الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 12th June,2005 العدد : 119

الأحد 5 ,جمادى الاولى 1426

لماذا تكون الأخطار كامنة في الحوسبة
هل يكون العيب في تصميم الأجهزة؟؟
* إعداد طارق راشد:
هناك بعض العبارات التي تعتبر صواباً يقيناً، مثل: أنا ذكر راشد.
وهناك بعض منها يعتبر خطأ يقيناً، مثل: أنا أستطيع التنفس تحت الماء. وهناك أيضا بعض ثالث يحتاج إلى مزيد من المعلومات، مثل: أنا أعيش في منزل به حمام بلاطه أخضر.
فأنت بمقدورك القيام بزيارة إلى منزلي، وبوسعك سؤال أفراد أسرتي ، فالأمر قابل للحسم شريطة قدرتك على الحصول على بعض من المعلومات الإضافية. غير أن هناك بعضاً من العبارات غير قابل للحسم تماماً، فحتى في وجود معلومات إضافية أو إن شئت الحقيقة قل: حتى في وجود كافة المعلومات الممكنة لا يمكن البت في صواب أو خطأ هذه العبارات. وأشهر مثال لهذا هو: (هذه العبارة خطأ).
فإذا كانت العبارة صواب، فهي إذن خطأ، أما إذا كانت خطأ، فهي حينئذٍ صواب. إنها عبارة جيدة تماماً من حيث الصياغة، وهي صحيحة نحوياً، ولكننا لا نستطيع أن نحكم عليها بالصواب أو الخطأ. هذه هي نوعيات العبارات التي تحير الأطفال وتتسبب في إرباكهم، ولكنها أثبتت أنها لعنة تطارد الرياضيين الذين يكمن غرضهم في الحياة في تقرير ما إذا كانت العبارات الرياضية جيدة الصياغة صواب أم خطأ. فإذا كانت العبارات التي من قبيل (هذه العبارة خطأ) لها ما يناظرها في لغة الرياضيات، إذن فهناك عبارات لا يمكن الحكم عليها، وبذلك يكون الرياضيون كلفوا أنفسهم بمهمة مستحيلة.
اكتسب هذا الأمر أهمية في مطلع القرن العشرين، وذلك عندما حاول الرياضيون من أمثال ديفيد هلبرت David Hilbert وكيرت جوديلKurt Gudel تأسيس علم الرياضيات على أدق أسس ممكنة، حيث كانوا يحاولون إثبات أن الرياضيات تامة ومتساوية الأجزاء.
ولسوء الحظ فإن ما تمكن هؤلاء الرياضيون من إثباته هو أن الرياضيات ليست كذلك، غير أنهم وهم في طريقهم نحو ذلك الاكتشاف تمكنوا من اختراع أجهزة الحاسب، وساعدوا في تحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية، واستطاعوا بناء (عصر المعلومات) الحديث الذي نعيش فيه الآن.
أما الشخص الذي كان مسئولاً أكثر من غيره عن وضع أسس هذا العمل فهو العبقري الذي لا يضارع ألان تورنجAlan Turing. لم يتوصل تورنج فحسب إلى حل لمسألة الحسم Decidability Problem ، غير أنه فعل ذلك بأسلوب إبداعي يبين لنا كيفية بناء رياضيين آليين، ألا وهي أجهزة الحاسب التي تمكنت لأول مرة من حل لغز ماكينات الشيفرة (إنيجما) Enigma الأمر الذي أدى إلى تحويل دفة حرب الغواصات الألمانية UBoat ثم حل كل شيء بداية من كشوف الرواتب إلى عمليات إطلاق الصواريخ.
لقد فعل تورنج هذا من خلال تصميم الآلة التي عرفت فيما بعد باسم (آلة تورنج) Turing Machine، وهي نموذج مثالي لرياضي يعالج رموزاً رياضية، فيحول العبارات إلى عبارات بديلة، مقترباً من التوصل إلى حل لأي صيغة يمكن التعبير عنها من صيغ العمليات الحسابية.
كان بالآلة شريط طويل لا نهائي يحتوي على خلايا متميزة كل منها يحتوي على رمز.
وكان بالآلة أيضاً وحدة تستطيع قراءة أو كتابة تلك الرموز، مع تقرير موقع وقيمة الرمز المكتوب بواسطة مجموعة صغيرة من القواعد البسيطة بناء على القيم المقروءة.
وتتحرك الوحدة بطول الشريط لقراءة الرموز وتغييرها من أجل تغيير محتويات الشريط من (المسألة) الأصلية إلى (الحل) النهائي. وعندما يتولد الحل النهائي، تتوقف آلة تورنج.
فأي مسألة تتوقف فيها الآلة تكون مسألة قابلة للحل أو (قابلة للحسم)، وأي مسألة لا تتوقف فيها الآلة تكون (غير قابلة للحسم).. لقد أثبت تورنج أن هناك عبارات رياضية جيدة الصياغة لن تصل الآلة في حلها إلى مرحلة التوقف أبداً، وبالتالي فإن هناك بالفعل عبارات غير قابلة للحسم.
تعتبر آلة تورنج فكرة في غاية الفعالية من حيث إنها تزود الرياضيين بطريقة آلية بسيطة لدراسة مهمتهم. ولكن آلة تورنج التي يتم بناؤها فعلاً تعتبر أكثر فعالية إلى حد بعيد، فهي تتحول إلى رياضي آلي بالكلية، أو حاسب آلي قابل للبرمجة وقادر على إنجاز أية عملية حسابية.
ولعل أهم الخطوات التي اتخذت في هذا الاتجاه اتخذت على يد زميل تورنج السابق في برنستونPrinceton وهو جون فون نيومان John von Neumann. فقد أنتج نيومان التصميم اللازم لتنفيذ الآلة تصميماً ملموساً، ومن ثم أعطانا الحاسب الآلي الحديث. وبلغة الرياضيات، فإن أي برنامج حاسوبي ما هو إلا آلة تورنج، والحاسب الآلي أو الجهاز القادر على تشغيل آلة تورنج من أية نوع يسمى آلة تورنج عامة Universal Turing Machine، وهي عبارة عن نموذج رياضي قادر على تفسير أي نموذج رياضي.
بيد أن احد ملامح العمل الذي قام به تورنج تمثل في بيان أن هناك برامج لا يمكن أن تصل إلى درجة التمام، وهي البرامج المناظرة لعبارة هذه العبارة خطأ، وبالتالي لا يمكن حسمها. فما الذي يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى أمن المعلومات؟ في الأساس نحن نريد أن نعرف مسبقاً ما إذا كان أي تسلسل بعينه من التغييرات الطارئة على البيانات وهي البرنامج سوف يكون ضارا أم غير ضار.
لسوء الحظ أن فريد كوهين Fred Cohen تمكن في عام 1986 من إثبات أن مشكلة تقرير ما إذا كان أحد البرامج فيروساً أم لا هي مشكلة غير قابلة للحسم. فإذا قامت آلة تورنج بإجراء تحليل لهذا البرنامج، فإنها لن تتوقف أبداً، والسبيل الوحيد إلى تقرير أثر البرنامج هو تشغيل هذا البرنامج فعلاً ورؤية ما يحدث.
تعتبر هذه النتيجة ذات أهمية بالغة، فهي تعني أن مهمة البرنامج المضاد للفيروسات مهمة مستحيلة رياضياً. وبالقياس فإن مهمة التقرير المسبق لما إذا كان أي برنامج سيحدث أثراً ضاراً هي مهمة مستحيلة كذلك. والسبيل الوحيد للتوصل إلى طبيعة ما سيفعله البرنامج في الواقع يتمثل في السماح له بالعمل ثم فحص حالة ذاكرة الحاسب.
فإذا كانت مهمة أمن المعلومات هي التنبؤ بما إذا كان برنامج بعينه سيكون له أثر ضار على حالة البيانات، إذن فهي مهمة مستحيلة.
فحوى الكلام أن النموذج الرياضي للحوسبة يحتوي على مخاطر كامنة بداخله فنحن نعرف أننا لا نستطيع أن نعرف مسبقاً ما إذا كان شيء ما سيحدث ضرراً أم لا.
وفي هذا الصدد أستعير عبارة الزميل ستيفن كاستيلStephen Castell التي تقول إن الحواسب غير آمنة بطبيعتها، سواء أكانت مصممة وفق نموذج فون نيومان أو غيره من النماذج البنيوية. بالطبع هذه النتيجة ليست بالقول الفصل، فالبرامج المضادة للفيروسات موجودة وهي تؤدي مهمة غاية في الأهمية، تماماً كما تفعل نظم اكتشاف التطفل intrusion detection systems ونماذج الذاكرة المعزولة segregated memory models ومجموعة من الحلول الأخرى. ولكن ينبغي أن نكون على وعي بأن كل واحد من هذه الحلول ليس بوسعه فعل أي شيء سوى سد الثغرة التي تنفتح من حين لآخر في الجدار، ومن أجل الحماية الحقيقية للمعلومات، نحن بحاجة إلى الاستعانة بشيء غير متقيد بنموذج آلة تورنج.
إننا بحاجة إلى أن نخطو خارج المشكلة وندرسها على نحو مختلف، نحن بحاجة إلى تطبيق المنظور الإنساني الواقعي عليها، وهو المنظور الذي ينبهر بعبارة هذه العبارة خطأ، ولكن لا ينخدع بها.

..... الرجوع .....

العنكبوتية
الاتصالات
وادي السليكون
هاي تك
الالعاب
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
قضية تقنية
دليل البرامج
اخبار تقنية
تجارة الالكترونية
جديد التقنية
دكتور .كوم
الحكومة الالكترونية
منوعات
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved