Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
الملف
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

السهل الممتنع
د. عبدالرحمن الشبيلي

 

 

ما تزال شخصيته المهيبة ترتسم في مخيلتي، وهو يلج إلى معهد عنيزة العلمي، موفدا للتفتيش على المعاهد أواخر السبعينيات الهجرية، وكان حينها رئيسا للمفتشين، ولا أتذكر السبب الذي جعله يقف خطيبا في نادينا - على طريقة الحجاج - ليصدح ببيت شاعر طيّ:

وإذا تكون كريهة أُدعى لها

وإذا يحاس الحيس يُدعى جندبُ

ظل صوته المميز وصورته وهيئته وشخصيته عالقة في ذهني، حتى إذا ما التحقت بالعمل الإعلامي منتصف الثمانينيات الهجرية، وفتحت إذاعة الرياض قريبا من منزله حتى أصبح من المعدودين من قائمة الأدباء الذين أثروا الإذاعة بمشاركاتهم، وكان حينها قد أصدر كتابه الشهير: شعراء نجد المعاصرون، فكنت أدلف إلى منزله لتزويدي بمقطوعات نثرية لتهنئة المستمعين بأول عيد يطل عليهم من إذاعتهم الجديدة، كلمات تبثها الإذاعة بين فقراتها ومنوعاتها.

ثم كان الشيخ المتطور عبدالله بن إدريس أحد مساندي برامج التلفزيون والمتعاونين معه، وأحد أبرز وجوه الأدب السعودي في المنطقة الوسطى، فلا يكاد يذكر رموزه إلا وكان ضمن الأوائل منهم، ثم استمر إلى حال التاريخ يتبوأ مقعداً كريماً في مقدمة مثقفي هذه البلاد ووجهاء المجتمع فيها.

إنك، أيها القارئ الكريم، من حيثما تنظر إلى هذا الرجل الفاضل، بدءاً من عصاميته الدراسية، ومروراً بوظائفه الإدارية والتعليمية، وإسهاماته الإعلامية والأدبية تجده ذا تاريخ يستحق أكثر من تكريم واحد، وذا آثار تستوجب التقدير والذكر والاحترام.

من هنا، تأتي الجزيرة الثقافية اليوم، لتكرمنا طلابه ومحبيه وقراءه بتكريمه، ولتسعد قلوبنا بالاحتفاء به، ولتجدد التذكير بماضيه وحاضره، ولتعيدنا إلى تصفح مدونته الرصينة التي سبق فيها جيله لتسجيل شعراء نجد المجايلين لعصره، العمل التوثيقي المهم المماثل لما قام به الساسي وخوجة وبلخير لرصد تراجم أدباء الحجاز، وفتح الباب لغيرهم في المناطق الأخرى.

اليوم، يسعدنا الحظ أن نرى الجزيرة - المؤسسة والصحيفة - تكرمه، كما سعدنا بالأمس بتكريم النادي الأدبي له (1423هـ) وباحتفاء أسرته به فيما بعد، ونرجو أن نرى اليوم الذي فيه يكرم على مستوى الوطن.

إن عبدالله بن إدريس لم يعد ابن مدينته (حرمه)، أو ملكا لأسرته، أو منطقته، بل لقد صار رمزا من رموز الثقافة والأدب والتربية في المجتمع، ورائدا من رواد تنويره، وعلما من أعلام الوطن كله.

لقد عرفنا في الشيخ عبدالله بن إدريس، وعلى مدى عقود خمسة، الصدق والصراحة في القول والتعامل، والوفاء والنبل، والنفس الأبية، والوطنية المخلصة، مكونات استحق بها الاحترام، فله منا السلام والدعاء بعمر مديد، وزيادة عمل صالح، ولتقر به أعين أبنائه وبناته وحرمه وأحفاده ومحبيه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة