الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 14th December,2003 العدد : 49

الأحد 20 ,شوال 1424

البث الرقمي
ثورة تقنية لرحلة إذاعية عمرها ثمانون عاما

* إعداد: طارق راشد
كان للتقدم التقني في القرن العشرين دور أساسي في تغيير نمط حياتنا اليوم، والاستخدام الحديث للبث الرقمي في بريطانيا العظمى أحدث لدى علماء التقنية شعورا من الحماس المهيب تجاه الإمكانيات غير المحدودة للعصر الرقمي الجديد، وقد توافرت تقنية البث الرقمي لقلة قليلة في مراحلها الأولى، ولسوف تستغرق ما يقرب من عشر سنوات حتى تصبح طريقة جديدة للحياة.
سيترك البث الرقمي Digital Broadcasting أثراً عميقا على أنماط المشاهدة والثقافة الشعبية وهوية المستمعين. وبإلقاء نظرة على تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية المعروفة باسم البي بي سي والهدف الأساسي من بث الخدمة العامة، نعرف كيف تحولت البي بي سي بفضل منهج جون ريث الناجح في عملية البث، إلى هيئة وطنية لخلق الثقافة الشعبية والهوية الوطنية، وكيف تحظى هذه الخطوات والأفكار الأولى بدور كبير في تقديم البث الرقمي اليوم، وما إذا كان للقيم التي أرساها جون ريث أي معنى في مجتمع اليوم، وأخيرا ما التأثير الذي ستضيفه هذه التغيرات على المجتمع البريطاني بأكمله، وهل الخوف من التغيير قد تم تبريره ؟.
جودة الصورة
يمتاز البث الرقمي بآلاف الخدمات الجديدة التي يمكن تقديمها للمشاهدين والمستمعين، فبدلا من تحويل الصورة والصوت إلى موجات، فإن التكنولوجيا الجديدة تحولها إلى سلسلة من الأرقام التي يمكن نقلها عبر الهواء ثم استقبالها بواسطة الهوائي الخاص بالتلفزيون أو الراديو، ويتميز البث الرقمي بأنه أكثر كفاءة من الاتصال التناظري analogue الأمر الذي يجعله قادرا على توفير مساحة لست قنوات في حين أن الأخير يمنحك قناة واحدة فقط، والبث الرقمي يوفر لك صورة أكثر وضوحا، صوتا أكثر نقاءً وجودة، بالإضافة إلى المزيد من الخيارات والأسلوب السينمائي، والحقبة الجديدة تمنح المستمعين قدرا أكبر من التفاعل مع قنوات البث بالإضافة إلى فرص التسوق، وحجز الرحلات، والمعاملات المصرفية، والاشتراك في الألعاب، وكل ذلك بواسطة التحكم عن بعد.
لم يستفد التلفزيون فحسب من التكنولوجيا الرقمية، فإن الراديو أيضا سيقدم للمستمع نبرة مختلفة تماماً عما كان معهوداً من قبل، فجودة الصوت ستكون نقية نقاء الكريستال وخالية من أي تشويش، وستكون أجهزة الراديو الرقمية الجديدة على لوحة عرض مضمَّنة تعرض الصور والبيانات والأرقام المرتبطة بالبرامج التي تستمع إليها.
فرص و مخاطر
هذه هي التطورات التي توقعناها خلال رحلة بث استمرت 80 عاما، والتغيير التكنولوجي الجديد يعد بمثابة ثورة لأن الراديو ظهر منذ 75 سنة بينما التلفزيون بعده ب 25 سنة، وسوف ننتقل بين عشية وضحاها من عالم الندرة المحدود إلى عالم الغزارة حيث تتوافر الخدمات بلا حدود.
إن الخوف من التغيير كبير كما كان الحال منذ 77 عاما عندما بدأت عملية البث، والعالم الرقمي يجلب المخاطر كما يجلب الفرص، فهناك الخطر من أن عولمة الثقافة قد تهدد الهوية الوطنية، ومن أن المتحكمين في البوابة القوية قد يقيدون التعددية بدلا من تعزيزها، والخوف من ظهور مجتمع من طبقتين أغنياء الإعلام وهم المستعدون القادرون على الدفع من أجل إعلامهم الباهظ المتنامي، وفقراء الإعلام من غير القادرين على عمل ذلك، هل هذه المخاطر تؤثر على الحياة؟ كيف يمكننا تجنب هذا المأزق؟
الاذاعة للجميع
لقد اتبع استخدام البث الرقمي نمطا مشابها لظهور البث نفسه منذ 77 عاما عن طريق إتاحته التدريجية للجميع. وتم تأسيس هيئة الإذاعة البريطانية British Broadcasting Company عام 1922، وكانت ملك اتحاد مالي لمصنِّعي الراديوهات.
يقول بيتر إيكرسلي وهو أحد الموظفين الأوائل في الشركة «لقد أُنشئت الإذاعة البريطانية كحل ملائم لمشكلة فنية»، كانت الحكومة قد قررت عدم السماح بتوفير الإذاعة للجميع، ولذا قررت البي بي سي بقيادة جون ريث البالغ من العمر 33 عاما أن تعمل على اختراع البث، كانت البي بي سي قد أُعدت كخدمة عامة مما يعني أن الإمداد يجب أن يكون عبارة عن بضائع عامة وليست خاصة.
لقد تم التوصل إلى قرار تمويل الخدمة العامة عندما ارتفع الإحساس بأن الإعلانات يمكن أن تقلل من عدد البرامج التي يتم بثها، و للتحرك بعيدا عن تدخل الحكومة، فإن قيام أصحاب أجهزة الراديو بدفع ضريبة المهنة للهيئة يعني توفر الأموال التي يمكن إعادة استثمارها في بحث وتطوير الخدمة، تم أخذ القرار الخاص بالإعلانات من قِبَل لجنة سايكس 1923 نظرا للتأثير الضار الذي أوقعته على البرامج في أمريكا.
إن الفكرة الأمريكية عن البث اعتمدت على الحرية بينما الفكرة البريطانية لجون ريث كانت مختلفة تمام الاختلاف.
الإبداع المبكر
في عام 1926، قررت لجنة كراوفورد أن تكون البي بي سي أكثر انتقاء في برامجها، كما اقترحت أن«خدمة البث يجب أن تتم بواسطة شركة عامة تعمل كقيِّم للمصلحة الوطنية وأن تتطابق مكانتها وواجباتها مع الخدمة العامة»، الإبداع المبكر لبث الخدمة العامة جعل البي بي سي تبدو كوسيلة تثقيفية وتعليمية وليست ترفيهية فحسب.
لقد ارتبطت البي بي سي عن قرب بحركة تعليم البالغين لتصبح جزءا مكملا لحياة البالغين بعد ترك المدرسة في سن الرابعة عشرة، إن التزام ريث بالخدمة العامة يعني أنها كانت عالية الجودة، كما أن التقليد الذي اتخذته البي بي سي كخدمة عامة رسَّخ فكرة المثالية لدى رواد البث، الذين شعروا أنه يمثل ميزتهم الفريدة، وفي المراحل الأولى للبي بي سي، لم يكن جون ريث وحيدا في عدم ارتياحه للثقافة الشعبية، ولذا في الخمس وعشرين سنة الأولى من البث، كان من الملاحظ وجود شد وجذب بين ما أراده الجمهور وبين ما كان ينبغي عليهم أن يريدوه.
قلق على الهوية
إن منهج «القبضة الحديدية» البيروقراطي لجون ريث وضع البي بي سي في قالب جعلها شخصية متفردة كان من أثر احتكارها الطويل أن خلقت هيئة وطنية للبريطانيين، وبعد تطور سلسلة صغيرة من الشبكات الإقليمية، أصبحت البي بي سي هي شبكة البث الوطنية الأولى، وأصبحت حفلة التتويج في 1973 هي أكبر حدث وقتئذ في تاريخ البث، هذه الاختراعات الجديدة، مثلها مثل الخدمة الرقمية في كثير من الوجوه، كانت في الأصل متوفرة لقلة قليلة فقط حتى قام ريث بفتح المجال كي يصل إلى الجماهير، وبحلول الثلاثينيات، كان 70% من الأسر تمتلك جهاز راديو، ولكن هذه النسبة كانت عبارة عن 70% من البريطانيين وغير مقصورة على اللندنيين فحسب، كان العداء ينشب بين الشمال والجنوب نظرا لتمركز البث الإذاعي في لندن، لقد خشي أهل الشمال من ضياع هويتهم الإقليمية عبر الاستخدام المتجاوِز للهجات الإقليمية، نفس القلق انتاب وزارة الإعلام، وتم اقتراح «عمل شيء من أجل تقليل الهيمنة الحالية للصوت الثقافي عبر (الاتصال) اللاسلكي، ويجب بذل كل الجهود من أجل توصيل صوت الطبقة العاملة إلى الميكروفون».
تلاشي المثالية
أدى الإضراب العام الذي حدث في 1962إلى توقف الإنتاج الإعلامي، الأمر الذي جعل الاستماع إلى الأخبار يكون عبر الإذاعة فقط وذلك لأول مرة، في ذلك الوقت أراد وينستون تشرشل السيطرة على البي بي سي، واستغلالها في الدعاية المعتدلة، ولكن ريث كان معارضا تماما لهذه الفكرة، وكانت حججه ناجحة، وقامت البي بي سي بتشغيل نفسها والاستمرار في تقديم الخدمة العامة معتمدة على موارد الطاقة الخاصة بها خلال فترة الإضراب، وعندما انتهى الإضراب، علق ريث قائلا «نظرا لأن هيئة البي بي سي والحكومة كانتا تعملان من أجل الناس خلال هذه الأزمة، فإن البي بي سي كانت تعمل لصالح الحكومة أيضا».
هذه النزاهة بينت الخطوة الأولى لاستقلالية البي بي سي، وقد حدثت التغيرات الكبرى في البث خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، حيث تم إلغاء قرار مبدئي بعدم البث خلال الحرب، وكان هذا يعني القيام بشن حملة توظيف ضخمة بعد استدعاء معظم موظفي البي بي سي للانخراط في الجيش، وشهد هذا بداية نهاية المثالية ضيقة الأفق التي سيطرت على البي بي سي ومكَّنت الجماهير من الوصول في النهاية إلى ما يريدون، وخلال الحرب حدث تحول في تقديم البرامج، حيث قدمت البي بي سي استخدامها الحيوي الأول لحوار المستمعين، فقامت بسؤال الجنود في الثكنات حول ما يريدون سماعه، ثم أذاعته لهم، وكان هناك تركيز على القوة في تقديم البرامج بهدف التسلية ونقل الأخبار خلال فترة الحرب من أجل المحافظة على الروح العالية والمعنويات.
حقبة الشاشة البلورية
في عام 1945، تم تعزيز الخدمة العامة للبي بي سي عن طريق استخدام التلفزيون، ووصف جون ريث التلفزيون بأنه «خطر اجتماعي من الدرجة الأولى»، وهو ما بدا تصريحا غريبا، ولكن ربما قد شعر أنه بعد سنوات من إعداد وتهيئة الإذاعة للنجاح، سيأتي التلفزيون ويسرق الأضواء، وفي 1955 فقدت البي بي سي احتكارها الطويل للبث، فقد قامت الخدمة الجديدة آي تي في ITV التي نشأت بواسطة الإعلانات بإيجاد طرفي قوة، كان يعتقد أنه سيفيد صناعة البث، أتت خدمة آي تي في ومعها هيئة البث المستقلة Independent Broadcasting Authority (التي تعرف اختصارا بآي بي أيه IBA والآن آي تي سي ITC)، وكانت مهمتها هي تنظيم القناة، كان ظهور خدمة آي تي في تحديا للبي بي سي بالرغم من أن النموذج الأصلي لجون ريث لبث الخدمة العامة كان قد احتواها عبر تقديم برامج إخبار ية، وتعليمية، وترفيهية، وكلها خدمة عامة.
كسر الاحتكار
لقد شهدت السنوات العشرون الماضية الكثير من التغيرات على خريطة البث البريطانية، فقد ظهر التلفزيون والتليتكست (النص عن بعد) والتلفزيون المباشر، وحظيت جودة الصوت والصورة بتطور فني كبير، وقامت قنوات أرضية جديدة مثل القناتين الرابعة والخامسة بتقديم خيارات أفضل للمشاهد ومثَّل التدفق المتنامي للمحطات الإذاعية المستقلة الجديدة مثل Virgin 1215 و Talk Radioتحديا لاحتكار بي بي سي الطويل. وقامت البي بي سي نفسها بتقديم خدمة Radio5 ثم أعادت إطلاقها تحت اسم Radio Five Live لتكون محطة أخبار ورياضة تعمل على مدار 24 ساعة.
إن التقدم التكنولوجي في السنوات العشر الماضية ساهم في تقديم مزيد من الخيارات للبريطانيين، وقامت شركات البث سكاي SKY و كيبل Cable بتقديم نطاق واسع من البرامج التي وفرت مصادر جديدة للترفيه، وفي عام 1937 عندما تم بث نهائيات كأس كرة القدم لأول مرة عبر الإذاعة، حصلت محطة سكاي سبورتس Sky Sports على حق بث نهائيات كأس العالم للكريكيت عام 1992 مما أدى لارتفاع كبير في المبيعات.
الدفع مقابل المشاهدة
لقد تغير التلفزيون الارضي في كثير من الوجوه منذ استخدامه في الخمسينيات، فقد ارتفع عدد القنوات من اثنين إلى خمس، وتحسنت جودة البرامج بشكل كبير، إن الروح الجماعية الأولى للخدمة العامة التي قادها جون ريث كما أسلفنا خلقت قاعدة لمستقبل البث، وهو مازال يمثل مستقبلا حتى هذه اللحظة، أما استخدام البث الرقمي، فسيحدِث في النهاية تغيرا في بث الخدمة العامة وليس نهاية لها، وهناك مرتابون وشكاكون أوجدهم البث الرقمي، ولكن بالتأكيد فإن هذا التغيير سيكون مفيدا للمشاهدين، ولكن هل سيكون ذلك في صالح البي بي سي؟
إن الهدف الجديد لبث الخدمة العامة التي تدخل الألفية الجديدة يشبه قائمة ضخمة، وبخلاف القيم التي وضعها ريث في البداية حيث يتم عرض برامج تم اختيارها مسبقا للجمهور، فإن المشاهد القادر على الدفع يمكنه اختيار البرنامج أو أية نوعية خاصة من البرامج التي يريدها هو في أي وقت، ولهذا، فإن البث أصبح نمطا مختلفا عن الخدمة العامة، بمعنى إنشاء نظام الدفع المالي مقابل المشاهدة والذي يوفر خيارا عالمي الانتشار.
إن نظام الدفع مقابل المشاهدة لشركة ONDigtal هو الأول في بريطانيا، ويزعم ستيفن جرابينر المسئول التنفيذي بأن «بحثنا يبين أن هناك نسبة كبيرة من عدم الرضا بخدمة التلفزيون المدفوع الحالية، إننا نعرف أن الناس تريد مزيدا من الخيارات، وهم على استعداد للدفع من أجل الحصول على ذلك، ولكنهم أيضا في حاجة إلى من يقدِّرهم».
ملكية البث
ومن الممكن أن يشكل معيار تقديم البرامج مجالا مفتوحا للأسئلة نظرا لأن توفر الكثير من القنوات قد ينشأ عنه نقص في الجودة، وبالنسبة لنقص الجودة هذا، فإن البي بي سي يمكنها اجتياز هذه العقبة التي قد يفشل فيها الآخرون، فقد التزمت البي بي سي طوال تاريخها الذي يمتد على مدار 77 عاما بالخدمة العامة، ودورها كشبكة بث رقمية يعني حماية الثقافة الوطنية عن طريق التعبير عن نطاق واسع من المواهب البريطانية على المستويين العالمي والبريطاني، ويمكنها تشجيع التعددية من خلال توفير تشكيلة من الخدمات الجديدة والخيارات الكثيرة على نحو أكثر عمقا ودلالة، أما أهم طريقة تستطيع بها توفير الجودة فتتمثل في أسلوبها الفريد في الحصول على التمويل، حيث أن حصولها على ضريبة المهنة يعد أمرا إجباريا للحفاظ على ملكية البث، وتمثل الشهرة المتجددة لأفلام الفيديو عاملا آخر ساهم في فقدان المشاهدين، فالأفلام الجديدة حتى الوقت الحديث تتوافر على شرائط الفيديو بشكل أسرع من بثها عبر قنوات سكاي أو القنوات الكابلية أو الأرضية.
أجراس القلق
وتقوم خدمة سكاي الجديدة والمتمثلة في محطة Box Office بعرض أحدث الأفلام حسب الطلب، وهي الخدمة الأولى من نوعها في المملكة المتحدة، وسيكون لها تأثير في خفض نسبة مشاهدي القنوات الأرضية، و مشاهدي السينما أيضا، لقد كان ضمن مشروع قانون البث لعام 1990 أن تحل لجنة التلفزيون المستقلة
Independent Television Commission (المعروفة اختصارا باسم آي تي سي ITC) محل هيئة البث المستقلة IBA.
ومع تطور القنوات الكبلية والفضائية، دقت أجراس الإنذار بقلق حول نقص البرامج ذات الجودة، وتمثل الدور الجديد للجنة آي تي سي في منح تراخيص للهيئات ومنظمي القنوات وقام بتغطية كافة القنوات غير التابعة للبي بي سي، وهو ما كان يعني أن الشركات الجديدة لن تهرب من عواقب البث مهما حدث،وكانت هذه اللجنة تختلف مع سابقتها في أنها لن تكون هيئة للبث أو ناشرة للبرامج، وشهد المستقبل منافسة أكبر لمحطات التلفزيون التجارية، وطُلب من لجنة آي تي سي إصدار رخصة لمؤسسات البث المحتملة والوفاء بالإرشادات العامة التي وضعت من اجلها.
موت المشاهدة الأسرية
ونظرا لسهولة الحصول على الترفيه بشكل أكبر، فإن التغييرات في أنماط المشاهدة تزداد مع توفر المزيد من الخيارات المعروضة للمشاهد، وكان موت المشاهدة الأسرية هو أحد إفرازات الفضائيات، وغالبا ما يحدث هذا بشكل اكبر في أسر الطبقة المتوسطة الذين يمكنهم تحمل الإنفاق على أكثر من قناة فضائية، وبدلا من النقاش حول مادة المشاهدة، فإن الأب والابن يشاهدان كرة القدم في غرفة واحدة بينما تكون الأم في المطبخ تشاهد أي شيء آخر، ويُضرب هذا كمثل على انقسام المشاهدين، وعندما قامت BskyB بشراء حقوق بث المباريات عام 1992، كان يتحتم على المشاهد الذي يريد مشاهدة كرة القدم، أن يراها فقط على هذه القناة ولهذا لم يكن على الناس أن تذهب إلى مكان آخر لرؤية العرض، وعلى نحو جديد، ثار الضجيج حول أخذ مباريات كرة القدم بعيدا عن القنوات الأرضية وجعل الناس يدفعون المزيد من الأموال، ولكسب المزيد من المشاهدين، كان على شركة Murdoch أن تضخ أموالا ضخمة للأندية من أجل شراء لاعبين مهرة وبالتالي تجعل تغطية المباريات تستحق الدفع، وكانت هذه الفكرة نقطة انطلاق كبرى للشركة، بعد ذلك عاد بث مباريات كرة القدم عبر التلفزيون الأرضي حيث قامت آي تي في بشراء حقوق بث مباريات الدوري وبطولة أبطال أوروبا، كما أن حرية الاختيار يمكن أن ينجم عنها نقص في جدول المشاهدة بحيث يمكن أن تهدد مشاهد القنوات الأرضية بشكل أساسي.
وقد فقدت البي بي سي عبر السنوات العشر الماضية الكثير من احتكاراتها في البطولات الرياضية، حيث قامت محطة BskyB باقتناص بطولة الدوري المحلي، والملاكمة، والجولف والكريكت، ومع توافر العديد من القنوات المتخصصة لدى BskyB، فإنها تكون مفتوحة لنقل الأحداث الرياضية إلى وسط الأسبوع أو المساء خلال وقت الذروة للقنوات الأرضية، وأصبحت أنماط المشاهدة متفرقة على نحو جوهري.
تراجع الدراما
وهناك مقال نشرته إحدى الصحف مؤخرا وجه تحذيرا إلى البي بي سي في أن تبدأ إنتاج مزيد من الدراما ذات الجودة المرتفعة بالإضافة إلى أفلام تسجيلية بدلا من برامج المسابقات الرخيصة، ولكن يبدو أن البي بي سي قد رضيت بالمؤخرة لعدم استخدام أموال دافعي ضرائب المهنة واستثمارها في الحفاظ على البطولات الرياضية الوطنية التي تحظى باهتمام الجماهير بكل تأكيد، وربما إن قامت بعمل ذلك، فلن تكون بحاجة إلى إنتاج برامج المسابقات الرخيصة لملء الوقت.
توافر المزيد من الخيارات سيؤثر بشكل مطرد على الطريقة التي ندير بها حياتنا، لقد كان يحدث منذ وقت طويل أن نهرع إلى البيت قادمين من العمل من أجل مشاهدة برنامج معين، كما أن استخدام الفيديو شهد سقوط جدول البرامج بالإضافة إلى انهيار الإعلانات على القنوات التجارية، فإذا تم تسجيل البرنامج على الفيديو، فمن المفضل أن يتم تقديمه خلال الفقرات الإعلانية، وهو ما يعني تجاهلها، ولكن هذا يتسبب في بث الإعلانات مرة أخرى بشكل متكرر على القنوات الأخرى في نهاية المطاف، الأمر الذي يعني أنها ستصل إلى المشاهد.
مكونات إضافية
ونحن نتحرك نحو الألفية، فقد أصبحنا أكثر اعتمادا على الكمبيوتر، ووجود صورة تلفزيونية رقمية يعد مكونا إضافيا على أجهزة الكمبيوتر الشخصية الخاصة بنا، فهي تعرض لنا ميزة جديدة تضاف إلى أجهزتنا، ولكنها أيضا تحدِّث التلفزيون بتحويله إلى كمبيوتر، وتحاول تكنولوجيا «المعالج» wizard للقرن الواحد وعشرين أن تجعل حياتنا اسهل بقدر الإمكان عن طريق جعل المشاهد يفعل كل شيء بلمسة زر على واجهة شاشة كبيرة كان يُطلق عليها اسم «تلفزيون»، لقد تغيرت فكرة جون ريث المبدئية عن بث الخدمة العامة في الوقت المناسب، أولا، لقد تغيرت مع استخدام آي تي في، ومنذ ذلك الوقت أعيد تشكيلها مع ظهور آي تي سي، وهي الآن تتصل بحاجات المجتمعات، لقد حكم ريث البي بي سي في تلك الأيام الأولى «بقبضة حديدية» فيما يشبه إلى حد كبير سيطرة روبرت مزدوج على شركة BskyB بالرغم من أن البحث عن السيطرة على الإعلام العالمي لم تكن ما يدور بخلد ريث.
لقد تطورت عملية بث الخدمة العامة مع الزمن، ولكن ظهور التكنولوجيات الجديدة والخدمات الأفضل هو السبب الرئيسي وراء التغيرات في أنماط المشاهدة، فيستطيع المشاهدون أن يتفرجوا على العديد من الأشياء المختلفة في نفس الوقت، وفكرة أي شخص عن الترفيه اليوم تختلف على الأرجح عن تلك التي يحملها شخص آخر، إن البث الرقمي يحل المشكلة عن طريق توفيره لمميزات أخرى.

..... الرجوع .....

العنكبوتية
وادي السليكون
الالعاب
الركن التقني
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
دليل البرامج
نساء كوم
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved