الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 20th June,2004 العدد : 74

الأحد 2 ,جمادى الاولى 1425

الصم في مجتمع (الأنفوميديا):
التحول من الإشاري إلى الرؤيوي
في عصرنا، عصر تكنولوجيا الاعلام بدون منازع، تتوالى الاختراعات والتقنيات الواحدة تلو الأخرى، حتى أصبحنا عاجزين عن ادراك أخرها تطوراً، ولا يمر يوم أو ساعة أو لحظة إلا وتكون اسرى هذه الشبكات المتفاعلة من الاتصال.
وقد اصبح الجميع يجارون التكنولوجيا في معطياتها. وأخذ المعوقون يعتمدون الالكترونيات من البسيط الى الأكثر تعقيدا، فاتحة أمامهم مجالات اوسع من المعرفة والتواصل والمشاركة وحب المساهمة، نحو قدر أكبر من الاستقلالية والاعتماد على النفس وكسر حاجز الانعزال الكامن في اعاقتهم وامكاناتهم. ففي عالم المكفوفين انتشر استخدام المايكروكومبيوتر (عرض المعلومات المخزنة عن طريق اللمس) وما يلحق بهذا الجهاز من أنظمة(vocab. sunthesizer, type & talk, votrax) وغيرها من البرامج والتقنيات المساعدة على طباعة الرسائل أو تخزينها أو معالجة العمليات الحسابية أو القيام بأعمال هندسية ورياضية.
أما مجتمع الصم المعلوماتي فقد شهد هو الآخر تطوراً كبيراً في مجال تقنياته.
فحتى وقت قريب، لم يكن أمام الصم إلا تعلم لغة الإشارة وقراءة الشفاه للتعبير عما في أنفسهم، وبقي كل معطى معرفي غير واضح لديهم لافتقاد حاسة السمع، فكان التعويض عن المفتقد بمضاعفة الإدراك مع الحاسة البصرية التي تكمل ما لا يستدركه السمع. فالعين إذن للإصغاء عند الأصم مثلما الأذن عين للكفيف. وكان الأصم متلق سلبي لكل ما هو إشاري وقلما يشارك أو يتفاعل، باعتبار أن السمع هو الطريق الأساسي لتعلم اللغة والاتصال بالآخرين، ومع وجود إعاقة به يغدو التفاعل الاجتماعي والتعلم والإنتاج الفكري قاصرا.
وحتى زمان ليس ببعيد كان هذا الاعتبار سائدا إلى أن دخل الإعلام المرئي وقوامه الشاشة عالم الصم، فسقطت فرضية انعدام التواصل المحدود بالإشارة ولتصبح الرؤيا عاملا مهما في (الانفو ميديا). وخرقت (عائلة الإعلام المرئي) حدود صمته، ليصبح كل ما هو مصور حصيلة ثقافة الأصم، فالتلفون لا يعد للمتكلمين فقط، إذ حدث تطور هام في أجهزة اتصاله عن طريق إضافة شاشة صغيرة فيه (عند المرسل والمستقبل) يتم خلالها استقبال الحديث قراءة بدلا من السمع.
كذلك حدث تطور هام أكثر حداثة يعرف باسم closed captioning حيث يقوم جهاز صغير (decoder) بتحويل الحديث التلفزيوني مثلا إلى كلمات مكتوبة، تظهر في الجزء الأسفل من الشاشة فيستطيع الأصم متابعتها. وثمة تطور لتكنولوجي آخر لا يقل أهمية عما تقدم وهو عبارة عن جهاز ترجمة سريع يستخدم في قاعات المحاضرات الكبرى والتدريس، عندما تقوم طابعة بكتابة المحاضرة الملقاة وبطريقة الاختزال، ثم تعرض الترجمة على شاشة كبيرة بما يشبه الترجمة الفورية التي نلاحظها مع الأفلام.
أما التطور الأكثر أهمهية فكان مع جهاز الكومبيوتر، الذي تم تطوير برامجه ليتلاءم مع اهتمامات الصم، وبات يساعدهم على الاحساس بالكلمة المحكية مع مشاهدة الرسوم البيانية المنطوقة والمرئية في آن. وهذا ما فتح الآفاق أمام استخدامات لغة الإشارة بشكل عصري. (مساهمات جامعة جالوديت الأمريكية، تجربة جامعة الدول العربية وإصدارها القاموس الإشاري الموحد. وغيرها من المحاولات على نطاق الجمعيات الأهلية الرائدة والأفراد النابغين).
الإنفو ميديا تغير القاعدة
ومع دخول الكومبيوتر عالم الصم أفسح ذلك المجال أمام التعلم الذاتي كوسيلة مساعدة أمكن تطبيق التعليم المبرمج بشكل منهجي وفعال وإظهار إبداعات وأفكار جديدة عن طريق إعطائهم بعض الأفكار لمعالجتها بشكل ذاتي. ويشير ذلك إلى تحول معرفي هام في مجتمع الصم، إذ حمل العالم التقني هؤلاء معه من عالم مغلق التواصل، سلبي التفاعل، إلى عالم سمعي بصري حول فيها شفويتهم الصامتة إلى رؤيوية خاصة عبر إطار تقني معرفي، يبدو وبحسب فلاسفة الاتصال وفق التسلسل الانتسابي التالي: الكتابة بديلا للكلام الهاتف إسقاطا شفويا التلفزيون بديلا للكلام وإسقاطا شفويا الكومبيوتر بديلا للكلام وإسقاطا شفويا وتعبيرا رؤيويا.
أي أن بين الإشارة البدائية قديما والتعبير الرؤيوي حديثا مسافة شاسعة خطاها الإعلام في وسائله ومسيرته ومضامينه وأرست بداية وعي هام نظرا للربط بين الحركة والمعنى. وأصبح هذا النظام الحسي البصري التقني بديلا عن النطاق عند الصم ومعبرا عن الحاجات والغايات والتواصل. وإذا حدث ولم يصادف أي أصم من قبل (خبرة لغوية) استسلم للسلبية والانطوائية، غير انه لا يمضي وقت طويل حتى تحدث وسائل التخاطب البصرية الجديدة تغييرا جذريا في معارفه، وتعمل على تنمية تفكيره والانتقال به من التفكير الحسي الحركي إلى التفكير التمثيلي عبر: مهارات الاستمتاع بالمشاهدة وتمثيل الدور وتحصيل لغة بصرية، فالسيطرة الإيجابية على عالمه بأدبيات التعرف والتواصل مع الآخر.
انهم وباختصار ينتقلون من العالم (الإشاري) إلى (الرؤيوي) نتيجة الاستخدام الواسع لوسائل التخاطب المتنوعة بتجهيزاتها المرئية (ASSISTIVE TECHNOLOGY)، يحاولون أن يستهلكوا ما بوسعهم ويفهموا ما بمقدورهم من مقومات هذه الوسائل: إشارة، حركة، صورة، رموز، حتى يكونوا مهيئين لدخول مجتمع الانفوميديا. ذات يوم قالت هيلين كيلر: (إن فقد البصر يحول الكفيف دون رؤية الأشياء أو التعامل معها، بينما إعاقة السمع تحول بين الأصم والتعامل مع البشر، فهي تضع العراقيل لتحقيق التخاطب والاتصال بين الناس، وبهذا يصبح الأصم محروما من الاستمتاع بالحب والعطف، مما يبعث في نفسه مشاعر القلق والإحباط وحاجته الدائمة إلى الشعور بالأمان... (لو قيض لهيلين أن ترى الصم في مجتمع الانفوميديا اليوم، لأعادت النظر فيما قالته حتما).

..... الرجوع .....

العنكبوتية
وادي السليكون
هاي تك
الالعاب
الركن التقني
الامن الرقمي
تعليم نت
بورة ساخنة
قضية تقنية
دليل البرامج
نساء كوم
امال . كوم
تجارة الالكترونية
جديد التقنية
حوار العدد
معارض
برمجة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved