Telecom & Digital World Magazine Sunday18/02/2007 G Issue 196
رؤى
الأحد 30 ,محرم 1428   العدد  196
 

الاقتصاد الرقمي
الخطوات المستقبلية للمجتمعات الذكية

 

 

اختتمت مؤخراً فعاليات ملتقى المدن الذكية في مدينة الرياض الذي طُرح فيه عدد من الأوراق العلمية من قبل عدد من الخبراء المحليين والدوليين والمسؤولين من القطاع الحكومي والخاص، الذي يُعد أولى خطوات مبادرة الرياض المدينة الذكية، وهي إحدى المبادرات الداعمة لتحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع معلوماتي ومجتمع الاقتصاد الرقمي في سبيل إيجاد مدينة عصرية تصل الخدمات إلى المستفيدين منها سواء كانوا أفرادا أو قطاع أعمال في كل مكان دون الحاجة للتنقل، براحة ورفاهية وبكفاءة عالية.

ولقد أدركت المملكة منذ أواخر السبعينيات ضرورة استيعاب التقدم العلمي ومواكبة إنجازات الحضارة الإنسانية في مختلف الميادين وبناء المجتمع السعودي، حيث ساعدت الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة مع أواخر السبعينيات على الإسراع في نقل واستيعاب التكنولوجيا وإدخال نظم الحاسب الآلي في الأجهزة الحكومية، كما سعت الخطط التنموية التي وضعتها الدولة إلى الانتقال من مرحلة استيراد التقنية إلى مرحلة اكتسابها ثم إلى مرحلة تفعيلها في الحياة العامة والاستفادة منها في تنمية المجتمع وتحقيق رفاهية أفراده، حتى يستطيع المواطن من الحصول على الخدمة بيسر وسهولة وبأقل كلفة من خلال شبكة الإنترنت وشبكات الاتصال والهاتف.

ويختلط مصطلح المدن الذكية مع مصطلح الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية وإن كان مصطلح المدن الذكية أو الرقمية يعتبر مصطلح حديثاً نسبياً، حيث تقوم جميعها بتوفير الخدمات لطالبها من الأفراد وقطاع الأعمال عبر مواقع الخدمة باستخدام الشبكة العنكبوتية، وإن كان يرى البعض أن الحكومة الإلكترونية ما هي إلا جزء من المدينة الإلكترونية التي تعرف بأنها الحاضرة ذات الروابط الاتصالية والهندسة الشبكية التي تُحكم من قبل قطاع تقنية المعلومات لتنفيذ عملية تبادل المعلومات. لذا فإن المدينة الذكية أو الرقمية وفقاً للتصور الشامل يتعين بأن تكون وسيلة بناء اقتصاد قوي وتسهم في حل مشكلات اقتصادية، ووسيلة خدمة اجتماعية تسهم في بناء مجتمع قوي، ووسيلة تفاعل بأداء أعلى وكلف أقل، ويتحقق ذلك إذا خطط لبنائها بالشكل المناسب وضمن رؤية واضحة، وتم تهيئة الواقع التقني والمهاري لمؤسسات القطاع العام والخاص، حيث إنه مع تقارب التقنية والاقتصاد أوجدت حاجة عاجلة الى إعادة تشكيل مدننا لتكون مدنا عصرية يتوافر فيها خدمات الاتصال للجميع حتى تستطيع مقابلة متطلبات الاقتصاد الرقمي العالمي المبني على المعرفة، فاستخدام التقنية لإعادة تشكيل طريقة تقديم الخدمات الحكومية تُمكن المستفيد من ابتداع نماذج جديدة لطرق المعيشة الذي يُسهم في إعادة تشكيل مدن المستقبل.

المجتمعات تتعاون من أجل المستقبل

ولقد بدأت كثير من المجتمعات - وربما دون إدراك منها - في رسم شكل مجتمعات المستقبل، والمدهش في جميع هذه المجتمعات عند إعادة وضعها لنفسها في الاقتصاد الرقمي هو استراتيجيتها لما بعد التعاملات الإلكترونية، لأجل زيادة جاذبية دولها للصناعة وللعمالة ذات الكفاءة الفنية العالية، وفي الوقت ذاته تضمن لأفرادها ولمجتمعاتها عدم التخلف عن المجرى العام للتنمية الاقتصادية العالمية، وهذا يتطلب التعاون بين القطاعين العام والخاص والمشاركة الحقيقية من قبل الجمهور المستفيد والحق في التغيير، فهي عناصر مهمة لتعزيز نجاح المجتمعات الإلكترونية، وقد يبدو للوهلة الأولى أنه من السهل متابعة استراتيجية سياسة التنفيذ من الأعلى للأسفل خصوصاً عند وجود اهتمام شخصي من المسؤولين، إلا أنه يجب تفعيل مشاركة المجتمع في إعداد الرؤية وخطة التنفيذ وإلا كان التنفيذ أقرب إلى الفشل من النجاح، حيث يسهم ذلك في تقديم خدمات أفضل من تحسين مستوى أداء الخدمات وتخفيض التكاليف بتوفير وقت وجهد الجمهور الطالب للخدمة، وكذلك الاستغناء عن وجود مبان ضخمة لاستقبال المراجعين وتقليل مساحات العمل داخل الجهات الحكومية والاستغلال الأمثل للمساحات المكانية وتقليل السير على الطرق والسعي إلى تقليص الحاجة إلى التنقل وتقليص حركة وسائل النقل؛ مما يقلل الازدحام في المدن، وسينتج عن هذا تحقيق وفر في الطاقة الاستيعابية للبنية التحتية للطرق وزيادة عمرها الزمني وتقليل مصروفات التشغيل والصيانة وتوفير الأعباء المالية المتعلقة بالصيانة الدورية للطرق، وكما سيكون لذلك أثر على طبيعة المدينة من حيث العمران والشكل والنسق، ولعل من أهم فوائد المدن الذكية هو توفير جميع تطبيقات وأدوات الاتصال التي تُمكن السكان من الاستفادة من جميع التطبيقات في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ....الخ، وكذلك توحيد الجهود المختلفة في نسق واحد، عن طريق استخدام بنية تحتية لمدينة متطورة باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات وتوفير بنية تحتية للاتصالات والمعلومات تضمن حق كل فئات المجتمع في استخدامها عن طريق العمل على زيادة انتشار تقنيات المعلومات والاتصالات بين الأفراد والجماعات، وتشجيع إنشاء مراكز في التجمعات السكانية ومراكز البريد والمرافق المجاورة للمساجد والحدائق العامة، ومقاهي الإنترنت وغيرها، وتوفير المساعدة الفنية في تلك المراكز من أجل تجاوز عقبة الأمية الإلكترونية وتثقيف المجتمع وتحفيزه لتعلم واستخدام التقنيات الجديدة، وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على تعزيز الثقة في التطبيقات الإلكترونية والعمل على بناء القدرات في المجتمع وذلك بوضع خطط عمل لتقليص الأمية الإلكترونية ورفع مستوى الوعي بين فئات المجتمع والمؤسسات الحكومية والتجارية بما توافره تقنيات المعلومات والاتصالات من فوائد. إن التطور السريع المذهل في تقنيات المعلومات الذي امتد لكل جوانب الحياة ليشمل كل قطاعات الأعمال العامة والخاصة لتعزيز عملياتها ومخرجاتها، أسهم بشكل كبير في تطوير بيئة الأعمال وإحداث نقلة نوعية حديثة في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات بين أفراد المجتمع الواحد وكذلك بين المجتمعات الأخرى.

المعلومات .. عنصر جديد في الاقتصاد

أن أهم ما يلاحظ الآن أن الاقتصاد الرقمي أضاف عنصر المعلومات إلى جانب العناصر الثلاثة التقليدية للإنتاج، التي تتمثل في العمالة ورأس المال والموارد الطبيعية، وقد برزت تقنية المعلومات كأهم عناصر التكنولوجيا الحديثة، بحيث يتعدى تأثيرها في الإنتاجية ليصل إلى العلاقة بين الاقتصاديات المتطورة وبين القطاعين العام والخاص، فالاقتصاد الرقمي يرتكز على المعلومات ودورها الدافع والمحرك في عملية التكامل، فالمعلومات هي المفتاح إلى عولمة الاقتصاد وشموليته، كما ان المعلومات تُعد قوة يمكن استخدامها كأداة تأثير على سلوكيات الأفراد في المجتمع، كما انه لا قيمة لتوافر المعلومات في مجتمع لا يستطيع استخلاص ما تحتويه هذه المعلومات، ومن هنا تظهر الأهمية لمعالجة المعلومات، حيث تلعب تقنية المعلومات أيضاً دوراً مهماً وفعالاً في تطوير منشآت الأعمال الحديثة التي تواجه بمتطلبات معلومات متزايدة ونمو متسارع في حجم البيانات المراد معالجتها، ولكن يظل هناك عقبات داخلية وخارجية تواجه طريق الاقتصاد الرقمي، فالعقبات الداخلية تتمثل في ضعف البنية التحتية لقطاع الاتصالات والتكلفة العالية نسبياً لتكنولوجيا المعلومات، حيث تندرج شبكة الاتصالات للاقتصاد الرقمي كالرئة للإنسان، فلا وجود للاقتصاد الرقمي دون البنية التحتية وشبكة الاتصالات الحديثة، أما العقبات خارجية فتتمثل في كون الاقتصاد الرقمي اقتصاداً حديثاً لم يتم تطبيقه سابقاً، ولا تزال الاتجاهات التكنولوجية لم تصل لنهاية التطور، كما ان الاقتصاد الرقمي لا يزال في طور النشوء وبحاجة إلى المزيد من رأس المال للوصول إلى الدرجة التي وصلت إليها الاقتصاديات الأخرى المتطورة تكنولوجياً، ويمكن معالجة ذلك خلال البدء بتطوير البنية الأساسية للاقتصاد الرقمي الجديد من خلال إيجاد شبكة اتصالات تتسم بالسرعة والفاعيلة الكبيرة وهذا هو المتحقق الآن في المملكة، وتقديم خدمات الإنترنت للجميع والدعم المستمر لخفض أسعار أجهزة الكومبيوتر الشخصية بغية تشجيع انتشارها بشكل واسع، فالمتغيرات الاقتصادية العالمية تحمل في طياتها تحديات ومخاطر عديدة، كما انها تحمل في الوقت نفسه فرصاً وآفاقاً واسعة لكل دول العالم، وأصبحت الثورة التقنية هي عنوان الاقتصاد الرقمي للتحول إلى مجتمعات ذكية.

وقفة:

لقد كان النجاح حليف مبادرة ملتقى المدن الذكية بالرياض، كيف لا وسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - رئس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض هو من يُشرف على المشروع ويوليه جل الرعاية والاهتمام، لجعل الرياض أول مدينة سعودية ذكية ترتبط مع بعضها بمنظومة رقمية وشبكة اتصالات لاسلكية، توفر لقاطنيها خدمات عصرية تقنية متقدمة، كما يقف وراء ذلك الجهود المميزة للمسؤولين في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأمانة مدينة الرياض، والله ولي التوفيق.

د. عبدالله بن سليمان العمار aammar@saudiedi.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة