Al Jazirah Magazine Tuesday  19/06/2007 G Issue 223
تميز بلا حدود
الثلاثاء 4 ,جمادى الثانية 1428   العدد  223
 

فجر قريب
قبر الكناري
د. خالد بن صالح المنيف

 

 

علت الأصوات وتعاظم الصراخ بين الصغار عندما تنازعوا أمرهم واختلفت كلمتهم وتباينت مذاهبهم عن الموقع المناسب لقبر (كناري الأسرة) قال الأول بلهجة تفيض رقة وتسيل حنانا ليس ثمة أنسب من وسط الحديقة حيث نمر عليه مصبحين وممسين نسرح فيه النظر ونقلب فيه الطرف نعبق من ماضيه ونسترجع جميل الذكريات, فما كان من الثاني إلا أن رفع الصوت محتجا متهما أخيه بضعف الحجة وسقم البرهان قائلا إن قبر الكناري يجب ألا يراوح طرف الحديقة حيث سيكون هناك قرير العين ساكن الروح بعيدا عن مواطئ الأقدام وعبث العابثين ثم صاح كبيرهم بنبرة الثقة والحكمة قائلا: هذا الطائر يجب أن يدفن في مسقط رأسه بين أشجار الصنوبر بين أهله وأصدقائه!.

ولم يوقف هذه الجلبة وينهي هذا الضجيج إلا صوت الأم مذكرة صغارها بأنهم لم يشتروا الكناري بعد!!!

ان تفنن في هؤلاء الصغار بأشخاص استغرقوا مع أوهام المستقبل واسترسلوا مع سود خيالات القادم وناموا في أحضان أوهام الغد! تفنن في توقع الكوارث واستقبال حافل لمصائب لم تصل! وثمرة هذا أن ضاقت بهم المذاهب واستكانة مقيتة للجزع وهم بهذا ملوك متوجون على عروش القلق!

عن الإشكالية التي يقع فيها هؤلاء أن تلك الأحداث الاحتمالية مع كثرة ما يُفكر فيها تستحيل إلى حقيقة وواقع فقط في أذهان صاحبه!

فكم من زوجة من كثرة ما تفكر في احتمال أن يتزوج عليها زوجها فغدت مطرقة الطرف كاسفة البال ضيقة الصدر تعيش واقعا تبدو فيه كالضرة وهي الزوجة الوحيدة!

وكم من شخص يشرق بالدمع يبات يناجي الهم ويتقلب على الجمر عاش آلام الفقر وتقلب في مواطن ومواجع الحاجة وهو غني ميسور فقط عندما استوطن التفكير في الفقر في اللاشعور عنده!

فسيطر على ذواتهم وعطل عقولهم جنينا متوهما في رحم المستقبل ولعل هذا النمط من التفكير هو أكثر ما يحول بيننا وبين الاستمتاع باللحظة الحاضرة والتأمل الواعي والتخطيط المتئد للغد!

ما مضى فات والمؤمل غيب

ولك الساعة التي أنت فيها

كيف يقلقنا المستقبل والله قد كتب مقاديرنا قبل خمسين ألف سنة كيف يجزعنا الغد والله يقول {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا} كيف نسهر الليالي ونهجر النوم ونحن نعلم أننا لن نموت حتى نستكمل أرزاقنا وآجالنا.

إن إضافة عبء مستقبلي متخيل لأعباء يومنا الواقعية يجعل الأيام آلاما والليالي كوابيس تذوب فيها الآمال! ما بالكم إذا كانت جملة من الأعباء والمخاوف التي لاحصر لها!

إن النتيجة المتوقعة كساح دائم وضعف مستديم!

ومضة قلم

اصلح يومك يصلح غدك.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244

Khalids225@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة