Al Jazirah Magazine Tuesday  13/02/2007 G Issue 206
الملف السياسي
الثلاثاء 25 ,محرم 1428   العدد  206
 

أزمة أخلاقية في إسرائيل..فساد النخبة يضعف هيبة الدولة

 

 
* إعداد - أشرف البربري:

فجرت سلسلة الفضائح التي أصابت كبار المسؤولين الإسرائيليين خلال الفترة الماضية اهتمام وسائل الإعلام داخل وخارج إسرائيل، فالرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف لم يجد مفرا من الرضوخ للضغوط الشعبية المتزايدة عليه من أجل تقديم استقالته بعد اتهامه بالتورط في سلسلة من الفضائح الجنسية، وهناك عدد غير قليل من كبار القادة العسكريين والمدنيين في إسرائيل رهن التحقيقات حاليا بتهم مختلفة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ايهود أولمرت الذي انهارت شعبيته إلى أقل من 14 في المائة، وهي أقل شعبية لرئيس وزراء منتخب في إسرائيل على الإطلاق.

وقد اضطر كاتساف إلى التقدم بطلب إلى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي لمنحه إجازة من منصبه حتى تنتهي التحقيقات الخاصة بهذه الفضائح، وجاء تقديم الطلب بعد يوم واحد من إعلان المدعي العام الإسرائيلي اعتزامه توجيه اتهام رسمي لكاتساف بالتحرش الجنسي والاغتصاب ضد بعض العاملات معه في أعقاب شهور من التحقيقات، ما أجبر كاتساف على القول: إنه سيستقيل بمجرد صدور حكم إدانة ضده.

وحول هذه القضية أوردت كريستيان ساينس مونيتور تقريرا أوضحت فيه أن أغلبية الإسرائيليين ينظرون إلى قضية كاتساف باعتبارها تعبيرا عن حالة الانهيار الأخلاقي التي تعاني منه حكومة إسرائيل بشكل عام.

ويقول التقرير: إن إسرائيل ظلت على مدى عشر سنوات مضت تقريبا تتجاهل ما يجري في مؤسسات الحكم من مخالفات وفضائح، ونتج عن ذلك تراجع كبير في الثقة الشعبية في هذه المؤسسات، وهو الأمر الذي يعد مؤشرا جديدا على تغير النظرة العامة إلى هذه المؤسسات.

وفي ظل هذه الأوضاع يتحدث بعض خبراء قياس الرأي العام عن احتمال إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل.

والمعضلة التي تواجه الإسرائيليين حاليا هي أن الحكومة بشقيها المدني والعسكري - وهي التي يفترض أن تكون قوية وذات مصداقية حتى تتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين والسوريين - تواجه اتهامات بالفساد، ويشمل ذلك المؤسسة العسكرية التي ظلت على مدى عشرات السنين بعيدا عن أي سجال سياسي.

ويورد التقرير عن رافي سيمث مدير معهد سيمث لقياسات الرأي العام في مدينة رامات جان بالقرب من تل أبيب قوله: إن ما حدث خلال السنوات الماضية هو أن كل مؤسسات الدولة في إسرائيل تعرضت للتآكل، بما في ذلك وزارة العدل نفسها والمحاكم والقادة السياسيون والعسكريون، إلى درجة أنك إذا أطلقت لقبا سياسيا على أي شخص فإن شعبيته ستنخفض على الفور بنسبة 02 في المائة.

وتقول الصحيفة: إن العديد من الدراسات أكدت شيوع الفساد في إسرائيل. ففي عام 2006م احتلت إسرائيل المركز 43 في قائمة الدول الأقل فسادا في العالم حسب دراسة صدرت في العاصمة الألمانية برلين، وهو ما يؤكد تفشي الفساد في إسرائيل خلال السنوات العشر الماضية مقارنة بتصنيفها في هذه القائمة خلال التسعينيات، حيث كانت ضمن أفضل عشر دول من حيث محاربة الفساد.

ويورد التقرير عن بعض المراقبين قولهم: إن الفساد انتشر في إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية حتى أصبح الجيل الماضي يتحدث عن نفسه باعتباره جيلا قديما مختلفا عن الجيل الحالي وممارساته، وقد أنشأ مجموعة من الناشطين منهم المحامي ديفيد بارتيم منظمة أطلقوا عليها اسم (الحركة من أجل حكومة راشدة)، وهي منظمة تضم حوالي 20 ألف عضو، وباتت تلعب دورا رئيسيا في محاربة الفساد وإقامة الدعاوى القضائية ضد الممارسات الحكومية السيئة، وفتحت المنظمة أربعة خطوط ساخنة لتلقي شكاوى المواطنين وبلاغاتهم عن وقائع الفساد، وتلقت بالفعل حوالي 1500 شكوى العام الماضي بعضها قدمتها إلى المحكمة العليا في إسرائيل، وأدت هذه الحركة دورا فاعلا في الدعوة إلى تشكيل لجنة وينوجراد للتحقيق في أداء مختلف المسؤولين الإسرائيليين خلال الحرب بين لبنان وإسرائيل في الصيف الماضي. ويشير بارتيم إلى تزايد سخط الرأي العام الإسرائيلي بسبب اكتشاف فساد العديد من كبار القادة السياسيين والعسكريين، أو على الأقل انهيار مستويات أداء هؤلاء القادة، فالرئيس كاتساف ليس أول مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى يتورط في مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية، ولكن المشكلة أن الضحايا خلال العقود الماضية كن أقل قدرة على الحديث عما تعرضن له، كما أن السلطة كانت تحمي السياسيين من المساءلة.

ويؤكد التقرير أن العديد من الشخصيات السياسية في أغلب الدول المتقدمة تعاني من أزمة حقيقية فيما يتعلق بصورتها لدى الرأي العام، حيث لم يعد الرأي العام يهتم بالأداء السياسي بعيدا عن حياته الخاصة وممارساته خارج دائرة العمل السياسي، وهو ما ينطبق بالضرورة على إسرائيل، وقد يكون الأمر أشد في إسرائيل لأنها أقيمت على أساس المساواة الاجتماعية، وكان ينظر إلى كاتساف باعتباره نموذجا للنجاح في المجتمع الإسرائيلي الذي يضمن المساواة لكل أفراده من اليهود.

فهو مولود في إيران، وعندما وصل إلى الرئاسة كان أول يهودي مولود في دولة مسلمة يصل إلى هذا المنصب الرفيع، رغم التهميش الذي يعاني منه عادة اليهود الشرقيون (السفارديم)، ومنهم كاتساف مقارنة باليهود الغربيين (الأشكيناز).

ويلاحظ التقرير أن الهجوم لم يقتصر على كاتساف وحده وإنما امتد إلى مؤسسة الرئاسة نفسها، كما أن الدعوة لم تتوقف عند المطالبة باستقالته، وإنما امتدت إلى المطالبة بإلغاء منصب الرئيس في إسرائيل.

فقد كتب الصحفي الإسرائيلي بين كاسبيت في صحيفة معاريف يقول: إن إسرائيل لا تحتاج إلى رئيس للجمهورية، ويعلل ذلك بقوله (ليخبرني أحد ما الشيء الذي قدمه الرئيس للشعب أو الدولة أو وحدة هذا الشعب أو الأمن أو الاقتصاد أو لأي شيء.. فالرئاسة أصبحت بلا معنى ولا قيمة، بل أصبحت تبديدا للمال على مواكب الشرف والقصر الرئاسي والحرس الشخصي والسيارات والرحلات الرئاسية).

وتناول التقرير ما يدور حاليا من تحقيقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بشأن تورطه عندما كان يشغل منصب وزير المالية في فضيحة فساد من أجل ضمان حصول أحد أصدقائه على حصة في بنك مملوك للدولة جرت خصخصته عام 2005م، وهو بنك ليئومي أكبر بنوك إسرائيل.

ومن الشخصيات الأخرى التي تخضع للتحقيق وزير العدل السابق حاييم رامون المتهم بالتحرش الجنسي، كما أن وزير البيئة السابق تسيبي هانجيبي متهم بإجراء تعيينات غير قانونية في الوزارة عندما كان على رأسها، وهناك أيضا دان حالوتس رئيس الأركان الذي استقال قبل أيام.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه التلفزيون الإسرائيلي وأذيع في نفس اليوم الذي استقال فيه حالوتس أن 68 في المائة من الإسرائيليين يطالبون أولمرت بالاستقالة في حين أن 85 في المائة يطالبون وزير الدفاع عمير بيريتس بالاستقالة، ودعا حوالي ثلثي من شملهم الاستطلاع إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وتخلص الصحيفة إلى بروز شعور عام بين الإسرائيليين بأن دولتهم تشهد حالة انهيار أخلاقي بعد أن وصل فساد النخبة السياسية والعسكرية إلى مستويات غير مسبوقة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة