الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 20th December,2005 العدد : 154

الثلاثاء 18 ,ذو القعدة 1426

قاتل.. وقتيل.. ومفجوع!
كانت فاجعته كبيرة ومؤلمة..
في دمويتها..
ومشهدها..
بتوقيتها..
وعلاقتها بالماضي والحاضر والمستقبل.
***
غسان تويني العَلَم والمُعلِّم، لا يستحق أن يناله ما يغضبه أو يُواجَهُ بما يستفزه، فكيف به إذا أُدمي جسده وأثخن الجراح كل جزء من جسمه الجريح بعمل إرهابي جبان يمس حياة إبنه الوحيد؟
***
تموت ابنته وابنه وزوجته - عن مرض أو بسبب حادث سير - فيعيش مأساة هذا الفقد مرة وأخرى ثم ثالثة - وعلى التوالي - ويتجرَّع كأس مرارة هذه الفواجع التي اكتوى بنارها فلا يجزع مثلما جزع لرحيل إبنه الثاني جبران، لأن هذه أعمار يقدِّرها الخالق، وعلى المرء أن يسلِّم بأسباب هذه الوفيات.
***
لكن العجب - كل العجب - أن يغيب الحوار العاقل بين الناس، ويستبدل عنه بما هو أنكى وأسوأ، فتمتد الأيادي الشريرة لتصطاد خصومها واحداً بعد الآخر، ومن ثم يتم الإجهاز على حياتهم دون وجه حق أو مبرر مقبول، مثلما فعلوا مع جبران تويني.
***
جبران تويني، كان صاحب رأي وموقف وتوجه، وهو إن أصاب أو أخطأ فالحوار معه ينبغي أن يكون بالكلمة لا بالحديد والنار، فهذا هو حوار العقلاء، وحين لا يأخذ الحوار هذا المسار، فهذه جريمة لا تغتفر، وليس لمثل هذا الأسلوب من قبول أو تفهم أو تبرير.
***
ويا أيها المعلم: غسان تويني..
أعلم جيداً أنه منذ صغرنا وبداياتنا الصحفية، كنت لنا المدرسة، بقلمك و(نهارك) وفكرك الخلاَّق، وما كان أحد من الصحفيين في جيلك والجيل الثاني والثالث، إلا وكان يرى فيك ذلك المُجدِّد والمطوِّر والمبتكر في صحافة الالتزام والموضوعية والمنهجية التي كانت هاجس نفر كبير من جيلك ومن جاء بعده، وكنت في هذا أستاذاً كبيراً.
***
وها أنت وفي هذا العمر المتقدِّم، ومع تلقيك نبأ غياب آخر ما بقي لك من الأبناء والبنات في هذه الحياة - ابنك جبران تويني - تتحامل على جراحك، لتعطي دروساً في الفروسية والصبر وحبك للبنان وحدبك عليه في ساعات محنتك وروعك، فتدعو إلى التسامح وإلى الارتفاع فوق الجراح ونبذ الخلافات والأحقاد.
***
ويا أيها الأب المفجوع: كنت كبيراً وعظيماً - مثلما عرفناك - وأنت تتنقل بين الفرقاء والفئات والرموز اللبنانية، تهدئ من روعها، فيما أنت أحوج ما تكون إلى من يخفِّف من مصابك ومن آثار الصدمة التي حلَّت بك، لكن قدر الكبار أن يكونوا هكذا، وأن تشغلهم بلدانهم عن أبنائهم، وينسيهم الخوف عليها من الخوف على فقيد رحل كما رحل ابنك جبران فإذا بك تقول: لا أدعو إلى الانتقام أو إلى الحقد بل إلى خدمة لبنان.
***
فعسى أن يكون موت جبران تويني بالأسلوب الوحشي الذي اهتزت له الضمائر الحيَّة، آخر فواجع لبنان، وآخر أحزان اللبنانيين، بأن يقفل طريق الدم، وتعزل أسباب هذه الفواجع، وبالتالي تفوت الفرصة على من يبيِّت شراً للبنان واللبنانيين.
وأقول صادقاً، إنه ليس غسان تويني من يكافأ تاريخه المشرق بأن يقتل ابنه، ليمضي هذا الصحفي الكبير بقية حياته مع هذا الحجم من الأحزان والآلام، وكأن بعض أفراد مجتمعه لا يملك شيئاً من وفاء، أو بعضاً من حب، بل وكأنه لا يعي قيمة الحياة وجمالها، ولكن هذا ما حدث!.
width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
حاول قطع الطريق على المطالبين بالانسحاب من العراق
بوش يبيع وهم الانتصار للأمريكيين !

* إعداد - أشرف البربري
ربما لم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش وصقور المحافظين الجدد في إدارته يتصورون عندما أشعلوا النار في العراق أنه سيأتي يوم يجدون أنفسهم فيه مضطرين للبحث عن أي انتصار زائف لكي يبرروا للشعب الأمريكي استمرار نزيف الخسائر في صفوف القوات الأمريكية.
ليس هذا فحسب بل إن هذه الإدارة تجد نفسها مطالبة بتقديم تعريف محدد لمعنى (النصر الكامل) الذي يروّج له بوش أمام الرأي العام الأمريكي.
وفي افتتاحية تحت عنوان (تعريف النصر) طالبت (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية بضرورة الاتفاق الآن على معنى النصر في العراق حتى يمكن تقييم ما تردده الإدارة الأمريكية عن التقدم والإنجازات التي تتحقق في العراق.
وتقول الصحيفة إنه بعد نحو ألف يوم من الحرب في العراق عاد الرئيس الأمريكي جورج بوش ليفتح النار على إحدى الجبهات الأساسية وهي جبهة الرأي العام الأمريكي.
ففي خطاب له في الأكاديمية البحرية الأمريكية قبل حوالي اسبوعين عرض الرئيس بوش تقريرا مكونا من 35 صفحة سمّاه (استراتيجينا الوطنية للنصر في العراق) ليعرّف فيه وللمرة الأولى مفهومه للنصر.
والحقيقة أن الانتصار الذي يحتاجه بوش حاليا هو الحفاظ على تأييد الرأي العام لاستمرار الحرب.
ولكن المسألة مسألة وقت قبل أن يتلاشى تماما الدعم الشعبي الأمريكي للحرب في العراق.
والحقيقة أن استمرار تدهور التأييد الشعبي الأمريكي للحرب تماماً كما يتدهور تأييد الأمريكيين للرئيس بوش نفسه منذ الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 وضع صناع القرار في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أمام سيناريوهات مفزعة تعيد للأذهان كارثة حرب فيتنام.
وحتى لو كان الرئيس بوش قد حقق تقدماً ملموساً على صعيد إقامة نظام ديموقراطي في العراق فإنه فشل في التقرير المسمّى باستراتيجية النصر في العراق بالنسبة للهدف الأساسي وهو الحيلولة دون استسلام الولايات المتحدة من خلال تضاؤل الإرادة السياسية وبالتالي السماح للمسلحين في العراق بتحقيق النصر.
والحقيقة أن إقامة نظام ديموقراطي مستقر في قلب الشرق الأوسط يمكنه الدفاع عن نفسه بعد رحيل القوات الأمريكية هو أحد الأهداف الرئيسية للحرب الأمريكية ضد العراق. ولكن هذا الهدف أصبح غير محدد على الإطلاق بالنسبة للرأي العام الأمريكي الذي فقد صبره خاصة وأن الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق شهدت تركيز الإدارة الأمريكية على أن الهدف الحقيقي للحرب هو العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية وحماية الأمن القومي الأمريكي منها وهو ما ثبت كذبه بعد ذلك حيث فشلت القوات الأمريكية في العثور على أي شيء من هذا القبيل في العراق. كما أن الرأي العام الأمريكي بدأ يفقد حماسه للحرب في ظل استمرار المقاومة المسلحة للوجود العسكري الأمريكي في العراق وما ترتب على ذلك من استنزاف هائل للقوات الأمريكية ماديا وبشريا بالإضافة إلى الصراع الطائفي الذي يقلص الآمال في إمكانية إقامة نظام سياسي ديموقراطي وطني بالعراق.
وتتابع الصحيفة الامريكية قائلة: (وفي الحقيقة أن التقرير هو النسخة المعلنة من إحدى وثائق عمليات الإدارة الأمريكية يقدم بقدر أكبر من التحديد المراحل المطلوبة لتحقيق الاستقرار والديموقراطية القادرة على الدفاع عن نفسها في العراق بحيث يمكن بعد ذلك سحب القوات الأمريكية من العراق بسهولة ونعلن تحقيق النصر.
والحقيقة أن تحديد هذه المراحل سيصبح وقودا جيدا لمعركة انتخابات الكونجرس عام 2006 والتي سوف تتأثر كثيرا باستمرار تراجع الدعم الشعبي الأمريكي للحرب في العراق أو تنامي هذا الدعم).
وتضيف الصحيفة الامريكية: (لقد وصل الرئيس بوش إلى المرحلة الأخيرة من حملته الإعلامية الرامية إلى إنقاذ الدعم الشعبي الأمريكي للحرب في العراق من التلاشي التام. وقد تبدى بوضوح الفجوة بين ما تقوله وسائل الإعلام وما يقوله قادة القوات الأمريكية في العراق عن تحقيق تقدم هناك).
***
الانسحاب من العراق
ومع ذلك فإن التقرير الذي أعلنه الرئيس بوش يتحدث عن أعداد القوات العراقية سواء في الأمن أو الجيش التي يجب الوصول إليها حتى يمكن للقوات الأمريكية بدء الانسحاب من العراق العام المقبل.
على سبيل المثال هناك حالياً أكثر من 120 كتيبة شرطة وجيش عراقية تقوم حاليا بحفظ الأمن والنظام في العديد من المدن وتشارك في محاربة المقاومة المسلحة.
ورغم ذلك فإن العام المقبل سوف يشهد اختباراً مهماً ولكن لا يمكن قياسه ويتعلق بمدى جاهزية القوات العراقية تلك للعمل بصورة احترافية تقوم على الالتزام الصارم بالأوامر في ظل مؤشرات عديدة على أن الكثير من التشيكلات العسكرية العراقية الرسمية تعمل في أحيان كثيرة بعيدا عن القواعد الرسمية وتنفذ أجندة سياسية مختلفة وأحياناً ترفض تنفيذ الأوامر.
وإذا كنا نريد مقياسا واضحا، (تتابع كريستيان ساينس مونيتور)، لتحديد مدى نجاح الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف العراقي، علينا ان نرصد مجالين الأول هو مدى النجاح في تشكيل قوات عراقية يمكن الاعتماد عليها وإيمان الشعب الأمريكي بما تعلنه الإدارة الأمريكية عما يتحقق من تقدم في العراق.
***
نهاية اللعبة
وفي تقرير لصحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) تحت عنوان (بوش يرى نهاية اللعبة في العراق) قال الصحفي الأمريكي بيتر جراير إن البيت الأبيض قرر شن حملة شرسة تهدف إلى إقناع الرأي العام الأمريكي بأن النصر قادم لا محالة في الحرب العراقية.
وقد حرص الرئيس بوش في كلمته التي ألقاها بالأكاديمية البحرية الأمريكية على الحديث عن التقدم الذي يتحقق على صعيد تدريب القوات العراقية وتسليحها. وهذا التقدم مع ما يتحقق من تقدم على مسار العملية السياسية في العراق يمكن أن يسمح للولايات المتحدة ببدء الانسحاب التدريجي من العراق العام المقبل وفقا لتصريحات مسئولين أمريكيين.
في الوقت نفسه اعترف البيت الأبيض بأن القوات الأمريكية قد لا تترك وراءها وطنا يتمتع بالاستقرار والسلام عندما تغادر العراق حيث ان حجم المشكلات والانقسامات في العراق أكبر كثيرا من أن تتغلب عليها القوات الأمريكية. فقد اعترف الرئيس بوش في تقرير استراتيجية النصر بأن (العراق قد يعاني من العنف لسنوات عديدة مقبلة).
والحقيقة أن أول شيء يجب الاعتراف به منذ البداية بشأن جهود الإدارة الأمريكية الحالية لكسب الرأي العام الأمريكي هو أنها جهود ضرورية لا محالة في ظل التدهور الحاد للدعم الشعبي الأمريكي لاستمرار الحرب خاصة مع تزايد الشكوك في توجهات الإدارة الأمريكية نفسها نحو الأزمة.
ورغم محاولات الإدارة الأمريكية إضفاء نوع من الأهمية على ما أعلنه بوش تحت عنوان (استراتيجيتنا الوطنية لتحقيق النصر) فإن الواقع يقول إن إعلان هذه الاستراتيجية جاء متأخرا أكثر من عامين حيث تتحدث الإدارة عن استراتيجية النصر بعد عامين من اشتعال الحرب.
في الوقت نفسه فإن تلك الاستراتيجية لم تقدم جديداً وإنما أعادت الحديث عن أسس السياسة الأمريكية تجاه الملف العراقي. فعلى سبيل المثال تقول الاستراتيجية في الجزء الخاص (بالمسار الأمني) إن أهداف الإدارة الأمريكية هي تطهير المناطق الخاضعة لسيطرة العدو والسيطرة على هذه المناطق ثم تشكيل قوات أمن عراقية كافية للسيطرة على هذه المناطق فيما بعد.
يقول هورست هانوم أستاذ القانون الدولي في كلية فليتشر بجامعة تافتس الأمريكية (لم أر شيئاً جديداً فعلاً. فهو تأكيد على البقاء في العراق لفترة طويلة).
وأضاف: أن كل ما قاله بوش هو إعادة لما كان يقوله من قبل وهو أمر مخيب للآمال لأن الشعب الأمريكي يأمل في نجاح الإدارة الأمريكية في التوصل إلى طريقة للمضي قدما في اتجاه النصر ولكن الحقيقة تقول إن الإدارة ما زالت تتعثر.
***
كلمة حماسية
في الوقت نفسه فإن الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش أمام جمهور متعاطف معه ومع القوات الأمريكية وهم طلبة الأكاديمية البحرية العسكرية الأمريكية كانت محاولة حماسية لقطع الطريق على معارضيه الذين يطالبون بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق. فقال الرئيس بوش في هذه الكلمة (لن أقبل بأي شيء غير النصر الكامل).
وفي حديثه عن التطورات في العراق وما أعتبره إنجازات للوجود الأمريكي هناك قال الرئيس بوش إن هناك أكثر من 120 كتيبة جيش وشرطة عراقية تشارك في مقاومة التمرد المسلح وأن حوالي أربعين كتيبة منها تقود المعارك وليس العمل إلى جوار القوات الأمريكية.
ورغم أن الرئيس الأمريكي لم يتحدث عن علاقة للمقاتلين في العراق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على نيويورك وواشنطن فإنه ربط منذ بداية كلمته بين العمليات الأمريكية في العراق والحرب ضد الإرهاب معتبراً المعارك التي يخوضها الأمريكيون هناك جزءا من الحرب ضد الإرهاب.
وقال إن المتطرفين الإسلاميين الذين يشكلون جزءاً صغيراً من المقاومة المسلحة للأمريكيين في العراق لن يجدوا شيئا أفضل من إجبار القوات الأمريكية على الخروج من العراق.
وقال بوش (إنهم سوف يستخدمون العراق في هذه الحالة كقاعدة لشن هجمات على أمريكا نفسها).
ويقول هاري رايد أحد كبار قادة الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي إن الرئيس بوش بشكل عام لم يقدم أي استراتيجية حقيقية لتحقيق النجاح وإخراج الأمريكيين من المستنقع العراقي.
وأضاف السيناتور رايد (بعد حوالي ألف يوم من الحرب في العراق فإن قواتنا وعائلاتنا والشعب الأمريكي كله يستحق من الإدارة الأمريكية أكثر من مجرد حملة العلاقات العامة التي يقوم بها الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني).
في المقابل فإن حديث الرئيس بوش عن تحقيق تقدم على صعيد تدريب القوات العراقية وجد مساندة من خبير واحد على الأقل كان من منتقدي الجهود الأمريكية في العراق في الماضي.
ويقول أنطوني كوردسمان الخبير العسكري الأمريكي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن في تقرير جديد تحت عنوان (تطور القوة العراقية) إن هناك (تقدما حقيقيا بالفعل يتحقق في العديد من المجالات).
وأضاف أن القوات العراقية تتحمل مسئولية الأمن في العديد من المدن بما في ذلك مساحة 87 ميلا مربعا في العاصمة العراقية بغداد.
وأشار إلى أن القوات الأمريكية أضاعت أكثر من عام بعد الإطاحة بصدام حسين قبل أن تبدأ في تدريب قوات الأمن والجيش العراقي الجديد ولكن (هناك تقدم تحقق خلال فترة قصيرة نسبيا في ضوء المقاومة المسلحة الشرسة).
***
سؤال بالغ الصعوبة
وفي تقرير آخر نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تحت عنوان (متى يكون العراقيون جاهزين؟) كتب المحلل السياسي الأمريكي هيوارد لافرنشي يقول إنه في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة جدلاً ساخناً بشأن متى يعود أكثر من 155 ألف جندي أمريكي منتشرين في العراق حالياً إلى بلادهم تقفز أسئلة أكثر أهمية لأنها هي التي ستفتح الطريق أمام إجابة السؤال الأول لأنها تتعلق بالوقت الذي يمكن أن تكون القوات العراقية جاهزة للقيام بمهمة حفظ الأمن في البلاد وتحمل عبء هذه المهمة؟ والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال صعبة ومؤلمة في الوقت نفسه على حد قول لافرانشي.
فسير العمليات العسكرية في العراق يشير إلى أن قلة قليلة من الجنود العراقيين هم المؤهلين للقيام بالمهام الموكلة إليهم أو لاحتلال المناصب التي يحتلونها حاليا.
في الوقت نفسه يؤكد الضباط العراقيون أن المشاركة في المعارك والعمليات العسكرية يزيد لديهم الشعور بالأهمية ويعمق الشعور الوطني لدى الجنود بصورة أكبر مما كانت عليه.
يقول العميد عبدالعزيز محمد جاسم مدير العمليات في وزارة الدفاع الأمريكية إن هناك رغبة قوية لدى الجنود العراقيين لوقف (هؤلاء الإرهابيين والمشاركة في بناء العراق الجديد لم تكن موجودة من قبل).
وأضاف أن المشاركة في العمليات (تعطينا شيئا نعمل من أجله في الوقت الذي نبني فيه الجيش العراقي الجديد).
ويقول العميد جاسم إن زيادة فاعلية الجيش العراقي وكفاءته تتحقق من خلال برامج التدريب والخبرات العملية من خلال المشاركة في العمليات وهو ما يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة ثقة القوات العراقية في نفسها.
وقد قررت الحكومة العراقية مؤخرا فتح الباب مرة أخرى أمام عودة صغار ضباط الجيش العراقي الذي حلته سلطات الاحتلال الأمريكي عام 2003 بالعودة إلى الجيش مرة أخرى في محاولة من جانب الحكومة لتحقيق هدف مزدوج: الأول هو سد النقص الشديد في الضباط الذي يعاني منه الجيش العراقي الجديد والثاني عزل هؤلاء الضباط عن حركة المقاومة العراقية المسلحة من خلال دمجهم في صفوف الجيش الجديد.
الرأي نفسه يؤيده المقدم علي عودة الذي يقود وحدة عسكرية ملحقة بوزارة الدفاع العراقية حيث يقول إنه من الأفضل ضم هؤلاء العسكريين الذين يتمتعون ببعض المهارات ليكونوا إلى جوارنا في المعارك بدلا من أن نتركهم يبحثون عن جهة أخرى تقدم لهم المال وتستفيد منهم في إشارة إلى جماعات التمرد المسلحة المناوئة للحكومة العراقية.
***
إحياء الجيش العراقي
والحقيقة أن الإدارة الأمريكية باتت تراهن بشدة على نجاحها في إحياء الجيش العراقي حتى يمكنه تحمل جزء من عبء تأمين الموقف العراقي بما يتيح خفض الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى حوالي مائة ألف جندي بنهاية العام الحالي وقبل موعد التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل حتى لا يعاقب الناخبون الإدارة الأمريكية وحزبها الجمهوري في تلك الانتخابات بسبب استمرار تدهور الوضع في العراق.
غير أن الأمر ليس بهذه السهولة فهناك عقبات عديدة تحول دون تكوين جيش عراقي يعتمد عليه في المستقبل المنظور.
في الوقت نفسه فإن المراقبين يرون أن نقل مسئولية الأمن من الجيش إلى الشرطة لن يكون أمراً سهلاً. علاوة على ذلك هناك مجموعة من العوامل التي تثير الشكوك بشأن المستقبل القريب للقوات العراقية منها النقص الشديد في معدات الرؤية الليلية لدى هذه القوات واستنزاف القدرات التدريبية الأمريكية واعتبارات حقوق الإنسان وتزايد الفساد في صفوف الشرطة على وجه الخصوص بل وربما تكون مخترقة من جانب جماعات المقاومة المسلحة.
ورغم تأكيد بول هيوز المسئول العسكري رفيع المستوى السابق في الإدارة الأمريكية بالعراق على أن القوات العراقية أصبحت الآن قادرة على المشاركة في المعارك إلى جانب القوات الأمريكية ولم تعد تفر من تلك المعارك كما كان يحدث من قبل، فإنه يشير إلى أن تفشي الفساد في صفوف قوات الأمن العراقية يضرب جهود محاربة التمرد المسلح في مقتل.
وأضاف هيوز في كلمة أمام مجموعة من الباحثين في معهد السلام الأمريكي بواشنطن حيث يرأس الرجل فريقا بحثيا يحمل اسم (سلام العراق وعمليات الاستقرار) أن هناك أمثلة عديدة تشير إلى أن تفشي الفساد في صفوف أجهزة الأمن العراقية الجديدة تنذر بخطر هائل.
والحقيقة أن الوقائع على الأرض يعطي صورة مختلطة تماما تجمع بين الأمل والخطر جنبا إلى جنب.
ففي العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها القوات الأمريكية والقوات الحكومية العراقية الموالية لها في مدينة الرمادي غرب العراق تحت اسم (الفهود) بهدف تأمين الانتخابات النيابية المقبلة في الخامس عشر من ديسمبر الحالي شكل الجنود الأمريكيون الجزء الأكبر من المجموعات القتالية وذلك بسبب قيامهم بمهام الإمداد والتموين والاتصالات والدعم والإسناد وهي أمور ستنتقل قريبا إلى العراقيين على حد قول العميد جاسم مما يعطي القوات العراقية الأغلبية في التشكيلات القتالية المشاركة في العمليات التي تستهدف المسلحين. ويتفق الخبراء على أن عدد أفراد الجيش العراقي الجديد سيصل إلى 85 ألف جندي مدرب بصورة جيدة بنهاية العام الحالي.
ولكن هناك خبراء آخرين يرون ان عدد الجنود العراقيين المدربين بالفعل لا يتجاوز الثلاثين ألف جندي. وقال العميد جاسم إن هذه الأرقام لا تتضمن كتيبتين يبلغ قوامهما حوالي ستة آلاف جندي دخلتا الخدمة خلال نوفمبر الماضي.
وأضاف أن هناك فرقة عسكرية قوامها 12 ألف جندي ستدخل الخدمة في يناير المقبل إلى جانب ثلاث فرق أخرى ستدخل الخدمة في مايو المقبل. ولكن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة أن القوات العراقية مازالت عاجزة عن القيام بمهمة حفظ الأمن ومواجهة التمرد المسلح ولا يمكن للقوات الأمريكية الاعتماد عليها في مثل هذه المهمة.
ونعود إلى هيوز الذي أمضى الصيف الماضي في العراق في إطار البرنامج البحثي الذي يرأسه حيث يؤكد الرجل أنه يشعر بالفزع بسبب حجم الفساد في أجهزة الأمن العراقية الجديدة. في الوقت نفسه أعرب عدد من الخبراء عن قلقهم من استمرار تدفق المال والسلاح إلى المقاومة العراقية.
وفي حين يبدو أن المؤسسة العسكرية العراقية تميل إلى تحييد الانقسامات العرقية والدينية للعراقيين داخلها لصالح إعلاء شأن شعار (هوية العراق) فإن المؤسسة الأمنية تبدو غارقة في الانقسامات الطائفية خاصة في ظل سيطرة الشيعة والأكراد عليها لدرجة تورط بعض هذه القوات في عمليات (تطهير عرقي) ضد فئات أخرى من الشعب العراقي.
يقول لاري دايموند خبير نشر الديموقراطية في جامعة ستانفورد الأمريكية الذي شارك في الإدارة الأمريكية بالعراق بعد الاحتلال مباشرة إنه على إدارة الرئيس بوش معالجة ثلاث قضايا اساسية كقضايا حيوية لا تحتمل التأجيل.
أهمها الإسراع بعمليات تدريب قوات الأمن العراقية والتأكيد للشعب العراقي عدم اعتزام واشنطن الإبقاء للوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى ما لا نهاية.
واتهم دايموند وزارة الدفاع الأمريكية بتجاهل تدريب القوات العراقية وتجهيزها لتحل محل القوات الأمريكية.
وإذا كان هناك اتفاق بين الخبراء على أن المأزق الأمريكي في العراق أصبح أشد تعقيداً من أن تفسره رؤية واحدة أو يصلحه تحرك واحد فإن الصحفي الأمريكي دان بالز يقدم رؤية مكملة في مقال بصحيفة واشنطن واشنطن بوست تحت عنوان (بوش يواجه تحدياً مزدوجاً في العراق).
يقول الكاتب الأمريكي إن الرئيس بوش يواجه في هذه اللحظة الحاسمة التي تزايدت فيها الانتقادات لسياساته في العراق تحديين خطيرين الأول ينطلق من التاريخ والآخر ينطلق من الحقائق على الأرض في اللحظة الراهنة. فمن الناحية التاريخية لا يوجد في التاريخ الأمريكي القريب ما يشير إلى أن هناك رئيس أمريكي نجح في استخدام الإقناع لوقف التدهور المطرد لتأييد مغامرة عسكرية كتلك التي يواجهها الرئيس بوش.
والشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف تدهور شعبية الرئيس بوش هو تحقيق نجاح واضح لا شك فيه في العراق.
وهذا النجاح هو الشيء الوحيد أيضا الذي يمكنه القضاء على مشاعر القلق التي تجتاح أغلب الأمريكيين تجاه محور سياسات الرئيس بوش ككل.
وهنا نأتي إلى مشكلة أخرى بالنسبة للرئيس بوش. فحتى إذا نجحت السياسات الأمريكية في تحويل العراق إلى نموذج ديموقراطي لباقي دول الشرق الأوسط يظل السؤال الأهم وهو هل سيتحقق ذلك خلال ما تبقى للرئيس بوش من سنوات في البيت الأبيض؟
الحقيقة أن أغلب المحللين يؤكدون أن تحقيق مثل هذا الهدف أو حتى تكوين جيش عراقي يستطيع أن يحل محل القوات الأمريكية ما زال غير مطروح في المستقبل المنظور.
يقول جون موللر أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوهايو الأمريكية: الأمريكيون مستعدون لدفع الثمن (لتحقيق الديموقراطية في العراق) ولكن ليس لدرجة أن يكون هذا الثمن الباهظ من دمائهم.. لذلك فحتى لو نجحت الإدارة الأمريكية في تحقيق الهدف في العراق فسوف يظل الأمريكيون ينظرون إلى المغامرة في العراق باعتبارها خطأ.
ويقول المحللون إن التناقض بين رغبة الرأي العام في حل قريب لما يحدث في العراق وإصرار الرئيس بوش على البقاء في العراق يحد من الخيارات المتاحة أمامه.
وربما يكون أكثر أهداف بوش واقعية هو محاولة التعامل مع حالة الاحباط السائدة تجاه الحرب حتى يمنع تحولها إلى حركة قوية مناهضة للحرب تعيد إلى الأذهان الحركة الشعبية المناهضة لحرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات.
يقول ستيفن كول مدير برنامج اتجاهات الرأي العام الدولي (لا أعتقد أن الرئيس بوش يمكن أن يحول ما يحدث في العراق إلى نجاح كبير.. ففي مرحلة ما يمكن أن يقرر الاتجاه إلى محاولة تقليص الخسائر وهذا سوف يلحق به بالتأكيد ضرراً).
***
فقدان المصداقية
ويعتقد مسؤولو الإدارة الأمريكية أن مناقشات الكونجرس الأيام الماضية أظهرت انقسام الديموقراطيين ويرون أن الحلول التي تطرحها أغلبية الحزب الديموقراطي المعارض ما زالت أقرب إلى رؤى الرئيس بوش منها إلى الرؤية التي طرحها عضو مجلس النواب الديموقراطي جون مورتا قبل أيام وتدعو إلى ضرورة الانسحاب الفوري من العراق.
ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجه الإدارة الأمريكية هي فقدان مصداقيتها لدى الرأي العام الأمريكي الذي لم يعد يثق في الرئيس بوش ولا إدارته لذلك فإن الرأي العام استقبل إعلان الرئيس بوش الحماسي عن (استراتيجيتنا الوطنية للنصر في العراق) بقدر كبير من التشكيك.
وربما يجد الرئيس بوش نفسه مضطرا إلى الاعتراف بطريقة أكثر دراماتيكية بوجود بعض الأخطاء كوسيلة لاستعادة ثقة الرأي العام وهو الوحيد القادر على اتخاذ قرار مثل هذا.
ويرى المحللون أنه إذا لم يفعل بوش ذلك فإن تركيز الأمريكيين سينصب على الأنباء السيئة التي تتدفق باستمرار من العراق أكثر من التركيز على ما يردده الرئيس بوش عن الانجازات والأهداف في العراق. يقول أندرو كوهوت مدير إدارة الناس والصحافة في مركز بيو الأمريكي للدراسات (نحنا نقرأ قصص مقتل خمسة من مشاة البحرية المارينز في العراق اليوم وقصة مقتل 25 شيعيا في انفجار في بغداد.. والنتيجة هي تزايد الشعور بخيبة الأمل والإحباط في صفوف الأمريكيين وهذا الاحباط هو مصدر مشكلات سياسية عديدة بالنسبة للرئيس بوش. فقد ارتبط اسمه بهذه الحرب).
ويضيف كوهوت أن اتجاهات الرأي العام الأمريكي يمكن أن تتغير في حالة واحدة فقط وهي أن تتراجع وتيرة الخسائر الأمريكية في العراق وأن يبدأ سحب الجنود الأمريكيين من هناك وظهور مؤشرات واضحة على أن العراق أصبح أكثر استقرارا وديموقراطية. ويقول (إذا تراجعت وتيرة العنف هناك بشكل عام وتقلصت خسائر شعبينا وظهر شعور بأن العراق أصبح مكانا أفضل مما كان عليه من قبل فربما يستفيد بوش أو على الأقل يتوقف تدهور شعبيته).
وإذا كان الحديث عن الموقف الشعبي والرأي العام تجاه قضية الحرب في العراق فإن المقارنة التاريخية مع حرب فيتنام تصبح حتمية.
يقول موللر إن الرأي العام الأمريكي يبدى قدرة أقل على الصبر والاحتمال تجاه الحرب في العراق مقارنة بما كان عليه الوضع في حرب فيتنام. وأشار هذا المحلل الأمريكي في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز (شئون خارجية) الأمريكية إلى أن حوالي نصف الأمريكيين قالوا إن الحرب ضد العراق كانت خطأ وذلك في بداية العام الحالي وقبل أن يتجاوز عدد القتلى الأمريكيين في العراق 1500 قتيل في حين أن هذه النسبة لم تتحقق في حرب فيتنام إلا بعد سقوط أكثر من 20 ألف قتيل أمريكي.
وأضاف أن السبب في عدم تقبل الأمريكيين للخسائر في العراق مقارنة بما حدث في حربي فيتنام وكوريا يكمن في حقيقة أن الرأي العام الأمريكي لا يرى أي مبررات جدية لتلك الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية في حين الشعب الأمريكي كان يرى أن الحرب في كوريا في مطلع الخمسينيات وفي فيتنام في الستينيات والسبعينيات كانت تهدف إلى مواجهة خطر حقيقي يتمثل في الزحف الشيوعي.
وفي ضوء كل هذه الحقائق والتحليلات نصل إلى نتيجة واحدة تقول إن الرئيس بوش سيجد صعوبة بالغة في (بيع النصر الكاذب للأمريكيين) إذا لم يتراجع عن الكثير من مواقفه ويعترف بارتكاب الكثير من الأخطاء في العراق.

..... الرجوع .....

إصدارات
الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
أنت وطفلك
خارج الحدود
الملف السياسي
استراحة
إقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
دراسة
روابط اجتماعية
شاشات عالمية
رياضة
تميز بلا حدود
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved