Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
فضاءات
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

مدخل إلى (المدينة) وحضورها في نماذج شعرية لشاعرات من المغرب 2-2
عبدالرحمن مجيد الربيعي

 

 

-4-

في ديوان (مساءات) للشاعرة عائشة البصري تتوقف الشاعرة عند مدينتين إحداهما مغربية (طنجة) والأخرى أوروبية (باريس)، ولكن تعاملها الشهري مع هاتين المدينتين مختلف تماما فهي إذ تعاتب طنجة عتاب المحب لسبب ما يختصها نراها تكتب مرثاة اغتراب عن باريس.

تقول عن طنجة في قصيدة تحمل اسمها:

(من يوقف نزيف ذاكرتي الآن؟

تلاحقني المدينة

تطاردني عيون نوافذها

الناعسة،

أوقفي نزيفك

أوقفي تسكع شوارعك

في جسدي

لن أوارب لك

باب حديقتي.. الآن

شفاهك ما عادت

تشعلني

فدعي إغواءاتك المرة)

أما عن باريس فتقول من قصيدة بالاسم نفسه:

(في الصباح

يلفظني السرير

أعلم ذاكرة الأمس

كم نفقاً اخترقته؟

كم عيناً حزينة

رأيت بها حزني؟

كم يداً صغيرة لامست كبدي؟!

كم عاشقاً على نهر السين رأيت؟)

حتى تقول:

(أكلما أمطرتْ

سماء باريس بكيت؟)

وصولاً إلى قولها من القصيدة نفسها حيث تعبر عن سخطها:

(باريس أول الغوايات

باريس أول الخيانات

باريس مقبرة الروح

وآخر المتاهات)

أما الشاعرة إكرام عبدي ابنة أصيلة المدينة المنتجع الوادع التي تحولت للإقامة في العاصمة الرباط فإنها لا تجد نفسها فيها، وقد ضم ديوانها البكر (لن أقايض النوارس) قصيدة تحكي غربتها حتى وهي في مدينة أخرى من وطنها، تقول بما يقترب من الهجاء:

(الرباط

زمن يمتطي الضوء

شموس تختلس النظرات

نساء ينتظرن على رصيف الغواية،

بحر لقيط

تبخرت أنفاسه

مرفأ لأحلام متعبة

لوحة منسية

على جدار القصر المسحور

ديجور ثمل

يسكرني).

-5-

من أحدث التجارب الشعرية المغربية التي تسنى لي الاطلاع عليها تجربة الشاعرة الشابة فاطمة الزهراء بنيس التي أصدرت ديواناً وحيداً تحت عنوان (لوعة الهروب) وفيه لا تتحدث عن مدينة محددة بل عن الوطن بكل ما ضم من بشر وأرض وتاريخ، والوطن عندها ليس بالضرورة أن يكون (المغرب) بل الوطن العربي الذي تعلن باعتزاز انتسابها إليه، تقول في قصيدة (هوية ضائعة):

(قبلتي

أنا نجمة العراء

ازرعني

وردة في دمك

اكتبني

قصيدة على جسدك

لنجهر انتسابنا العربي).

أما (الشعب) فهو العربي كما وصل إلي من سياق قصيدة

(لحبك أم لمن؟) فتقول عنه:

(لحبك أم للشعب

ترفض السنابل الاخضرار

وتعجن الطبيعة قمحها بأملاح العين

ونفعم بخبز مر المذاق؟)

لكنها تعود للوطن لتقول عنه:

(عندما كلستك

بخمرة العراء

كان وطني دمعة

يغسل جرحي بالحنين الدموي).

وكأن حديث المدن لا ينتهي عند هذه الشاعرة وغيرها من الشاعرات إلا عند القدس فتسمي انتفاضة ابنائها لا بالاسم الشائع (ثورة الحجارة) بل (نعمة الحجارة) ومما جاء فيها:

(ما زال في القدس نبت الحجارة).

هنا يمكن القول إن المدن الرمز التي لها مكانة خاصة دينياً أو تاريخياً يأتي الحديث عنها في معظم القصائد بكثير من الاجلال بل وبكثير من التقديس، وفي مقدمتها القدس التي أصبحت بأكملها تحت الاحتلال الإسرائيلي.

هذه وقفات فقط عند نماذج من قصائد الشاعرات المغربيات حول المدن أوردتها في سياق الحديث عن تجاربهن معها، وكيف انصاغت داخل نصوص قائدهن؟ ولماذا تعاملن معها هجاء أو حنيناً أو إجلالاً؟

وحديث كهذا مفتوح وطويل وثري بالنماذج لشاعرات من أجيال مختلفة، وهي حالة عربية لا مغربية فقط، ويمكن لباحث آخر استكمالها.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7902» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- تونس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة