تتوازع ترابه ويبابه..
إنها صورة تغنى بها الأهل
وعاشوا الجمال ملء أهابه
الوطن هو الأغلى لأنه منبت حياة.. ومصدر نماء وانتماء.. لن أذكر شاعرنا بعاصفة بيته على الرغم من انها عاصفة لا يقوى عليها ساتر النسيان.. واقترب معه وبكم نحو التيار المضاد:
رويدكَ لم تصبح بأرضي فراشة
وما كن بين العالمين شهاب
رويدكَ قد أبحرت في عالم الدجى
تقودك يا خد الوفاء رباب
فما أبصرت عيناي وردا معطرا
يفوح، ولم تسبق إليه حراب
يأس ضارب في الأعماق متجذر في الآفاق.. هل إنه جنوب حب لا يرحم؟
أطأطأ رأسي كالطفولة رقة
وتحطم آمال الخدين رغاب
ملاحظتان عابرتان، الأولى صحة (أطأطأ رأسي) (أطأطئ رأسي)، الثانية (وتحطم آمالي) الواو زائدة يلزم استئصالها لصالح الوزن.
وتصطاد قلبي حين تعلن ودها
وكم حز في نفس الوفي كِذاب
نسجت خيوط الحب من بين أضلعي
وهل عاش حب في الحياة يباب
وما كان قلبي للحسان مذللا
لهن عليه في المساء عتاب
خيوط نسيج حبك لا تصلح ثوبا لها. الكذب خداع.. والحب لا يقبل المراوغة ولا الخداع..
قصائد شاعرنا ممتعة ومترعة بالصور التي تلامس الحياة بكل ألوان طيفها.. سأمر مرور الكرام على بعضها لكثرتها: (ليت العمر ما كان)، (نغمات من البادية)، (الليل والشاطئ)، (غادتي), (وردة الحقل)، (المرأة والعلم)، (إليها في الفردوس المفقود)، (عودي)، (ابتسمي)، (يا زهرة في خاطري)، (وداع والهام)، ونتوقف معا أمام قمرين، عربي، وعبري ماذا بشأنهما؟
قد كانت الأقمار ملء حياتي
لغة تفتق ألسن الشعراء
يا شاعر الأقمار هل أضحت لنا
نفس تحلق في ذرى الجوزاء
إن كانت الأقمار تمطر رحمة
فهو العذاب له ولد وعناء
قمر العروبة للحضارة رائد
يُعنى بكل تقدم وإخاء
قمر سما للعلم في آفاقنا
لم يسع للتخريب والأرزاء
وإلى متى صهيون تسكن أرضنا
وهم الغزاة مشردي الضعفاء؟
لعله يقصد الأقمار الفضائية.. القمر العربي.. والقمر العبري.. الذي يتجسس به الأعداء على أوطاننا وأهلنا.. العالم الآن كله يتوجس الشر من بعضه.. ويتجسس على بعضه بكل وسائل التكنولوجيا المتقدمة.. إنه في سباق محموم إلى الهاوية.
جراح شاعرنا ثائرة.. ومن حقه أن تثور جوارحه.. وجوارحنا معه:
لا تقولوا جدَّت جراحي فجرحي
ثائر يمتطي جناح الكفاح
لست أرضي مذلة.. وبلادي
تحت قيد الأنوك والسفاح
(الأنوك) أجهل معناها.. صدقني
لم ينم ثأرنا.. وكان سعيرا
منشدا عودتي قبيل الصباح
ما مضى خالد ولا غاب عمرو
وقوانا مشبوبة لصلاح
لا تقل ذلة النفوس ففيها
أمل عارم لنيل النجاح
لا أرى صدى أعقب به على أبياتك الثائرة بالأمس أصدق من أبيات غنتها المطربة نازك تقول كلماتها..
ما تقش كنا وكنا
يا ريت ذا كله ما كان
كلام الليل محاه النهار يا صديقي.. حكاية الأمس تحولت إلى أحجية تروى في مجالس الظرفاء.. القدس التي غنيت لها باتت حلماً بعيد المنال:
هذه القدس صراخ ودماء
واللقاءات حدث ونداء
أترى يرحل الداء عن الجسم؟
ويسري في الشرايين الشفاء؟
نار صهيون حريق قد سرى
في كيان العرب هل يطفيه ماء؟
الماء لا يطفئ؟ الفداء وحده هو الذي يطفئ حريق العدوان والطغيان..
من الماء الذي لا يطفئ إلى الشعر الذي لا يعجب:
لا تزرني فليس بحرك بحري
أنا معروف وأنت في التيه تجري
أنت لا تعرف الروي ابتداء
والقوافي منحورة فوق صخر
هل سباك الجديد روحا وعقلا
فلبست الثياب من نسج هذي
أمتي انجبت غرار القوافي
وتغنت فوق الربيع الأغر
وجهة نظر لشاعرنا.. أجمل الشعر ما جاءت مشاعره صادقة ومعبرة.. لغة العالم واحدة أجملها أزكاها وأذكاها.
شاعرنا النقيدان يخاطب نجله الصغير محمدا:
تبسم الفجر في عينيك يا ولدي
ويرقص القلب في رؤياك عن كثب
بابا ترددها حينا فتُسمعني
حلو النشيد وصوت الطاهر الحدب
أرى بعينيك طهرا لا مثيل له
وأي لحن كصوت الطفل منسكب؟
غدا اراك بإذن الله منطلقا
نحو الثقافات بين العلم والأدب
خواطر أبوية جياشة.. ومن ابنه الى الشجرة التي تحدثت إليه في عرسها الكبير يوم غرسها:
ظلموني بأنني يقتلني الصيف
وفي موسم الشتاء يباب
البيت مرتبك يمكن ضبط حركته على النحو التالي: (ظلموني بأنني اتعرى عند صيفي وفي الشتاء يباب)
وان اليوم كالعروس شموخا
وعروقي يصب فيها السحاب
انا أصبحت في القصيم حديثا
وقطافا ثماره الاعتاب
لا أعرف هل (الأرطاب) جمع رطب جائزة.. إن كانت كذلك فحبذا
(الوجود صفحات كونية) هذا هو العنوان.. واسأل عن المضمون..
رب إني عن الوجود بياني
مبدع الكون خالق الإنسان
تتجلى روائعك العظمى
نشيدا معطرا بالبيان
قامات البيتين مختلفة.. قامة طويلة وأخرى أقصر.. للتذكير فقط
كل هذا الوجود نفح لشامي
من عطاء المهيمن الديان
تشرق الشمس تملأ الجو دفئا
وحياة تدب في الأبدان
والنسيم العليل جاء ربيعا
مخصبا هش للغصون الدواني
وطيور مسجات نشاوى
حول اوكارها تذوب الاغاني
صور من حياتنا وشعور
إنك الله مبدع الأكوان
القصيدة يا صديقي مرتبكة في بنائها الشعري تحتاج إلى إعادة نظر.. ثم الشطر الأخير كان يحسن أن يأتي (إنه الله مبدع الأكوان)
ماذا يقول شاعرنا عن مشهد حزين دفعت امرأة دمها ثمناً له؟ أشعر انه لا يعني امرأة بعينها بل كل امرأة بريئة يهدر دمها على مذبح الاحتلال.. والظلم، والتسلط.. فلسطين والعراق والبوسنة والشيشان وأفغانستان ولبنان نماذج باكية لتلك الضحايا أطفالاً، رجالاً، شباباً، كهولاً، ونساء.. إنه يتساءل:
افتغريكم الدماء سيولا؟
بئس هذا النجيع من اغراء
الثكالى قصائد مفزعات
واليتامى مخنوقة الاصداء
يبسم الطفل للحياة سعيدا
ثغره مشبع بفيض الرضاء
واذا فرحة الفطام رصاص
يئد الزهر في ربى الصحراء
الحمامات في الوجود جذالى
بين ظهر ورقصة وغناء
قتلوها وللهديل بقايا
قتلوها في ليلة ليلاء
فاسألوا تلك المخالب عنها
سيجيب الوجود بحر دماء
قتلوا في النفوس أنشودة الطهر
فجن السلام بالأرزاء
القتلة معروفون.. ولأنهم يتملكون ناصية القوة والبطش لا أحد يقف في وجههم ممالأة لهم أو خوفاً منهم.. هذا ما يعيشه عالمنا البشري منذ القِدم وحتى الساعة امبراطوريات طغت وزالت.. ودكتاتوريات بطشت وزالت.. وأخرى ما زالت تلعب لعبتها المجنونة وتنتظر نهايتها يوماً ما.. القوي وحده هو الله.. والحق وحده هو الذي يبقى.. ولكن بإيمان يحميه.. وارادة تدفع وتدافع عنه.. الشعر وحده لا يستطيع تجفيف دمعة واحدة من خد محروم أو مظلوم أو ميتم..
شاعرنا يختتم مقطوعته الشعرية (مقتل امرأة) بهذه الأبيات:
أيها الغارقون في الطيش مهلا
قد أذيتم عواطف الشعراء
تتلاشى الشموع في عهدكم المر
صديدا يئن في الارجاء
لن تزيلوا ما خطر في الأرض دوما
من جلال أو فتنة أو بهاء
لن تزيلوا من العذارى قلوبا
تملأ الكون نفحة من ولاء
وقبل أن أودع شاعرنا بوداعكم له.. أهمس في أذنه.. القصيدة في صياغتها.. وتركيبتها غير متناسقة.. يغلب عليها طابع الاستعجال.. أحسب أن شاعرنا بموهبته الأقدر على إعادة بنائها الشعري.. القصائد فيها الكثير من الأخطاء الطبيعية غير تلك التي جرى التنويه عنها في الورقة الملحقة.. ثم عنوان (مقتل امرأة) لا يفي بالمشهد الذي تحدث عنه.. يمكن أن يكون صحيحاً لو أنه قال: (مقتل شعب) لكان صائباً.. وبعد:
شكراً لصديقي الأستاذ الزميل عبد العزيز النقيدان، كنا وإياه سوياً في رحلة شعر جميل، ومشاعر نبيلة كانت لنا منه بمثابة الزاد الذي أثرانا جميعاً.. وأثَّر فينا تفاعلاً.


الرياض - ص.ب: 231185
الرمز : 11321 فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved