Al Jazirah Magazine Tuesday  13/02/2007 G Issue 206
الافتتاحية
الثلاثاء 25 ,محرم 1428   العدد  206
 
سَلِمْتَ يا عبد الله..وسَلُمَ ما صنعت!

 

 

قدره أن يتعامل مع قضايا أمته بمثل ما نراه، حيث اعتاد الرجل الكبير أن ينطلق مسرعاً في بذل الجهد السخي حتى بلوغ الهدف النبيل، وبتعاطيه الجميل معها في المكان والزمان المناسبين، بما لا يمكن لغيره أن يفعل ما فعله لأمته من إنجازات تاريخية، وأن يحقق لها ما حققه من نتائج باهرة، في ظروف صعبة وقاسية ومريرة يستحيل معها أن تطوّق الخلافات من غير تدخل منه، حيث الإجماع بين الفرقاء على احترام رأيه والاستنارة بوجهة نظره والثقة بحكمته وصواب ما يراه.

***

وإذ يقود عبد الله بن عبد العزيز مساعي الخير بشكل متواصل ومستمر في ظرف تاريخي مهم وصعب، بما لا مزيد على رأي يقوله، ولا إضافة على قول رشيد يُسمعه لغيره، فلأنه أبداً هو القائد الملهم، الذي يعز عليه أن يرى أمته العربية في خصام مضر بمصالحها، وهو ما لا تسمح به قيمه وتقاليده ومبادئه وعروبته دون موقف منه، وبالتالي فلا يرضيه أن يقف أمامها متفرجاً ومحبطاً ويائساً، بينما هناك إجماع عربي على امتداد الوطن العربي كله بأنه الوسيط المقبول والحكيم الأبرز بين قادة أمته العربية، بما يعطيه هذا التتويج الحق بتحمل المزيد من المسؤوليات - على ضخامتها - لمواجهة هذا الذي يضر بدولنا وشعوبنا، وصولاً إلى إخراجها من هذه الأنفاق المظلمة.

***

لقد انفرط الزمام أو كاد بين الأشقاء في فلسطين، فبدأ الجميع باستخدام السلاح وإثارة الفتنة، بتصرفات وممارسات لا تخدم إلا العدو، ولا تسيء إلا إلى القضية الفلسطينية، بينما يعلم الجميع بأن وقودها إهدار دم الأبرياء الزكي وقتل المزيد من الشرفاء، بما لا سابق له في تاريخ النضال الفلسطيني الطويل، الأمر الذي كدَّر خاطر خادم الحرمين الشريفين وأدمى قلبه وأحزنه كثيراً، فكان أن دعا إلى اجتماع تاريخي بين رفاق السلاح الواحد والمصير المشترك يعقد في أقدس بقعة على وجه الأرض، حيث الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام وقبلة المسلمين في مكة المكرمة، متفرغاً بنفسه من كل مسؤولياته والتزاماته للإشراف على إنجاح هذا الاجتماع والخروج منه باتفاق يحقن الدماء ويوحد الهدف ويعيد إلى الأشقاء الفلسطينيين وحدتهم واتفاقهم وابتساماتهم، ومن ثم توجيه سلاحهم إلى عدوهم ومغتصب أرضهم الذي نكَّل بالأحرار منهم إلى أن يتم تحرير أرضهم وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف.

***

ولعل أبلغ رد على إسرائيل ومن سار على خطاها من الدول والأشخاص الذين شككوا في إمكان أن يتوصل اجتماع مكة إلى اتفاق وتوافق بين الفلسطينيين، هو هذا البيان التاريخي المهم الذي توصلت إليه (فتح وحماس) بما لا سابق له في المضمون، ولا مماثل له في الأهداف، بما ينبغي أن تسجل نتائجه وقراراته ضمن إنجازات الملك عبد الله وخدمته المتواصلة للقضية الفلسطينية، حيث إن هذا الاجتماع يأتي امتداداً لمبادرته العربية بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وضمن دعمه المادي والسياسي غير المحدود لقضية العرب الأولى، فهاجسه قضية فلسطين، وهمُّه الكبير إيجاد دولة للفلسطينيين، وثقته كبيرة بأن يوماً سيأتي ليؤدي الصلاة في المسجد الأقصى المبارك بعد تحرير القدس من العدو الإسرائيلي المحتل.

***

ولئن اتفق الفلسطينيون على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء إصلاحات في منظمة التحرير الفلسطينية ضمن مجموعة مما تم التوصل إليه بين المجتمعين، بما سوف يعزز من حالة الصمود أمام الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية، فإن من المهم أن يلتزم الجميع بما تم الاتفاق عليه؛ لأن أي تكرار للممارسات التي استدعت بالملك عبد الله بن عبد العزيز لأن يدعو الأشقاء إلى هذا الاجتماع، قد لا تساعد مع عودة الصراع على الساحة الفلسطينية، على توفير الأجواء الأخوية المناسبة التي سادت اجتماع مكة، وبالتالي فقد يتطور الاقتتال فيما لو تجدد إلى مرحلة يصعب عندها السيطرة على المتحاربين بين الفئات المتقاتلة، مما يصعّب من أي دور يمكن أن يتم الترتيب له لمعالجة الخلافات بين الفلسطينيين وتطويقها.

***

لقد حاولت إسرائيل بإشارات كانت ترسلها تباعاً للتشويش على اجتماع مكة وإفشاله أو تفريغه من أي نجاح متوقع، وبينها إعلان رئيس وزراء إسرائيل رفضه التعامل مع حكومة تكون حماس طرفاً فيها، ودعوته للرئيس محمود عباس بعدم قبول أي عرض على فتح لتكون شريكاً في الحكومة الفلسطينية المنتظرة، غير أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ما كان له أن يسمح لهذا الاجتماع أن ينهي جلساته دون قرارات تاريخية غير مسبوقة، وما كان له أن يدعو لاجتماع كهذا لو لم يكن على يقين باحترام الفلسطينيين لآرائه، وأن ثقتهم بما سيقوله لهم ويوجههم إليه - وهو محل الرضا لديهم - لن تعطي للعدو الإسرائيلي أي فرصة لإفشاله أو إنهائه بمثل ما كان يتمنى ويريد.

***

وإلى أن يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والوصول إلى صيغة إصلاحية مناسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ضمن برنامج طموح ينقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة متقدمة تليق بشعب جبار قدَّم كثيراً من الشهداء في سبيل استعادة حقوقه المشروعة، فسوف نظل نردد مع الملك عبد الله التمنيات بأن يمن الله على الشعب الفلسطيني الشقيق الفرج بعد الشدة والاستقلال بعد الاحتلال، فالتضحيات التي قدمها الفلسطينيون ولا زالوا يقدمونها بدماء وأرواح شبابهم ثمنها - إن شاء الله - دولة حرة مستقلة وعاصمتها القدس، رغم وحشية إسرائيل في تعاملها وعدوانها على فلسطين والفلسطينيين.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244

خالد المالك


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة