Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
فضاءات
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

الشعر العامي موهبة ودلالة(1)
د. عبدالرحمن الفريح*

 

 

يُسمى الشعر العامي شعراً نبطياً وهو شعر شعبي وبدوي وحوراني وملحون في تسميات أخرى وإذا قِيل إن هذا الشعر غير الفصيح لم يُعرف إلا عند الأنباط، فإنَّ النبطية عند اللغويين مرادفة للعامية من حيث ظهور اللحن وخلل اللغة لا بنسبته إلى أولئك القوم مع ملاحظة التفريق بين الأنباط العرب الذين عاصمتهم البتراء وبين غيرهم من أنباط غير عرب سكنوا سواد العراق. ودعوى أن الشعر العامي (النبطي) لم يُعرف إلا بين عرب الأنباط دعوى غير صحيحة لأنه لا يُعرف في جميع أنواع الشعر العامي بيتٌ واحدٌ نَصَّ التاريخُ على أنه من نظم عرب الأنباط.

شبه اللغويون اللحن بلغة الأنباط وهذا هو سر تسمية هذا الشعر بالشعر النبطي وهذه التسمية كما قال الدكتور شفيق الكمالي لا تعني أن الأنباط هم أول من قرضه وإنما تدل على خلل لغته ومجانبتها اللغة الفصحى بحيث أصبحت تحاكي لغة النبط، ولغة النبط المثل في البعد عن الفصاحة فإذا قلنا شعراً نبطياً فإنما نريد به أنه جاء في بُعده عن الفصاحة كلغة النبط في بعدها عنها، أما من يسمي الشعر العامي شعراً شعبياً فهو غير موفق في ذلك لأن الشعبية لم تكن مصطلحاً على اللحن وخلل اللغة وإنما هي بمرادف الجمهرة فيدخل في ذلك الحضري والبدوي والفصيح وذو اللحن.

من تعاريف الأدب الشعبي أنه الأدب المجهول المؤلف العامي اللغة المتوارث جيلاً بعد جيل بالرواية الشفوية وهذا تعريف شائع والأدب في اصطلاح العرب يعني الكلام الفني من شعر ونثر فصيح أو عامي مدون أو مروي مشافهة وشعبي في اصطلاح العرب تعني النسبة إلى مختلف طبقات الأمة وطبقات الأمة فيها العامي والفصيح والمتعلم والأمي ومعنى هاتين الكلمتين في الاصطلاح العربي غير منطبق على الشعر العامي لأن المراعى في تسميته لغته لا قائله ولا أغراضه ومن أخص خصائص هذا الشعر ظهور اللحن فيه وتحرره من قيود الفصحى في المفردة معنى وصيغة وفي تركيب الجمل؛ قال أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: إنني نظرت في الاسم المنطبق على هذا الانحراف في اللغة والأسلوب فوجدت العامية هي التسمية المطردة في مواضعة اللغويين، واللغويون هم المرجع في تحرير المصطلحات وإنما كانت العامية هي التسمية المطردة لأنها نقيض الفصاحة والصحة وحتى لو أن العامي في البداية بمعنى الشعبي أي أنه يعني عامة الجمهور، فإنَّ مواضعة علماء اللغة أخذت من العامي مصطلحاً شائعاً لخلل اللغة ولم تأخذ الشعبية مصطلحاً لذلك.

في الشعر العامي متعة أدبية في نصوصه قال ابن خلدون: (ولهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون عن ذلك والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد وخصوصاً علم اللسان يستنكر هذه الفنون التي لهم إذا سمعها ويمج نظمهم إذا أنشد ويعتقد أن ذوقه إنما نبأ عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها وهذا إنما أتى من فقدان الملكة في لغتهم فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم شهد له طبعه وذوقه إن كان سليماً من الآفات في فطرته ونظره.. وإلا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الموجود فيه سواء كان الرفع دالاً على الفاعل والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة فإذا عرف اصطلاح في ملكه واشتهر صحت الدلالة وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة في ذلك وأساليب الشعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا غالب حركات الإعراب في أواخر الكلم، فإن غالب كلماتهم موقوفة الآخر ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب).

أشار ابن خلدون أيضاً إلى عوامل فساد اللغة الفصيحة وقال: (فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مُضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات وكذلك الحضر أهل الأمصار نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف وخالفت أيضاً لغة الجيل من العرب لهذا العهد واختلفت هي في نفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق فلأهل المشرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره وتخالفها أيضاً لغة أهل الأندلس وأمصاره).

إذا كانت تسميات الشعر العامي متعددة كما تقدم فإن تسميته بالعامي هي الأقرب إلى الصواب ومن تسمياته ما ذكره ابن خلدون حين قال: (وربما يلحنون فيه ألحاناً بسيطة لا على طريقة الصناعة الموسيقية ثم يغنون به ويسمون الغناء به باسم الحوراني نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشام وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد)؛ وهناك من يسميه الشعر الملحون.

للشعر العامي فائدة في تاريخ ما أهمله التاريخ من واقع جزيرة العرب اجتماعياً وأدبياً ولغوياً وأحداثاً منذ أول شعر عامي والواقع التاريخي يحوج إلى التعلق بأذيال الشعر العامي لأن نجداً إلى عهد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مغمورة مطمورة لا يوجد عنها سوى نتف وتدوين هذا الشعر تدعو له ضرورة تاريخية والتعامل معه يجب أن يكون تعاملاً أكاديمياً للاتفاء بدلالته تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً وأدبياً ولغوياً.. ونتعامل معه نوعاً من التعامل الأدبي فنأخذ من قيمته الفنية.

إن الطبقات الأولى من قارضي هذا الشعر أي أقدم ما وصل إلينا من شعر أولئك جل شعرهم مشابه إلى كبير الشعر العربي الفصيح في وزنه وقافيته ومبناه ومعناه والخروج عن الالتزام الفصيح فيه قليل جداً فالشعراء كأبي حمزة العامري وجعيثن اليزيدي والخلاوي على سبيل المثال لا نميزهم من شعراء الفصيح أو نميز شعراء الفصيح عنهم إلا قليلاً والشعر العامي امتداد لشعر العربي الفصيح في أوزانه وقوافيه وأغراضه ومناحيه وطبيعته وقد أخذ في التدرج في الليونة والبُعد عن الفصحى والنأي عن التزاماتها لبعد القوم عن فصاحتهم ونجد من الشعر العامي القديم ما هو من الشعر العربي المبين في لغته إذ ليس فيه لفظ عامي بل هو عربي في وزنه غير أن الخلل يعتريه في إعرابه ومقاييسه الصرفية فهو شعر لغة فصيحة تنطق بنظام غير فصيح ومن هذا الشعر أبيات للضياغم.

* عضو مجلس الشورى -الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة