الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 5th December,2004 العدد : 96

الأحد 23 ,شوال 1425

إرهاب الإنترنت .. وحروب الاستنزاف الالكترونية!
* إعداد : ياسمينة صالح
في المنطقة العاشرة في إحدى ضواحي باريس حيث تبدو الحياة شبه عادية، ويكثر عدد المحلات التي تفتح باريس على العديد من المقبلين للتسوق في ذلك المكان، يوجد مبنى لا يلفت انتباه أحد، ولكن الذين يعلمون به يعرفون جيدا أن في هذا المكان المزدحم بكل تلك الهوائيات الكثيرة، تتعرض حياتهم الخاصة إلى الرقابة الشديدة فحين يتصل أحد بصديقه عبر الجوال، يمكن لأية كلمة عفوية أن تحرّك إشارة ذلك الجهاز الجاهز للمراقبة.. كلمة تافهة أحيانا ولكنها مدرجة في ذاكرة الحاسوب كأن يقول أحد للآخر من باب المزاح (أنت إرهابي يا صديقي)!
ثمة العديد من الكلمات التي تحفظها ذاكرة الكمبيوتر في المركز الفرنسي للأمن القومي، كلمات أحيانا عبارة عن (صباح الخير) أو ببساطة (أحبك) التي تثير الريبة حين تقال بين أشخاص تعتبرهم الرقابة الفرنسية (خطيرين) بشكل أو بآخر! الناس لا يكترثون دائما بفكرة أن حياتهم الخاصة تحت المجهر، ليس من قبل السلطات نفسها، بل أحيانا من قبل الأشخاص أنفسهم، فعدد الذين يشتكون من سرقة بريدهم الالكتروني أكبر من عدد الذين يشتكون من سرقة حرياتهم علانية. هذا لأن الرؤية للسلطة صارت مختلفة عما كانت عليه قبل عشرين عاما، ولأن الحريات نفسها أخذت اليوم صبغة سياسية في الكثير من الحالات!
في بريطانيا قررت أجهزة الأمن الداخلي أن تشكل لجانا لحماية (أمن الدولة) عبر صياغة مفاهيم جديدة للحرب على الإرهاب. البريطانيون يعترفون اليوم، مثلهم مثل الأمريكيين بأن لعبة الإعلام الآلي تتجاوزهم قليلا، وأن التطور الذي اعتقدوا أنهم يحملونه إلى البشرية صار ضدهم! ففي مدينة (بروكلين)، مكتب يسمى ظاهريا بمكتب العلاقات الإعلامية العامة، ولكنه تابع مباشرة إلى مكتب الاستخبارات الأمريكية الذي أسس له فرعا (عسكريا) في كل الدول الأوروبية الشرقية بالخصوص و في إفريقيا الوسطى، والحال أن تخصصه الذي يعلمه الجميع يندرج في إطارين (تجسسي و استخباراتي) تماما كما هي الحال مع مكتب الاستخبارات الإسرائيلية الذي ينشط وبشكل مكثف في عدد من الدول الإفريقية متخفية وراء شركات استثمارية قبرصية وتركية. ما يسعى إليه الجميع هو تقريبا نفس الهدف: كشف التنظيمات الإرهابية التي تنشط اليوم مستخدمة شبكات الانترنت!
قبل خمسين سنة، كان الكلام عن الانترنت مشوبا بالغموض ربما لأن عالم الانترنت كان محتكرا على المؤسسات الضخمة التي كانت تتداخل فيما بينها في إطار نظام المؤسسات بمن في ذلك المؤسسات الأمنية مع ذلك فقد استطاعت دولة مثل الولايات المتحدة أن تستثمر تجاربها التكنولوجية الضخمة في حروبها السرّية والمعلنة. نتذكر الصراع الأمريكي الكوبي الذي جعل أكبر الميزانيات ضخامة في الولايات المتحدة هي تلك التي خصصها البيت الأبيض منذ الخمسينيات إلى يومنا للإطاحة بالنظام الكوبي، أو باختصار للإطاحة بفيديل كاسترو خصيصا. في بداية السبعينيات استطاعت المؤسسة (التقنية التكنولوجية) الأمريكية اختراق البث الإذاعي الكوبي أكثر من مرة، مما جعل القوات البحرية الأمريكية تبث من البارجة الأمريكية القابعة في جزيرة الخنازير منادية الشعب الكوبي إلى الإطاحة بنظام فيديل كاسترو..
كما أن الاختراق التقني وصل إلى حد الإطاحة بنظام (سالفادور أليندي) التشيلي الذي انتحر رافضا الاستسلام للأمريكيين.
إشكالية التقنية الإعلامية والإسقاط السياسي ليست جديدة حتى وإن أخذت اليوم توجها آخر تدخل فيه تفاصيل الرعب والاحتلال اليوم يبدو الغرب في حالة من الورطة، لأنه فقد زمام الأمور، ولأنه هو الذي بدأ صياغة أسلوب الخراب
(الكارثة) التقنية والإعلامية في دول كثيرة من العالم وجدت نفسها في الفخ. فخ الانترنت!
الإرهاب الآلي
في أمريكا وحدها أكثر من ألف مكتب مجهز بأحسن آليات الرقابة عبر الأقمار الصناعية يمكن تحديد اتصال هاتفي مشبوه عبر الأقمار الاصطناعية التي تمركزت أهمها فوق سماء الشرق الأوسط.. جريدة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية كشفت في مقال مثير أن أجهزة الاستعلامات الإسرائيلية تستفيد من خدمات القمر الصناعي الأمريكي (ألفا2) الذي يمدها بتفاصيل مهمة عن تحركات رجال المقاومة الفلسطينية ربما لأن هؤلاء الرجال يرتكبون الخطأ المكرر، وهو استعمالهم الهاتف الخلوي الذي يسهل تحديد مكانه بموجب أرقام مشفرة يجيد رجال مكاتب الرصد قراءتها وبالتالي إرسالها مباشرة إلى مكتب التلقي المعلوماتي الموجود في شارع حيفا بتل أبيب. لكن منذ أحداث سبتمبر 2001 تبدو المعطيات مختلفة إلى حد كبير، ربما لأن الذين تعتبرهم أمريكا أعداءها المهمين صاروا بدورهم يحتكرون الانترنت ويجيدون التعامل مع التقنيات المتطورة. قضية الشاب الاريتري الذي ألقت عليه أجهزة الاستخبارات الأمريكية القبض في حزيران عام 2002. شاب في الخامسة والعشرين من العمر يملك مقهى انترنت في أفريقيا الوسطى استطاع أن يسرّب إلى الأمريكيين بعد إلقاء القبض عليه معلومات في غاية الدهشة والخطورة مفادها أنه يعمل تحت إمرة تنظيم القاعدة الذي ينشط في عدد من العواصم الأوروبية،
والمعلومة الأخطر أن التنظيم لم يعد يتحرك بأسلوب التنظيمات الكلاسيكية، بل صار يتحرك عبر الانترنت وينشر رسائله بأسلوب لا يخلو أحيانا من السطحية و التفاهة و لكنه يمرر رسائل في غاية الخطورة إلى أعضاء الشبكة في كل مكان، سواء في أفريقيا أو في آسيا أو في أوروبا. جريدة لوموند ديبلوماتيك نشرت قبل سنة تحقيقا حول الإرهاب عبر الانترنت وخرجت بمعلومات خطيرة، ربما أهمها أيضا تلك المتعلقة بشاب عربي ألقت عليه السلطات التركية القبض ليعترف أنه كان يمرر رسائل إرهابية من تنظيم القاعدة على أعضاء ونشطاء في العالم، وكان التنظيم يعتمد أحيانا على المواقع التي لا تثير ريبة أجهزة الرقابة الأمريكية. كانت أخطر تلك الرسائل تلك المتعلقة بتفجيرات نيروبي والتي سربت أوامرها عبر موقع يبيع الألبسة الداخلية عبر الانترنت. التنظيم الإرهابي استطاع التسلل إلى الموقع ونشر الرسائل على شكل عبارات لا يمكن كشفها إلا باعتماد الحبر السري الخاص بالانترنت وهي شفرة اعترف الأمريكيون بذكاء أصحابها. كانت تلك أكبر عملية كشف بالنسبة لجهاز الرقابة الذي استطاع أن يفهم الأسلوب الفكري للتنظيم الإرهابي، ومن خلاله للتنظيمات الإرهابية التي صارت تنشط عبر الانترنت وتوصل رعبها إلى أكثر من مكان في العالم.
(روبرت فورد) الذي يعد واحدا من أكثر الخبراء الأمريكيين نشاطا في مجال الانترنت، اعترف بأنه وجد تنافسا رهيبا مع الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى فرض وجودها وذكائها معا. فالإرهابي لا يهمه سوى أن يوصل رسائله إلى إرهابي آخر وحين يلقى القبض عليه يبقى أمامه إما الاعتراف وإما الاعتزاز بما فعله، لأنه في النهاية استطاع أن يتحدى القوى العظمى بأساليب لا تخلو أحيانا من البدائية..مشكلة الأمريكيين اليوم أنهم أمام صراع حقيقي بين انترنت الاحتلال وانترنت الإرهاب. وفي كلتا الحالتين ثمة إرهاب شبه واحد هو الذي يخيم على العالم، والذي عبره تكثر التنظيمات المسلحة هنا وهناك لتنشر رؤوس ضحاياها عبر الانترنت كما يحدث في العراق مثلا. الأمريكيون عجزوا عن تحديد الطبيعة العراقية وعجزوا عن كشف مخابئ الجماعات النشطة هناك بمن فيهم الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة والتي تسعى في النهاية إلى نقل الحرب إلى دول كثيرة في الجوار، عبر إغراق المنطقة في نفس الإحساس بالضغينة نحو الآخرين.. جريدة (الأوبزيرفر) البريطانية تساءلت بتاريخ 10يوليو الماضي عن الحل لأزمة (الإرهاب الإنترنتي)، أي إرهاب الانترنت الذي ظهر في السنوات الأخيرة ليخلط الأوراق، وليكشف الوجه الآخر من المؤامرة على العالم أيضا.. الآن بالذات والأوضاع العامة تسير نحو الانفجار في أكثر من بقعة في العالم. زمن (سلفادور أليندي) قد ولى وهذا زمن آخر قالها (جيمس سنيكر) الذي ساهم في عملية الإطاحة بالرئيس التشيلي المنتحر. كان أسلوب اختراق أجهزة الآخرين لعبة أمريكية محضة سرعان ما طورتها إسرائيل لصالحها في الثمانينيات وفي التسعينيات. ها هي اليوم تضيع من أيديهم وتصير لعبة بوجهين وجه الإرهاب والإرهاب المضاد، فما اقترفه الأمريكيون والإسرائيليون إعلاميا شيء فظيع، يقول (دونالد هاربر) من وكالة الصحافة الأمريكية، ولهذا حين جاء الإرهاب الآخر صارت العملية متشابكة، و انتشرت لغة العنف والدم والرؤوس المقطوعة لتحتل واجهة المواقع المتطرفة. اليوم ليس ثمة شيء اسمه (أنا سيدك) أمام أشخاص يعملون خلف الشاشة لنشر الرعب بكل أشكاله فأنت من الآن لم تعد في مأمن حتى وأنت جالس في بيتك، لأن الإرهاب يحتلك عبر الانترنت يقول (جريمي ستالون) من جريدة (الواشنطن تايمز) ولهذا لا شيء صار نافعا لوقف حرب الاستنزاف الالكترونية سوى النظر إلى شكل المدن وهي تنهار الواحدة تلو الأخرى.

..... الرجوع .....

العنكبوتية
الاتصالات
هاي تك
الالعاب
الركن التقني
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
دليل البرامج
اقتصاد الكتروني
امال . كوم
اخبار تقنية
دكتور .كوم
الحكومة الالكترونية
معارض
منوعات
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved