الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السياراتالرياضيةكتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 18th February,2003 العدد : 22

الثلاثاء 17 ,ذو الحجة 1423

العيد وقد مضى..!
مضى العيد وانتهى..
بمن لبّى نداء الله وحجّ..
مؤدياً ركناً من أركان الإسلام..
وشعيرة من شعائره..
في يسر وسهولة وأمان..
***
مضى هذا العيد بأفراحه وأتراحه..
حيث يزورنا بهيبته وفضائله كل عام..
هدية من الله خصَّ بها المسلمين دون سواهم..
في يوم خالد من أعمارنا التي لن تطول..
***
أجل، وقد مضى عيد هذا العام وانتهى..
مثلما مضت أعياد وأعياد..
وقد فقدنا الكثير من الأحبة ممن كانوا معنا عيد العام الماضي..
يشاركوننا الأفراح والأتراح يوم كانوا أحياء بيننا..
وقد أسِينا على فراقهم..
وتجددت فينا لوائع الحزن على فراقهم..
ولكن هذه هي الحياة..
أعمار لن تطول..
وحياة لن تمتدَّ..
فلهم الرحمة..
ولهم منا الدعاء..
***
وها نحن وقد ودعنا العيد..
وكلنا حزن على فراقه..
لا ندري مَنْ مِنّا سوف يعود إليه من جديد..
ويؤوب مرة أخرى إلى ومضاته وإشراقاته الجميلة..
مع الأحبة والأهل والأصدقاء..
بانتظار ما هو أجمل من كنوز هذه الأعياد..
ما عرفناه منها..
وما لم نكتشفه بعد..
***
عالم جميل إي والله..
حين نريد له أن يكون هكذا..
نأنس له وبه..
ونتباهى بصوره المبهجة..
حتى وإن تزامن ذلك مع طبول الحرب التي تقرع من حولنا..
في استعراض للقوة من الولايات المتحدة الأمريكية..
من خلال عمل عسكري تنوي القيام به دون مبرر..
فيما يمكن للجهود الدبلوماسية وهي التي لم تُستنفد بعد أن تحقق مطالبها..
دون إشعال فتيل هذه الحرب..
ودون سفك المزيد من دماء الأبرياء..
***
بقليل من الحكمة..
وقليل من تحكيم العقل..
ونحن نعيش أجواء هذا العيد..
يمكن أن تُمنع هذه الحرب..
ولكن أين هم الحكماء..
ذوو العقول الراجحة..
من تحكيم العقل..
ومن التصرف الحكيم..؟
نعم أين هؤلاء..؟

++
خالد المالك

++
خبراء: إمبراطورية أخرى ستغيب عنها الشمس!!
أمريكا.. تنهار وتنهار!!

* بقلم إيمانويل وولريستين(*)
يعتقد المحللون السياسيون ان انهيار الامبراطورية الأمريكية أصبح حتمياً، وأن مظاهر القوة التي تتشبث بها هي محاولات لإخفاء علامات الضعف والترهل اللذين يعتريان الجسد الأمريكي!!، وحسب هؤلاء فان السؤال الحقيقي ليس هل ستنهار السيطرة الأمريكية على العالم؟ ولكنه هل تستطيع الولايات المتحدة أن تؤجل هذا الانهيار وتجعله تدريجيا وبأقل قدر من الخسائر؟
يشير السياسيون الى ان واشنطن اذا كانت عازمة على غزو العراق فانها لابد ان تكون جاهزة لدفع فاتورة باهظة من الخسائر التي لن يتحملها المجتمع هناك، لقد خاضت واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ثلاث حروب، انتهت اثنتان في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية بهزائم قاسية بينما كسبت حرب الخليج الثانية في ظروف استثنائية، وفيما القوى البديلة لها مثل اليابان وأوروبا تسير بوتائر متصاعدة على الصعيد الاقتصادي، فان الولايات المتحدة مشغولة ببناء قوتها العسكرية، وهذا السيناريو يشابه تماما الظروف التي صعدت فيها أمريكا كقوة عظمى، علاوة على ذلك فان الولايات المتحدة التي حصلت على قدركبير من مصداقيتها الايديولوجية خلال القرن الماضي تفقد الآن اهم اوراقها في ظل سياساتها غير المتوازنة المنحازة لإسرائيل، من خلال هذا التقرير الهام الذي كتبه ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي» نستعرض كيف لهذه القوة العظمى الوحيدة ان تنهار:
هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الانهيار؟ عدد قليل من الناس هم الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت مسيرة الانهيار، من هؤلاء صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم التي تهدف إلى وقف مسيرة الانهيار، غير ان هذا الاعتقاد لم يظهر فقط بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي كشفت عن هشاشة الأمن الأمريكي، ففي الواقع يمكن القول ان نجم الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى بدأ يأفل منذ السبعينيات من القرن العشرين وأن رد الولايات المتحدة على هجمات سبتمبر مجرد تسريع لوتيرتها.
تلاشي الامبراطورية
لكي نفهم فعلا حقيقة أن عصر الإمبراطورية الأمريكية يتلاشى يجب أن نستعيد حقائق الجغرافيا السياسية خلال القرن العشرين وبخاصة العقود الثلاثة الأخيرة منه، هذه المراجعة سوف تكشف حقيقة بسيطة وواضحة تماما وهي أن كل العناصرالاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أدت إلى نمو وازدهار السيطرة الأمريكية هي نفسها العناصر التي تؤدي إلى أفول هذه الإمبراطورية.
نجم الولايات المتحدة كان قد بدأ في الصعود كقوة عالمية مسيطرة كعملية طويلة المدى بدأت مع أوائل الركود العالمي في عام 1873، في ذلك الوقت بدأت الولايات المتحدة وألمانيا في الاستحواذ على نصيب متزايد من الأسواق العالمية وبخاصة على حساب الاقتصاد البريطاني الذي كان يتقلص، وقد كانت كل من ألمانيا والولايات المتحدة تتمتعان بقدر من الاستقرار السياسي حيث نجحت أمريكا في إنهاء حربها الأهلية ونجحت ألمانيا في تحقيق وحدتها وهزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، وخلال الفترة من 1873 وحتى 1914 أصبحت كل من أمريكا وألمانيا منتجين رئيسيين في عدة مجالات صناعية أساسية مثل الصلب وفيما بعد السيارات بالنسبة للولايات المتحدة والصناعات الكيماوية لألمانيا.
رموز أساسية
أوجد نجاح الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حالة من رفض سيطرة هذه الأمة، هذا الرفض يمكن رصده من خلال أربعة رموز أساسية وهي حرب فيتنام وثورات عام 1968 وسقوط سور برلين عام 1989 وأخيرا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كل رمز من هذه الرموز استند على الرمز السابق عليه وأدى تراكمها في النهاية إلى خلق الموقف الذي تجد الولايات المتحدة نفسها فيه حاليا، حيث أصبحت قوة وحيدة في العالم لكنها تفتقد القوة الحقيقية.
وزعيمة العالم التي لا يتبعها أحد ولا يحترمها سوى قلة قليلة، وأصبحت أمة تندفع بصورة خطيرة وسط فوضى عالمية لا تستطيع السيطرة عليها.
حرب فيتنام
ببساطة شديدة فان حرب فيتنام لم تكن سوى محاولة من جانب الشعب الفيتنامي لإنهاء الحكم الاستعماري وإقامة دولته المستقلة، وقد حارب الفيتناميون الاحتلال الفرنسي والاحتلال الياباني والاحتلال الأمريكي، وفي النهاية انتصر الفيتناميون وأقاموا دولتهم، من الناحية الجغرافية السياسية يمكن القول بأن هذه الحرب مثلت رفضا لفكرة الأمر الواقع التي كان يكرسها اتفاق يالطا من جانب الشعوب التي تم إطلاق تعبير العالم الثالث عليها فيما بعد، وقد أصبحت فيتنام بعدانتصارها رمزا قويا لأن واشنطن كانت من الحماقة بحيث استخدمت كل طاقتها العسكرية في الحرب ضدها ولكنها خسرت هذه الحرب، بالفعل لم تستخدم الولايات المتحدة أسلحتها النووية، ولكن كان مثل هذا القرار سينسف اتفاق يالطا بين الدول الاستعمارية كما كان سيؤدي إلى محرقة نووية مهلكة وهي نتائج لم يكن في مقدور الولايات المتحدة تحملها.
الحقيقة أن حرب فيتنام لم تكن مجرد هزيمة عسكرية ولا صفعة على وجه الهيبة الأمريكية ولكنها كانت ضربة قوية لقدرة الولايات المتحدة على البقاء كقوة عالمية اقتصادية مسيطرة، فقد كان الصراع في فيتنام باهظ التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية كما انه استنزف جانبا كبيرا من الاحتياطي العالمي لأمريكا الذي كونته منذ الحرب العالمية الثانية، علاوة على ذلك فإنه في الوقت الذي كانت فيه حرب فيتنام تستنزف الولايات المتحدة كانت أوروبا الغربية واليابان يحققان انجازات اقتصادية كبيرة، هذه الظروف أدت إلى وضع حد للسيطرة الاقتصادية الأمريكية على العالم، ومنذ أواخر الستينيات أصبح أضلاع المثلث الاقتصادي العالمي الثلاثة اليابان وأوروبا وأمريكا على قدم المساواة بعد أن فقدت أمريكا تفوقها، وأصبح كل طرف من الأطراف يؤدي بصورة أفضل من الطرفين الآخرين لفترة من الزمن حتى يتقدم عليه طرف آخر وهكذا دون أن ينجح أي من أضلاع المثلث في تجاوز الآخرين بصورة كبيرة، عندما اشتعلت ثورات الشباب عام 1968 في مختلف أنحاء العالم أصبح دعم الفيتناميين أحد مكونات الخطاب الثوري حول العالم.
وأصبحت شوارع العالم ممتلئة بشعارات مثل «واحد، اتنين، فيتنام» أو «هوهو تشي منه» وهو اسم زعيم الثوار الفيتناميين هو تشي منه، ولكن متظاهري عام 1968 لم يدينوا السيطرة الأمريكية فقط وإنما أدانوا أيضا التواطؤ السوفيتي مع الولايات المتحدة، كما أدانوا اتفاق يالطا وتبنوا او استخدموا شعارات الثورة الثقافية الصينية التي قادها الزعيم الشيوعي ماو تسي تونج التي قسمت العالم إلى معسكرين الأول يضم القوى العظمى والثاني يضم باقي دول العالم، وقد أدت إدانة التواطؤ السوفيتي بالضرورة إلى إدانة القوى الشعبية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي في مختلف أنحاء العالم وهي غالبا كانت تمثل الأحزاب الشيوعية في هذه الدول.
ركود عالمي
عندما حدث الركود العالمي خلال السبعينيات كان له تأثيران هامان على قوة الولايات المتحدة الأمريكية، الأول أن هذا الركود جاء في شكل انهيار فكرة «التنموية» والتي تعني ان أي دولة في العالم يمكنها النمو اقتصاديا إذا ما اتخذت مجموعة من الإجراءات المناسبة، هذه الفكرة كانت محورية لدى اليسار القديم الذي كان يقوم على أساس قيادة الدولة للتنمية وكانت مصدر قوة حركات اليسار القديم ككل.
فشل أمريكي
وفي عام 1983 أرسل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان قواته إلى لبنان لإعادة النظام إليه، ولكن تم طرد هذه القوات بالفعل.، كما تدخل الرئيس الأمريكي التالي له وهو جورج بوش الأب في بنما وهي دولة أخرى بلا جيش، ولكن عندما تدخل الرئيس بيل كلينتون في الصومال عام 1993 لاستعادة النظام هناك تم طرد القوات الأمريكية في الواقع بسبب عمليات المقاومة الصومالية، لما لم تكن هناك أي حكومة أمريكية منذ الانسحاب من فيتنام وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر تحاول وقف مسار تدهور السيطرة الأمريكية فإن كل الحكومات المتعاقبة اختارت تجاهل هذا المسار، في الوقت نفسه كان المحافظون الحقيقيون قد بدأوا السيطرة على بعض الولايات الأساسية والمؤسسات المؤثرة في الإدارة الأمريكية.
وقد قاد هجوم الليبراليين الجدد خلال الثمانينيات الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ورئيسة الوزراء البريطانية الشهيرة مارجريت تاتشر التي حملت لقب المرأة الحديدية، هذا الهجوم جعل من صندوق النقد الدولي لاعبا أساسيا في السياسة العالمية، وقد تحول المشهد العالمي تماما، فبعد أن كان المحافظون على مدى أكثر من قرن من الزمان يحاولون القول بأنهم أكثر حكمة من الليبراليين فإن الوسط الليبرالي يحاول الأن القول بأنه محافظ أكثر من المحافظين، وبرامج المحافظين واضحة، فعلى المستوى الداخلي يحاول المحافظون تطبيق سياسات تؤدي إلى خفض تكاليف العمالة وتقليص القيود البيئية المفروضة على الأنشطة الصناعية وتقليص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.
الواقع أن نجاح هذا التيار مازال متوضعا حتى الآن على هذا الصعيد لذلك اتجه هؤلاء المحافظون إلى المجال الدولي لتنفيذ برامجهم الخارجية، والحقيقة أن منتدى دافوس الاقتصادي العالمي يوفر ارضا لاجتماع النخبة الاقتصادية والاعلامية والسياسية من مختلف أنحاء العالم في منتجع دافوس على قمة جبال الألب في سويسرا، كما أنشأ صندوق النقد الدولي ناديا لوزراء مالية ورؤساء البنوك المركزية، وضغطت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إنشاء منظمة التجارة العالمية لفرض تدفق التجارة الحرة حول العالم.
إمبراطورية الشر!
وفي الوقت الذي لم تكن الولايات المتحدة ترى ذلك فإن الاتحاد السوفيتي كان ينهار، بالفعل كان رونالد ريجان قد أطلق على الاتحاد السوفيتي اسم «إمبراطورية الشر» واستخدام شعارات ملتهبة من أجل الدعوة إلى هدم سور برلين ولكن الولايات المتحدة لم تكن تعني هذه الشعارات بالفعل كما أنها بالتأكيد لم تكن مسؤولة عن انهيار الاتحاد السوفيتي، الحقيقة أن الاتحاد السوفيتي ونطاقه الاستعماري في شرق أوروبا انهار بسبب اكتشاف مواطني هذه الدول الوهم الذي عاشوا فيه تحت حكم اليسار القديم بالإضافة إلى لجوء الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف إلى التحلل من معاهدة يالطا وتنفيذ نوع من الإصلاح الليبرالي داخل الاتحاد السوفيتي أو ما سمي باسم «البروستوريكا» و«الجلاسنوست» أي إعادة البناء والمكاشفة باللغة الروسية وذلك في محاولة من جانبه لحماية نظام حكمه، وقد نجح جورباتشوف بالفعل في التحلل من هذه المعاهدة لكنه فشل في حماية الاتحاد السوفيتي من الانهيار، وقد شعرت الولايات المتحدة نفسها بالدهشة من هذا الانهيار المفاجئ ولم تكن متأكدة من كيفية التعامل مع عواقب هذا الانهيار، فانهيار الشيوعية بالفعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهيار الليبرالية لآنه يزيل من الوجود المبررالأيديولوجي الذي كانت تستخدمه أمريكا لتبرير سيطرتها على العالم، أي أن أمريكا فقدت شرعية سيطرتها على العالم بعد انهيار امبراطورية الشر، هذا الفقد للشرعية هو الذي قاد بشكل مباشر إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990 وذلك بعد أن أدرك الرئيس العراقي أن معاهدات يالطا لم يعد لها وجود، وقد استخدمت أمريكا حرب الخليج الثانية لإخراج العراق من الكويت بهدف تأسيس شرعية جديدة لسيطرتها على العالم، ولكن هل يمكن أن تكون حرب إقليمية محدودة مثل حرب الخليج الثانية مبررا كافيا لكي تفرض قوة عالمية سيطرتها على العالم؟
ما بين حرب الخليج الثانية وهجمات الحادي عشر من سبتمبر كان هناك صراعان تطلبا التدخل الأمريكي، هما حروب منطقة البلقان التي اعقبت انهيار جمهورية يوغوسلافيا والصراع في الشرق الأوسط، وقد لعبت الولايات المتحدة دورا دبلوماسيا رئيسيا في هذين الصراعين، ولكن كيف يمكن تخيل الوضع إذا أصرت الولايات المتحدة على موقفها الانعزالي بالنسبة لقضايا العالم؟
تفكك يوغوسلافيا
في البلقان انهارت دولة يوغوسلافيا التي كانت ناجحة اقتصاديا وانقسمت إلى مكوناتها الأصلية، ولكن على مدى عشر سنوات تقريبا دخلت الدول التي تفككت عنها هذه الجمهورية في سلسلة من الحروب العرقية التي شهدت عمليات انتهاك واسعة لحقوق الإنسان وعمليات عنف مدمرة، وقد أدى التدخل الخارجي الذي كانت الولايات المتحدة محوره إلى تحقيق هدنة ووقف أكثر الصراعات دموية في هذه المنطقة ولكن هذا التدخل لم يؤد إلى وقف الصراع العرقي ولكنه نجح في تحقيق عزل للطوائف العرقية وأضفى شرعية ما عليها، ولكن هل كان من الممكن أن تنتهي هذه الصراعات بصورة مختلفة لولا التدخل الأمريكي؟ ربما كان قد استمر العنف لفترة أطول ولكن النتائج النهائية لم تكن ستختلف كثيرا عما وصلت إليه.
الشرق الاوسط
من ناحية اخرى ربما تكون الصورة أكثر قتامة في الشرق الأوسط، حيث ان التدخل الأمريكي أكثر عمقا والفشل أكثر وضوحا، ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ورد الفعل العصبي عليها، وتحت ضغط الكونجرس قالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنها حذرت الرئيس بوش من وجود تهديدات محتملة، ولكن على الرغم من تركيز هذه الوكالة على تنظيم القاعدة وخبرات هذه الوكالة المخابراتية الكبيرة فإنها فشلت في منع هذه الجهمات كما قال رئيس الوكالة جورج تينت.
هجمات سبتمبر
ولكن مثل هذه الشهادة غير مريحة بالنسبة للحكومة الأمريكية أو للشعب الأمريكي نفسه، ومهما يكن فإن المؤرخين سوف يقررون أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر شكلت تحديا كبيرا للقوة الأمريكية، فلم يكن الأشخاص الذين نفذوا هذه الهجمات يمتلكون أي قوة عسكرية كبيرة، بل إنهم أعضاء في قوة بلا دولة ولديهم قدر كبير من الإصرار وبعض الأموال ومجموعة منتشرة من الاتباع وقاعدة قوية في دولة ضعيفة.
باختصار يمكن القول ان منفذي هجمات سبتمبر لا شيء من الناحية العسكرية، ومع ذلك نجحوا في توجيه ضربة قوية للأراضي الأمريكية، وقد جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى السلطة وهو يوجه انتقادات حادة إلى طريقة سلفه الرئيس بيل كلينتون في التعامل مع الشئون الدولية، فرغم أن بوش ومستشاريه لم يعترفوا رغم إدراكه مبذلك أن طريقة كلينتون كانت طريقة كل الرؤساء الأمريكيين منذ أيام جيرالدفورد في أعقاب الانسحاب من فيتنام بما في ذلك رونالد ريجان وجورج بوش الأب.
بل إنها كانت نفس طريقة بوش الابن نفسه قبل هجمات الحادي عشر، والدليل على هذا مجرد نظرة على كيفية تعامل الرئيس بوش مع حادث سقوط طائرة التجسس الأمريكية فوق الأراضي الصينية في إبريل عام 2001 تكشف عن مدى الحرص الذي استخدمه بوش في التعامل مع هذه القضية.
لكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 غير بوش أسلوبه فاعلن الحرب على الإرهاب وأكد للشعب الأمريكي أن نتائج هذه الحرب مضمونة، وأخبر العالم أنه إما أن يكون مع أمريكا أو مع الإرهاب، وأخيرا وجد الصقور الأمريكيون أنفسهم يسيطرون على السياسة الأمريكية بعد سنوات طويلة من الشعور بالإحباط حتى في ظل أشد الحكومات الأمريكية محافظة مثل حكومة ريجان خلال الثمانينيات.
الحقيقة أن موقف الصقور أو المحافظين الجدد واضح جدا، فالولايات المتحدة تمتلك قوة عسكرية متفوقة وعلى الرغم من أن العديد من زعماء العالم يرون أنه من غير الحكمة أن تعتمد أمريكا على قدراتها العسكرية فقط فإن نفس هؤلاء القادة لن يفعلوا أي شيء إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تفرض رغبتها على باقي العالم، ويعتقد هؤلاء الصقور أنه يجب على أمريكا أن تتصرف كقوة استعمارية لسببين:
السبب الأول هو أن الولايات المتحدة تستطيع أن تتعامل بهذا الأسلوب دون أن تواجه أي تحد، السبب الثاني هو أنه إذا لم تستخدم قوتها فسوف يتم تهميشها بصورة متزايدة، واليوم فإن هؤلاء الصقور يعبرون عن موقفهم هذا في ثلاثة أشكال:
الأول هو الهجوم العسكري على أفغانستان، والثاني التأييد العملي للمحاولات الإسرائيلية القضاء على السلطة الفلسطينية، واخيرا غزو العراق الذي دخل بالفعل مرحلة الاستعدادات العسكرية النهائية، وبعد مرور عام تقريبا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد يكون من السابق لأوانه تقييم ما حققته هذه الاستراتيجيات.
لكن وعلى الرغم من نجاح الحملة العسكرية في إسقاط حكومة طالبان فإنها لم تتمكن من اقتلاع شبكة تنظيم القاعدة حتى من أفغانستان، وفي فلسطين وقع تدمير هائل في الأراضي الفلسطينية دون أن يتم التخلص من ياسر عرفات زعيم السلطة الفلسطينية، كما ان هناك معارضة أوروبية ودولية واسعة للغزو الأمريكي المنتظر للعراق، ومع ذلك فإن صقور الإدارة الأمريكية يقرأون هذه المواقف بطريقة مختلفة، حيث يقولون ان هذه المعارضة الدولية لم تترجم إلى أفعال جادة ولم تخرج عن مجرد المعارضة الكلامية، فلا أوروبا الغربية ولا روسيا ولا الصين ولاحتى الدول العربية يبدو أنها مستعدة لقطع علاقاتها مع أمريكا بصورة جادة.
بمعنى آخر فإن هؤلاء الصقور يرون أن الموقف الدولي لن يختلف كثيرا عما هو الآن في حالة قيام أمريكا بغزو العراق أو عندما تمارس أمريكا سلطتها في أي مكان آخر من العالم سواء في إيران أو كوريا الشمالية أو كولومبيا أو حتى اندونيسيا، والمفارقة أن الصقور أصبحوا أكثر استشهادا باليسار العالمي الذي يصرخ باستمرار من السياسات الأمريكية وربما لأنه يخشى من فرص نجاح هذه السياسات العالية، ولكن تفسيرات هؤلاء الصقور للموقف خطأ وربما تساهم فقط في انهيارالولايات المتحدة وتحويل هذا الانهيار من مجرد عملية متدرجة إلى انهيار أكثر سرعة.
منهج الصقور
وبصورة أكثر تحديدا يمكن القول بأن منهج الصقور فاشل لأسباب أيديولوجية واقتصادية وعسكرية، ومما لا شك فيه أن القوة العسكرية هي أقوى ورقة في يد الولايات المتحدة، في الواقع فهي الورقة الوحيدة لديها، فالولايات المتحدة تمتلك بالفعل أكبر قوة عسكرية في العالم كما أنه إذا صحت المزاعم الأمريكية المتعلقة بالتكنولوجيا العسكرية، فهذا يعني أنها اليوم أكثر قوة منها منذ عشر سنوات بالنسبة لباقي دول العالم.
غزو العراق
ولكن هل هذا يعني فعلا ان أمريكا تستطيع غزو العراق واحتلالها بسرعة وإقامة حكومة موالية لها في بغداد؟، لا اعتقد هذا، ويجب أن نعترف بأن الحروب الثلاث التي خاضتها أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن انتهت بهزيمة أمريكا في اثنتين منها وهما حرب فيتنام والحرب الكورية ونجحت في الحرب الثالثة وهي حرب الخليج الثانية، كما أن الجيش العراقي الذي ستواجهه أمريكا ليس جيش حركة طالبان الأفغانية من حيث القوة العسكرية والسيطرة على وحداته، فالغزو الأمريكي المنتظر للعراق سيحتاج بالضرورة إلى قوات برية ضخمة تستطيع خوض المعارك حتى العاصمة العراقية بغداد وهذه القوة سوف تتعرض لخسائر كبيرة.
كما أن هذه القوات تحتاج إلى أراض للاستعداد للمعركة عليها والانطلاق منها.
وقد أعلنت دول مجاورة مهمة بوضوح أنها لن تسمح للأمريكيين باستخدام أراضيها لضرب العراق، في الوقت نفسه يمكن أن نتوقع قيام صدام حسين بنشر كل الأسلحة التي لديه بطريقة منظمة تساعده على خوض معركة شرسة.
فهل يمكن أن تكسب أمريكا في صراع من هذا النوع؟، لقد أبلغت هيئة الأركان البريطانية رئيس وزرائها توني بلير بالفعل بأنه لا يمكن الانتصار في معركة مثل تلك، كما أن هناك دائما موضوع «الجبهات الثانية»، فبعد حرب الخليج الثانية سعت القوات الأمريكية إلى الاستعداد لخوض حربين إقليميتين في وقت واحد.
وبعد فترة تراجعت وزارة الدفاع الأمريكية عن هذه الفكرة لأسباب عملية ومادية.
لكن من يضمن الا يشن أعداء الولايات المتحدة الأمريكية هجوما ضد أمريكا في الوقت الذي تشتبك فيه أمريكا في حرب العراق؟، أيضا يجب بحث قضية مدى التسامح الشعبي الأمريكي في حالة عدم تحقيق انتصار في هذه الحرب، الواقع أن الشعب الأمريكي ينقسم دائما بين دعاوى الوطنية التي تعطي دعما هائلا للرؤساء في وقت الحروب وبين دعاوى الانعزال عن العالم، ولكن منذ عام 1945 فإن الوطنية تصطدم بحائط ارتفاع أرقام الخسائر البشرية في أي حرب ويتخلى الشعب عن الرئيس كما حدث أثناء حرب فيتنام، هل يمكن أن يتغير رد الفعل الشعبي هذه المرة؟.
حتى إذا كان صقور الإدارة الأمريكية وأغلبهم من المدنيين يرون هذا فإن العسكريين الذين احترقوا بنيران الحرب في فيتنام لا يتفقون مع الصقور.
العامل الاقتصادي
أيضا ماذا عن الجبهة الاقتصادية؟ خلال الثمانينيات أصبح عدد لا يحصى من المحللين الاقتصاديين الأمريكيين في ذمة التاريخ بسبب المعجزة الاقتصادية اليابانية، ولكن خلال التسعينيات بدأ الاقتصاد الياباني يعاني من مشكلات حادة وتحول المسؤولون الأمريكيون إلى محاضرين يقولون لصناع السياسة اليابانيين ما قاموا به من أخطاء، ولكن هذا الموقف الأمريكي المنتصر الذي استند على الطفرة الاقتصادية التي شهدتها أمريكا خلال التسعينيات غير مضمون، يمكن في هذا السياق أن نستشهد بالتقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في العشرين من إبريل العام الماضي ويقول إن المعامل اليابانية نجحت في تطويرأسرع جهاز كمبيوتر في العالم وأن هذا الكمبيوتر يستطيع معالجة البيانات بسرعة تفوق سرعة أسرع جهاز كمبيوتر أمريكي بعشرين مرة.
تفوق تكنولوجي
هذا الخبر يدل على أن التفوق التكنولوجي الأمريكي الذي كان المهندسون الأمريكيون يعتقدون أنه دائما في متناول أيديهم لم يعد كذلك، ويواصل التحليل ملاحظاته عن الاختلاف بين كل من اليابان وأمريكا فيقول إنه في حين أن اليابانيين سيستخدمون هذا الجهاز المتفوق في رصد التغيرات المناخية فإن الولايات المتحدة تستخدم أحدث أجهزتها في إجراء تجارب عسكرية واختبارات للأسلحة، هذا التناقض يجسدالقصة التقليدية القديمة للصراع بين القوى العظمى، ففي حين تركز القوة المسيطرة بالفعل على تطوير قدراتها العسكرية فإن القوة المرشحة لخلافاتها في السيطرة على العالم تركز على الاقتصاد وهو ما تفعله اليابان بالفعل وما فعلته أمريكا قبل عشرات السنين.
الحقيقة إن الاقتصاد الأمريكي يعاني حاليا من الضعف بسبب الانفاق العسكري الكبير لتحقيق استراتيجية الصقور في السيطرة العسكرية على العالم، علاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة تعاني من عزلة سياسية عالمية حيث انه لا يوجد أي دولة في العالم باستثناء إسرائيل تعتقد أن سياسة الصقور لها معنى أو تستحق التشجيع، فالدول الأخرى ربما تخشى مواجهة أمريكا في هذه الحالة ولكن حتى تردد هذه الدول يضر أمريكا، وعلى مدى المائتي عام الماضية حصلت الولايات المتحدة على قدر لا بأس به من المصداقية الأيديولوجية، ولكن هذه الأيام فإن الولايات المتحدة تفقد هذه المصداقية بصورة أسرع مما حدث لها أثناء الستينيات عندما كان لديها فائض من هذه المصداقية.
أحد احتمالين
تواجه الولايات المتحدة أحد احتمالين خلال السنوات العشر القادمة: يمكن أن تمضي في طريق الصقور مع كل ما ينطوي عليه من عواقب سلبية على العالم كله وليس على أمريكا فقط، الاحتمال الثاني أن تدرك ان سلبيات هذا الطريق كبيرة.
وقد كتب الصحفي سيمون تيسدول في جريدة «الجارديان» البريطانية يقول إنه بغض النظر عن الرأي العام العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع غزو العراق دون أن تتعرض لخسائر جسيمة ليس فقط على صعيد المصالح الاقتصادية وإمدادات البترول ولكن على كل المستويات، أما إذا قامت أمريكا بغزو العراق واضطرت إلى الانسحاب منه فسوف يبدو الأمر هزيمة كبيرة، وفي هذه الحالة ستكون الخيارات أمام بوش محدودة جدا وسوف تواصل أمريكا انهيارها كقوة عالمية مسيطرة خلال العقد القادم.
السؤال الحقيقي ليس هل ستنهار السيطرة الأمريكية على العالم؟ ولكنه هل تستطيع الولايات المتحدة أن تؤجل هذا الانهيار وتجعله تدريجيا وبأقل قدر من الخسائر؟

++
(*) باحث في جامعة ييل الأمريكية وله العديد من الكتب السياسية مثل «نهاية العالم الذي نعرفه»

++

..... الرجوع .....

اعرف عدوك
قضية العدد
تحت الضوء
تكنولوجيا الحرب
النصف الاخر
تحت المجهر
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
هنا نلتقي
الصحة والتغذية
الصحة والتأمين
أنت وطفلك
خارج الحدود
عالم الفضاء
الملف السياسي
فضائيات
حوار
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved