الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 23rd October,2005 العدد : 137

الأحد 20 ,رمضان 1426

بدؤوا موسم الهجرة العكسية لأرض الوطن
مبرمج هندي: إنني قادر على أن أفعل في مدينة حيدر أباد ما يمكن أن أقوم به في بوسطن!

إعداد: إسلام السعدني
(دوام الحال من المحال) كما يقولون، ولذا بدأت السنوات الأخيرة تشهد نوعاً من أنواع الهجرة العكسية التي يعود في إطارها العلماء والباحثون الموهوبون من المختبرات والشركات الأمريكية إلى بلدانهم الأصلية ليضخوا في شرايينها من علمهم وخبرتهم ما يساعدها، على أن تأخذ مكانها اللائق بين دول العالم.
وفي الوقت الحاضر، يمكن القول إنّ هذه الظاهرة تتجسّد بصفة خاصة في تلك الأعداد الكبيرة من المبرمجين والعلماء الهنود الذين شدوا الرحال ميممين شطر بلادهم، مخلِّفين وراءهم الولايات المتحدة بكل ما فيها من مغريات ومقومات وفرص للترقي.
وقد استرعت هذه الظاهرة انتباه صحيفة (بوسطن جلوب) الأمريكية التي أعدت تقريراً شاملاً في الموضوع تستهله بالحديث عن مبرمج هندي المولد يدعى (بافان تاديبالي) تعلّم في الولايات المتحدة، وأراد أن يعمل في مضمار التكنولوجيا المتطورة من خلال شركة تمنحه فرصة عمل تتيح له إمكانية الترقي في مجاله، ولذا كان من السهل عليه اتخاذ قرار بقبول عرض قدمته له إحدى الشركات في بوسطن الأمريكية. ولكن المفاجأة تمثّلت في أنّ تاديبالي نفسه قرر بعد ثلاثة أشهر فحسب ترك كل ذلك والعودة إلى الهند.
ولتفسير هذا الأمر تنقل الصحيفة عن ذلك المبرمج قوله: (لقد باتت الكثير من فرص العمل في المجال الذي أتخصص فيه متوافرة حالياً في الهند) .. مضيفاً بالقول: (إنني على ثقة في أنني قادر على أن أفعل في مدينة حيدر أباد (الهندية) ما يمكن أن أقوم به في بوسطن).
حسرة أمريكية
وبلهجة تفوح منها الحسرة والمرارة، تشير (بوسطن جلوب) إلى ما كان يمثله العمل في الولايات المتحدة خاصة في مجال التكنولوجيا من إغراء لا يمكن مقاومته بالنسبة لأفضل وألمع المهندسين الهنود الذين حصلوا على شهاداتهم الجامعية من الولايات المتحدة في تسعينيات القرن العشرين، وهو الإغراء الذي استمر تأثيره قوياً حتى عدة سنوات قليلة مضت.
ولكن الحال تبدل مؤخراً، فمع التغيرات التي طرأت على صعيد صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، والتي تزامنت مع التوسع السريع الذي شهدته الهند كمركز لصناعة البرمجيات يحتاج إلى الاستعانة بخبرات من الخارج، قرر آلاف المهندسين والمديرين الهنود، وأغلبهم تلقوا دراستهم في الولايات المتحدة وعملوا في مناطق تكنولوجية شهيرة مثل (روت 128) و(وادي السليكون)، العودة إلى وطنهم.
وقد أثار هذا التوجُّه قلق بعض رجال الأعمال الأمريكيين حيال ما يسمونه ب(استنزاف العقول)، حيث يتخوف هؤلاء من اتجاه المستثمرين الهنود، الذين ساعدوا على حدوث طفرة في صناعة التكنولوجيا بأمريكا، إلى إنشاء شركات خاصة بهم في الهند يستعينون فيها بالخبرات الهندية الموجودة في الولايات المتحدة من مختلف التخصصات. وذلك يعني أن أمريكا ستصبح ضحية لعملية (استنزاف العقول) التي طالما أذاقت مرارتها لغيرها من بلدان العالم.
ومن جانبه، يقول الان تونيلسون الباحث البارز في مجلس الصناعة والأعمال الأمريكي، وهي مجموعة تجارية مقرها واشنطن تهتم بالصناعات الصغيرة والمتوسطة: (يمكن لهذه العملية أن تستنزف مخزون الولايات المتحدة من المواهب العلمية والمثقفين والمتعلمين).
وعلى الرغم من أنّ العديد من الأشخاص الذين تعلّموا على النمط الأمريكي وتخرّجوا في جامعات أخرى خارج الولايات المتحدة في دول تمتد من تايوان إلى الصين إلى إسرائيل كانوا ينشئون بدورهم شركات ومؤسسات اقتصادية في الأراضي الأمريكية، إلاّ أنّ تلك الشركات التي كان يقيمها الهنود كانت فريدة من نوعها، نظراً لأنّها كانت تركز بشكل أكبر على الجانب الهندسي وهو ما تحتاجه أمريكا بشدة.
فرص ذهبية
ويتاح للعلماء والمستثمرين الهنود العائدين إلى بلادهم فرص ذهبية قد لا تتوافر لأبناء دول أخرى أصغر وأكثر ثراء، إذ يجد هؤلاء أنّ بوسعهم الحصول على حصة في سوق داخلي يتسم بكبر الحجم، كما يمكن لهم أيضاً أن يجدوا بغيتهم من عمال مهرة بأجور زهيدة.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنّه على الرغم من أنّ أسباب عودة بعض العلماء والمستثمرين الهنود إلى بلادهم يمكن أن تعزى لعوامل شخصية مثل رعاية والديْن مسنّين أو رغبة في تنشئة أطفالهم في بيئة ثقافية واجتماعية هندية خالصة، ولكنها تشير إلى أنه لا يمكن إنكار ما أدى إليه النمو الهائل الذي يحققه الاقتصاد الهندي في الوقت الراهن وهو ما باتت معه بعض مدن البلاد مثل بانجالور وحيدر أباد بمثابة مغناطيس قوي يجذب علماء وخبراء التكنولوجيا الطموحين، من خلال عروض تخلب الألباب، تجمع بين المزايا المادية الهائلة إلى جانب المراكز المرموقة وفرص الترقي السريع، وهو ما لم يعد متوافرا في الوقت الحالي لدى المراكز البحثية الأمريكية في كاليفورنيا وغيرها.
وادي سليكون هندي
وتضرب صحيفة (بوسطن جلوب) مثالاً آخر على النجاح الذي يحققه الهنود العائدون من أمريكا إلى بلادهم للعمل هناك، من خلال نموذج (جوجا ريالي) الذي عمل في منطقة وادي السليكون لمدة 22 عاما حتى تلقى هذا العام عرضاً للذهاب إلى مدينة حيدر أباد لإدارة مركز تطوير إنتاج تابع لشركة (كمبيوتر أسوشيتس) إحدى شركات الكمبيوتر العملاقة).
وتنقل الصحيفة عن ريالي الذي تسلم عمله هناك في يونيو الماضي قوله: (من وجهة نظري كمتخصص، كنت أشعر حتى وقت قريب أن الآفاق أمامي متسعة بشكل أكبر طالما كنت في الولايات المتحدة) .. مضيفاً بالقول: (ولكن رؤيتي الآن اختلفت .. خلال السنتين الماضيتين ترك ثلاثة أو أربعة من أقرب أصدقائي العمل في منطقة وادي السليكون وانتقلوا إلى الهند حيث تبدو الأجواء هناك أشبه بتلك التي كانت تسود وادي السليكون في أوقات ازدهاره).
إدارة عن بعد
وتعود بنا الصحيفة إلى ذلك المبرمج الهندي الذي استهلت به تقريرها ألا وهو بافان تاديبالي، مشيرة إلى أنه أُرسل من قبل شركة (سييرا اتلانتيك) الهندية، التي بات يعمل لحسابها، إلى بوسطن خلال شهر يناير الماضي للإشراف على عملية اندماج مع شركة (سكبتر داتابيز) الاستشارية.
وبحلول شهر إبريل كان تاديبالي قد قام بتدريب العاملين في (سبكتر داتابيز) على مجموعة من التقنيات الحديثة، كما قام في هذه الفترة أيضا بالتعامل مع المستهلكين الأمريكيين، وإلى جانب ذلك كله فقد تمكّن هذا الرجل من بلورة منظومة تجعل بوسعه إدارة المشروع كله وهو في الهند. وفي هذا الصدد تنقل الصحيفة الأمريكية عن تاديبالي قوله (لقد قمنا بإقامة شبكة اتصالات جيدة .. و(بسبب ذلك) صرنا قادرين على إدارة الأمور عن طريق التليفون أو عبر البريد الإلكتروني).
صيف العودة
وفي الوقت الذي لم تقم فيه الحكومة سواء في نيودلهي أو في واشنطن بحصر الهنود الذين تركوا الشركات والمؤسسات الأمريكية التي كانوا يعملون فيها وعادوا إلى بلادهم، أشارت (ذي إيكونوميك تايمز)، وهي مطبوعة اقتصادية تصدر في الهند، إلى أن الصيف الماضي وحده شهد عودة 35 ألف هندي إلى المراكز التكنولوجية المتقدمة في الهند والتي تتركز حالياً في بنجالور وما حولها. وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لا يزال هناك ما يقرب من 2.4 مليون هندي يقطنون في الولايات المتحدة، ويشمل هذا العدد المهاجرين القادمين من الهند، وكذلك الأمريكيين من ذوي الأصول الهندية. وتضم ولاية ماساشوستس الأمريكية وحدها ما يقدر بـ65 ألف هندي.
وتشير صحيفة (بوسطن جلوب) إلى أن موجات الهجرة العكسية إلى الهند من الولايات المتحدة تشتمل على أنماط متباينة من البشر، فمنهم من عاد إلى بلده الأصلي بعدما حصل على شهادته الجامعية من أمريكا، وذلك لكي يبدأ مسيرته العملية في وطنه. ومنهم في المقابل من عاد ليتقاعد في الهند بعد أن قضى حياته العملية بأكملها في الولايات المتحدة.
وإلى جانب هؤلاء وأولئك يوجد الكثيرون ممن أقاموا مشروعات تجارية واقتصادية في كلا البلدين، ولكنهم لا يزالون يعيشون في الولايات المتحدة، والبعض من هؤلاء يقضي حياته متنقلاً ما بين الهند وأمريكا.
وتنقل الصحيفة عن بعض الهنود الذين عادوا من الولايات المتحدة إلى بلادهم قولهم إن تكاليف المعيشة القليلة للغاية في الهند تعوض مستوى الأجور المنخفض بدوره هناك مقارنة بمستوى الأجور في أمريكا، كما أن انتشار وسائل الراحة الغربية مثل أجهزة التكييف والأجهزة الالكترونية الاستهلاكية إلى جانب وجود مراكز تسوق كبرى يجعل هؤلاء العائدين يشعرون بأن النمط الأمريكي في الحياة متوافر في الهند أيضاً، على الأقل بالنسبة للخبراء المتخصصين الذين يعملون في شركات التقنية المرموقة في حيدر أباد وبنجالور.
تأثيرات سلبية
من جهة أخرى، تكشف صحيفة (بوسطن جلوب) في تقريرها النقاب عن أن الهجرة العكسية للعلماء والمستثمرين الهنود من الولايات المتحدة إلى وطنهم الأصلي بدأت لتوها تؤثر بالسلب على الاقتصاد الأمريكي.
وتنقل الصحيفة في هذا الإطار عن فينيت نيجهاوان مدير شركة (تارال نتورك) للبرمجيات اللاسلكية في منطقة ليكسينجتون قوله إنه فوجئ عندما أنشأ شركته قبل عامين أن أحد منافسيه جاء من الهند، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المرء لا يمكنه الشعور بالرضا في ظل ظهور جيل جديد من المستثمرين الهنود تلقوا تدريباتهم واكتسبوا خبراتهم في أمريكا ثم عادوا ليطبقوها في بلادهم.
قواعد جديدة
وفيما يؤكد بعض رجال الأعمال أن ظاهرة الهجرة العكسية للخبراء والعلماء والمستثمرين الهنود من أمريكا إلى وطنهم الأصلي ستصب في صالح كلا الجانبين، تُلزم هذه الظاهرة العمال الأمريكيين المهرة بالسعي للتكيف مع القواعد الجديدة للعبة. وفي هذا الشأن، يقول أبندرا منشرا رئيس الغرفة التجارية الأمريكية الهندية والذي يعمل أيضا ناشراً لعدد من الصحف في الهند (ستظل الولايات المتحدة تمثل المكان الذي يوفر الأفكار الخلاقة المبتكرة، وكذلك المكان الذي تتوافر فيه مصادر التمويل، ولكن التجارب سوف تجرى في الهند .. ثم تعود التقنيات التي تم تطويرها عبر هذه التجارب مرة أخرى إلى أمريكا). أما جوراجي ديشباند رئيس شركة (سيكامور نتورك)، إحدى شركات الشبكات البصرية في مدينة تشيلمسفورد الأمريكية، فقد تبنّى رؤية متفائلة مفادها أن (ازدهار صناعة التقنية في الهند سيؤدي إلى زيادة إنتاجية الشركات الأمريكية لأنّ ذلك سيقود إلى أن تتوافر لهذه الشركات مقومات الإنتاج بتكلفة أقل).
ويضيف ديشباند قائلاً (ستظل القدرة على الاختراع والابتكار وإعمال العقل هنا في أمريكا .. فلن يستطيع أحد أن يجد جامعة مثل جامعة هارفارد أو ستانفورد في أي مكان آخر في العالم سوى في الولايات المتحدة).

..... الرجوع .....

السوق المفتوح
العنكبوتية
الاتصالات
وادي السليكون
هاي تك
الالعاب
الامن الرقمي
بورة ساخنة
قضية تقنية
منوعات
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved