الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 24th January,2006 العدد : 157

الثلاثاء 24 ,ذو الحجة 1426

صباح الخير..!!
تشرق الشَّمسُ صباحَ كلِّ يوم..
تسبقنا العصافير بأصواتها وزقزقاتها في إعلان مولد يومٍ جديد..
تدبُّ الحركة، حركة الناس، وكأنهم على موعد مع ما جَدّ من جديد.
***
برنامج مكرَّر لكلٍّ منا..
يبدأ مع الصباح الباكر، ولا ينتهي إلاّ في الهزيع الأخير من الليل..
كفاح وعرق..
وصراع لا ينتهي مع ما هو مؤمَّل أو منتَظر.
***
لا يعرف المرءُ بِمَ هي حبلى به أيامه القادمة..
وماذا تحمل له حياته مما يتمنَّى أو لا يتمناه..
وبأيّ صورة سيتعامل المرء مع مفاجآت قد تنتظره من حين لآخر..
فهذا الغموض جزءٌ من متعة الحياة التي لا نعرف كم ستكون أعمارنا فيها.
***
مع أشعَّة الشَّمس، وفي بواكير صباح كلِّّ يوم، تتسابق الأفكار والتأملات حول ما ينبغي أن يكون أو ما قد يستجد خلال الزمن القادم..
كلٌّ يفكر في قَدَرِه بالحياة، ما يتمنَّاه وما يخطِّط له، وما يعمل من أجله مصحوباً بالكثير من التوقُّعات التي قد تأتي، وقد لا يناله أي نصيب أو شيء منها.
***
الشمس بأشعتها الذهبية تدقُّ الأبواب المغلقة..
تتسلَّلُ برفقٍ وهدوءٍ إلى الغرف المظلمة لتوقظ من بقيَ نائماً، مذكِّرةً إياه باليوم الجديد..
فيما الحركة تبدو في الخارج صاخبةً وتدُبُّ بشكل مثير لمن اعتاد أن ينام مبكِّراً ويستيقظ كذلك.
***
هكذا هم الناس في عالمنا الواسع الفسيح..
من يتسابقون إلى حيث مواقع أعمالهم..
ومن اعتاد منهم أن يمضي نهاره بالنوم والتشاغل عن أداء واجباته ومسؤولياته دون أن يفكر في أضرار هذا السلوك عليه وعلى الوطن والمواطن.
***
ومع الصحو المبكر..
والاستيقاظ في الوقت المناسب..
مع نسمات الصباح الباردة..
وهوائه العليل..
يدرك المرء ما في ذلك من فعل لهذه الحيوية والنشاط التي تبدو على وجوه ومحيا وحركة وتفكير أولئك الذين اعتادوا أن يكونوا بعيدين عن غرف النوم في وقت مبكر من صباح كل يوم جديد.
***
تلك بعض خَطَراتٍ صباحية كانت محورَ تفكيري وتأملاتي..
ربما كانت باردة مثلما هو طابع الساعات الأولى من كلِّ صباح..
وقد لا تكون كذلك، لكنَّها في كلّ الحالات والأحوال تحاول أن تتقمَّص شخصية المشهد بين نموذجين من الناس..
الصورة ربما أنها لم تتكامل أو تتضح بما فيه الكفاية للتعبير عن الواقع..
لكنها محاولة للاقتراب من الحالة، من الصورة الباهتة في بعض جوانبها، المشرقة من جوانبها الأخرى..
نعم.. إنها محاولة.. ليس إلاَّ!!.


خالد المالك

أشهر سجناء الكتراز:
قاتل متوحش يهوى الرسم وتربية الطيور

* إعداد - وليد الشهري
(الكتراز) اسم لإحدى جزر مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية والتي كانت في وقت من الأوقات مرتعاً لأقوى وأعنف المجرمين في العالم.
ففي عام 1934م قامت الحكومة الأمريكية بتحويل هذه الجزيرة إلى سجن حكومي يتصف بحراسة وقوة أمنية مشددة ليحتضن الوحوش البشرية من السفاحين والمغتصبين والقتلة وزعماء العصابات المنظمة. والكثير ممن زجوا داخل هذا السجن شكوا من قسوة المعاملة فيه وطرق التعذيب التي كانت تسبب للسجناء في الغالب صدمات نفسية أو تؤدي بهم إلى الجنون.
وظل هذا السجن مفتوحاً لاستقبال السجناء حتى العام 1963م عندما قرر عمدة ولاية كاليفورنيا الأمريكية إغلاقه بسبب التكاليف العالية التي تصرف على أمنه وتغطية رواتب العاملين فيه.
وتحولت بعد ذلك إلى جزيرة سياحية يزورها السياح لمشاهدة السجون والزنزانات التي سكنها أشهر السفاحين العالميين.
ومن بين هذه الزنزانات هناك زنزانة فريدة من نوعها وتفردها لم يكن في تصميمها أو موقعها بل في الشخص الذي سكنها والذي يعد أكثر السجناء شهرة في العالم. والغريب في الأمر أن شهرته لم تقتصر على الجرائم التي ارتكبها بل في أسلوب عيشه الذي قضاه خلف القضبان لسنوات عديدة.
الطريق نحو الهاوية
هذا السجين لم يكن سوى روبرت سترود والملقب ب (رجل الطيور) وهو لقب أشتهر به في السجن لعشقه وولعه بعالم الطيور.
وتبدأ هذه القصة في شهر نوفمبر من العام 1908م عندما أراد روبرت سترود، وكان عمره آنذاك 18 عاماً فقط, أن ينتقل مع حبيبته كيتي اوبراين 36 عاماً من بلدتهما الصغيرة كوردوفا إلى عاصمة ولاية ألاسكا جونو لاعتقادهما بتوفر الفرص الذهبية لكسب المال هناك. فقاما برحلة على القارب إلى العاصمة وآمالهما كبيرة في كسب الثروات والانتقال إلى عالم الأغنياء المبهر.
ولكن كما هو المثل المشهور (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فبمجرد أن وطأت قدماهما أرض العاصمة حتى جرتهما إلى عالم آخر يغلب عليه الفساد الاجتماعي والصراع على كسب المادة، عالم لا يعترف بالمبادئ، وأسس الحياة القوي فيه يأكل الضعيف والفقير مسكنه الأزقة وأرصفة الشوارع ويقتات على ما يخلفه الناس في الحاويات.
ومع الوقت تمكنت كيتي من الحصول على وظيفة كراقصة في نادٍ ليلي، أما روبرت فما زال يبحث عن عمل يقتات منه ولكن الأمور بدأت تتجه نحو الأسوأ مع مرور الوقت.
وبعد شهرين وبالتحديد في الثامن عشر من يناير سنة 1909م قابل روبرت وكيتي صديقاً قديماً من بلدتهما يدعى فون دامر والمعروف بتشارلي فمكث معهما في شقتهما المتواضعة التي كانا قد استأجراها بما تتقاضاه كيتي من عملها كراقصة.
وبينما ذهب روبرت في أحد الأيام لكي يجلب سمكاً من ميناء المدينة لتجهيز العشاء له ولرفقائه، استغل تشارلي غيابه لينهال بالضرب المبرح على كيتي دون معرفة السبب. وعندما عاد روبرت صدم بالمنظر المروع الذي كانت عليه حبيبته فحمل مسدساً وذهب بحثاً عن تشارلي وعندما وجده وصارحه بفعلته نشب نزاع بين الاثنين انتهى بسقوط تشارلي ميتاً أثر طلقة خرقت جسده من مسدس روبرت. بعدها قام روبرت بتسليم نفسه لشرطة العاصمة واعترف بجريمته, فزج في السجن في انتظار محاكمته. ولم يكن بحسبان رجال الشرطة بأنهم قبضوا على شاب سيصبح في يوم من الأيام أحد أشهر مجرمي أمريكا في التاريخ المعاصر حتى يومنا هذا.
معاناة منذ الصغر
ولكي نتفهم السبب وراء ارتكاب روبرت جريمة القتل لابد
أن نرجع إلى الوراء قليلاً لنلقي الضوء على نشأته.
ولد روبرت فرانكلين سترود بمدينة سياتل بواشنطن العاصمة في 28 يناير سنة 1890م لزوجين هما إليزابيث وبين سترود. وكان لأمه أبنتان من زواج سابق ولم يمض وقت طويل حتى أنجبت أمه أخاً له يدعى ماركوس.
وكانت إليزابيث أمه مكافحة غمرت أبناءها بالحب والعطف والحماية من أبيهم المدمن على شرب الكحول حيث كان غالباً ما ينهال عليها وعلى أبنائها بالضرب المبرح, وكان لهذه المعاملة الأثر الأكبر في نفس روبرت حتى بات أبوه عدوه الأول في طفولته.
وما أن بلغ روبرت سنه الثالثة عشرة حتى انطلق في رحلة استكشافية في أرجاء أمريكا أملاً في الحصول على عمل والعيش في سلام بعيداً عن طغيان والده المستبد. وظل يتنقل بين عدة وظائف حتى بلغ 17 عاماً حينها قرر العودة إلى المنزل ليجد أهله في حالة مادية أفضل من ذي قبل ولكن أباه كان ما زال يسرف في شرب الكحول. وأصبحت العلاقة بين والديه متباعدة فالأم تكره الأب وهو من جهته لا يمل من ضربها وضرب أبنائه الآخرين.
فقرر روبرت الهروب مع عشيقته كيتي ليواجه المصير المظلم والذي تسبب بدخوله السجن في جريمة قتل كان سببها الانتقام وعدد كبير من مشاعر الكره والغضب على معاملة النساء بالضرب تطورت لديه عبر السنين من مشاهدة أمه وهي تتعذب بين يدي والده.
وفي الأشهر الأولى لسنة 1909م هرعت والدة روبرت إلى العاصمة جونو لمساعدته فور سماعها بحادثة القتل التي ارتكبها وعينت له محامياً للدفاع آملاً في أن يبرئ ساحة ابنها من هذه الجريمة الشنعاء.
ولكن آمال الأم سرعان ما تبخرت, حيث أن القاضي المكلف بقضية روبرت قد عين حديثاً وأراد أن يضع بصمته في تاريخ القضاء بولاية ألاسكا ورأى في قضية روبرت المثال الأسمى لهدفه.
وحكم على روبرت بالسجن لمدة 12 سنة في إصلاحية جزيرة مكنيل لتبدأ من هناك رحلة الرجل الذي أذهل العالم بإنجازاته. وسرعان ما تعلم روبرت قوانين السجن والتي كانت مسألة مهمة في بقائه حياً بين أشخاص أسمى صفاتهم القتل والتعذيب.
وعلى الرغم من تحوله إلى شخص هادئ ومسالم مع مرور الوقت إلا أن الغضب والحقد على الحكم القضائي والأشخاص الذين زجوا به في السجن لا يزال يشتعل داخل صدره ويتأجج يوماً بعد يوم. وكان ما يلاقيه من ضرب الهراوات والتلفظ من قبل الحراس بمثابة الوقود الذي يزيد نيران الكره في قلبه.
وسيلة الاتصال الوحيدة له بالعالم الخارجي كانت الرسائل التي يتلقاها من أمه وعشيقته كيتي. وخلال السنتين الأوليين لم ير أمه سوى في مناسبة واحدة.
وعندما اعتقد الجميع بأن تصرف روبرت المسالم سيخرجه من السجن بعد مرور نصف المدة لحسن سلوكه تطورت الأمور إلى الأسوأ فقام روبرت بطعن أحد السجناء بسبب قيام هذا السجين بالإبلاغ عنه في سرقة طعام. فكانت لخيانة هذا السجين أن عزز خروج الوحش المسكون بجسد روبرت فلم يتوان في طعنه وضربه بسبب خيانته حتى أدخل المستشفى متأثراً بجراحه. وفي محاكمة سريعة حكم عليه بستة أشهر إضافية على حكمه السابق.
وبسبب الازدحام في الإصلاحية التي كان يقضي فيها روبرت بقية حكمه قررت الولاية نقله مع مجموعة أخرى إلى إصلاحية ليفنورث الفيدرالية بمدينة كنساس ذات التحصين الأمني العالي والمشدد. وهناك تمكن روبرت الذي لم يتجاوز في تعليمه المرحلة الابتدائية أن ينخرط في الدورات التعليمية وقد أنبهر المسئولون من العلامات المتفوقة التي كان يحرزها روبرت في اختباراته.
ملاذ الوحش في وحدته
ولم يكن روبرت مهتماً فقط بالعلوم الأكاديمية بل تجاوز ذلك وبدأ بدراسة بعض الحركات والمذاهب العقائدية وركز اهتمامه على الثيوصوفية وهي حركة دينية فلسفية بدأت بالظهور في الولايات المتحدة سنة 1875م وهي مبنية على التعاليم البوذية والبراهمية. وتعتمد هذه الحركة في الأساس على التأمل ويبدو أنها استطاعت أن تهدئ من روع روبرت وصرف نظره وتفكيره عن حالة العزلة التي يعيشها وذلك بانشغاله بها.
ولكن كالمعتاد لم تدم هذه الحالة من الهدوء والأمان, ففي العام 1915م أصيب روبرت بألم شديد متواصل أدخل على أثره إلى مستشفى الإصلاحية وشخصت حالته وأعلن عن أصابته بداء (برايت) وهو مرض يصيب الكلى بالتهاب شديد قد يتسبب في تعطيل وظائفها الحيوية.
وبينما كان روبرت قابعاً على سريره الأبيض يصارع المرض الذي كانت أهواله بادية على وجه وجسم روبرت فقد نصف وزنه وبدا وجهه شاحباً.
سمعت في هذه الأثناء إليزابيث ما كان يحدث لابنها في مستشفى الولاية فسافرت إلى مدينة كنساس لمتابعة حالته. ولصدمة الأم المسكينة لحالة ابنها قامت بإرسال طلب التماس للنائب العام للولايات المتحدة الأمريكية راجية وأمله في إطلاق سراح ابنها حتى تتمكن من رعايته. ولكن التماسها لم يرد عليه، وبينما الأم فاقدة الأمل في نجاة ابنها وتعد الساعات والدقائق التي تفصل بينها وبين سماع موت ابنها لتصطدم بمفاجأة جديدة فقد بدت آثار الشفاء على روبرت وبدأ يكسب وزنه السابق.
وبعد أيام أطلق سراح روبرت ليعود إلى زنزانته مجدداً ولكن هذه المرة الأمور أصبحت مختلفة عن السابق فهناك سجّان جديد اشتهر بين السجناء بقسوته وشدته في التعامل معهم والغريب أنه بدأ يتحرش بروبرت منذ قدومه، فتارة يضربه بالهراوة وتارة أخرى يسقطه من فوق الدرج الحديدي ولكن الوحش صبره محدود وسرعان ما سينطلق للقضاء على نظام الظلم كما كان يعتقد.
هذا السجّان يدعى اندرو أف تيرنر وقد عُين حديثاً بالإصلاحية في غياب روبرت وبدأ منذ اليوم الأول بتوضيح أسلوبه وفلسفته المتوحشة في التعامل حتى أصبح هاجساً مخيفاً لكل سجين وهو ما كان يسعى لتحقيقه من هذا التعامل، أن يكون هو الشخص الآمر والناهي في الإصلاحية.
وفي عام 1916م أتى ماركوس الأخ الشقيق لروبرت لزيارة أخيه ولكن رغبته قُبلت بالرفض من قبل المسئولين، الأمر الذي أشعل الكره والحقد والغضب ثلاث مشاعر قاتلة فتاكة اختلطت في صدر روبرت الذي كان يرغب بمشاهدة شقيقه الأصغر منذ سنوات وعندما تحقق الأمر لم يمكنه مسؤولو السجن من ذلك فأراد الانتقام وهو غالباً ما يكون انتقامه شديداً كما عرفنا من قضية القتل التي تسببت بدخوله السجن.
واستمع تيرنر لصرخات روبرت وهو يشتم ويمقت النظام وطريقة التعامل في الإصلاحية التي هو فيها وكيف للمسؤولين منعه من مشاهدة أخيه الأصغر. فرفع تقريراً لمدير الإصلاحية الذي أمره بمعاقبة روبرت, فقام تيرنر بتعذيبه حتى أغشي عليه ومن ثم أعاده لزنزانته ولم يستيقظ إلا في اليوم التالي.
ولكن الذي استيقظ لم يكن روبرت بل كان الوحش الذي يسكن بداخله فكانت حرقة آثار الضرب على ظهره تزيد من حقده وغله. وعندما أتى موعد الغداء دخل روبرت إلى صالة الطعام التي ازدحمت بقرابة الألف سجين.
وعندما جلس في مكانه رفع يده عالياً وعندما طلب منه الحراس بإنزال يده لم يستجب، وكان روبرت متأكداً بأن الحارس الوحيد الذي سيقترب منه لن يكون سوى تيرنر لحبه في تعذيب وضرب السجناء بالهراوات.
وكان لروبرت ما أراد فاقرب منه تيرنر وهو يصرخ عليه بأن ينزل يده وعندما وصل يده بدا الطرفان يتبادلان الحديث ولكن أحدا لم يعلم بما جرى بينهما وعندما مد تيرنر يده لهراوته الجانبية التي أراد أن يستخدمها في ضرب روبرت أنقض عليه روبرت كالصاروخ وطرحه أرضاً وطعنه في صدره بسكين كان يخفيها في قميصه ليسقط تيرنر ميتاً وغارقاً في دمائه.
قوة الأم وقوة القانون
قام مسئولو الولاية بالتحرك سريعاً عقب جريمة القتل التي حدثت، وبما أنها الأولى من نوعها في الولاية فقد قام المدعي العام فريد روبرتسون بالتعاون مع عدد من المحققين ببناء قضيتهم لرفعها في المحكمة وإنزال أقسى العقوبات على روبرت.
ومرة أخرى تعود أم روبرت سترود للدفاع عن أبنها فبعد سماعها للحادثة ذهبت الأم إلى كنساس قادمة من جونو وعينت أفضل المحامين في ذلك الوقت للدفاع عن أبنها ولكن حتى أفضل المحامين لم يكن ليستطيع أن ينجي روبرت من العقوبة في ظل وجود حراس السجن كشهود عيان بالإضافة إلى أكثر من ألف سجين شاهدوا ما حدث.
وفي شهر مايو من سنة 1916م قدم كل من محاميي الدفاع والإدعاء قضاياهم للقاضي جون بولوك ولجنة المحلفين المؤلفة من 12 شخصاً ولم تستمر المحاكمة سوى أربعة أيام استمعت المحكمة خلالها إلى شهادات عشرات الشهود من حراس وسجناء لتجد لجنة المحلفين بأن روبرت سترود مذنباً بجريمة القتل من الدرجة الأولى فحكم القاضي جون على روبرت بالإعدام شنقاً على أن ينفذ الحكم في 21 يوليو من السنة نفسها.
فطالب محامي الدفاع استئناف الحكم لتبدأ بعد ذلك محاكمات عدة كان الاختلاف الوحيد فيها هو ما إذا كان روبرت يستحق عقوبة الإعدام من عدمها.
وفي تلك الأثناء كانت إليزابيث والدة روبرت نشطة جداً فجلبت أنظار الجمعيات المناهضة لحكم الإعدام لقضية ابنها التي شهدت تغطية إعلامية كبيرة. ولأسباب أمنية تم تغيير القاضي جون الذي عرف عنه تأييده لتطبيق أحكام الإعدام في الولاية بقاض آخر يدعى جي دبليو وودروف وبعد الاستماع إلى أقوال الشهود ولكل طرف في القضية وجدت لجنة المحلفين بأن روبرت مذنباً في جريمة القتل ولكنها أكدت في نفس الوقت عن عدم رضاها بحكم الإعدام فحكم القاضي على روبرت بالسجن مدى الحياة.
وبعد الإعلان قامت إليزابيث لتعانق ابنها بعد أن نجحت الأم المتفانية في إنقاذه من الموت. ومع ذلك طالب روبرت باستئناف الحكم حيث لم يكن مستعداً لقضاء بقية عمره خلف القضبان.
ولكن الطريف في الأمر أن روبرت الذي استطاع محاموه إنقاذه من الموت رأى أن بإمكانهم إنقاذه من حكم المؤبد وبعد طلبه للاستئناف عينت محاكمة جديدة وهذه المرة وجد المحلفون روبرت مذنباً من الدرجة الأولى فحكم عليه القاضي بالإعدام شنقاً ليصطدم روبرت بالحقيقة المرة مرة أخرى.
وأتى دور الأم اليزابيث مرة أخرى حيث قامت بإرسال رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة آنذاك وودرو ويلسون وذكرت في رسالتها ما كان يتعرض له روبرت من أذى في صغره من قبل والده وما تعرض له أثناء المحاكمات العديدة والتي شابها التلاعب في مجرياتها فأمر الرئيس الأمريكي بتحويل حكم الإعدام إلى الحكم بالمؤبد لتنقذ إليزابيث حياة ابنها مرة أخرى.
رجل الطيور الجديد
وتم الزج بروبرت هذه المرة في السجن الانفرادي في عزلة تامة من الداخل ومن الخارج ومع الوقت تم تخفيف القيود عنه ليستفيد من الصلاحيات الجديدة التي توفرت له فقام بتعلم الرسم عن طريق المراسلة. وبعد إتقانه لفن الرسم بدأ بتصميم بطاقات معايدة والتي كان يقوم بإرسالها لأمه لبيعها والاستفادة من مردودها المادي.
ولم يمض وقت طويل حتى دخل روبرت العالم الذي أوصله للشهرة العالمية فبعد أن عصفت بالمدينة موجة أعاصير رعدية جديدة خرج روبرت بعد انقضائها ليؤدي التمارين اليومية في ساحة السجن ليجد ثلاثة عصافير كانت قد سقطت من عشها أثر الأعاصير فأخذها معه إلى زنزانته وبنى لها عشاً جديداً بالقرب من سريره وقام برعايتها وتوفير الماء والطعام لها. ولم يكتف بذلك بل ذهب إلى مكتبة السجن ليقرأ عن الطيور ويتعلم طريقة تربيتها ورعايتها ولم يمض وقت طويل حتى تكونت علاقة ود عجيبة بينه وبين الطيور.
وقام بعد ذلك بهجر هوايته في الرسم وتفرغ لتربية الطيور التي سرعان ما استطاع تدريبها على عمل بعض الخدع والحركات البهلوانية وهو ما أظهر قدرة فريدة لهذا الرجل في التعامل مع الطيور. وبدأ روبرت محاولة تخصيب الطيور، فجلب عدة عصافير من نوع الكناري وبدأ في عملية تخصيبها لتتكاثر ويتمكن من بيعها وإرسال المال إلى أمه العجوز لمساعدتها.
ومع الوقت بدأت هذه الهواية تلقى الرضا من المسئولين في السجن فقاموا بالسماح ببعض التسهيلات لمساعدة روبرت في هوايته الجديدة.
فسمحوا بامتلاكه أقفاصاً مخصصة للطيور في زنزانته كما وفروا له بعض المكاتب الخالية كمختبرات بحثية يقوم فيها روبرت بالبحث عن علم الطيور وإجراء بعض التجارب.
فبعد أن نجح في إيجاد طريقة جديدة لتكاثر الطيور بدأ في دراسة أمور أخرى تتعلق برعاية الطيور وحفظها من الأمراض القاتلة.
ولكن الفاجعة أتت لروبرت بعد أن عرف أن معظم طيوره تموت من مرض غامض وخلال يومين فقط استطاع أن يكتشف العلاج الشافي لها والذي يقتل الفيروس المتسبب في موتها دون أن يلحق أي أذى بالطيور. ومن ثم اشتهر روبرت بين محبي الطيور في العالم كله وأصبح واحداً من العلماء المبجلين في هذا التخصص ونشرت مقالات عدة له في مجال رعاية وحفظ الطيور في مجلات شهيرة.
وبدأ روبرت يتلقى رسائل عديدة من المعجبين من مختلف بقاع أمريكا. ومن بين الذين كانوا يراسلونه أرملة في منتصف العمر تدعى ديلا جونز، ومن شدة إعجابها به قامت بزيارته في السجن سنة 1931م وتم الاتفاق بينهما على أن يقوما بالترويج لبعض أدوية الطيور التي قام روبرت باختراعها على أن تقوم ديلا بتمويل هذا المشروع.
ولم يمض وقت طويل منذ بدء كل منهما في المشروع حتى انهمرت عروض الشراء عليهما من مختلف البقاع فروبرت شخصية معروفة في هذا المجال واسمه يكفي لإنجاح أي دواء خاص بالطيور فهو (رجل الطيور).
وقد تحصل كل من روبرت وديلا على عائد مادي كبير, وأغلبية حصة روبرت كانت تذهب إلى أمه وما يتبقى يصرفه في رعاية طيوره التي تجاوزت الـ 150 عصفورا. ولكن كما جرت العادة، فقد أمر مكتب السجون الفيدرالي بتوقيف مشروع روبرت وديلا والتخلص من كل العصافير والمختبرات المنشأة داخل السجن. ولكن روبرت واجه هذا الأمر بالاعتراض الشديد وقام بمراسلة محبيه في أرجاء البلاد. وقامت ديلا بمساعدته فقادت حملة تظاهرية ضد القرار الجائر من قبل مكتب السجون الفيدرالي الذي رضخ أخيراً للضغوط السياسية والشعبية التي تجمعت لرفض ما أمر به المكتب. فقاموا بتوفير زنزانة أكبر لروبرت وتوفير مختبرات أكبر داخل الزنزانة.
وفي عام 1933م أصدر روبرت كتاباً اسمه (أمراض الكناري) الذي تكفلت بنشره إحدى المجلات الكبرى المتخصصة في علم الطيور ولكن روبرت لم يتحصل على فلس واحد من بيع الكتاب الذي لقي رواجاً كبيراً بين محبي الطيور حول العالم. ونشر كتاباً آخر بعد وقت اسماه (تنظيم سترود لأمراض الطيور).
المرتع الأخير
وفي عام 1937م فجع روبرت بوفاة أمه التي طالما وقفت بجانبه وعلى الرغم من اختلافات الرأي بينهما بسبب علاقة روبرت بديلا حيث كانت والدته ترى بأن ديلا مجرد امرأة ستجلب له المشاكل بعكس نظرة روبرت الذي رأى فيها شخصية محبة ومؤمنة بنفس المبادئ التي خرج بها من سنين الظلم والقهر خلف قضبان الحديد والفولاذ.
ولم يتوقف الحظ السيئ عند ذلك الحد فقد علم روبرت بأن إدارة السجن بعد فشلها في تضييق الخناق على مشاريع روبرت الخاصة بالبحث في علم الطيور رأت أنه من الضروري إرساله الى سجن الكتراز أحد أقوى السجون وأعنفها في العالم.
ولأنه عرف عن روبرت ذكاؤه الحاد فقد قام بقراءة كل كتب القانون المتعلقة بنقل السجناء من سجنهم إلى سجن آخر. ووجد في أحد بنود الدستور الأمريكي ما يمنع نقل السجين المتزوج في ولاية كنساس إلى خارجها فقام بإرسال رسالة على ديلا يصارحها باكتشافاته فوافقت على الزواج به.
وعند وصول الخبر إلى إدارة السجن غضبت غضباً شديداً ووصل بها الأمر إلى مخالفة القانون ومنع روبرت من مقابلة زوجته ومن استقبال أو إرسال الرسائل الخطية.
وبعد 26 سنة قضاها في سجن ليفنورث استيقظ روبرت في الخامس عشر من ديسمبر سنة 1942م على وقع أقدام الحراس الذين اقتادوه داخل عربة مصفحة نقلته إلى سجن الصخرة (الكتراز). وقبل وصوله للكتراز كان روبرت على علم بسمعة السجن السيئة فكان على كبر سنه يكبل بالأغلال والكور الحديدية ويضرب لأدنى سبب وبعد مضي وقت ألف كتاباً يتحدث عن سوء المعاملة في السجون الفيدرالية. واستمر في نضاله مع القضاء سنوات عدة آملاً بأن يتم إطلاق سراحه في يوم ما. ولكن كل مطالباته ووجهت بالرفض القاطع.
وفي أواخر مكوثه في سجن الكتراز عاد إليه مرضه السابق في الكلية واشتد عليه ومع هذا واصل كفاحه من أجل الحرية.
وفي سنة 1951م قرر روبرت الانتحار فقام بتناول جرعات زائدة من مسكنات الألم لإنهاء معاناته ولكنه استيقظ اليوم الثاني وقضبان السجن تحيط به من كل صوب فلم يتوقف حظه العاثر عند فشله في الخروج من السجن فقط بل حتى في عدم قدرته على إنهاء حياته.
وفي عام 1963م أعلنت وفاة روبرت فرانكلين سترود عن عمر ناهز 73 سنة و54 سنة من حياته خلف القضبان تاركاً وراءه إرثاً علمياً ضخماً وحيرة بين مؤيد للعقوبة الصادرة عليه وبين من يقول بأن روبرت قد سدد دينه منذ وقت طويل وكان من المفترض خروجه من السجن لخدماته الجليلة وبحوثه التي ساعدت في تطور علم الطيور.

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
حوار
استراحة
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
روابط اجتماعية
آفاق
ملفات FBI
صحة وغذاء
شاشات عالمية
تميز بلا حدود
أنت وطفلك
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved