Al Jazirah Magazine Tuesday  14/08/2007 G Issue 231
القادمون
الثلاثاء 1 ,شعبان 1428   العدد  231
 

دروس في التنمية من الملايو (1-3)
ماليزيا نسيج متعدد الأعراق

 

 

إعداد - أحمد عبداللطيف:

ماليزيا دولة امتزجت فيها دماء عدة عبر التاريخ بفضل موقعها الفريد وثرائها الطبيعي، حيث ينتمي سكانها إلى أعراق مثل: الملايوية والصينية والهندية والسكان الأصليين وغيرها، وأديان مختلفة منها الإسلام الذي يدين به حوالي60 بالمائة من السكان والبوذية والهندوسية والكنفوشية والسيخية وغيرها، وتتمثل المعجزة الماليزية في قدرتها على تحقيق التعايش بين كل هذه القوميات والديانات واللغات، والاستفادة من هذا التوازن لتحقيق نهضة كبرى خلال فترة لا تتجاوز العقدين، ما يعد نموذجا يستحق الوقوف عنده وتأمله لعله ينير الطريق.

ملتقى طرق

تقع ماليزيا في موقع القلب من منطقة جنوب شرق آسيا، وهي منطقة تمثل أحد أهم ملتقيات الطرق في العالم، ولذلك كانت منذ القدم محورا للطرق التجارية القادمة من أوروبا والشرق الأوسط والصين والهند. وبسبب مناخها الاستوائي الدافئ وطبيعتها الساحرة ظلت ماليزيا محط أنظار المهاجرين منذ أكثر من خمسة آلاف عام عندما استقر بها أسلاف سكان شبه جزيرة ماليزيا الحاليين، الذين يطلق عليهم اسم أورانج أسلي، في حوالي عام 2500 قبل الميلاد قادمين من الصين والتبت. وتبع هذه الهجرة وصول الملايويين، الذين حملوا معهم مهاراتهم وخبراتهم في الزراعة واستخدام المعادن. وفي حوالي القرن الأول قبل الميلاد ارتبطت المنطقة بوشائج تجارية قوية مع الهند والصين، وكان لهذا أثره الكبير في ثقافة المنطقة ولغتها وعاداتها الاجتماعية. وقد مرت على ماليزيا فترة سادت فيها الثقافة الهندوسية البوذية وتوجد الآثار الدالة على هذه الفترة في معابد وادي بوجانغ وعند مصب نهر ميربوك في منطقة كيداه في شمال غرب شبه الجزيرة الماليزية قرب الحدود التايلاندية. وانتهى هذا العهد الهندوسي البوذي في القرن الثالث عشر بوصول الإسلام إلى ماليزيا على أيدي التجار العرب والهنود، حيث اعتنق الملايويون الإسلام عندما تحول حكام سلطنة ملقا، وهي المملكة الملايوية التي كانت تسيطر على جانبي مضيق ملقا لفترة امتدت حوالي مائة عام، من عقيدتهم الهندوسية إلى الإسلام. ومنذ ذلك التاريخ كان للإسلام تأثيره العميق على المجتمع الماليزي.

الأوروبيون

وتسبب وصول الأوروبيين إلى ماليزيا في حدوث تغييرات جذرية في الدولة الماليزية. ففي عام 1511م استولى البرتغاليون على ملقا وكونوا مستعمرة هناك. وأسس أبناء آخر سلاطين ملقا سلطنتين في منطقتين أخريين من شبه الجزيرة، سلطنة بيراك إلى الشمال وسلطنة جوهور إلى الجنوب. وبعد سقوط ملقا بدأ صراع بين ثلاث مجموعات للاستيلاء على مضيق ملقا، البرتغاليون في ملقا وسلطنة جوهور وسلطنة آسيه، واستمر هذا الصراع حتى عام 1641م عندما سيطر الهولنديون (حلفاء سلطنة جوهور) على المضيق. وأسس البريطانيون أول مستعمرة لهم في عام 1786م عندما تنازل لهم سلطان كيداه عن جزيرة بينانغ. وفي عام 1824م استولى البريطانيون على ملقا بموجب معاهدة عام 1824م التي قسمت أرخبيل الملايو بين بريطانيا وهولندا. وفي عام 1826م أسس البريطانيون مستعمرة عرفت باسم مستوطنات المضيق، وهي المستعمرة التي شملت ثلاث مستوطنات هي ملقا وبينانغ وسنغافورة، ومن هذه القواعد بدأ البريطانيون عملية الدمج السياسي لدويلات شبه جزيرة ماليزيا.

التاريخ الحديث

وفي القرن التاسع عشر دار صراع بين دول الملايو احتاجت فيه كل دولة العون البريطاني لحسم صراعها مع الدول الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك كانت بريطانيا نفسها في حاجة إلى مثل هذا التدخل نسبة لأهمية تعدين القصدير بالنسبة للتجار الذين كانوا يتعاملون مع الدول المنتجة له، وتبنت بريطانيا دبلوماسية (السفينة المدفعية) من أجل وضع حل سلمي للنزاعات الأهلية التي كانت تتسبب فيها العصابات الصينية، وبحلول القرن العشرين وقعت عدة دول ملايوية، من بينها بيهانغ وسيلانور وبيراك، تحت السيطرة الفعلية للمستوطنين البريطانيين الذين نصبوا أنفسهم مستشارين لحكام الملايو. وكان هؤلاء مستشارين اسما ولكنهم كانوا في الواقع يتمتعون بنفوذ كبير لدى هؤلاء الحكام.

واحتل اليابانيون شبه جزيرة ماليزيا في عام 1941م، ولكن الفترة اليابانية لم تستمر سوى أربع سنوات عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، واضطرت لذلك إلى التخلي عن سيطرتها على المنطقة لصالح البريطانيين مرة أخرى في عام 1945م.

وفي عام 1946م حاول البريطانيون توحيد إدارة الملايو تحت مستعمرة واحدة باسم اتحاد الملايو، غير أن هذا الاتحاد ووجه بمقاومة عنيفة من جانب الملايويين، الذين اعترضوا على إضعاف حكام الملايو ومنح الجنسية للعرقية الصينية.

وفي عام 1948م ذاب اتحاد الملايو، الذي شمل كل دول الملايو التابعة للنفوذ البريطاني عدا سنغفاورة، فيما عرفت باسم الفيدرالية الملايوية، التي ضمنت الحكم الذاتي لحكام دول الملايو تحت الحماية البريطانية. وحصلت الفيدرالية الملايوية على استقلالها من السيطرة البريطانية في 31-8-1957م، وفي سبتمبر 1963م توحدت الفيدرالية الملايوية وسراواك وصباح، بالإضافة إلى سنغافورة، لتكوين ماليزيا، الدولة التي تستمد ثراءها الثقافي والاجتماعي من إرثها التاريخي الذي امتزجت فيه ثقافات قدمت من أركان الدنيا الأربع.

نشأة ماليزيا

وقد رافقت نشأة الدولة الماليزية صراعات مع إندونيسيا حول كيفية تشكيل الدولة، ما أدى في النهاية إلى انفصال سنغافورة. ومن أبرز الصراعات التي شهدتها تلك الفترة أيضا أحداث الشغب العرقية في 13-5-1969م، التي أدت إلى تبني ما عرف باسم (السياسة الاقتصادية الجديدة) على يدي رئيس وزراء ماليزيا آنذاك تون عبدالرزاق، وهي السياسة التي زادت من نصيب سكان البلاد الأصليين، بمن فيهم معظم الملايويين، من ناتج الاقتصاد القومي على حساب المجموعات الأخرى. ومنذ تلك الفترة تبنت ماليزيا سياسة مرنة للحفاظ على التوازن العرقي باعتماد تشكيل حكومي يعمل على الربط بين التنمية الاقتصادية الكلية للبلاد وسياسة اقتصادية تميل لصالح سكان البلاد الأصليين.

وفي فترتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين شهدت ماليزيا تطوراً اقتصادياً كبيراً على رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، الذي نجح في تحويل الاقتصاد الماليزي من اقتصاد يقوم على الزراعة إلى اقتصاد صناعي في مجالات مثل الإلكترونيات والحواسيب. وهذه الفترة هي الفترة التي شهدت بروز المشاريع الاقتصادية الكبرى مثل برجي بتروناس، اللذان يمثلان أكبر مبنى في العالم حتى الآن، ومطار كوالالمبور الدولي والطريق السريع الشمالي الجنوبي ومضمار سيبانغ للفورمولا ون والطريق السريع للوسائط المتعددة وسد باكون، بالإضافة إلى بوتراجايا، العاصمة الإدارية الفيدرالية الجديدة لإندونيسيا.

وشهدت التسعينيات الأزمة المالية التي اجتاحت كل دول جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى الأحداث التي أدت إلى إقالة رئيس الوزراء أنور إبراهيم. وفي عام 2003م استقال مهاتير محمد، صاحب أطول فترة في منصب رئيس الوزراء، من منصبه لصالح رئيس الوزراء الحالي عبدالله بدوي.

وأدى تدفق الهجرات عبر التاريخ إلى تشكل النسيج الحالي لسكان ماليزيا، الذين ينتسبون إلى عدد من الأصول العرقية ويشكل الملايويون أهم المجموعات العرقية في ماليزيا بنسبة 52 بالمائة من السكان ويتميزون بنفوذ سياسي كبير، وينتمي30 بالمائة من الماليزيين إلى الأصول الصينية، بينما تبلغ نسبة الذين ينتمون إلى الأصول الهندية 8 بالمائة من السكان وهناك مجموعات عرقية أخرى مثل البنجاب والغوجارات، بالإضافة إلى سكان البلاد الأصليين، الذين يشكلون حوالي 7 بالمائة من السكان. وكان لكل مجموعة من هذه المجوعات العرقية دور ما في تاريخ ماليزيا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة