الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 5th December,2004 العدد : 96

الأحد 23 ,شوال 1425

المارد الآسيوي... يهدد هيمنة (العم سام) التكنولوجاية على العام
كوريا الجنوبية تسابق الزمن للحاق بالعملاق الأمريكي في مجال تصنيع الرقائق الإليكترونية
* إعداد إسلام السعدني :

بعد نحو خمسين عاماً نجحت خلالها الولايات المتحدة في ضمان تفوقها الاقتصادي وهيمنتها العسكرية على العالم من خلال قدرتها على أن تكون لها اليد الطولى في ابتكار المخترعات العلمية الحديثة وكذلك في استغلال هذه المخترعات لأغراض اقتصادية، بات هذا الموقع الريادي في خطر داهم بفعل ظهور قوى أخرى تتركز أغلبها في القارة الآسيوية تحديداً، وتسعى تلك القوى إلى تحدي الدور الذي اضطلعت به أمريكا بشكل تقليدي طيلة العقود الماضية.
مجلة (فورين أفايرز) أفردت لهذا التحدي الجديد الذي يواجهه العم سام تقريراً مطولاً، استهلته بالتأكيد على أن المكانة الكبيرة التي تحظى بها الولايات المتحدة في العالم منذ نصف قرن تقريباً ترجع في جانب كبير منها إلى قدراتها التكنولوجية المتفوقة التي تجسدت في العديد والعديد من المخترعات التي باتت لا غني عنها في عالمنا اليوم مثل الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت.
خطر محيق
ولكن المجلة تشير في تقريرها إلى أن هذا الدور الريادي الذي كان مسلماً به على مدار سنوات طوال، صار في خطر كبير في الوقت الراهن يحمل مسحة آسيوية على الأخص، وهو خطر يتمثل في ما تنتهجه العديد من الدول الآسيوية من سياسات تنافسية في مجال تشجيع العلم والابتكار، وكذلك ما تكرسه من استثمارات هائلة في مجال البحث والتطوير، مما يجعل تلك الدول قادرة على توفير مناخ يسمح بإجراء أبحاث علمية مهمة، وأيضاً إتاحة الفرصة أمام استغلال المخترعات الحديثة بشكل أفضل في المستقبل.
ويرصد التقرير ملامح النهضة العلمية في بعض البلدان الآسيوية، مشيراً في هذا الصدد إلى تزايد أعداد براءات الاختراع في هذه الدول، وأيضاً الارتفاع الملحوظ في عدد الدارسات العلمية التي تنشر لباحثين من بلدان مثل الصين، سنغافورة، كوريا الجنوبية وتايوان. ويضاف إلى هذه النواحي الإيجابية، تلك المكانة الرفيعة التي تحظى بها الشركات الهندية في الوقت الحاضر فيما يتعلق بتقديم الخدمات التطبيقية، إذ تحتل هذه الشركات المركز الثاني على مستوى العالم في تطوير قواعد البيانات وغيرها من البرامج التطبيقية وإدارتها وتزويد الكثير من الشركات على مستوى العالم بها..
كوريا الجنوبية هي الأخرى لها نصيب في هذا التقدم التكنولوجي الخطير الذي تتبارى دول آسيا في مضماره، لاسيما وأن سول تسابق الزمن للحاق بالعملاق الأمريكي في مجال تصنيع الرقائق الإليكترونية وغير ذلك من البرامج الخاصة بالاتصالات.
وحتى الصين لم تتخلف عن الركب كما توضح ( فورين أفايرز) فقد أحرزت تقدماً ملموساً في مجال العلوم التطبيقية المتطورة مثل الليزر والتكنولوجيا الحيوية إلى جانب إنتاج المواد التي يمكن استخدامها في أشباه الموصلات وغيرها.
وجوه متناقضة
وتضيف المجلة في تقريرها أنه على الرغم من أن الريادة الأمريكية في مضمار العلوم والتكنولوجيا لا تزال حقيقة واقعة حتى هذه اللحظة، إلا أن ما يجري من (عولمة) لعمليات البحث والتطوير العلمي يشكل ضغطاً هائلاً على أمريكا في هذا الصدد. وهذا يعني أن العولمة لها وجهان متناقضان، ففيما تعتبر عاملاً مساعداً على مواصلة أمريكا إحراز نجاحات على طريق التقدم العلمي، تشكل أيضاً تهديداً ملموساً لها في نفس المضمار.
ويقول التقرير إن واشنطن التي لن تستطيع على الإطلاق الحيلولة دون أن تتمكن الدول المنافسة لها من تطوير تقنيات حديثة يمكن لها الحفاظ على ريادتها التكنولوجية على الساحة الدولية من خلال العمل على أن تكون أكثر سرعة من غيرها من البلدان في هذا المجال، وهو ما لن يكون سهلاً بأي حال ويستلزم من أمريكا السعي لتعزيز المؤسسات التكنولوجية بداخلها بأقصى قدر ممكن. وعلى الرغم من التهديدات التي يشير التقرير إلى أنها تواجه موقع الولايات المتحدة المتميز على الصعيد العالمي فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والتكنولوجي، إلا أنه يعود ليؤكد أنه من السابق لأوانه القول إن هذا الموقع المتفرد يعاني من أزمة حقيقية حالياً، باعتبار أن أمريكا لا تزال موضع حسد باقي دول
العالم لأسباب تتراوح ما بين قدرتها على تمويل الأبحاث العلمية الأساسية من جهة، وصولاً إلى نجاح شركاتها في تسويق المخترعات الحديثة بسرعة فائقة من جهة أخرى.
جوانب قوة
ويدلل التقرير على هذا الأمر، باستعراض جوانب القوة التي لا تزال أمريكا تتمتع بها في المجال العلمي، ومنها أنه من المنتظر أن يفوق إجمالي إنفاق الولايات المتحدة على البحوث والتطوير خلال العام الحالي حد الـ290 مليار دولار، وهو ما يمثل ضعف إنفاق اليابان التي تعد ثانية كبريات دول العالم إنفاقاً في هذا الصدد. ليس ذلك فحسب، بل إن الإنفاق الأمريكي على البحوث والتطوير عام 2002 تجاوز ما أنفقته كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، والمملكة المتحدة مجتمعة. ملمح آخر من ملامح التفوق العلمي الأمريكي يتمثل في أن الأبحاث العلمية التي يجريها العلماء الأمريكيون عادة ما تكون هي الأكثر أهمية على الرغم من أن عددها قد يقل نسبياً عن تلك التي يجريها نظراؤهم من البلدان الأخرى.
كما أن الشركات الأمريكية حسبما تشير (فورين أفايرز) في تقريرها كانت على مدار العقدين الماضيين هي المورد الأول للخدمات المتعلقة بالتقنيات الحديثة أو ال(هايتك)، حيث قدمت نحو 33% من إجمالي ما قدمته كافة الشركات العالمية في هذا المجال خلال تلك الفترة. ولكن هذه الحقائق كلها لا تطمس وجود تهديدات تشكل خطراً على مكانة أمريكا المتميزة في مجالي العلم والابتكار المدى البعيد، وهي التهديدات التي تتحدث عنها تلك المجلة الرصينة بإسهاب.
مشكلات التمويل
ومن بين تلك التهديدات، ذلك الناجم عن العجز المتزايد في الميزانية الأمريكية والذي بلغ حداً قياسياً وصل إلى 422 مليار دولار، إذ إن هذا العجز قد يؤدي إلى تقويض الدعم الحكومي الأمريكي لمجال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في البلاد. وتشير (فورين أفايرز) إلى أن التغيرات الأخيرة التي طرأت على الإنفاق الفيدرالي في الولايات المتحدة من شأنها حرمان الأبحاث الأساسية التي تتم بغرض إشباع حب الاستطلاع العلمي وليس من أجل التوصل إلى ابتكارات علمية ذات منافع تجارية من الأموال اللازمة لإجرائها، وهو ما يعني أن الاقتصاد الأمريكي سيفتقر إلى أحد أهم الركائز التي يعتمد عليها فيما يتعلق بمستقبل الابتكارات والاختراعات في البلاد.
وتوضح المجلة أن المخاوف التي تحدق بهذا المستقبل لن تتبدد بفعل الزيادة المرتقبة في الإنفاق الفيدرالي
الأمريكي في مجال البحث والتطوير والتي ستصل به إلى 132 مليار دولار عام 2005 و137.5 ملياراً عام 2009، نظرا لأن هذه الزيادة ستخصص بشكل رئيسي للأبحاث المتعلقة بالجوانب الأمنية والعسكرية وتلك الخاصة بارتياد الفضاء، وذلك فيما ستظل الموارد المالية المتعلقة بأغراض أخرى ثابتة خلال العام الجاري قبل أن تتقلص بشكل مطرد خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
دواعٍ أمنية
وتشير (فورين أفايرز) في هذا الصدد إلى أن الكونجرس وافق في يوليو الماضي على تخصيص مبلغ قياسي يقدر بـ 70.3 مليار دولار لتمويل عمليات البحث والتطوير في وزارة الدفاع (البنتاجون)، بزيادة تصل إلى 7.1% عن ميزانية العام الماضي. الغريب في الأمر أن هذه المخصصات تزيد عما طلبه (البنتاجون) في الأصل، بل إن كبار المسؤولين العسكريين في الوزارة كانوا قد طلبوا تخفيض هذا المبلغ بالفعل.
وعلى الرغم من أن هذه الميزانية الهائلة ستجعل بمقدور المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة مواصلة جهودها في مضمار الإبداع والابتكار على المدى القصير، إلا أن الأمر سيختلف على المدى البعيد كما تقول الجمعية الأمريكية للتقدم العلمي، والتي تتوقع كما تنقل عنها المجلة أن تتجه وزارة الدفاع أكثر وأكثر بمرور الوقت نحو التركيز على تمويل البحوث ذات الصلة بتطوير الأسلحة وما إلى ذلك على حساب البحوث الأساسية والتطبيقية.
من جهة أخرى، تشير (فورين أفايرز) إلى أن الميزانيات التي ترصدها الشركات الأمريكية الخاصة لأغراض البحث والتطوير والتي تقدر بـ 60% من الميزانيات المرصودة في الولايات المتحدة في هذا الشأن بدأت تتقلص بدورها بفعل التباطؤ الراهن في معدل أداء الاقتصاد الأمريكي.
وتوضح المجلة في هذا الشأن أن الإنفاق الخاص بالبحوث والتطوير في أمريكا كان قد تقلص بنسبة 1.7% عام 2001، ثم بنسبة 4.5% في العام التالي فـ 0.7% عام 2003، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يزيد هذا الإنفاق خلال العام الحالي، إلا أن هذه الزيادة لن تتعدى 1% وهو ما يقل عن معدل التضخم في الولايات المتحدة.
أكثر من ذلك، ففي ضوء تركيز الشركات الأمريكية الخاصة على تمويل الأبحاث ذات الأغراض التجارية وتجاهل الأبحاث ذات الأغراض العلمية البحتة، لن يكون بوسع هذه الشركات ملء الفراغ الناجم عن اهتمام الجهات الحكومية بتلك الأبحاث ذات الصلة بالنواحي الأمنية والعسكرية.
تداعيات سبتمبر
جانب آخر من الجوانب التي تزيد المخاوف بشأن إمكانية أن تفقد أمريكا موقعها على عرش العالم في مجال العلم والتكنولوجيا، هو ذاك المتعلق بتضاؤل عدد الأمريكيين الذين يحصلون على شهادات علمية متقدمة في المجالات العلمية والهندسية، وهو ما يجعل الجامعات الأمريكية تعتمد أكثر وأكثر على المحاضرين الأجانب في هذا الصدد.
وتشير (فورين أفايرز) في هذا الشأن إلى أن 38% من حاملي درجة الدكتوراه في مجالي العلوم والهندسة في أمريكا حالياً هم من الأجانب، كما أن أكثر من 50% من الشهادات الجامعية في هذين المجالين خلال الفترة ما بين عامي 1985 و2000 ذهبت إلى طلاب من الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان.
ويشكل الاعتماد المتزايد على الباحثين الأجانب نقطة ضعف خطيرة للولايات المتحدة، خاصة في ضوء انحسار الإقبال على الحصول على المنح الدراسية الأمريكية من قبل طلاب الدول الأخرى إما للازدهار الاقتصادي الذي باتت تشهده هذه الدول مما يزيد فرص التعليم التي تتاح لهؤلاء الدارسين في بلدانهم الأصلية، وهو ما يجعل بقائهم في أوطانهم خياراً محبباً بالنسبة لهم، أو بسبب القيود التي تم فرضها على منح تأشيرات الدخول للولايات المتحدة بعد وقوع اعتداءات سبتمبر عام 2001م.
الاختبار الحقيقي
وتنتقل المجلة إلى نقطة أخرى في إطار تناولها للتحديات المستجدة التي تواجه العم سام حالياً، حيث تقول إن الاختبار الحقيقي الذي سيحدد مستقبل الولايات المتحدة يتمثل في ما إذا كان بوسعها أن تحافظ على وجود مناخ ملائم للبحث والتطوير والابتكار على أراضيها وأن تنمي هذا المناخ أم لا.
وتشير إلى أن النمط الذي ساد الساحة الاقتصادية الدولية خلال الثلاثين عاماً الماضية من تقسيم للتخصصات بين الشركات الأمريكية التي تتفوق في مجال الابتكارات الحديثة ونظيراتها الآسيوية التي تتفوق بدورها فيما يتعلق بالإنتاج منخفض التكاليف لهذه المبتكرات هذا النمط لم يعد قائماً، حيث بدأت الشركات الآسيوية تسعى لأن يكون لها باع هي الأخرى في الابتكار والاختراع.
وتفسر (فورين أفايرز) هذا التحول في تقريرها بالقول، إنه يرجع بشكل جزئي إلى التغيرات التي طرأت على أساليب عمل الشركات الأمريكية والتي باتت منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تفضل التعاون مع شركات وجامعات أجنبية في مجال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، بعدما رأت أن هذا التعاون من شأنه تقليل التكاليف التي تتكبدها في هذا الصدد. ويوضح التقرير أن الأنشطة المشتركة في هذا المجال ازدهرت في أماكن مثل (وادي السليكون) بولاية كاليفورنيا، و(طريق 128) في مدينة بوسطن وغيرها من المناطق التي يلتقي فيها العلماء وأصحاب رؤوس الأموال والخبراء في مجال التكنولوجيا من أجل تبادل المعلومات والأفكار، وهو ما أدى إلى أن تتحول عملية البحث والتطوير والاختراع من عملية تقوم بها كل جهة أو مؤسسة على حدة إلى عملية تتولاها شبكة من المؤسسات التكنولوجية وأصحاب رؤوس الأموال ومراكز البحوث في الجامعات.
هجرة ميكروسوفت
ويشير تقرير (فورين أفايرز) إلى أن هذا التغير ترتب عليه أيضاً أن أصبح من الممكن نقل التكنولوجيا الخاصة بما يسمى ب(أسرار الصنعة) لمنتج ما إلى شركاء أجانب، إلى جانب ذلك وعلى عكس ما هو متعارف عليه بدأت بعض الشركات والمؤسسات الأمريكية تفتح فروعا لها خارج البلاد، ولم تكن تلك المؤسسات تتمثل في المصانع كثيفة العمالة التي تحاول الاستفادة من العمالة الرخيصة في الخارج فقط، وإنما كان من بينها شركات متخصصة في مجال المعلوماتية مثل ميكروسوفت وموتورولا وغيرها من الشركات التي تجري بحوثاً متقدمة بشكل مكثف.
وتلقي المجلة الضوء على تزايد أعداد المختبرات العلمية التي باتت تهيئ المناخ للإبداع والابتكار في مناطق مثل مدينة شنغهاي الصينية ومدينة بانجالور الهندية إلى جانب مدينة هسينشو التايوانية، مشيرة إلى أن أسباب هذا التزايد كانت ترجع في البداية إلى توافر العمالة الرخيصة في مثل هذه المناطق، إلا أن الأمر تغير بعد ذلك لتظهر عوامل أخرى من بينها تطور الشركات المحلية المتخصصة في مجال التكنولوجيا، وإقامة معاهد بحثية جديدة في هذه الدول، بالإضافة إلى عودة العلماء والمهندسين المتخصصين الذين درسوا في
الولايات المتحدة إلى بلدانهم الأصلية.
وإلى جانب كل هذه العوامل، تضيف (فورين أفايرز) عاملا آخر يتعلق بذلك الاهتمام الذي تبديه الحكومات الآسيوية حالياً للإبداع في المجال التكنولوجي، فاليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال تخصصان 3% من الناتج المحلي الإجمالي في كل منهما للإنفاق على مجال البحوث والتطوير مقارنة بـ 2.7% في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تسعى الصين لأن تخصص 1. 5% من إجمالي ناتجها المحلي عام 2005 للغرض ذاته.
ميادين
وتبذل البلدان الآسيوية جهوداً كبيرة في الفترة الراهنة كما تقول (فورين أفايرز) حتى تحقق الريادة قي ثلاثة مجالات رئيسية يرى
ستكون الأهم في مضمار الابتكار والتطوير العلمي خلال المرحلة القادمة ألا وهي التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الدقيقة أو ال(نانو تكنولوجي) إلى جانب تكنولوجيا المعلومات. بل وأجرت تلك الدول تغيرات هيكلية مهمة أضفت المزيد من المرونة على سياستها في هذا المجال، وجعلتها تتعامل معه باستراتيجيات تنبع من متطلبات السوق بعد أن كانت تلك السياسات والاستراتيجيات تخضع في العديد من هذه البلدان إلى سيطرة الدولة، وقادت هذه التغييرات إلى تشجيع ودعم الإبداع والعمل الحر.
من ناحية أخرى، تسعى هذه الدول من خلال تقديم تسهيلات أكبر فيما يخص السياسات الضريبية، وكذلك توفير الموارد الأساسية اللازمة لإقامة مشاريع بحثية إلى تشجيع الباحثين الآسيويين الذين يعملون في مختبرات خارج بلدانهم مثل وادي السيلكون وغيرها على العودة إلى أوطانهم.
وتفيد هذه التسهيلات أيضاً في اجتذاب الشركات الأمريكية والأوروبية العاملة في مجال ال(هاي تك).
معضلة العولمة
وتكشف هذه التطورات كما تؤكد المجلة المرموقة عن تلك المعضلة الكامنة في النتائج التي تمخضت عن ظاهرة العولمة التي تجتاح العالم حالياً كونها تجعل الجغرافيا عاملاً مهماً وثانوياً في الوقت نفسه بالنسبة للابتكار والإبداع. فبينما يمكن الآن لأي شركة من شركات التكنولوجيا أن تقيم لنفسها فرعاً في أية بقعة من بقاع العالم بفعل ثورة الاتصالات وغيرها، إلا أنه ينبغي على هذه الشركة لكي تصبح قادرة على المنافسة بجدية أن تختار لنفسها منطقة كتلك التي تحدثنا عنها من قبل في شنغهاي أو بانجالور، حتى تجد فيها المقومات الأساسية لنجاح أي مشروع تكنولوجي، تلك المقومات التي تتمثل في وجود مواهب بحثية ورؤوس أموال وغير ذلك. في السياق نفسه، قد يشكل قرب الشركة من السوق الذي تتعامل معه عنصراً إيجابياً يمكنها من التعرف بدقة على الأنماط الجديدة من المستهلكين، ومن ثم يمنحها القدرة على تكييف نفسها بسرعة مع التغيرات التي قد تطرأ على مطالب المستهلك.
من ناحية أخرى، يمكن الإشارة إلى أن إقامة فروع للشركة بالخارج وهو ما قد يكون مفيداً بالنسبة لحملة الأسهم ربما يحمل في طياته مخاطر من قبيل الاضطرار للكشف عن عناصر حيوية تدخل في صلب منظومة البنية التحتية للإبداع والابتكار في تلك المؤسسة، إضافة إلى إضعاف الصلة بين الشركة وبين الجامعات والمراكز البحثية التي تتعاون معها في مجالات البحث والتطوير، هذه الجامعات والمراكز التي تقود قاطرة الاكتشافات التكنولوجية في الولايات المتحدة.
أرقام خادعة
ولكن الصورة ليست سوداء تماماً، فتقرير (فورين أفايرز) يدعو صناع القرار في الولايات المتحدة إلى عدم الاعتماد على الإحصائيات والأرقام وحدها في تناولهم لقضايا مثل تضاؤل أعداد الباحثين والخبراء الأمريكيين الحاصلين على شهادات علمية متقدمة قي مجال تكنولوجيا المعلومات، باعتبار أن قضية الإبداع والابتكار تنطوي على العديد من العوامل التي لا يمكن قياسها أو التعبير عنها في صورة أرقام مثل سرعة تبني وانتشار التقنيات الحديثة، المرونة المتوافرة في سوق العمل، ومدى قدرة الشركات الجديدة على الدخول والخروج من مضمار المنافسة الاقتصادية في مجال صناعة المعلومات. فعلى سبيل المثال، يمكن القول إنه على الرغم من تقلص عدد الطلاب الوافدين للولايات المتحدة من أجل الحصول على درجة الدكتوراه، إلا أن نسبة من يختارون منهم البقاء في البلاد بعد حصولهم على هذه الدرجة تزداد بشكل جوهري. وعلاوة على ذلك، يمكن أن نعتبر بحسب ما يشير التقرير أن شهادة البكالوريوس باتت أكثر علاقة بمجال الإبداع والابتكار أكثر من ذي قبل من منطلق أن عدد الطلاب الأمريكيين الذين يحصلون على هذه الشهادة في المجالات العلمية والهندسية قد ارتفع على مدى العقد الماضي.
روشتة العلاج
وتؤكد مجلة (فورين أفايرز) في تقريرها على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى منع ظهور المراكز التكنولوجية الصاعدة في القارة الآسيوية بل يجب عليها بدلاً من ذلك أن تستعد لامتصاص التقنيات الحديثة والاستفادة منها بغض النظر عن المكان الذي ظهرت فيه، وذلك من منطلق أن الاستخدام الجيد للأفكار المتنوعة كان دائماً أحد السمات المميزة لأمريكا. وفي هذا الإطار، يتعين على الشركات الأمريكية العمل على جلب الأفكار الجيدة أياً كانت جنسيات أصحابها للأسواق في الولايات المتحدة أولاً قبل أي مكان آخر في العالم.
وتشير (فورين أفايرز) إلى أنه من أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي على تلك الشركات دخول الأسواق الآسيوية بهدف التعرف على الأفكار الجديدة الموجودة هناك، وتطويرها وتمويل الأبحاث الخاصة بأكثرها أهمية، وهو ما يستلزم من واشنطن مواصلة الضغوط التي تمارسها على شركائها التجاريين وبالتحديد بكين حتى تلتزم بشروط الاتفاقات المبرمة حالياً في مجال التجارة وتسمح للشركات الأمريكية بدخول أسواقها. وتدعو المجلة في ختام تقريرها صناع القرار في أمريكا إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والخطوات الرامية للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة العلمية الرائدة على الصعيد الدولي، ومن بين هذه الخطوات عدم المساس بالأموال المخصصة للخدمات العلمية والتعليمية، مشيرة إلى أن تقليص الميزانيات المتاحة لإجراء البحوث العلمية تقوض أحد دعائم مستقبل الولايات المتحدة في المجالين التكنولوجي والاقتصادي.

..... الرجوع .....

العنكبوتية
الاتصالات
هاي تك
الالعاب
الركن التقني
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
دليل البرامج
اقتصاد الكتروني
امال . كوم
اخبار تقنية
دكتور .كوم
الحكومة الالكترونية
معارض
منوعات
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved