Telecom & Digital World Magazine Sunday05/08/2007 G Issue 219
ريبورتاج
الأحد 22 ,رجب 1428   العدد  219
 

الرسائل الفورية للجوال تشكل التهديد الأخطر

 

 

إعداد - محمد الزواوي:

وصل عدد البريد الإلكتروني الذي كان يتلقاه دارين لينارد المدير الإداري ببنك دريسدنر كلينوورت للاستثمار إلى يومياً 250 رسالة، وهو ما أوصله إلى الانهيار، وفي إحدى الأمسيات في مدينة لندن وفور رؤيته لهذا العدد من البريد على جواله، قام بنزع جهازه الثمين من جيبه الحريري ليحطم الجهاز الأنيق اللامع على منضدة مطبخه.

هذه ببساطة ليست قصة غريبة عن تحطيم جهاز بلاك بيري بسبب الغضب، ولكن تلك الحكاية كانت رمزاً لمشكلة كبيرة لجميع العاملين بالمؤسسة؛ فقد سمع رئيسه المباشر عن تلك الحادثة، ولم يوجه له أي توبيخ ولكن رحب بغضبه، فقد اعترف هو الآخر أن البريد الإلكتروني لم يعد يعمل بصورة جيدة للمؤسسة، وما تلا ذلك كان ثورة إلكترونية في هذا البنك: ثورة ضد البريد الإلكتروني.

فالمشكلة مع كل هذه الرسائل كانت واضحة، فيقول لينارد إن (85% كانت رسائل غير مهمة تماماً لعملي)، وقد كان البنك على دراية بتلك الإحصاءات التي تشير إلى زيادة أعداد البريد المتطفل، وأن كل تلك المعلومات الزائدة عن الحد تضر بالإنتاجية؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات من مؤسسة هيوليت باكارد أن الموظفين يحدث لهم تشويش دائم بسبب البريد الإلكتروني ومكالمات الهاتف، والمثير في التقرير أن هذا التشويش يؤدي إلى خفض معدل ذكائهم IQ بنسبة 10 درجات، وهو معدل أكثر من ضعفي ذلك الذي وجد في الدراسات عن أثر التدخين المخدرات.

لذا بدأ البنك في البحث عن بديل للبريد الإلكتروني، بديل لا يمكن أن يستغله الموظفون حول العالم في السؤال عن أشياء تافهة، مثل ذلك الموظف الذي أرسل بريداً إلى زملائه ليسألهم: من الذي أخذ الدباسة من نوع (نيجيل) من مكتبه، ويطلب ممن أخذها سرعة إرجاعها! والشركة ليست وحدها في تلك المشكلة؛ فالعديد من قادة كبار الشركات قد تخلوا عن البريد الإلكتروني كوسيلة للتواصل، بما في ذلك المستثمر الأمريكي الكبير وارين بوفيت وجون كودويل مالك شركة Phones4U، وكان عمدة بوسطن توم مينينو هو الذي قاد هذه الحملة سياسياً.

البريد المتطفل

فسواء كنت في المكتب أو في بيتك فستجد أن صناديق البريد تستقبل العشرات من الرسائل في كل فترة، وحتى بعد تنصيب برنامج لترشيح البريد المتطفل والذي استطاع بالفعل أن يفرز الرسائل غير الضرورية، فإن العديد منا لا يزال يرزح تحت ثقل الرسائل الجديدة غير المهمة، فقد أظهر استطلاع أجراه مؤخراً موقع أخبار التقنية Silicon.com، أن 33% من المجيبين قالوا إنهم يستقبلون ما بين 51 إلى100 رسالة بريد في اليوم، وفي اقتراع مشابه منذ عامين، كانت الأرقام تشير إلى 23%.

فقد تم اختراع البريد الإلكتروني عام 1971 على يد مهندس الحاسبات راي توملينسون، وأصبح البريد الإلكتروني الآن يتحكم فينا بدلاً من أن نتحكم نحن فيه. فقد أكدت دراسة حديثة نشرها موقع أمريكا أون لاين أن العديد من الناس قد أصبحوا مدمني بريد إلكتروني، ويقومون بفحص رسائلهم حتى إذا كانوا في دورات المياه أو أثناء القيادة، وقد أورد الباحثون أيضاً أن بين 10% إلى 50% من زمن العمل يقضى الآن في استخدام البريد الإلكتروني، وهو ما أثر تأثيراً كبيراً في ضعف الإنتاجية.

وقد أشارت دراسة أخرى أشار إليها الكاتب جيل فان توماس في مقال له نشر عام 2006 بعنوان: (إعادة تعريف مفهوم الحمل الزائد في البريد الإلكتروني) في دورية (الأعمال والاتصالات الرقمية) إلى أن الموظف العادي يحظي بـ 2483 رسالة في بريده الإلكتروني منها 858 بملفات مرفقة. وهذا رقم يبدو أنه غير صادم، فالأرقام الأخيرة من موقع Lycos الإلكتروني كشفت أن 10% من مستخدمي البريد الإلكتروني في بريطانيا تلقوا أكثر من مائتي رسالة يومياً (بما في ذلك البريد المتطفل)، وكما صرحت المتحدثة باسم موقع Lycos السيدة ستيفاني ساندرز محذرة: (إن مستخدمي الإنترنت في بريطانيا في خطر الوصول إلى الحمل العصبي الزائد في الوقت الذي يعانون فيه من التعامل مع صندوق البريد الذي خرج عن نطاق السيطرة).

وبسبب تلك الأرقام فإن المسؤولين ببنك في بريطانيا لم يسمحوا للبريد في أن يتحكم في الموظفين، لذا قاموا بإخطار العاملين في المؤسسة بأنهم أنشؤوا موقعاً جديداً قابل لتعديل محتوياته، ويمكن تخصيصه لكل موظف على حدة، وأسموه (سوشيال تيكست) www.socialtext.com، وبمجرد أن يعرف الموظفون إمكاناته فسوف ينتشر كالنار في الهشيم بين موظفي المؤسسة كما يقول مسؤولوها، وهذا الموقع قريب في تصميمه من موقع موسوعة ويكيبيديا الشهير، والذي يسمح للأشخاص بإنشاء صفحات لمشاريع عمل مخصصة، ويستطيعون دعوة أي موظفين زملاء للتعاون في تحرير النص وإضافة تعليقات وعقد مناقشات والربط بين الملفات أو إضافة صور أو مواقع إنترنت أخرى لإثراء المشروع بالمعلومات والمناقشات بدلاً من استخدام البريد الإلكتروني، وأصبح بديلاً جيداً عنه، بعد أن اتفق العاملون على أن التخاطب عبر البريد لم يسبب سوى التضارب في وجهات النظر، فالمحادثات عبر البريد لا تنتهي ولا تحسم. وقد أصدرت المؤسسة قراراً: لا ترسلون رسائل بريد إليكتروني، استخدموا الموقع التحريري. وبغضون نهاية أكتوبر كانت الشركة قد أنشأت نظامها الخاص بها بأكثر من 5 آلاف صفحة وأكثر من 2500 مستخدم في قواعد الشركة حول العالم. ويقول السيد أكسيل ثيل رئيس التجارة الإلكترونية بالشركة أن هذا النظام قد ساعد في تقليل استخدام للبريد بنسبة 72%، في حين أشار أقرانه إلى نسب مماثلة.

وليست الشركات فقط هي التي استفادت من مميزات تلك التقنية الجديدة للتخلص من الحمل الزائد للبريد الإلكتروني، فقد أحرزت السيدة شارلين لي نائبة رئيس مؤسسة فورستر للأبحاث بالولايات المتحدة نجاحاً باستخدامها نظام Docs AND Spreadsheets الخاص بموقع جوجل، وهو نظام مكتبي على الإنترنت يسمح لك بالتعاون في تحرير الملفات مع الأصدقاء وشركاء العمل حول العالم.

وتستخدم السيدة لي موقع Google Docs في كل أوجه حياتها الشخصية، فعلى سبيل المثال استعانت به للتنسيق لعمل معسكر صيفي لآباء أصدقاء أطفالها، فكل خيارات المخيم من الروابط وتفاصيل التسجيل مدرجة في برامج جداول spreadsheet، ولكن بدلاً من إعادة إرسالها بالبريد، فإن لي ببساطة كانت ترشد الآباء الآخرين لموقع الملفات الخاص بجوجل Google document، ويستطيع الجميع رؤيته أو التعليق عليه من خلال متصفح للإنترنت.

كما تعزف لي أيضاً الموسيقى في فرقة تابعة للشركة بعد ساعات العمل، وبدلاً من أن تلجأ إلى البريد الإلكتروني لترتيب قائمة العازفين، قامت بإنشاء قائمة على Google Docs. ويستطيع أعضاء الفرقة أن يقترحوا الأغنيات ويتعلمون المعزوفات ويظلون على علم بآخر التفاصيل، وكل ذلك على الإنترنت. وتقول السيدة لي أن موقع Google Docs قد (قلل بصورة كبيرة عدد الرسائل الإلكترونية التي أقوم بإرسالها للجميع من أعضاء الفرقة).

أما كورتني جيبونس، الفنانة الكوميدية ومدرسة الرياضيات، فاستخدمت موقع Google Docs لإنشاء قائمة بالضيوف لحفل زفافها العام الماضي، وتقول: (لقد كان مفيداً جداً، وبخاصة عندما يساعدك والداك في ملء المعلومات على الإنترنت مباشرة).

وقد لاقت فكرة أنك تستطيع أن تكون أكثر إنتاجية بدون البريد الإلكتروني ترحيباً في هوليوود. فمؤسسة اسيندانت فيلمس، وهي شركة الإنتاج التي أنتجت فيلم Lucky Number Slevin العام الماضي، والذي قام ببطولته بروس ويليس ولوسي ليو، قررت أنها قد وصلت إلى النهاية مع البريد الإلكتروني. فمن أجل ترتيب الإنتاج وتنسيق عمليات التمويل للأفلام، فإن الشركة تحولت إلى موقع www.jot.com والذي يسمح لك بإنشاء الموقع الخاص بك وتستطيع أن تعدل فيه، والذي تملكه شركة جوجل الآن.

وتتوقع مؤسسة جارتنر لأبحاث الإنترنت أن تلك المواقع سوف تصبح أداة التعاون السائدة لنصف الشركات على الأقل بحلول عام 2009. فالبريد الإلكتروني يهدد عرشه أيضاً نوع آخر من الاتصالات: الرسائل الفورية، والتي تعتبر محضناً كبيراً لكافة الشباب والمراهقين حول العالم، فالعديد منهم الآن يشيرون إلى البريد الإلكتروني على أنه (البريد الحلزوني) (نسبة إلى الحلزون في بطئه كما تم الإطلاق على البريد العادي من قبل بعدما أصبح البريد الإلكتروني أكثر شعبية).

وقد تحول الكثيرون إلى استخدام الرسائل الفورية في التواصل، فدينيس يانج على سبيل المثال هو واحد من أولئك؛ فهو يعمل في مؤسسة تيكديرت www.techdirt.com، وهي مؤسسة أخبار وتحليلات للشركات، والسيد يانج نادراً ما يرى زملاءه الموظفين، ولكنه يظل على اتصال بهم لحظياً عن طريق الرسائل الفورية. ويجري في المتوسط 7 محادثات في وقت واحد، وهذا يجعله يعمل من أي مكان، حتى من غرفة نوم جدته.

ويقول: (إن الرسائل الفورية أعطتني القدرة على أن أجري محادثات لحظية، على عكس طريقة المحادثات المتقطعة التي يوفرها البريد الإليكتروني، وقد أظهرت الدراسات أن العاملين الذين يستخدمون الرسائل الفورية أثناء العمل لا يضيعون وقتاً كبيراً في الحديث مع الأصدقاء، كما أن إنتاجيتهم سوف تفوق أي وقت يضيعونه في العلاقات الاجتماعية التي يقومون بها). وسوف يكون من المبالغة أن نقول أن أيام البريد الإليكتروني قد ولت، وأن المواقع التي يقوم الموظفون بتحريرها قد أطاحت بعرش البريد الإلكتروني أو حتى المحادثات الفورية، ولكن أجراس الإنذار بدأت تدق بالتأكيد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة