الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 17th September,2002 العدد : 1

الثلاثاء 10 ,رجب 1423

الإفتتاحية
الجزيرة اسم..
والجزيرة تاريخ..
باسمها نباهي..
وبتاريخها نعتد..
بهما ومنهما تبقى الجزيرة في الذاكرة..
صحيفة عريقة..
وإصداراً مميزاً..
***
نقول هذا مع وثبة جديدة من وثباتها..
ونتحدث عنها بكلمات لا ندعيها، لأنها إيحاءات أخذناها من قراء الجزيرة في بعض ما كتبوه لنا عنها..
***
ونحن في كل هذا لا نمنّ على أحد من قرائنا بمنجز يأتي تحقيقه اليوم استجابة لرغبتهم..
وإنما نذكّر به بوصفه قناعة راسخة في أذهاننا بأن قراء الجزيرة هم لا غيرهم الذين أعطوها كل هذا التميز بعد زمن اعتقد البعض خطأ أن وهجها قد خبا وأنه لن يعود..!
***
اليوم نقدم لكم "مجلة الجزيرة" هدية من الجزيرة الصحيفة لقرائها..
مجلة أسبوعية جامعة ومتنوعة..
تصدر في مثل هذا اليوم من كل أسبوع..
بأربعين صفحة ملونة..
بإخراج جديد..
ومضمون متميز..
***
إنه بعض حقكم علينا..
وشيء من دور صحفي فاعل ينبغي أن نقوم به لبلوغ الهدف..
وسوف يستمر الزملاء بالعمل على هذا النحو في فضاءات رحبة لتقديم المزيد من الأعمال الصحفية الناجحة ودون توقف..
فالوقت يعمل لصالح مَنْ يعمل..
وهو معنا ولصالحنا..
مثلما هو معكم..
***
والجزيرة تكفيك..
شعارنا..
كما هو شعاركم أيضاً..


خالد المالك


لمواجهة التفوق العددي للعرب
كيف صنع بن غوريون السلاح النووي
الإسرائيلي بشكل غير قانوني؟ (12)
أمريكا وإسرائيل تترنحان في طريق مظلم

كانت المخاوف بشأن مستقبل إسرائيل تتملك رئيس وزرائها ديفيد بن جوريون وهي مخاوف لم يفلح العدوان الذي قامت به إسرائيل على سيناء عام 1956م في إخمادها.ويذكر أنه في نهاية عقد الخمسينات عبر بن جوريون عن مخاوفه تلك لأحد مساعديه قائلا: إنني لا أستطيع النوم كل ليلة ولو لثانية واحدة فقلبي يمزقه هاجس واحد ألا وهو حدوث هجوم مشترك من قبل الجيوش العربية .
وفي هذه الأثناء كان بن جوريون قد عقد العزم على وجوب امتلاك إسرائيل "للخيار النووي" فقد كان السلاح النووي من وجهة نظره هو وحده القادر على مواجهة التفوق العددي للعرب .
وعندما تولى كيندي مقاليد السلطة كرئيس للولايات المتحدة في عام 1961م تحمس بشدة إلى تحقيق الهدف الرامي إلى حظر انتشار الأسلحة النووية ولكن السياسة التي اتبعت في كيفية تحقيق هذا الهدف كانت متقلبة.
عندما يتم تأمل ما حدث على مدار السنوات الماضية نجد أن إسرائيل كانت حالة استثناء من هذاالحظر ليس بسبب الوضع الجيوبوليتيكي لإسرائيل فحسب ولكن أيضا بسبب عبء تاريخي ثقيل لذا توجب في الحالة الإسرائيلية التغاضي عن تلك الفكرة المثالية الخاصة بحظر انتشار الأسلحة النووية .
وليس هناك مثال أدل على ذلك التغاضي الذي بلغ أقصى درجاته سوى اللقاء الذي تم عام 1961م بين كيندي وبن جوريون في مدينة نيويورك، فعلى الرغم من أن كيندي قد تحدث بشكل رائع عن مسألة حظر انتشار الأسلحة النووية.
لكنه عندما وصل في الحديث إلى حالة إسرائيل لم يضغط على تلك المسألة بقوة أو يلح عليها وهو بذلك شيد الدعائم التي قام عليها نموذج العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الذي ظل سائدا طيلة 30 عاما تالية.
وهكذا أخذت كل من إسرائيل والولايات المتحدة تترنحان معا في طريق تغشاه الظلمة يوميات الأزمة لقد ظهر التصور الخاص بمشروع ديمونة النووي في خضم نزاع دولي فقد ظهر في أحلك ساعات أزمة السويس إذ كانت كل من بريطانيا و فرنسا قد اقنعت إسرائيل بالمشاركة في الجهود العسكرية الرامية إلى مساعدتهما على استعادة قناة السويس التي قامت مصر بتأميمها في يوليو من عام 1956 وبالرغم من أن هذه التجربة قد أظهرت القدرات العسكرية الإسرائيلية إلا أن ما نجم عن حملة نوفمبر عام1956 على المستوى السياسي كان يمثل كارثة بكل المقاييس فقد قامت الولايات المتحدة بالتنديد باستخدام القوة كما صممت على عقد مفاوضات لوقف إطلاق النار وبلغت الأزمة ذروتها عندما أنذر رئيس الوزراء السوفيتي نيكولاي بولجانين بن جوريون قائلا ان الصواريخ السوفيتية من الممكن أن تطال أهدافاً إسرائيلية.
واستجابة للتهديد السوفيتي قامت جولدا مائير يرافقها شيمون بيريز مساعد بن جوريون المقرب بالطيران إلى باريس في صبيحة السابع من نوفمبر لعقد اجتماع مع زملائهم الفرنسيين وهم وزير الدفاع الفرنسي موريس بورجيس مانوري ووزيرالخارجية كريستيان بينو وطبقا لما أوردته المصادر الفرنسية فإنه نظرا لعدم قدرة فرنسا على تقديم أي ضمانات فورية لإسرائيل ضد العدوان السوفيتي قدم بيريز اقتراحا بأن تقوم فرنسا بعد انسحاب إسرائيل من سيناء بتقديم الضمانات الأمنية الكافية لإسرائيل.
وفي 14 يونيو حدث انسجام بين بن جوريون وديجول بما يكفي لترتيب لقاء قمة بشكل عاجل بينهما ولكن النقاش الذي دار خلال هذا اللقاء لم يؤد إلى الوصول إلى حل بشأن الأزمة النووية إذ شهدت هذه المحادثات تبادلا للثرثرة بكلام كثير حول الشئون العالمية وغيرها من الأفكار بين رجلي سياسة بلغا مبلغ الشيخوخة أما القضية الحقيقية فقد كانت نادرا ما تذكر وعلى هذا فعندما إنتهى هذا اللقاء دون مناقشة لقضايا التعاون النووي والعسكري اقترح ديجول عقد لقاء آخر بعد ثلاثة أيام .
وفي 17 يونيو عقد الزعيمان لقاء على انفراد وفي هذه المرة بدأت المباحثات تنصب مباشرة على القضية النووية ورغم أن الجانبين كانا خلال اللقاء يريدان تحاشي حدوث مواجهة إلا أنه لم يتم التوصل إلى حل فوري وطبقا لما ذكره ميشيل بار زوهار كاتب سيرة حياة بن جوريون فإن بن جوريون قال: إنه يتفهم تحفظات ديجول حول مشاركة فرنسا في بناء المفاعل وأنه يتعهد من جانبه بألا تقوم إسرائيل ببناء أسلحة نووية ثم اقترح ترك التفاصيل العملية الخاصة بمستقبل التعاون النووي بين البلدين ليتولاها كل من شيمون بيريز و بيير جويلامو وزيرالطاقة النووية الفرنسي وبالرغم من أن ديجول قد أبدى استعداده إلى إعادةالنظر في الموقف إلا أنه لم يكن مقتنعا.
ولكن ديجول لم يغير فكره ففي الأول من أغسطس 1960 قدم كوف دي ميرفي تقريرا يفيد بأن فرنسا قد عقدت العزم على إنهاء مساعدتها لإسرائيل وذلك في حالة مواصلة إسرائيل معارضتها للخضوع للتفتيش الخارجي وأضاف أن فرنسا سوف تقوم بتعويض إسرائيل عن الخسائر المالية التي يمكن أن تتكبدها من جراء هذا الإنهاء وبعد مشاورات مع مستشاريه رفض بن جوريون عرض التعويض وأرسل بيريز إلى العاصمة الفرنسية باريس محاولا التفاوض من أجل التوصل إلى حل وسط.
وبالفعل تم التوصل إلى هذا الحل الوسط بحلول نوفمبر من نفس العام وتمثل هذا الحل في أن تنهي الحكومة الفرنسية ارتباطها المباشر بمفاعل ديمونة على أن تبقى الشركات الفرنسية التي كانت تعيش على تلك التعاقدات قائمة على عملها بما كان يعني أن إسرائيل بإمكانها أن تواصل تنفيذ المشروع بمفردها وتعهدت إسرائيل أيضا بأن تصدر إعلانا عاما عن مفاعل ديمونة وأن تعلن فيه أنه مخصص للأغراض السلمية وبالمقابل يكون على فرنسا التخلي عن إصرارها على إخضاع المفاعل النووي الإسرائيلي للتفتيش الدولي.
ووقر في يقين ديجول أنه بذلك قد وضع حدا لهذا المشروع فنجده يكتب في مذكراته تعليقا على ذلك قائلا : وهكذا انتهى انتهى التعاون الذي كنا نقدمه في البداية بالقرب من بير سبع للوحدة الصناعية القائمة بتحويل اليورانيوم إلى بلوتونيوم والذي يمكن من خلالها تخليق قنابل ذرية يوما ما ولكن كل ما قاله ديجول في بيانه ذلك لم يكن سوى رؤية ذاتية وليست وقائع دقيقة فطبقا لما أورده بيان فإن كل ما فعله هذا الحل الوسط الذي توصل إليه بيريز أنه وفر على وجه الدقة الحماية لهذا الجزء من المشروع أي لعملية إعادة معالجة البلوتونيوم التي كان ديجول قد عقد العزم على إيقافها.
ورغم ذلك فإن إسرائيل قد تعلمت أن هناك حدوداً سياسية لإرادتها النووية ومن ثم فقد كان على بن جوريون أن يتعهد ولو بشكل سري بألا تقوم إسرائيل ببناء أسلحة نووية.
إزاحة الستار عن ديمونة
وبعد أقل من ستة أشهر وحتى قبل أن تقوم إسرائيل بتنفيذ الجزء الخاص بها من الاتفاق أي جعل مسألة بناء مفاعل ديمونة أمرا علنيا انكشف السر فجأة على الجانب الآخر من الأطلنطي.
وفي النهاية قررت إدارة إيزنهاور التي كانت على وشك الرحيل إستباق هذا الإعلان المتوقع وفي الثامن من ديسمبر أعلن آلان دالاس مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في إجتماع لمجلس الأمن القومي أن إسرائيل بصدد إنشاء مبان نووية في صحراء النقب بمساعدة فرنسا وأضاف قائلا أن : خبراء السي آي إيه و خبراء هيئة الطاقة الذرية قد أجمعوا على أنهم موقنون بأن المركبات النووية التي تستخدمها إسرائيل في هذا المفاعل لا يمكن أن تستخدم فقط للأغراض السلمية وفي اليوم التالي قام وزير الخارجية كريستيان هيرتر باستدعاءالسفير الإسرائيلي وقدم له ما توصلت إليه المخابرات الأمريكية بشأن المفاعل الذي يجري إنشاؤه كما أعرب له عن قلق الولايات المتحدة بهذا الخصوص إلا أن السفير الإسرائيلى إبرهام هارمان أنكر أي معرفة له بتفاصيل إقامة مفاعل نووي في ديمونة ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك بل أنها قامت باطلاع اللجنة العامة للطاقة الذرية التابعة للكونجرس على الأمر برمته.
وفي عددها الصادر بتاريخ 19 ديسمبر كشفت مجلة تايم الأمريكية عن اجتماع خاص عقده الكونجرس بشأن التطور الذري لدولة أخرى دولة لا هي تنتمي إلى الكتلة الشيوعية ولا تنتمي إلى دول حلف شمال الأطلنطي "الناتو" وبعدذلك بأيام ثلاثة قامت صحيفة الدايلي إكسبريس اللندنية بتحديد هذه الدولة فصرحت بأنها إسرائيل مضيفة أن: سلطات المخابرات البريطانية والأمريكية على يقين من أن الإسرائيليين يسيرون حثيثا نحو إنتاج أول قنبلة نووية تجريبية.
وفي 18 ديسمبر أجرى جون ماكون رئيس هيئة الطاقة الذرية لقاء صحفيا قال فيه: أن إسرائيل كانت تقوم بتكتم شديد ببناء مفاعل نووي وان الولايات المتحدة وجهت إلى إسرائيل تساؤلات بهذا الشأن وأضاف أن: الولايات المتحدة كان لديها معلومات غير رسمية تتعلق بأنشطة إسرائيلية نووية بيد أنه أشار الى أن امتلاك مفاعل لا يعني في حد ذاته خلق قدرات نووية وفي الأيام التالية كان موضوع المفاعل الإسرائيلي هوالموضوع الرئيسي على الصفحات الأولى من صحيفة النيويورك تايمز.
وقد كشفت القصص الإخبارية التي نشرت والتي اتضح في الآونة الأخيرة أنها كتبت بمساعدة جون ماكون: أن المسئولين الأمريكيين يبحثون بقلق بالغ الأدلة التي ظهرت مؤخرا والتي تشير إلى أن إسرائيل تقوم بمساعدة فرنسا بتطوير قدراتها على إنتاج أسلحة نووية كذلك فإن وزارة الخارجية الأمريكية اعترفت لأول مرة بأن هيرتر قد استدعى بالفعل السفير الإسرائيلي في التاسع من ديسمبر للإعراب عن قلق الولايات المتحدة بهذا الشأن وطلب المزيد من المعلومات.
إلا أنه لم يتم تلقي إجابة على ذلك بعد وفي اليوم نفسه كان موضوع المفاعل الإسرائيلي هو موضوع المؤتمر الرئاسي.
وتشير وقائع هذا المؤتمر الذي تم الإفراج عن وقائعه ولم تعد سرية منذ عام1993 الى أن كلا من هيرتر وزير الخارجية وآلان دالاس مدير السي آي إيه قد أشارا إلى مفاعل ديمونة بوصفه "وحدة لإنتاج البلوتونيوم " وعلق إيزنهاور على ذلك بأنها وحدة تتكلف ما بين 100 و200 مليون دولار.
وفي اليوم التالي أي في العشرين من ديسمبر كانت التداعيات السياسية لمفاعل ديمونة هي الشغل الشاغل للتغطية الصحفية التي أخذت تتابع الحدث والتي كشفت أن إسرائيل قد جعلت الولايات المتحدة تصدق أن الموقع النووي كان مجرد مصنع للغزل والنسيج كما تم الإشارة إلى أن القضية قد تمت مناقشتها على مستوى الدوائر العليا بالبيت الأبيض في اليوم السابق.
وفي 21 ديسمبر ظل الرد الإسرائيلي على ما طلبته الولايات المتحدة من معلومات مرتقباً وأعلنت صحيفة النيويورك تايمز أن ملاحظات غاضبة قد تسللت إلى البيانات العامة والخاصة الصادرة عن المسئولين بالولايات المتحدة اليوم بشأن بناء إسرائيل لمفاعل نووي.
وكانت التعليقات الأولى لإسرائيل على الأمر تتسم بالضعف وكانت تلك التعليقات غير رسمية وإلى حد ما غامضة وقد صدرت هذه التعليقات الأولى من قبل رئيس الهيئة الإسرائيلية للطاقة الذرية إرنست بيرجمان الذي وصف التقرير القائل بأن إسرائيل كانت تطور أسلحة نووية بأنه تقرير "كاذب و غير صحيح" وأضاف أن الوضع الحالي للصناعة الإسرائيلية غير قادر على الإضطلاع بمثل تلك المهمة وعلى الجانب الآخر لم يقل بيرجمان أي شيء عن مقاصد إسرائيل وما تعتزم عليه.
أما أول تأكيدات رسمية تثبت المساعدة الفرنسية لإسرائيل فقد صدرت في اليوم التالي من باريس وذلك في بيانين منفصلين صدرا عن وزارة الخارجية الفرنسية والسفارة الإسرائيلية، السفارة الإسرائيلية أشارت إلى أن التطور الذري الإسرائيلي "قاصر فحسب" على مجالات الصناعة والزراعة والطب والعلوم أما البيان الفرنسي فقد ذهب إلى أبعد من ذلك إذ أصر على أن كل التدابير الضرورية قد اتخذت من قبل فرنسا من أجل التأكد من أن المساعدة الفرنسية لإسرائيل في المجال النووي سوف تكون فقط على صعيد الأغراض السلمية .
إلا أن هذين البيانين الصادرين عن مسئولين في مستوى منخفض لم يعيدا الهدوء المنشود بل على النقيض فإن طول التأخير في الاستجابة لطلب المسئولين الأمريكيين بالحصول على المعلومات والغياب المستمر لبيان رسمي عام صادر عن مستوى عال أي عن بن جوريون نفسه ضاعف هو الآخر من إشاعة جو الأزمة.
وفي النهاية أصدر بن جوريون بيانا حذرا ومتحفظا للكنيست حول القضية وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها إخبار الإسرائيليين بأن دولتهم تقوم بالفعل ببناء مفاعل نووي في النقب وكرر بن جوريون في بيانه للكنيست القول بأن أغراض المفاعل هي أغراض سلمية ولقد كانت تلك هى المرة الأولى والوحيدة التي يصدر فيها رئيس وزراء اسرائيلي بيانا عاما حول ديمونة.
كذب إسرائيلي
ورفض بن جوريون التقرير القائل بأن إسرائيل كانت تبني قنبلة نووية ووصفه بأنه "كذب متعمد" مضيفا أن إسرائيل قد اقترحت أن يتم نزع عام وكلي للأسلحة في إسرائيل وفي الدول العربية المجاورة مع توفير حقوق متبادلة بالتفتيش وكما حدث في اتفاق كوف دي ميرفي بيريز فإن البيان لم يذكرفرنسا بوصفها مصمم المفاعل بل قرر فحسب أن المفاعل يتم بناؤه تحت توجيه إسرائيلي وبالطبع فإنه في ذلك الوقت لم تعد الحكومة الفرنسية مشاركة في المشروع.
وبصفة عامة كان بيان بن جوريون في مجمله صحيحا فقد كان هو وآخرون غيره يأملون في بناء محطة طاقة كبرى في النقب وتوقعوا أن يكون مفاعل ديمونة هوالخطوة الأولى في هذا الاتجاه كما كان بمقدور بن جوريون أن ينكر بسهولة التقارير القائلة بأن إسرائيل كانت تقوم بتصنيع أسلحة نووية فتلك الأسلحة لم تكن قد صنعت بالفعل حتى ديسمبر 1960 بيد أنه كان حريصا على ألا يكون محددا بشأن المستقبل ومن ثم فقد كان الإدعاء القائل بأن المفاعل قد صمم ليكون قاصرا على الأغراض السلمية كان من وجهة نظر بن جوريون بيانا صحيحاوفي أثناء إثارته للمسألة في رسالة وجهها إلى الرئيس كيندي بعد 18 شهرا قال له: لابد لنا من أن نقوم بتأمين السلم من خلال القوة فغرض الخيار النووي هو تجنب الحرب.
ومع ذلك فإن بن جوريون لم يذكر كل الحقيقة قد كان مقتنعا بأن إسرائيل يجب أن تمتلك الخيار النووي ولكنه حتى ذلك الحين كان يعمل على إخماد ثورة الشك لدى الولايات المتحدة والتقليل من الضغوط السياسية التي يمكن أن تمارسها فإن الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى جعل إسرائيل بدون مشروع نووي وإلى تدمير العلاقة مع الولايات المتحدة.
ويبدو أن تلك الإستراتيجية قد عملت عملها فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا ذكرت فيه أن الحكومة الإسرائيلية قدمت تأكيدات على أن مفاعلها النووي الجديد ... مخصص كلية للأغراض السلمية ومضيفة أنه: من دواعي السرور الإشارة إلى أن برنامج الطاقة الذرية الإسرائيلي لا يمثل كما أعلن سببا للقلق.
ولقد رأت وزارة الخارجية الأمريكية أن تقوم بقراءة تأكيدات بن جوريون كما هي دون الذهاب لأبعد مما قاله واقعيا رغم أنه لم يصدر تعهدا مستقبليا من أي نوع فقد كان من المريح لها بالتأكيد أن تتم قراءته على هذا النحو وهكذا استطاع البيان الإسرائيلي أن يخلق بالفعل توقعا لدى أمريكا بأن إسرائيل سوف تجعل مفاعلها مفتوحا أمام نظام الوقاية الخاص بالهيئة الدولية للطاقةالذرية ورغم أن بن جوريون لم يقل أي شيء من أي نوع عن هذا الأمر بل لم يلمح أو يشير إليه إلا أن التأكيدات التي قدمتها إسرائيل منحت كل الأطراف ما يرغبونه .
خمسة أسئلة
في 24 ديسمبر قام السفير الأمريكي في إسرائيل أوجدين ريد بمقابلة بن جوريون بمنزل وزير الخارجية الإسرائيلي بتل أبيب ويسترجع ريد الذي يعمل الآن مستشارا ماليا بنيويورك ذكرى ما جرى في هذه المقابلة فيذكر أنه في البداية أعطى بن جوريون بطاقة تهنئة بمناسبة أعياد الكريسماس مرسلة من الرئيس إيزنهاور وقد أبدى بن جوريون تقديره الشديد لهذه التهنئة وبعد ذلك أدار ريد دفة الحديث متناولا القضايا الجدية فأبلغ بن جوريون قلق الإدارة الأمريكية من احتمال انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
ويستمر ريد في إاسترجاع ذكرياته قائلا: وكعادته دائما كان بن جوريون مباشرا و نشطا متحمسا وودودا ومع ذلك فقد عبّر في لحظة ما عن بعض الغضب في إشارة إلى الإلحاح المتواصل حول المفاعل الإسرائيلي ويتذكر ريد نص السؤال الذي ألقاه عليه بن جوريون فقد سأله قائلاً: لماذا في الولايات المتحدة فقط يجب أن يتم اطلاع كل فرد على كل شيء؟
وفي 4 يناير التقى ريد ببن جوريون مرة ثانية وقدم له خمسة أسئلة ترغب الولايات المتحدة في الحصول على إجابات عنها في الوقت الراهن ويرى بار زوهار كاتب سيرة حياة بن جوريون أن الأسئلة قدمت على شكل إنذار نهائي حيث طلب ريد من بن جوريون أن يتم الإجابة على الأسئلة قبل متصف الليل وتعليقا على ذلك يقول ريد ان زوهار قد فهم الأمر بشكل خاطىء تماما إذ لم يكن هناك أي إنذار نهائي ويضيف ريد قائلا: إن الدول ذات السيادة لاتتصرف على هذا النحو أما عن الأسئلة الخمسة فيقول ريد إنها قد صممت خصيصا لتحقيق الوضوح وتتمثل تلك الأسئلة في: ما الخطط التي تقدمها إسرائيل للتخلص من البلوتونيوم الذي سوف يتولد عن المفاعل؟ هل ستوافق إسرائيل على إجراءات وقائية مناسبة؟ هل سوف تسمح إسرائيل للعلماء المؤهلين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو غيرها من الهيئات المماثلة بزيارة المفاعل؟ و إذا سمحت بذلك فمتى تتم هذه الزيارات؟ هل هناك مفاعل ثالث تحت الإنشاء أو يتم التخطيط له؟ هل تستطيع إسرائيل أن تقرر بشكل قاطع أنها لا تخطط لإنتاج أسلحة نووية؟ ويذكر ريد أن بن جوريون قام بالتعليق على الأسئلة في اجتماع 4 يناير ولم يجر أي اجتماع آخر في وقت لاحق لمناقشة الإجابات على الأسئلة ومازالت برقيةريد التي أرسلها إلى واشنطن والتي تصف "تعليقات" بن جوريون على الأسئلة ضمن المعلومات السرية غير المصرح بالاطلاع عليها .
وعلى العكس من ذلك يؤكد بار زوهار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان مغتاظا وحانقا من هذا الطلب المهين وأنه لم يقم بالإجابة عليه بشكل فوري. وبدلا من ذلك استدعى ريد فيما بعد إلى مقر إقامته في سد بوكر بالنقب ووبخه قائلاً: يجب عليكم أن تخاطبونا كأنداد وإلا فلا تخاطبونا على الإطلاق ثم أجاب بن جوريون على الأسئلة واحداً بعد الآخر.
وطبقا لرواية بار زوهار كانت إجابات الأسئلة على النحو التالي: بالنسبة للسؤال الأول أجاب بن جوريون بقوله : على حد علمنا فإن أولئك الذي باعوا لنا اليورانيوم يفعلون ذلك بشرط أن يعود البلوتونيوم إليهم وردا على السؤال الثاني المتعلق بالضمانات أجاب الرجل العجوز قائلاً : لاتوجد ضمانات دولية فنحن لا نريد أن تتدخل دول معادية لنا في شئوننا وفي الوقت نفسه أعرب بن جوريون عن استعداده التام للسماح للعلماء من الدول الصديقة أو من المنظمات الدولية بزيارة المفاعل على ألا يتم ذلك في الحال.
وقال أن هناك غضباً في إسرائيل على التصرف الأمريكي الخاص بتسريب هذه المسألة وأعرب عن أنه يرى أن هذه الزيارة يمكن أن تتم خلال هذا العام وأجاب بن جوريون بالسلب على مسألة بناء مفاعل إضافي واختتم إجابته بالإعلان عن أن إسرائيل لا تعتزم تصنيع أسلحة نووية وقال بن جوريون كل ذلك سبق لي أن أعلنته في اجتماع الكنيست لقد أعلنته بوضوح وعليك أن تقبله كقيمة حقيقية.

..... الرجوع .....

اعرف عدوك
قضية العدد
ذاكرة التاريخ
الطابور الخامس
الجريمة والعقاب
تكنولوجيا الحرب
فن الادراة
حول العالم
النصف الاخر
الطب البديل
تحت المجهر
تربية عالمية
العاب الكمبيوتر
الفن السابع
الفن العربي
عالم الصقور
عالم الاسرة
المنزل الانيق
كتاب الاسبوع
ثقافة عالمية
رياضة عالمية
عواصم ودول
الفيروسات والاختراقات
نادي العلوم
من هو ؟
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved