الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 22nd October,2002 العدد : 6

الثلاثاء 16 ,شعبان 1423

الملتقى في مجلة الجزيرة
في ملتقى هذه المجلة..
حيث يتنفس القراء..
ويبوحون بفيض من صدق مشاعرهم وعطاءاتهم..
ينثرونها في هذا الفضاء الجميل..
شدّاً لأزرنا وتأكيداً على محبتهم لنا..
معطِّرين بها عرق أولئك الزملاء الكبار..
***
في هذا الملتقى..
وقد ضاقت مساحته وصفحاته لاستيعاب بريده الكبير..
رغم الحرص على عدم حجب أيٍّ من رسائل هؤلاء المحبِّين
أقول لكم..
وإن استعصى علينا نشرُ كلِّ ما يصلنا منكم وهو أثيرٌ عندنا..
فإن مشاعركم لها في عقولنا وقلوبنا وعواطفنا مساحةٌ دافئة لاستيعابها..
فنحن ومن خلالها وبها نعمل على ما نعتقد أنه يُرضيكم ويُلبي تطلعاتكم..
لأننا بغيرها وبدونكم لن يُكتب لنا النجاح في مشوار عملنا معكم..
***
هذا منهجٌ اختطيناه لأنفسنا..
ولن نحيد عنه..
قناعةً منا بضرورته وأهميته..
وبالاتفاق والتوافق معكم على أسسه..
ضمن مشروع صحفي كبير يعتمد نجاحه فيما يعتمد على التعاون معكم..
فأنتم القرّاء..
وأنتم المعلنون..
وأنتم بعد الله من نتكئ عليهم لتحقيق هذا النجاح..
***
لهذا أقول لكم بثقة واطمئنان..
إن مجلة الجزيرة..
وهي في شهرها الثاني من عمرها المديد إن شاء الله..
ستظلُّ أبداً وكما رُسم لها..
عروساً لكل المجلات..
بالتميُّز والتفرُّد والابتكار..
هكذا وعدني الزملاء في أسرة تحريرها..
وهو وعدٌ مني لكم..


خالد المالك

الإستراتيجيون الروس في تحليل عن الإسلام كمحور للعلاقات السعودية الروسية
بولياكوف: «لم شمل» المسلمين وراء الاهتمام السعودي بروسيا ما بعد انهيار الشيوعية
الأمريكيون استغلوا أحداث الشيشان للوقيعة بين روسيا والمسلمين

* عرض : د. ماجد التركي
العامل الإسلامي كان وما زال محور السياسة الخارجية السعودية، ولقد حملت المملكة على عاتقها منذ القدم هم الدعوة الى الإسلام ومد الجسور مع العالم الخارجي وتعريف الإسلام بصورته الحضارية للآخرين فاكتسبت بذلك احترام وتقدير الشعوب في مختلف قارات العالم. على صعيد العلاقات السعودية الروسية مثل العامل الإسلامي العنصر الاهم سواء في عصر «روسيا الشيوعية» التي كانت النواة للدولة السوفياتية التي أخذت على عاتقها «صناعة» و«تصدير» الفكر الشيوعي الماركسي، أو روسيا المتحررة المنفتحة على ثقافات الشعوب، فكان العامل الإسلامي «الخيط الخفي» والرقم الصعب الذي لم تستطع الامبراطورية السوفياتية آنذاك تجاوزه حتى وهي في أوج عظمتها!!، وكما يقول الخبير الاستراتيجي الروسي دكتور قسطنطين بولياكوف في دراسته التي تستعرضها «مجلة الجزيرة».. حول العامل الإسلامي في تشكيل العلاقات الروسية السعودية، فان هذا العامل مثل المحور الرئيس و«شعرة معاوية» بين الدولتين حتى خلال العقود الخمس بين 1935م عندما قطعت السعودية علاقتها مع روسيا الشيوعية وحتى انهيار الكيان الشيوعي في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
يقول بولياكوف: هذه الدراسة التي يتم عرضها الآن بمحاورها الأربعة، ليست الأفضل في الساحة العلمية الروسية، بقدر كونها الأوضح والأكثر جلاء في إبراز كيفية تفكير العقلية السياسية والعلمية الروسية تجاه العلاقات السعودية الروسية بحرفيتها الدقيقة.. محاور الدراسة التي سلط بولياكوف عليها الضوء هي: أهمية الأقطارالعربية بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية، نشوء الظروف الملائمة لانتشار الأفكار الإسلامية في روسيا، التأثير العربي الإسلامي على الإسلام في روسيا، واخيرا المملكة العربية السعودية وتنشيط دور الإسلام الاجتماعي في روسيا، كما تطرق الخبير الروسي الى الصعوبات في طريق تطوير العلاقات الروسية السعودية.
وقسطنطين بولياكوف حاصل على الدكتوراه في التاريخ، وهو خبير في مركز الأبحاث الاستراتيجية والسياسية بموسكو، وفيما يلي الدراسة كما يستعرضها الخبير الروسي:
في أعوام التسعينيات من القرن العشرين أصبح التواجد العربي الإسلامي في روسيا ملحوظا على الأخص أمام خلفية التغيرات الكبيرة التي طرأت على وضع روسيا الدولي والداخلي على حد سواء، علما أن السياسة الخارجية الروسية التي أصيبت بنوع ما من «عقدة الذنب» على الماضي اتبعت في أعمالها المقولة الشائعة في ذلك الوقت والزاعمة بأن الأقطار العربية لم تعد بحاجة إلى روسيا بحجة أن مستوى التعاون بينهما تدهور كثيرا قياسا إلى مستواه بين الاتحاد السوفييتي السابق ودول المشرق العربي. لقد أدت التطورات التي شهدها الإسلام في روسيا خلال التسعينيات والتي كانت دوما محط أنظار وزارات الخارجية في الأقطار العربية الى سعي الكثير من ممثلي الدوائر الدينية والزعماء وعلماء الدين والشخصيات الاجتماعية البارزين في العالم العربي إلى تحقيق مكاسب من الوضع الدولي الناشئ بقدر الإمكان لدعم المسلمين الروس، ووجهت هذه الجهود قبل كل شيء إلى المسلمين في النخبة السياسية الإقليمية ودوائررجال الأعمال بروسيا.
وفيما ترى الدراسة إن موقف الأقطار العربية من الوضع السياسي الديني الناشئ في التسعينيات في روسيا ولا سيما في شمال القوقاز جاء في جانب كبير منه انعكاسا لمشاكلها الداخلية الحادة الخاصة في هذا المجال وفي مقدمتها مشكلة التطرف الديني. يرى الخبير بولياكوف ان هذه إشكالية بنيت على تحليل غير منطقي، أو استندت إلى معلومات غير واقعية، والسبب الرئيس في ذلك، كما يقول هو أن المعلومات عن النشاط الإسلامي في روسيا تم استقاؤه من مصادر أخرى غير الطرفين، فهي معلومات منقولة غير أصيلة، في الوقت ذاته أصبحت روسيا في تلك الفترة تواجه مشاكل كثيرة ذات طابع اقتصادي اجتماعي كانت تعتبر سابقا من المشاكل الخاصة بدول «العالم الثالث» فقط، وبالتالي بدأت تبرز في روسيا بعض خطوط الوضع السياسي الديني المميزة سابقا ل «الدول النامية» مثل احتدام التناقضات بين الأديان المختلفة وظهور عدم التسامح الديني وتصاعد النزعات الراديكالية وغيرها.
في هذا الصدد تبدو الخبرات التي كدستها الأقطار العربية في مواجهة التطرف جديرة بأن تبدي روسيا الاهتمام بها ليس فقط من وجهة نظر مواجهة واحتواء التحديات الخارجية المنبثقة من التشكيلات الإسلامية بل إنها مهمة أيضا من أجل تحليل الظروف الاقتصادية الاجتماعية الداخلية التي تساعد على ترسيخ جذور التطرف في روسيا. يقول بولياكوف: «هذا الطرح الغريب في منهجيته مبني على التعميم الخاطىء لتشابه الظروف السياسية والدينية في العالم العربي».
في العقد الأخير من القرن الماضي وجدت روسيا نفسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة طرفا في الأحداث الدولية التي ساعدت على مواصلة تنامي المظاهر الراديكالية في العالم العربي. الى حد ما تعزى هذه العمليات إلى بقاء العلاقات الاقتصادية بين الغرب ودول الشرق الأوسط دون تسوية وما ينجم عن ذلك من نشوء التوترالداخلي في كثير من الأقطار العربية. ومن الناحية الجيوبوليتيكية أضيف إلى التخلف الاقتصادي الاجتماعي السائد في بعض أقطار الشرق الأوسط الوضع الاقتصادي المتأزم في الجزء الأكبر من الدول الإسلامية الجديدة التي استقلت عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كما زادت النزاعات الدينية والقومية في التسعينيات من صعوبة الوضع الاقتصادي الاجتماعي في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وزادت أيضا من حدة وضعها السكاني المتوتر أصلا بمشكلة اللاجئين وساعدت في إفقار أبنائها وانتشار البطالة بين شبابها.
يبدو أن الأمريكيين الذين اتخذوا في البداية موقفا متشددا من سياسة الكرملين في شمال القوقاز، حاولوا استغلال الاحتجاج الذي أبداه جزء من الأقطار الإسلامية والعربية والحركات الإسلامية على استخدام الطرق العسكرية في تسوية المشكلة الشيشانية من أجل إعادة توجيه نشاط الإسلاميين ضد روسيا، ومهما كان الأمر إلا أن بعض المراقبين لم يستبعدوا مثل هذا الاحتمال، وعلى سبيل المثال. يعتقد الباحث السياسي دينغا خالدوف بأنه «تراءت وراء الحرب في داغستان والشيشان يد متمرسة كان من الواجب، حسب مخططات صاحبها أن تتواجه في المعركة المميتة في القوقاز روسيا والشيشان التي تمثل «طليعة» النزعة الإسلامية».
وأبدى بعض علماء الدين الإسلامي الروس رأيا مماثلا بصدد وقوف القوى الخارجية وراء النزاع في شمال القوقاز حيث قال رئيس الإدارة الدينية لمسلمي القسم الآسيوي من روسيا الشيخ نفيع الله عشيروف مثلا إن «الصهيونية العالمية عندما تصادم روسيا بشمال القوقاز تستهدف تأليب روسيا على العالم الإسلامي بغية أن تنغمس نهائيا في الحروب ضد أطرافها الإسلامية والقوى الإسلامية الخارجية وبهذا «تنسحب» من السياسة العالمية».
إن تنوع الآراء بين هذا الطرف أو ذاك بإبقاء التوتر في شمال القوقاز الروسي قد يدل على أن روسيا والبعد الإسلامي لسياستها الخارجية والداخلية (إن أمكن التحدث عن وجوده فيها) أصبحا موضوعا لنشاط طائفة واسعة من القوى الدولية،
أفكار إسلامية
بعد عودة الرأسمالية إلى روسيا للمرة الثانية في القرن العشرين أصبح يتشكل في البلاد نظام اجتماعي تجلى فيه بصورة جديدة تعدد الأديان المميز لها تقليديا، حيث أن الطابع الانتقالي للاقتصاد لم يحدد مسبقا احتدام جميع التناقضات الاجتماعية الخفية بل وأضاف إليها تناقضات جديدة تبدو للبعض فعلا غير قابلة للحل من مواقف المجتمع العلماني، وبقدر ما جرى تكوين دعائم النظام الاقتصادي الاجتماعي الجديد في روسيا (والذي اتخذ نموذجا له بشكل عام النظام الأمريكي) مع توفيركل ما يضمنه من المستلزمات الأيديولوجية والأخلاقية والثقافية برزت ليست فقط مشكلة عدم تطابق هذا النظام مع ما وجد فعلا من الأنماط الاقتصادية للفترة ما بعد السوفييتية بل ومشكلة عدم استعداد أعداد كبيرة من أبناء البلاد لاستيعاب الخبرات الأجنبية التي قدمت إليهم في البداية وكأنها الخبرات المثالية.
في هذه الظروف فإن ممثلي أية حركة دينية حصلوا على الفرصة لكسب العناصر الجديدة على أساس جاذبية المثال التاريخي لهذا «العصر الذهبي» أو ذاك، علما أن دعاة نشر الدين الإسلامي يتخذون مثالا العصر الذي وجد فيه النبي محمد (والصحابة رضي الله عنهم . والذي كان يجسد العدالة الاجتماعية المنشودة وكذلك المساواة بين جميع المسلمين مهما كان انتماؤهم العرقي).
في أعوام التسعينيات تهيأت في روسيا مجموعة من المعطيات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية النفسية التي يمكن أن تؤدي في المستقبل المنظور إلى أن تنتشر في أوساط المسلمين الروس آراء المنظمات السياسية الدينية القومية وبينها المنظمات العربية. وفي الواقع واجهت روسيا (مثلها في ذلك مثل كومنولث الدول المستقلة بشكل عام) نوعا ما من نشر الإسلام من جديد التي تعني أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الملموسة (مثل الأزمة الاقتصادية وتدهور المستوى المعيشي وزوال الاستقرار) جعلت قسما من المسلمين في الدول الناشئة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي يستوعبون الإسلام من الأقطار العربية أساسا.
إن مشكلة نشر الإسلام من جديد في المناطق الروسية المسلمة تقليديا انبثقت في سياق «الصحوة الإسلامية» الأخيرة في العالم التي لم يتابع أحد تطوراتها بقلق واضح حتى أواسط الثمانينيات سوى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. وبرزت في الفترة موضوع البحث بوادر تحول الصحوة الإسلامية في روسيا إلى عامل لا يمكن تقليل أهمية تأثيره على السياسة العالمية.
إن زوال الاتحاد السوفييتي هيكليا وأيديولوجيا انقلب على أعدائه التاريخيين بجملة من المشاكل المفاجئة بالنسبة لهم، وتطلب ذلك إعادة تقييم نتائج النصر في «الحرب الباردة» والتي لم يكن المنتصرون كما بدا مستعدين لها ولا سيما على الصعيد الجيوبوليتيكي.
في معرض بحث عملية انتشار الأفكار الإسلامية لاحقا وموقع دعاتها المفترض في المجال السياسي الديني للمجتمع الروسي تجدر الإشارة إلى أن هذا يتوقف على عدد من الظروف، فالظروف المادية التي عاش فيها أبناء البلاد في التسعينيات تحدد في المقام الأول العامل النفسي المعنوي الذي قد يساعد في روسيا على تنامي تأثير الأفكار المنسجمة مع الأحكام الإسلامية الأساسية فمن جهة أسفرت أزمة الأيديولوجيا الشيوعية الرسمية في الجمهوريات السوفيتية السابقة (على أثر انهيار النظام الاجتماعي والاقتصادي الاشتراكي) في المرحلة الأولى عن انتشار مختلف أنواع المذاهب والمبادئ الأخلاقية الدينية القادمة أساسا من الخارج، ومن جهة أخرى، ادت عمليات تلبية احتياجات المواطنين الروس الحياتية الى الهبوط بها إلى المستوى البدائي مما أدى إلى تقليل الفرص أمامهم للبحث عن التوجهات الأخلاقية الأخرى وفي النتيجة إلى ميل بعضهم لحل المشاكل بصورة راديكالية.
وفي الفترة موضوع البحث أصبحت فكرة بناء الدولة والمجتمع على الطريقة الإسلامية جذابة على الأخص بالنسبة إلى قسم من أبناء روسيا بفضل وضوحها وسهولة تطبيقها وذلك لعدة اسباب على النحو التالي:
أولا: «النظام الإسلامي» يعني في وعي الناس الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية الإسلامية في روسيا إيقاف عدم الانصياع للقانون حيث أن مفعول القوانين الفيدرالية لا يسري في الكثير من الحالات ولا سيما في منطقة شمال القوقاز، أما الشريعة باعتبارها أساسا قانونيا لحياة المجتمع فهي شاملة حيث أن أعرافها بسيطة ومفهومة وجميع أحكامها مضبوطة تماما وما يبدو من الأهمية على الأخص أنها الأفضل بالمقارنة مع القوانين الصادرة عن المركز الفيدرالي، أو «قواعد لعبة» ما صادرة عن المركز ذاته والتي يجري غرس تفوقها على القانون الرسمي تدريجيا في وعي المواطنين عن طريق بعض وسائل الإعلام، وأخيرا فإن الشريعة هي القوانين الأبدية التي أنزلها الله أي أن مصدرها إلهي وليس إنسانيا، أما الإنسان فهو مخلوق مما يجعل مبادراته التشريعية غير صالحة.
ثانيا: ينظر الإسلام إلى جميع المسلمين باعتبارهم مجتمعا واحدا (الأمة) بغض النظر عن انتمائهم العرقي، وفي الظروف التي أصبح فيها انتماء الإنسان القومي بحكم الأسباب المعروفة موضوع دراسة مستمرة بهدف تحديد ماهية هويته (وتحديد الماهية الذاتية أيضا) رأى الناس الذين يساورهم الحنين إلى «الصداقة بين الشعوب» السابقة بالرغم من أنها كانت صداقة غير مكتملة وحتى إلزامية في بعض الأحيان. في الإسلام الطريقة المتبقية الوحيدة القادرة على إزالة النزاعات القومية أو التمييز العرقي.
ثالثا: تفترض المنهجية الإسلامية إن ممارسة السلطة على الناس لا يمكن أن تكون إلا وفق تعاليم الله ولا يمكن أن يدير الأعمال الإدارية ويصدر القرارات أحد سوى من تختاره «الأمة» الإسلامية من بين أكثر أعضائها جدارة وقدرة على اتخاذ القرارات وفق أحكام القرآن والسنة، ويبقى هذا الشخص في منصبه طالما تتفق أعماله وتصرفاته مع أحكام الأخلاق الإسلامية، علما أن القرار بشأن مدى صلاحية الحاكم يصدر عن مجموعة من أكثر العلماء إلماما بالمسائل الشرعية والفقهية.
رابعا: يطرح الإسلام في المجال الاقتصادي الاجتماعي توفير «العدالة الاجتماعية» المنشودة لدى غالبية الناس والتي يتم تحقيقها في الشريعة عن طريق النظام التكافلي (الزكاة) الذي تأتي عوائده لخير الأمة كافة، علما أن هذه العوائد«شفافة» تماما من وجهة نظر المراقبة على توزيعها، وتعتبر الزكاة من أهم ركائز الاسلام. ويرى قسم من الناخبين أن مثل هذا النظام يختلف إلى الأفضل عن سيناريوهات التطور التي يقترحها دعاة الديمقراطية على الطريقة الغربية، لا سيما وأن أيديولوجيي الليبرالية يؤكدون في بعض الأحيان بأن الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية قد يتطلب عشرات السنين.
في الوقت نفسه فان مؤيدي «النظام الإسلامي» يرون بأن جميع المشاكل قد تحل فورا ولمصلحة جميع الناس إذا ما تم تطبيق الشريعة ونظام الحكم الإسلامي، لكن منطقة شمال القوقاز أصبحت تشهد في التسعينيات وضعا سياسيا دينيا متزايدا في التوتر، وأدت مواصلة تصاعد التناقضات في أوساط المسلمين الداغستانيين إلى تكوين خمس هيئات إفتاء جديدة، وانهارت في عام 1989 الإدارة الدينية لمسلمي شمال القوقاز وقامت على أنقاضها بين هيئات أخرى الإدارة الدينية لمسلمي داغستان.
طرق التأثير
لن نبالغ إذا قلنا بأن دول العالم العربي ساعدت كثيرا في العقد الأخير من القرن العشرين على تنشيط الدور الاجتماعي للدين الإسلامي في روسيا، وفي معرض بحث عملية الاهتمام بالإسلام في روسيا ومشاركة ممثلي الدول الإسلامية الأجنبية فيها يعرفها الباحث الروسي المختص بقضايا الإسلام السياسية ألكسي مالاشينكو بأنها «بداية لم شمل المسلمين الروس روحيا مع إخوانهم في الدين في العالم الإسلامي ولا سيما في مهده أي في الشرق الأوسط». ولدى مقارنة هذه العملية مع العمليات المماثلة الجارية في أوساط أبناء الأديان الأخرى يؤكد الباحث أن الاهتمام بالإسلام في روسيا أصبح قضية تهم «الأمة» الإسلامية كافة حيث ترى أقطار الشرقين الأوسط والأدنى فيها عملية طبيعية لعودة إخوانهم في الدين الشماليين إلى أحضان الحضارة الإسلامية وإعادة بناء العلاقات الوطيدة التي ظهرت منذ القرون الوسطى ولكن لم تتطور إلى المستوى المنشود.
بيد أن سعي الأقطار العربية الإسلامية لتقديم الدعم إلى المسلمين الروس اتسم في البداية بطابع عشوائي أساسا، وذكر في الأبحاث العلمية مثلا أنه لم تكن تعد حتى عام 1998 أية برامج إسلامية عامة لتقديم الدعم إلى المسلمين الروس، وحدد ذلك في جانب كبير منه الطابع المتناقض للمساعدات (الدعوية والمالية وغيرها) التي قدمها ممثلو الأقطار العربية إلى إخوانهم في الدين بروسيا وكذلك ما ظهر فيما بعد من تقييمات لمشاركة العرب في انتشار الإسلام في بلادنا.
جرى تأثير الأقطار العربية وممثليها على الوضع السياسي الديني في «الأمة» الروسية في التسعينيات بطرق مختلفة تتمثل إحداها في الاتصالات التي توسعت كثيرا في تلك الفترة بين الشخصيات الإسلامية العربية وعلماء الدين الإسلامي في روسيا، ولم تساعد هذه الاتصالات الثنائية على تنمية العلاقات التقليدية بين روسيا والعالم الإسلامي العربي فحسب بل وجاءت ضمانة لتوطيد العلاقات بين روسيا الجديدة والمجتمع الإسلامي الدولي و شارك رئيس الإدارة الدينية لمسلمي القسم الأوروبي لروسيا الشيخ راوي عين الدين في عام 1995 في الوفود الرسمية عن وزارة الخارجية الروسية التي زارت مصر وسورية ولبنان.
كما أصبح علماء الدين العرب يبدون نشاطا أكثر في زيارة روسيا للمشاركة في مختلف المحافل الإسلامية، وعلى سبيل المثال شاركت في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي انعقد في موسكو في 5 6 حزيران/يونيو 1999 بعنوان «دور المسلمين في اهتمام روسيا الروحي» وفود 0من كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والكويت وليبيا والجزائر وسورية والسودان والأردن وقطر.
وضمت هذه الوفود ممثلي عدد من المنظمات الإسلامية التي توجد مقارها في الأقطارالعربية المذكورة، وكذلك ممثلو وسائل الإعلام العربية.
وقيمت الشخصيات الاجتماعية العربية الزائرة لروسيا في التسعينيات بإيجاب عموما التغيرات في مجال خدمة الدين، وعلى سبيل المثال ذكر الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية الطلابية الدولي مصطفى محمد الطحان في كتابه «مستقبل الإسلام في القوقاز وبلاد ما وراء النهر» الصادر في عام 1995 بأن قانون الحريات الدينية الروسي يسمح للمسلمين بإصلاح وترميم المساجد القديمة وبناء الجديدة وإعادة تنظيم أعمال المعاهد والمراكز التعليمية الإسلامية، ومن أكثر الأحداث أهمية في هذا المجال، حسب رأيه افتتاح الجامع التاريخي بموسكو في شارع بولشايا تتارسكايا. كما ذكر الطحان ان الكثير من منظمات الإغاثة الإسلامية لها مكاتب تمثيل رسمية في موسكو، ويشير من بين المظاهر الإيجابية إلى وجود مراكز إسلامية متخصصة مثل النادي الإسلامي وتوفير الوقت لتقديم برامج إذاعية حول الإسلام.
ومن بين الإنجازات في هذا المجال يضيف السيد الطحان حصول حزب النهضة الإسلامية على رخصة رسمية لممارسة أعماله على الصعيد الفيدرالي ووجود أحزاب إسلامية معارضة في تتارستان (حزب الاتفاق مثلا)، ويشير أيضا إلى وجود تطورات ملحوظة في انتشار الدين والثقافة في بشكيريا.
وفي أعوام التسعينيات كان التعليم الديني من أهم المجالات التي مارست فيها الأقطار العربية الإسلامية تأثيرها على المسلمين في روسيا، حيث أن الكثير من رجال الدين الروس احتلوا، بعد حصولهم على التعليم الإسلامي في الأقطار العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مناصب مرموقة في الهيئات الدينية بروسيا الاتحادية، وعلى سبيل المثال فإن الشيخ عثمان إسحاقوف الذي حصل على التعليم الديني الثاني في ليبيا أصبح في عام 1998 رئيسا للإدارة الدينية لمسلمي تتارستان وكان المفتي / طلعت تاج الدين الرئيس الحالي للإدارة المركزية لمسلمي روسيا قد حصل على التعليم في جامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل رئيس الإدارة الدينية لمسلمي قسم روسيا الآسيوي الشيخ نفيع الله عشيروف على التعليم في الجزائر بمدينة قسطنطينة وما إلى ذلك.
وأصبحت المعاهد التعليمية الإسلامية في العالم العربي تضطلع بدور كبير في إقبال أبناء روسيا على المعارف الدينية، حيث توفد المؤسسات الدينية الرسمية الروسية الطلبة لمواصلة التعليم في المعاهد والجامعات في مصر والمغرب وسورية والمملكة العربية السعودية وقطر وليبيا.
ويبرز في هذه العمليات على الأخص دور ممثلي فروع منظمات الإغاثة العربية والإسلامية العاملة في روسيا على أساس دائم، وتساعدهم في ذلك الدائرة الواسعة من المهام المعلنة في مواثيق منظماتهم التأسيسية.
كما يشارك ممثلو المنظمات المذكورة بنشاط في الفعاليات الثقافية للمسلمين الروس مثل عقود الصداقة ووضع أحجار الأساس في بناء المساجد، وتعتبر الجاليات العربية من القنوات الهامة لممارسة التأثير العربي الإسلامي على الوضع في أوساط المسلمين الروس، وحسب تقديرات كاتب البحث بلغ عدد أفراد هذه الجاليات في نهاية التسعينيات حوالي 50 ألف شخص وهذا الرقم يزيد عدد أعضاء الجالية العربية في موسكو وحدها بعدد 10 آلاف شخص والعدد ذاته تقريبا في سانتبطرسبورغ وحوالي ألفي شخص في مدينة ستافروبول وألف شخص في مدينة روستوف على الدون وأقل منه قليلا في مدن روسيا الكبيرة الأخرى، وكان يحصل في التسعينيات سنويا على الجنسية الروسية أو رخصة الإقامة عدة مئات من العرب، وإلى جانب رجال الأعمال العرب المقيمين في روسيا والعرب المقيمين تضم الجاليات العربية الإسلامية في روسيا الطلبة الدارسين في المؤسسات التعليمية الروسية المختلفة، ومن أهم شروط التقارب بين روسيا والأقطار العربية لاحقا، كما يبدو، موقف القيادة الروسية من الإسلام والمسلمين في داخل بلادها وفي دول «الخارج» سواء القريب أو البعيد، لكن على مدى التسعينيات لم يستشف، من خلال الممارسات الفعلية التفهم الواضح لصلب هذه القضية على مستوى «النخبة» من رجال السياسة الروس مما ولد صعوبات كبيرة في التوصل إلى التفاهم مع العالم الإسلامي العربي بشأن الكثير من القضايا الدولية والداخلية ومنها مثلا بشأن المواقف من كيفية تسوية النزاعات الدينية ومواجهة الإرهاب الدولي والانفصالية الأثنية ومع ذلك يصعب على المرء ألا يوافق على رأي أ.بودسيروب (نائب مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الروسية حينذاك) الذي قال: سيكون من الخطرالجسيم إذا ما تم الربط بين الإسلام والإرهاب لأن مثل هذا الربط قد يؤدي إلى ظهور بؤر نزاعات على امتداد حدودنا الجنوبية ستتحول لاحقا إلى نزاعات في داخل بلادنا تكتسب نطاقات أوسع بكثير مما هي الآن وفي مستقبل أبعد حتى إلى انهيار حضارتنا لأن الحضارة الروسية واقع موضوعي وجرى قيامها باعتبارها حضارة تتعامل فيها ثقافات مختلفة وتتعايش فيها ديانات مختلفة.
وبشكل عام لا بد من الإشارة إلى أن الأقطار العربية تبدي اهتماما كبيرا بإقامة صلات وطيدة مع روسيا الجديدة، وعلى المستوى الرسمي تريد هذه الأقطار أن ترى فيها شريكا يعتمد عليه في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية التكنيكية وكذلك حليفا محتملا في إقامة علاقات دولية عادلة بعيدة عن المواجهة على الأساس الديني، ومن هذه الناحية تتوفر لدى روسيا القدرات الكافية تماما لزيادة دورها كثيرا في ضمان الأمن العالمي.
المملكة ونشر الإسلام
برز هذا الاتجاه بوضوح خاص في العلاقات بين روسيا والسعودية. إن تأثير المملكة العربية السعودية بصورة مباشرة وغير مباشرة على تطور انتشار الإسلام في روسيا اتسم في التسعينيات بطابع متعدد الجوانب، وعزا ذلك إلى عدد من الأسباب يمكن أن نشير من بينها هنا إلى: آثار المواجهة الأيديولوجية السابقة في أعوام وجود الاتحاد السوفيتي، وعدم الثقة المتبادلة الناشئ بينهما كأحد نتائج الحرب في أفغانستان، والارتياب في دور مساعدات الإغاثة السعودية للمسلمين الروس ودور السعوديين في خدمة الإسلام في روسيا، وكذلك نشوء مشاكل جديدة في العلاقات الثنائية بسبب الأحداث في شمال القوقاز الروسي.
وفي مطلع التسعينيات بدأت تعمل في أماكن تجمع المسلمين بأراضي روسيا الاتحادية مختلف المنظمات الإنسانية الإسلامية المرتبطة بالمملكة العربية السعودية.
ومن بين الأهداف المعلنة في الوثائق التأسيسية للمنظمات المذكورة وغيرها من المنظمات المماثلة لها ذكر مثلا: تقديم المساعدات الخيرية لأبناء روسيا وكذلك للمنظمات الاجتماعية والدينية العاملة في أراضيها، والمساهمة في تنفيذ مشاريع الرحمة والخير، وتقديم المساعدة للناس المنكوبين بنتيجة الجوائح والكوارث الطبيعية والنزاعات العسكرية أو القومية والحوادث والظروف الطارئة الأخرى في معالجة مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية وإعلاء مستوى معيشتهم وتقديم المساعدة للاجئين والمهجرين، والاعتناء بالأيتام والفقراء وغيرهم من ذوي الوضع ذاته.ودعم الأبحاث العلمية والفعاليات التنويرية، وتنظيم إعداد الجيل الجديد من العلماء والباحثين لدراسة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ونشر نتائج هذه الدراسات بين الناس وتنظيم ترجمتها إلى جميع لغات شعوب روسيا وما إلى ذلك. وفي الأقاليم الروسية بذلت المنظمات السعودية المحاولات لإقامة مؤسسات تعليمية إسلامية من أجل الأطفال، وجرت في فترة الأعوام 1992 1994 إقامة المخيمات التعليمية من هذا النوع في أراضي الشيشان وقبرطيا بلقاريا وقرشاي شركسيا وبشكيريا وداغستان، ولم يجر هناك إشراك رعايا المملكة العربية السعودية لتعليم الأطفال بقدر ما شارك فيه العاملون في المنظمات السعودية من أبناء أقطارعربية وإسلامية مختلفة، وجرى هناك إعداد الدارسين الواعدين لمواصلة تعليمهم في الخارج، وجرى إيفادهم إلى المملكة العربية السعودية وتونس ومصر وأقطار أخرى حيث كانوا يواصلون تعليمهم لاحقا.
صعوبات في الطريق
إن وجه روسيا يبدو الآن مشوهاً جدا، لكن هذا الوجه كان بعيداعن الكمال في عيون السعوديين سابقا لأن تسلط الأيديولوجية الإلحادية في الاتحاد السوفييتي كان يناقض وعيهم الذي ضرب الإسلام جذورا عميقة فيه، ومن أمثال ذلك أن دخول «القوة العسكرية المحدودة» السوفييتية إلى أفغانستان في كانون الأول/ديسمبر1979 الذي اكد لهم ان ذلك «عدوان» على المسلمين وعزى المؤلف بعض انتعاش الاهتمام بروسيا إلى انطلاقة عمليات خدمة الإسلام فيها في التسعينيات، بيد أن الأحداث الشيشانية غيرت سلبا الرأي العام السعودي تجاه روسيا، واضاف ان هناك تصورات السعوديين حول روسيا اساسها من المواد المنشورة في وسائل الإعلام الغربية، علما أن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية تمارس الابتزاز بصراحة، ويا للأسف لدى طرح المواضيع الشيشانية وتلجأ في بعض الأحيان إلى تصوير الروس بهيئة قتلة المسلمين في الشيشان وداغستان.
وفي هذه الظروف غير المواتية البتة تبلور في الرأي العام السعودي موقفان من العلاقات مع روسيا ينطلق أولهما من أن روسيا لم تعد تعتبر من صانعي السياسة في المحور الشرقي، وتبدو طريقة تفكير أصحاب هذا الموقف على ان روسيا بعدما تراجعت روسيا وبصورة طواعية عن مواقعها في الشرق الأوسط فإنها فقدت دورها كأحد راعيي عملية السلام في هذه المنطقة، وبعد ما سمحت مرة أخرى بالوجود العسكري الأمريكي في الجمهوريات السوفييتية السابقة بآسيا الوسطى فإنها أضاعت أي فرصة لممارسة التأثير الفعلي على العالم الإسلامي، وبالتالي لا معنى للعمل مع «الوسطاء» بينما يمكن العمل بصورة مباشرة مع من يصنع فعلا السياسة مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
ويعتمد الموقف الثاني على وجود مصالح معينة للسعودية في روسيا نفسها (20مليونا من المسلمين والإمكانيات الاقتصادية) وكذلك وجود نقاط التقاء مصالحهما في الساحة الدولية (النفط ومواجهة الإرهاب والمساعدات الإنسانية)، ويدعو أصحاب هذا الموقف إلى تطوير العلاقات بين السعودية وروسيا.

..... الرجوع .....

قضية العدد
تحت الضوء
ذاكرة التاريخ
الطابور الخامس
الجريمة والعقاب
تكنولوجيا الحرب
فن الادراة
حول العالم
النصف الاخر
الطب البديل
تحت المجهر
تربية عالمية
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
كتاب الاسبوع
ثقافة عالمية
رياضة عالمية
عواصم ودول
نادي العلوم
هنا نلتقي
المستكشف
الصحة والتغذية
مسلمو العالم
الصحة والتأمين
أنت وطفلك
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved