الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 15th February,2004 العدد : 56

الأحد 24 ,ذو الحجة 1424

قوانين ضوابط الاتصالات والحلول التقنية لمشكلات الانترنيت
قوانين الرقابة تواجه تيارات الرفض وحرية التفكير

إعداد: طارق راشد
تعد الإنترنت مكانا رائعا للترفيه والتثقيف معا ولكنها ـ شأنها شأن جميع وسائل الترفيه التي يستخدمها ملايين البشر ـ تضم بعض الجوانب المظلمة التي لا يراد للأطفال استكشافها، وفي العادة يخطط المجتمع بأسره لحماية الأطفال، ولكن دون أن تكون هناك قيود اجتماعية أو مادية على تصفح الإنترنت. وقد تم طرح مشروع قانون الرقابة على الإنترنت:
(Internet Censorship Bill) لسنة 1995 ـ المعروف أيضا بقانون إكسون/كوتس لآداب الاتصالات (Exon/Coats Communications Decency Act) ـ في الكونجرس الأمريكي، وهو يجرم إتاحة أي شيء غير لائق للأطفال أوإرسال أية مادة غير لائقة «بنية إزعاج الأطفال أو الإساءة إليهم أو تهديدهم أوالتحرش بهم».
الرقابة بين الرفض والقبول
ويكمن هدف مشروع هذا القانون ـ كما هو مدون، لا حسبما ذكر مؤيدوه ـ في محاولة جعل جميع الأحاديث العامة على الإنترنت مناسبة للأطفال الصغار، ومسألة ما إذا كان من الضروري إيجاد رقابة على الإنترنت مسألة تتم مناقشتها في كل أنحاء العالم، وهناك العديد من الصفحات الرئيسية على شبكة المعلومات العالمية تناقش هذه القضية و تطلب من الناس توقيع عريضة لوقف الرقابة الحكومية.
وقد كانت الإنترنت في الأصل مكانا يعبر فيه الناس بحرية عن أفكارهم حول العالم، وهي تعدأيضا واحدة من أثمن نوعيات التقنية الأمريكية، فالعلماء يستخدمون البريد الإلكتروني بغرض التواصل السريع واليسير، وينشرون اكتشافاتهم العلمية الأخيرة على المجموعات الإخبارية على شبكة يوزنت (Usenet) كيما يتسنى للعلماء الآخرين في نفس الحقل الدراسي حول العالم الاطلاع عليها في دقائق.
ويستخدم الأفراد العاديون الإنترنت بغرض التواصل والتعبير عن آرائهم في المجموعات الإخبارية والحصول على معلومات حديثة من شبكة المعلومات العالمية والحصول على ملفات باستخدام بروتوكول نقل الملفات (FTP) وغيرها، والرقابة ستضر بجو حرية التعبير عن الأفكار على الإنترنت.
وفي مجتمع الإنترنت توجد كمية كبيرة من الاصطلاحات الفنية، ولهذا السبب نجد أنه من الضروري أولا استبانة المصطلحات الخاصة بالإنترنت.
خواص الإنترنت
فالإنترنت عبارة عن شبكة حاسب عالمية، ونحن كثيرا ما نستخدم كلمة «نت» (Net) بدلا من الإنترنت، ويرى أليسون (Allison) وباكستر (Baxter) ــ وهما خبيران في الرقابة على الإنترنت بجامعة موناش (Monash) ــ أن «الإنترنت تتكون من وسائط رقمية عديدة تحتوي على الكثير من الوظائف المميزة للوسائط التقليدية».
ويعمل البريد الإلكتروني ـ الذي هو أحد مكونات الإنترنت ـ على تقريب الخطابات والمذكرات والملاحظات بل والمكالمات الهاتفية المتبادلة بين شخص وآخر، وأحيانا ما يتم إرسال الصوت والصور برفقة النصوص، والغرض الأساسي من وجود البريد الإلكتروني هو التواصل على المستوى الخاص، فقوائم المراسلات الإلكترونية أشبه بتقارير النوادي الإخبارية وعلى القراء الاتفاق على القائمة أو الاشتراك فيها.
وثمة اصطلاح آخر يستخدم كثيرا هو الأخبار الإلكترونية، وهذه الأخبار عبارة عن بث بالمجان إلى وسيط الإنترنت، وهي تمتلك بعض خواص الإذاعة أو التلفزيون ــ سيما الإذاعة أو التلفزيون المجهزان باستوديوهات ذات نظام اتصالات ــ.
أما مصطلح بروتوكول نقل الملفات(FTP) فهو أيضا كثير الاستخدام، وقد بدأ كوسيط أرشفة واسترجاع يشابه إلى حد ما المكتبات التقليدية، حيث يمكن استرجاع الملفات من الحواسب البعيدة باستخدام وسيط قائم على النصوص.
ويمكن استخدام شبكة المعلومات العالمية (WWW) ــ وهي إحدى المكونات الأخرى للإنترنت ــ لـ«نشر» المواد التي اعتدنا ظهورها في الصحف والمجلات والملصقات والكتب والتليفزيون بل وحتى السينما.
أما بالنسبة لتعبير يونيكس (UNIX) ــ «وهو اصطلاح حاسوبي شائع ــ فهو نظام تشغيل متعدد المستخدمين والمهام تم تطويره في الأصل على يد كين طومسون (Ken Thompson) ودينيس ريتشي (Dennis Ritchie) في معامل أيه تي آند تي بيل لابوراتوريز (AT& Bell Laboratories) في عام 1969لاستخدامه في الحواسب الصغيرة».
مخاض الشبكة
ومن أجل فهم هذا الخلاف يتعين أن نسرد تاريخا موجزا للإنترنت، حيث أنشئت الشبكة الدولية للمعلومات منذ ما يقرب العشرين عاما في محاولة لربط شبكة في وزارة الدفاع الأمريكية اسمها أربانت (ARPAnet) بشبكات إذاعية و شبكات أقمار صناعية أخرى عديدة، وكانت أربانت شبكة تجريبية مصممة لدعم البحوث العسكرية،سيما البحوث في مجال كيفية إقامة شبكات يمكنها مقاومة انقطاع جزئي للطاقة ـ كما في حالات الهجوم بالقنابل ـ ومواصلة العمل.
وفي نفس زمن مخاض الإنترنت تقريبا تم تطوير شبكات المنطقة المحلية (LAN)الإيثرنت، وقد جاءت معظم محطات العمل هذه مع بيركلي يونيكس (Berkeley UNIX)، وكانت تشتمل على برمجيات شبكات بنظام الإنترنت بروتوكول (IP)، مما أدى إلى إيجاد طلب جديد حيث أرادت المؤسسات ربط أربانت بشبكاتها المحلية بأكملها بدلا من الاتصال بحاسب واحد كبير مشاركة زمنية لكل موقع، ومازال هذا الطلب في ازدياد حتى يومنا هذا، والآن وقد أصبحت معظم الكليات التي تبلغ مدة الدراسة بها أربع سنوات متصلة بالإنترنت، فإن الناس يحاولون العمل على توصيل المدارس الثانوية والابتدائية.
والذين تخرجوا في كليات استخدموا فيها موارد الإنترنت في المحاضرات يعرفون فوائد الإنترنت ويتناقشون مع أرباب عملهم بشأن توصيل مختلف الشركات، وكل هذا النشاط يكشف عن نمو مستمر، ومشكلات في إقامة الشبكات يتعين حلها، وتقنيات متطورة، وأمان وظيفي لمن يعملون على الإنترنت، فالإنترنت تبدو وكأنها إذ تضم مجلسا للشيوخ وكل عضو له رأي في كيفية تسيير الأمور ويسعه المشاركة أو عدمها حيث إن الأمر متروك لاختيار المستخدم.
قوانين الرقابة
والإنترنت ليس لها رئيس أو مدير تشغيل أو باب، أما الشبكات المكونة لها فيمكن أن يكون لها رؤساء ومديرون، ولكن هذه مسألة مختلفة، حيث لا توجد شخصية وحيدة ذات سلطة على الإنترنت ككل، وكما يقول فرانسيز هانتوف (Frances Hentoff) الكاتب في ذا فيليدج فويس (The Village Voice) ومؤلف الحريات الأولى (FirstFreedoms) ــ «على طريق معلومات فائق السرعة يتولى قيادته الأفراد لا يوجد شرطيون يمنعون المستخدمين من التنزيل».
ويمكن لمستخدمي الإنترنت بث أو التعبير عن أي شيء يريدونه، وتطرح الحقيقة الكائنة بأن الإنترنت ليس بها شخصية وحيدة ذات سلطة مشكلة حول نوعية المواد التي يمكن إتاحتها على الإنترنت، وتحاول الحكومة الأمريكية الآن إجازة مشروعات قوانين لمنع إساءة استخدام الإنترنت، حيث تم طرح مشروع قانون الرقابة على الإنترنت لعام 1995 ـ تمت مناقشته فعلا في وقت سابق ـ على الكونجرس الأمريكي، وبموجب مشروع قانون الرقابة هذا يكون خارقا للقانون من يضع اختبار طهارة على صفحة على الإنترنت دون الاستيثاق أن الأطفال لا يمكنهم الدخول على هذه الصفحة.
و إذا تعدى شخص شفاهة على أي مستخدم لنظام الدردشة على الإنترنت (IRC)، فإن هذاالشخص يعتبر خارقا للقانون، وإذا كانت إحدى الجامعات التي يدرس بها طلاب ربما تقل أعمارهم عن 18 سنة تدعم مجموعات إخبارية من نوعية (alt.sex.*) والتي تحتوي على مادة للراشدين فإن الجامعة تخرق بذلك القانون، وعلى حد قول جورج ميلوان(George Melloan) الكاتب بـ وال ستريت جورنال (Wall Street Journal)، فإن هناك مشروع قانون رقابة تمت إجازته في شهر يوليو في مجلس الشـيوخ بأغلبية 84 صوتا مقابل 16، وتمت إجازة مشـروع قانون لمنع الرقابة في مجلس النواب بأغلبية 420 صوتا مقابل 4 في شهر أغسطس.
التسلل إلى المواقع
وتوجد الآن أربع مجموعات مختلفة من صياغات الرقابة ومنع الرقابة في نسختي مجلسي النواب والشيوخ من مشروع قانون إصلاح الاتصالات، والتي تعارض إحداها الأخرى ويتعين التوفيق بينها، ومن المهم كي نفهم الحاجة إلى تشريع دائم التطورأن نستجلي الخلاف ونطرح المشكلات القائمة المرتبطة بالإنترنت كما هي موجودة.
والمشكلة التي تهم معظم الناس هي المواد غير اللائقة .
وكما يوضح أليسون (Allison) وباكستر (Baxter) فإن «الموضوعات (غير اللائقة) المحتملة هي السلوك(المخدرات...)، والآراء السياسية /الاقتصادية/الاجتماعية، والعنف، والعنصرية/العرقية، والدينية، والعبارات الفجة، والتوجهات الجنسية/النوعية، والشؤون الجنسية».
وحيث إن الإنترنت مفتوحة للجميع فإن الأطفال يمكنهم أن يتعرضوا بسهولة شديدة لمثل هذه المواد. وكما يضيف أليسون وباكستر، فإن «المعلومات المتوافرة على الإنترنت، ولا سيما شبكة المعلومات العالمية، تتراوح بين جداول مواعيد القطارات ومذكرات المحاضرات الجامعية والكتب ومعارض الفنون والترويجات السينمائية وحكمة الأفراد وجنونهم .
علاوة على ذلك نجد أن كثيرا من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة توفر للطلاب مدخلا للإنترنت وهو ما يعد مفيدا جدا بالنسبة للبحث عن المعلومات، ولكن إذا كان الطالب يقصد البحث عن مواد غيرلائقة فمن الراجح أنه سيجد مثل هذه المادة بمجرد إجراء بحث على الإنترنت، وثمة جريمة أخرى خطيرة تتمثل في سرقة أرقام بطاقات الائتمان، فالشركات تمارس التجارة على الإنترنت وأرقام بطاقات الائتمان مخزونة على خوادمها، ويمكن لأي شخص لديه المعرفة الحاسوبية اللازمة التسلل إليها والحصول على قواعد البيانات تلك لأغراض غير قانونية.
إشارات حمراء
وعلى سبيل المثال فإن كيفين ميتنيك
(Kevin Mitnick)، أشهر إرهابي حاسبي، «تحاشى تسليمه وهو الآن سجين في كاليفورنيا (California) متهما بالاحتيال الحاسبي والاستخدام غير المشروع لوسيلة للدخول على الهاتف، وتشمل قائمة الادعاءات الموجهة ضده سرقة كثير من الملفات والمستندات، بما في ذلك أرقام عشرين ألف بطاقة ائتمانية من شركة نتكوم أونلاين سيرفيسيز (Netcom On LineServices) التي تزود الآلاف بمدخل إلى الإنترنت».
ويتعين على الأمريكيين التوصل إلى حل لحفظ الأطفال بمنأى عن المواد غيراللائقة ولمنع إساءة استخدام الإنترنت، وقد تمثل أحد ردود الأفعال لهذا الأمرغير القابل للتطبيق في أسلوب «راقب الإنترنت» (مشروع قانون الرقابة)، وهو مايتم مناقشته حول العالم. ولابد في البداية من شرح معنى «الرقابة على الإنترنت»، تعني هذه الرقابة ببساطة حظر المواد غير اللائقة، ومن الحتمي كي نعرف ما إذا كان من الضروري أن تفرض الحكومة رقابة على الإنترنت أن نعدد مميزات وعيوب أسلوب «راقب الإنترنت».
أما فائدة الرقابة الحكومية ـ نظريا ـ فهي أننا نستطيع أن ننأى بالأطفال والمراهقين عن المواد غير اللائقة، غير أن كثيرا من الخبراء أوضحوا أن الرقابة الحكومية أمر غير ممكن.
ويلاحظ هاورد راينجولد (Howard Rheingold) محرر مجلة هول وورلد ريفيو (WholeWorld Review) أن أسلوب (راقب الإنترنت) ليس مخطئا أخلاقيا فحسب، بل يصير مستحيلا فنيا وسياسيا».
فأولا ليس من العدل تقييد الحرية والإضرار بجو التعبير عن الأفكار بحرية لا لشيء إلا من أجل سلامة الأطفال، ويوضح كورنريفير، وهو خبير في الرقابة على الإنترنت بشركة هاوجان آند هارسون (Howgan & Harson)
القانونية، أن : «الغرض من تنظيم البذاءة هو منع المادة الخاصة بالراشدين من الوقوع في أيدي الصغار، وعندما طرح السناتور إكسون (Exon) مشروع قانون مماثل لأول مرة العام الماضي قال انه كان معنيا بتعرض طريق المعلومات فائق السرعة لخطر التحول إلى (منطقة ضوء أحمر) إلكترونية وأنه كان يريد منع وصول حفيدته إلى معلومات غير لائقة».
الديمقراطية حماية القصر
من الواضح أن السناتور إكسون (Exon) تقدم بمشروع القانون لمنع القصر من الاطلاع على مواد غير لائقة على الإنترنت.
وعلاوة على ذلك، يتساءل ميليدي(Meleedy)، وهو طالب دراسات عليا في علوم الحاسب بجامعة هارفارد (Harvard)،أنه إذا «كانت الإنترنت تجعل الديمقراطية متاحة أكثر للمواطن العادي، فهل من عجب أن يريد الكونجرس فرض رقابة عليها؟» ويؤكد أليسون وباكستر أن «أبرزالخصائص الجديدة لوسائط الإنترنت هي تنوع مصادر المعلومات وقدرتها على الوصول إلى أي مكان في العالم تقريبا، ويتراوح مؤلفوها من المؤسسات الكبرى مثل أي بي إم (IBM) وديزني (Disney) إلى أطفال المدارس». وحسبما تنبأ كورن ريفير (Corn Revere) فإن «القانون سيرغم ـ على الأقل ـ مزودي المحتويات على تصعيب الوصول بعض الشيء، وهو ما سيؤثر على جميع المستخدمين، وليس الصغار فحسب»، وفرض رقابة على الإنترنت أمر مستحيل فنيا وسياسيا، وهو سيضر بجو الحرية والتعبير الحر عن الأفكار على الإنترنت، ومن ثم لا ينبغي للحكومة تشجيع الرقابة.
يتمتع معظم مستخدمي الإنترنت بحرية الحديث على الإنترنت، وهو ما يفترض حمايته بموجب التعديل الأمريكي الأول، وكما يرى كورنريفير فإنه «تمت الإشارة إلى أن (الأنظمة المتصلة بالإنترنت تتيح للناس حرية حديث وصحافة حرة حقيقيتين أكثر بكثير من ذي قبل في التاريخ الإنساني)»، ويتنبأ راينجولد (Rheingold) أن «المحاولات الجائرة لفرض قيود على فوضى الإنترنت الجامحة ـ إلى حد مذهل في ذات الوقت ـ من شأنها قتل روح التعاون في تقاسم المعرفة والتي تجعل الإنترنت ذات قيمة للملايين».
الأهمية والإمتاع
إن حرية التعبير عن الأفكار هي ما يجعل الإنترنت مهمة وممتعة، ولا ينبغي التخلي عنها لأي سبب من الأسباب، علاوة على ذلك فإن مجرد وجود جزء ضئيل في الإنترنت يحتوي على مواد غير لائقة يجب ألا يشكل هاجساً مقلقاً بهذا المستوى، خصوصاً وأن معظم الناس لا يستخدمون الإنترنت من أجل المواد الغير اخلاقية، ويلاحظ كاراجاتا (Caragata) الكاتب بمجلة ماكلينز (Maclean,s)، أن«المواد الإباحية هي ما يثير جل هذا الخلاف، ولكن في حين أنه ليس ثمة شك أن المواد الغير لائقة، فإن هذه المواد لا تساوي شيئا مقارنة بكل ما هو متاح ومفيد سوى ذلك على الإنترنت».
إن جل الهدف الأساسي من استخدام الإنترنت الآن هو بغرض الاتصالات وتبادل المعلومات، ولا توجد غير نسبة ضئيلة تحتوي مواد أخرى غيرلائقة، ولابد من فهم أن فرض رقابة على الإنترنت أمر مستحيل فنيا، فكما يرى أليسون وباكستر فإنه «تستحيل من حيث المبدأ مراقبة جميع المواد التي يتم بثها على الإنترنت، وإذا وضعنا في اعتبارنا الصعوبات المتعلقة بالحدود الدولية فإن أي نظام ترخيص سيواجه الكثير من العقبات العملية الواضحة».
التشفير والإخفاء
وعلى حد وصف أليسون وباكستر فإن «أي خريج جيد درس علوم الحاسب بإمكانه إنشاء نظام تشفير آمن تماما لأغراض الإخفاء، بل ويمكن تمويه المادة، وإخفاؤها على سبيل المثال (داخل) صورة بريئة تماما».
إذن لو أراد شخص نشر مواد غير لائقة بوسعه تطوير صيغة لتغيير المادة بالنظر إلى أحد المفاتيح، ثم يخبر المستخدمين الآخرين سرا بأمر هذا المفتاح، وبهذا النحو يمكنهم استرجاع المادة ذاتها واجتياز الرقابة الحكومية، وبينما ينصب قلق الناس على المواد الإباحية المنشورة على الإنترنت، ينبغي أن نتذكر دائماً أن هذه المواد تكون أحيانا قانونية، كأن تكون في أفلام الفيديو والمجلات، وبالتالي فإنه من مناقضة النفس أن يحظر المرء نظائر هذه المواد على الإنترنت، وعلى حد تعبير راينجولد (Rheingold) فإنه: «ينبغي أن يكون للمواطنين الحق في تقييد تدفق المعلومات إلى منازلهم، وينبغي أن يتمكنوا من إبعاد أية مادة لا يريدون لأطفالهم رؤيتها من منازلهم، ولكن أطفالهم ـ إن عاجلا أو آجلاـ سيتعرضون لكل شيء جنبوهم إياه، وحينئذ سيتركونهم للتعامل مع هذه المناظروالأصوات بالطبيعة الأخلاقية التي ساعدوهم على تكوينها».
إن الإنترنت يقينا ليست الوسيط الوحيد الذي يتسنى من خلاله للمراهقين العثور على مواد غير لائقة، وحتى إذا كانت الإنترنت لا تحوي أي شيء من هذا القبيل، فإنه من الجائز أن يتعرض المراهقون لمواد غير لائقة في أية أماكن أخرى، فعلى سبيل المثال يقول أليسون وباكستر ان «معظم المؤلفين الذين يستخدمون الوسائط الإلكترونية لا ينتجون مواد (أسوأ) بأي حال من غيرها المتوافرة لدى باعة الصحف أو محال أفلام الفيديو أو مصادر طلب السلع بالبريد»، ومن ثم فإذا كان الغرض من الرقابة هو وقاية القُصر من التعرض لمادة غير لائقة، فليست الإنترنت وحدها بحاجة إلى رقابة.
رقابة بلا جدوى
إن فرض رقابة على الإنترنت لن يجدي غير القضاء على مجرد وسيط واحد يحصل القصرمن خلاله على مادة غير لائقة، والرقابة الحكومية ليست هي الحل لهذه المشكلة، ويمكن ممارسة إجراءات بديلة تؤتي نفس نتائج الرقابة، وهناك الكثير من هذه الإجراءات البديلة للرقابة الحكومية والتي تمنع إساءة استخدام الإنترنت وسيكون لها نفس آثار الرقابة. ووفقا لما يقوله هينتوف (Hentoff)، فإن «ثمة طرق لحماية الأطفال دون تدخل هذا القانون، وهي: منع مناطق بعينها وكلمات المرور وإشراف الأبوين، وبموجب حماية التعديل الأول يمكن للراشدين أن يظلوا بمنأى عن رقابةالحكومة على الفكر، ولكن إذا تمت إجازة مشروع قانون الرقابة، فمن الجائز استبعاد التعديل الأول من الفضاء المعلوماتي».
ومن الأهمية بمكان أن يسدي الأبوان نصحا أخلاقيا لأبنائهم، وينبغي على الأبوين أن يتحملا هذه المسؤولية، فالنصح الأخلاقي هو أهم حل طويل المدى لهذه المشكلة.
ويعتقد راينجولد (Rheingold) أن «هذه الصدمة التقنية ـ المواد الإباحية على الإنترنت ـ التي تتعرض لها مواثيق الأمريكيين الأخلاقية تعني أن الأمريكيين سيضطرون في المستقبل إلى تنشئة أبنائهم جيدا، والحماية الوحيدة التي من شأنها أن تجدي فتيلا هي غرس المبادئ الأخلاقية في نفوس أبنائهم وبناتهم، بالإضافة إلى شيء من الفطرة السليمة».
وفي أمريكا يمكن للقصر التعرض للمواد الجنسية في وسائط متعددة، ويعد إسداء النصح الأخلاقي للأبناء هو أهم الحلول لهذه المشكلة، ولكن في نفس الوقت الذي يتولى فيه الآباء توجيه النصح الأخلاقي يتعين على الأمريكيين التوصل إلى بعض الأساليب قصيرة المدى لحل المشكلة على نحو أكثر كفاءة، وثمة بديل للرقابة الحكومية هو المراقبة التقنية، والتي ستمنع إساءة استخدام الإنترنت وستكون لها نفس آثار الرقابة الحكومية.
برمجيات الفلترة
و تشتمل الرقابة التقنية على تصميم برمجيات ذكية لفلترة المعلومات، وهناك ثورة لتطوير برمجيات فلترة المعلومات وطرحها في الأسواق، ويتمثل أحد أمثلة المراقبة التقنية في برمجيات مراقب التصفح (Surf Watch)، وهو ـ كما يصفه أليسون وباكستر ـ «عبارة عن برنامج متقدم جدا يساعد الأبوين في التعامل مع الفيض المنهمر من المواد الجنسية على الإنترنت، وبالسماح للأبوين بتحمل مسؤولية منع ما يتم استلامه على أي حاسب بعينه تكون الفرصة ضئيلة أمام الأطفال وغيرهم للتعرض ـ مصادفة أو عمدا ـ لمواد غير مرغوب فيها، ويعتبر مراقب التصفح أول تقدم مهم في توفير حل تقني لقضية صعبة أوجدها الانفجار المعلوماتي، ويعمل مراقب التصفح للحفاظ على حرية الإنترنت بالسماح للأفراد باختيار ما يرون».
وتعتزم الشركة المنتجة لمراقب التصفح توفير تحديثات شهرية لمجاراة إيقاع الإنترنت سريع التغير، ويسمح مزودو خدمة الإنترنت التجاريون ـ مثل أمريكا أون لاين
(America Online) ـ للآباء بمراقبة جلسات الدردشة على الإنترنت المتاحة لأطفالهم، وهذه الرقابة الأبوية (Parental Control) تعتبر خاصية لدى كثير من مزودي خدمة الإنترنت التجاريين، حيث يمكن للمستخدمين تشغيل وظيفة الرقابة الأبوية وسيتم تلقائيا إبعادهم عن الكلمات البذيئة خلال جلسات الدردشة، وبهذا النحو يمكننا أن ننأى بأطفالنا عن المواد غير اللائقة ويمكن للراشدين مواصلة استمتاعهم بالحرية على الإنترنت.
أما المراقبة التقنية الأخرى فتتمثل في امتلاك الآباء وأولياء الأمور خادم بروكسي (proxy server) منفصل لمتصفح الويب الخاص بأطفالهم، وهذا الخادم البروكسي عبارة عن برنامج يمنع استخدام بعض مواقع على الإنترنت أو مجموعات إخبارية بعينها، ويتعين على الآباء أن يختاروا فعلا المواقع التي يمكن لخادمهم البروكسي الدخول عليها.
وتعد أدوات الرقابة الأبوية حلولا ممكنة تماما لهذه المشكلة، وكما هو مذكور في «ورقة قضايا قانون آداب الاتصالات» التي أعدها مركز الديمقراطية والتقنية (Centerfor Democracy and Technology) فإن «ما سيساعد الآباء على التحكم في مدخل أطفالهم إلى الإنترنت ما يتوفر من خواص وأدوات الرقابة الأبوية كالتي نجدها في العديد من الخدمات على الشبكة والمتوافرة كبرمجيات جاهزة للبيع».
تصنيف المحتويات
أما الأدوات التي تتحكم في دخول الأطفال على الإنترنت فهي متوفرة بكثرة ويمكن للآباء فعلا التحكم في تصفح أطفالهم لمواد الإنترنت، ولا توجد برامج حاسب تستطيع تصنيف المواد تلقائيا وعلى نحو موثوق، فالناس وحدهم من يستطيعون ذلك، والنتيجة أنه بينما نمارس وسائل المراقبة التقنية يعد تصنيف محتويات المواد عند الإرسال أمرا مهما للغاية.
حالياً نجد أن معظم مستخدمي الإنترنت يصنفون مراسلاتهم حسب فئات معيارية ويتركون توقيعات في نهاية المراسلات، وكما يقول أليسون وباكستر فإن: «الموضوعات يتم مهرها بتوقيع رقمي آمن يمكن تتبعه للوصول إلى شخص أو شركة أومؤسسة حقيقية»، أما قوة هذه المادة فيتم تصنيفها كـ«قوي» أو«ضعيف»، أما مواقف وثيقة معينة تجاه موضوع فهي غالبا ما يتم تصنيفها كـ«يؤيد» أو «يناقش» أو«يأسف» أو «لا يناقش».
علاوة على ذلك، فإنه من أجل تقليل جهد تصنيف الكثير من الموضوعات المنفردة ـ سيما في حالة بروتوكول نقل الملفات (FTP) أو شبكة المعلومات العالمية (WWW) ـ يتم إلحاق التصنيفات بالأدلة وتنتقل منها إلى الأدلة الفرعية والوثائق، وبهذه الطريقة يمكن للقراء اتخاذ قرارات بخصوص الدخول على مواد الإنترنت وستكون صيغة البرمجيات الذكية أمرا سهلاً للغاية، وذلك بمجرد التعرف على عدد ضئيل من عبارات التصنيف.
الوسائط التفاعلية
في واقع الأمر أن تصنيف المادة مسألة يتم القيام بها على الإنترنت منذ فترة من الزمن، ومعظم مواد الإنترنت مواد جيدة التصنيف وتمكن الناس من نيل فكرة مسبقة عما هم بصدد رؤيته، حيث يمكن على سبيل المثال التكهن بدقة بالمقالات التي تضمها مجموعة إخبارية (Usenet newsgroup) بعينها من خلال اسم تلك المجموعة، فمجموعة (soc.culture.hongkong.entertainment) تحتوي على مناقشة لصناعةالترفيه في هونج كونج (Hong Kong)، أما مجموعة (alt.binaries.sex.pictures) فتحتوي على ملفات ثنائية مشفرة لصور غير لائقة، إن مستخدمي الإنترنت يعرفون سلفا ما هم مقدمون عليه، والقُصّر يعلمون أنه ليس من المفترض بالنسبة لهم أن يتصفحوا المجموعات الإخبارية من نوعية (alt.sex.*).
وتعد التوليفة المكونة من تنصيب برمجيات الرقابة وتصنيف المادة حلا أفضل كثيرا من الرقابة الحكومية، ويذكر هنتوف (Hentoff) أن «مرونة الوسائط التفاعلية... تمكن الآباء من التحكم في نوعية المحتوى الذي يملك أبناؤهم مدخلا إليه، وتترك المعلومات تتدفق بحرية من أجل الراشدين الذين يريدونها»، وهذا يمنع المواد غير المرغوبة من الوصول إلى الأطفال ويسمح للراشدين بمواصلة استمتاعهم بحريتهم على الإنترنت، إن مشكلة الإنترنت تكمن في سهولة حصول القصرعلى مواد غير لائقة عبرها، وقد توصلت الحكومة الأمريكية إلى اقتراح بفرض رقابة على الإنترنت، ولكن أسلوب «راقب الإنترنت» ـ كما أثبتنا آنفا ـ أمر مستحيل من الناحية الفنية والسياسية، وأول حلول هذه المشكلة هو أن يسدي الآباء النصح الأخلاقي لأبنائهم.
خوادم البروكسي
أثناء إسداء الأمريكيين النصح الأخلاقي لأبنائهم يحتاجون إلى حل فني قصيرالمدى، ويمكن لبرمجيات الرقابة الذكية وخوادم البروكسي السماح للآباء بحجب دخول أبنائهم إلى مواقع بعينها، وبهذا النحو يتسنى للآباء أن ينأوا بأطفالهم عن المواد غير اللائقة على الإنترنت، «إن الأساليب التقليدية ـ أي الرقابة الحكومية ـ لا تجدي شيئا وحسب، شأنها في ذلك شأن غيرها من معضلات العصر الرقمي وأسئلته التي لا نجد لها إجابة، وسيضطر الأمريكيون إلى قبول حلول أقل تطفلا وربما أكثر غرابة، مثل تزويد فلاتر برمجيات ذكية لمن يريدون نسخة مخففة من الإنترنت». ولكي تعمل البرمجيات الذكية والخادم البروكسي بنجاح يلزم القيام بتصنيف المعلومات المتاحة على الإنترنت، وهذا التصنيف للمواد مسألة يقوم بها فعلا مستخدمو الإنترنت منذ سنوات، ويمكن للآباء حينئذ فرض رقابة على الإنترنت من أجل أطفالهم أما الراشدون فيمكنهم مواصلة استمتاعهم بحريتهم على الإنترنت.
وهذا سيحدث نفس الأثر الذي تحدثه رقابة الحكومة، ولكن دون الإضرار بحرية التعبير عن الأفكار على الإنترنت.
علاوة على ذلك أن المواد غير اللائقة ليست حكرا على الإنترنت وحدها، ويمكن للقصر الوصول إلى تلك المواد دون الدخول على الإنترنت البتة، وليست الرقابة على الإنترنت هي الحل السحري لحفظ القصر بمنأى عن المواد تلك، فالحل الحقيقي والأهم لمنع القصر من مشاهدة مواد جنسية هو أن يتولى الآباء دورا أقوى في مشاهدة أطفالهم.
«إن هذه الصدمة التقنية ـ وهي المواد الإباحية على الإنترنت ـ التي تتعرض لها مواثيق الأمريكيين الأخلاقية تعني أن الأمريكيين سيضطرون في المستقبل إلى تنشئة أبنائهم جيدا، والحماية الوحيدة التي من شأنها أن تجدي فتيلا هي غرس المبادئ الأخلاقية في نفوس أبنائهم وبناتهم،بالإضافة إلى شيء من الفطرة السليمة».

..... الرجوع .....

العنكبوتية
دنيا الاتصالات
ستلايت
وادي السليكون
هاي تك
الالعاب
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
دليل البرامج
نساء كوم
اخبار تقنية
الابداع العلمي
التجارة الالكترونية
جديد التقنية
جرافيك
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved