الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السياراتالرياضيةكتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 3rd June,2003 العدد : 36

الثلاثاء 3 ,ربيع الثاني 1424

عن الصحافة..
الصحافة قضية إن نأت بنفسها عن الأحداث..
وهي كذلك إن وضعت نفسها طرفاً فيها..
والمعادلة المطلوبة لإرضاء كل القراء يستحيل تحقيقها..
ومن العبث إضاعة الوقت حتى ولو بالتفكير فيها..
ما أعنيه أننا أمام مفهوم غريب أحياناً..
كلٌّ يريد أن يضع مقاسات معينة لما ينشر فيها..
ومواصفات لها تتفق مع قناعاته ودون اهتمام بغيره..
* * *
والمطلوب في ظل هذا الفهم..
أن تختار الصحافة بين أن تكتب
بقناعات هؤلاء أو لا تكتب..
أن يأتي رأيها في هموم الأمة منسجماً مع ما يريده هؤلاء أو أن تصمت...
وتلك قاعدة لا يمكن أن يُبنى عليها مستقبل العمل الصحفي الناجح..
* * *
على الصحافة مسؤولية كبيرة..
ورسالة ينبغي أن تقوم بها..
فهي لسان حال الأمة..
وهي ضمير كل قارىء من قرائها..
ولا ينبغي أن تنكفىء على نفسها..
أو تتعامل مع الأحداث بسلبية..
لأنها حينذِ سوف تفتقد لأهم متطلبات صدورها..
* * *
وبهذا الفهم المتواضع..
لكاتب هذه السطور..
في ضوء ما يقال وما سوف يقال..
من دور يُرسم لها..
ومن اجتهادات تفرّغها من مسؤولياتها..
وتضعها في الموقع الذي يجب أن تكون بعيدة عنه..
أقول لكم صادقاً..
وبأمانة..
انطلاقاً من نقاش نسمعه بين الحين والآخر..
ومن آراء يتكرم بعض القراء في إسماعنا إياها..
إن الصحافة سيبقى ما ينشر فيها محور خلاف..
وتباين في وجهات النظر..
وتلك ظاهرة صحية..
لكن علينا أن نتأمل في قراءة وتفسير ما ينشر فيها..
لكي لا نشطّ في آرائنا..
لكي لا نبتعد عن بعضنا..
* * *
ولأنه يستحيل أن يرضى جميع القراء عن الصحافة..
وأن يُقابل بعين الرضا كل موضوع.
ينشر فيها...
سواء في صحافة المملكة..
أو صحافة الدنيا كلها..
سواء في هذا الوقت..
أو في الأزمان الغابرة..
لهذا يجب أن نسقط هذا من تفكيرنا..
وأن نبعده عن خانة التمنيات التي نسعى لتحقيقها..
دون إغفال منا لأخلاقيات الصحافة..
أو تجاهل لرسالتها..
مع الابتعاد عن كل ما يكون سبباً في تشويهاتها..
فهذا هو المطلوب منها ومنا..
الآن ومستقبلاً.


خالد المالك

أحياء مُجَفَّفَة!
أي قطيعة تختال بصمت؟
أي قطرة تلتصق بجسد "الخراب" تحيله إلى خراب!
* عادل حوشان

حين نغادر المدن القديمة والأماكن، تلك التي تركت بصماتها الأولى ونزعت عنا قشر الحياة، نتركها وننسى طينها الذي شكلنا.
أحيانا لا أحد يسأل ، لماذا؟
وإلى أين؟
ولا عن المصير.
نتركها عرضة للجفاف حتى تمر الآلة لتدميرها ومحوها لكي لا تتكاثر فيها فئران الذكريات وينخر الدود أبوابها ونوافذها.
الذاكرة المحفوفة بالبسيط والعفوي والصغير.
أي مدن نغادر، ونتركها لمن ؟
مجرد ترك الطين للهواء والدود والجراد يجعل ذاكرتنا ضعيفة حين تمر الصور وحين يحضر الواقع دفاتره ليقرأ علينا أول السطر:
مررتم من هنا.
وتركتم أجسادكم في جسدي، حفظت لكم بصماتكم.
ويفجعنا السؤال المكفن:
أين ذهبتم؟
لا أحد يجيب عن سؤال فاضح بالكافور يرفع رأسه خشية أن يثور غبار الغرف الصغيرة والممرات وشوارع مسقوفة بالنخيل.
لا أحد...
حيث لا أحد دائما سوى وجوه متروكة في انتظار ما سيأتي، غير آبهة بالتخمين وإن كانت لها أحلامها.
أحلامها المأخوذة بطنين الأمل، بأن "يفرج" الله كربتها ويوسع لها في الدنيا.
دمعة الطين
عشرات السنين مرت والبيوت هي البيوت.
الشوارع هي الشوارع.
هناك من بقي على قيد الحياة يأمل بالأمل . والبقية تركوا كل شيء وذهبوا.
أحياء متروكة للجفاف وتتصحر بجانبها الحضارة حين تعمدت أن تقول لها:
ابقي هنا لا أحد يعتني بالثياب المرقعة ولا بالنفايات.
تجد أحيانا أبواباً مطلية بالأزرق وكأن هناك من يقول لك بنصاعة:
السماء أقرب من الأرض.
بينما ينذر المتلاصق بأن حياة هذه البيوت مهددة بالانقراض على رأس كائن هامشي، يعرف أن التهديد يعنيه ولكن لا حيلة في اليد، حيث لا يد أصلا تساعد في القبض على أي حيلة مارة.
تتكي الجدران على الناس منذرة بالانتهاء والخلاص الأخير.
لتودع عمرها وتنام مفككة الطين والحجر والأذرع.
تعمد الإسمنت وضعها في الخلف، ليتزين بالأضواء ويتبرج بالزجاج ويحتفي بالرخام وكأن الدنيا له وخبأها عن العين كي لا تشوه سمعته بالمظهر وكأنها ليست أمه الشرعية وأم المدينة والناس الشرعيين.
هي التي ربت الإسمنت بالماء، وعلمته كيف يخطو خطواته الأولى.
أي قطيعة تختال بصمت؟
هذي البيوت التي حلمنا بها وزرعت أحلامنا في السطوح ونشرت أغنياتنا للناس ورممت أيدينا حين حفظت لنا كل أسرارنا وأسرارها التي أودعتها للشوارع الأمينة لكي تدوزنها في ليل المدينة.
المدينة التي تتعلم النسيان يوميا وهي تترك كل شيء وراء ظهرها وكأن لا أحد يرى دمعة الطين.
امرأة تتوحش
المرأة الوحيدة التي يمكن أن تقابلها تستطيع أن تتخيل حجم كوارثها المطوية تحت سقف احتياجاتها.
قالت لي:
الجدار سيسقط وخفت أن أموت!
تمردت على كل شيء حتى أسندت ظهرها على الجدار.
حين دخلت البيت وجدت عاملا يرمم الجدار وعلبة شاي ومطبخ صغير من الألمونيوم وخمسة فناجين مغطاة ببلاستيك الأهل.
لم أكن أعتقد بأني سأجد أثرا للرفاهية ولا لتوزيع البيت الصغير.
سألتها هل معها أحد؟
قالت ( لا ) ليس معي أحد والجدار انتهى.
كل شيء ينتهي فجأة دون عذابات ما عدا الإنسان ابن الجدران المهددة بالموت والدفن والوحدة.
ابن البيئة المتمرد عليها. ومدمرها.
حذرتني المرأة:
انتبه من عيال الحرام، هذه الشوارع والبيوت لا يوجد فيها سوى أشباح.
الأبواب ضاقت، والشوارع مدفونة والسقوف انخفضت.
هذي ما يصلح لها إلا الهدم.
امرأة واحدة تكفي لكي ننزع عنا وحشة السؤال، لماذا ؟
خراب
نصف البيوت الخلفية تلك التي حملتها الأكتاف متروكة للنمل وباعة الأشياء والمتمردين على النظام برغبة البقاء والعيش.
ونصفها نفايات.
أبواب مغلقة بالسلاسل، وأبواب منزوعة من أماكنها وأبواب أخرى بلا جدران.
أقرب شيء يمكن أن تشعر به (الخراب).
وكأنه متعمد ومترصد به من أجل عيون المدينة.
تلك التي صعدت على أكتافه وأبقته بعيدا وأشعلت نيران سريعة لا تضع هامشاً للقصائد القديمة ولا روائح للمطر.
أي قطرة تلتصق بجسد الخراب تحيله إلى خراب أكثر، بعد أن كانت تعطره ليحتفل بالأعياد مثلما يليق بحياة طينية كريمة.
أي منتصف سنختار إن أتيح لنا الاختيار بين أنقاض هذه الأبواب؟
في كل هذه الأحياء تبني كائنات غريبة أوكارها ويلفظ فيها الغرباء طعامهم المتبقي لتجمعه الحشرات التي خلفوها .
يجتمع الذباب في مشهد مأساوي جدا، لينعم بدفء هذا النسيان المتعمد وكأن الغرباء بيته والغربان عالمه الممتد إلى النهائي.
مجرد نفايات تأخذ حق غيرها وتدفع النسيان إلى أن يعمر أكثر.
الخراب فاصلة الأحياء خلف المدينة، الخراب مفصل الحشرات، وحكاية أصبحت على وقع حكاية قديمة.
هي هكذا تتدحرج لتكبر ونهيل عليها الإسمنت لا ليمحو عزلتها إنما ليضع صورته مكانها ويقبِّل المارة من جديد، كل صباح وكأنه يشير إلى أنه سيد الأضواء.
وصية الأبواب للطين
إما أن تدفننا تحت العجلات وترصف أكتافنا لكي ترتاح عظام البيت، وإما أن تشيد لنا ساحة نرقص فيها على أغنيات أهلنا.
متى ما وجدتهم دعهم يرتبون أنفسهم لكي نحتفل.
لا تنس الوصية أيها المتراكم خلف المدينة الخشنة، ولا تخف، نحن أول الناس دائما واسأل المطر.
نموت حين نموت بشجاعة.
إنما أن تترك الغرباء يكدسون نفاياتهم ويبنون أوكارهم للذباب فسوف نكتب على رأس ال "أحياء" أغنية الموتى التي تليق بك .
وداعاً أيها الطين المُجفّف!

..... الرجوع .....

اعرف عدوك
قضية العدد
تحت الضوء
تكنولوجيا الحرب
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
هنا نلتقي
داخل الحدود
الصحة والتغذية
الملف السياسي
فضائيات
أطفال التوحد
من الصفر
السوق المفتوح
العمر الثالث
المقهى
أماكن
جولة
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية


ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved