الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 24th January,2006 العدد : 157

الثلاثاء 24 ,ذو الحجة 1426

صباح الخير..!!
تشرق الشَّمسُ صباحَ كلِّ يوم..
تسبقنا العصافير بأصواتها وزقزقاتها في إعلان مولد يومٍ جديد..
تدبُّ الحركة، حركة الناس، وكأنهم على موعد مع ما جَدّ من جديد.
***
برنامج مكرَّر لكلٍّ منا..
يبدأ مع الصباح الباكر، ولا ينتهي إلاّ في الهزيع الأخير من الليل..
كفاح وعرق..
وصراع لا ينتهي مع ما هو مؤمَّل أو منتَظر.
***
لا يعرف المرءُ بِمَ هي حبلى به أيامه القادمة..
وماذا تحمل له حياته مما يتمنَّى أو لا يتمناه..
وبأيّ صورة سيتعامل المرء مع مفاجآت قد تنتظره من حين لآخر..
فهذا الغموض جزءٌ من متعة الحياة التي لا نعرف كم ستكون أعمارنا فيها.
***
مع أشعَّة الشَّمس، وفي بواكير صباح كلِّّ يوم، تتسابق الأفكار والتأملات حول ما ينبغي أن يكون أو ما قد يستجد خلال الزمن القادم..
كلٌّ يفكر في قَدَرِه بالحياة، ما يتمنَّاه وما يخطِّط له، وما يعمل من أجله مصحوباً بالكثير من التوقُّعات التي قد تأتي، وقد لا يناله أي نصيب أو شيء منها.
***
الشمس بأشعتها الذهبية تدقُّ الأبواب المغلقة..
تتسلَّلُ برفقٍ وهدوءٍ إلى الغرف المظلمة لتوقظ من بقيَ نائماً، مذكِّرةً إياه باليوم الجديد..
فيما الحركة تبدو في الخارج صاخبةً وتدُبُّ بشكل مثير لمن اعتاد أن ينام مبكِّراً ويستيقظ كذلك.
***
هكذا هم الناس في عالمنا الواسع الفسيح..
من يتسابقون إلى حيث مواقع أعمالهم..
ومن اعتاد منهم أن يمضي نهاره بالنوم والتشاغل عن أداء واجباته ومسؤولياته دون أن يفكر في أضرار هذا السلوك عليه وعلى الوطن والمواطن.
***
ومع الصحو المبكر..
والاستيقاظ في الوقت المناسب..
مع نسمات الصباح الباردة..
وهوائه العليل..
يدرك المرء ما في ذلك من فعل لهذه الحيوية والنشاط التي تبدو على وجوه ومحيا وحركة وتفكير أولئك الذين اعتادوا أن يكونوا بعيدين عن غرف النوم في وقت مبكر من صباح كل يوم جديد.
***
تلك بعض خَطَراتٍ صباحية كانت محورَ تفكيري وتأملاتي..
ربما كانت باردة مثلما هو طابع الساعات الأولى من كلِّ صباح..
وقد لا تكون كذلك، لكنَّها في كلّ الحالات والأحوال تحاول أن تتقمَّص شخصية المشهد بين نموذجين من الناس..
الصورة ربما أنها لم تتكامل أو تتضح بما فيه الكفاية للتعبير عن الواقع..
لكنها محاولة للاقتراب من الحالة، من الصورة الباهتة في بعض جوانبها، المشرقة من جوانبها الأخرى..
نعم.. إنها محاولة.. ليس إلاَّ!!.


خالد المالك

أكد أنها أصبحت تتمتع بحقوق تفوق حقوق البشر
نعوم تشوميسكي: الشركات متعددة الجنسية تحكم العالم الآن!!

ترجمة -أشرف البربري:
أكد المفكر والناشط السياسي الأمريكي الشهير نعوم تشوميسكي سيطرة الاحتكارات الاقتصادية الكبرى على السلطة الحقيقية في العالم.
وقال في حوار موسع مع موقع (زد نت) ان الحكومات الراهنة تحولت إلى مجرد أداة للدفاع عن مصالح تلك الشركات..
وتحدث المفكر الشهير واستاذ اللغويات عن الانتخابات العراقية التي جرت قبل شهر مؤكدا أنها انتصار للمقاومة الشعبية العراقية وأشار إلى أن محاولات الاحتلال لتخريب تلك الانتخابات وتدمير العملية الديموقراطية الوليدة في العراق قد باءت بالفشل.
وفيما يلي نص الحوار:
* سوف نتحدث عن هيكلين للسلطة يسيطران على العصر الحديث وهما الدولة القومية والشركات متعددة الجنسية.. السؤال الأول هو: هل يمكن لك أن تحدثنا عن ظهور وتطور مفهوم الدولة القومية ولماذا ظهر وما هي تداعيات ظهوره؟
- الدولة القومية هي اختراع أوروبي بحت تقريبا، أقصد أنه كانت هناك أشكال مشابهة في مناطق أخرى من العالم ولكن الدولة القومية بشكلها الحديث تأسست في أوروبا بنسبة كبيرة وعلى مدى عدة قرون. لذلك فإنها كانت غير طبيعية ومصطنعة ووجب فرضها بعنف بالغ. والحقيقة أن هذا هو السبب الرئيسي وراء كون أوروبا أكثر مناطق العالم عدوانية وهمجية على مدة عقود عديدة. وقد كانت أوروبا وراء محاولات فرض مفهوم الدولة القومية بالقوة على مجتمعات وثقافات متنوعة إذا ما نظرت إليها لن تجد أي علاقة لها بهذه الكيانات المصطنعة. وقد كانت التأثيرات الثانوية للعنف الأوروبي السبب الرئيسي في انتشار مفهوم الدولة القومية في مناطق أخرى من العالم. وفي طريقها نحو إقامة الدول القومية الحديثة طورت أوروبا ثقافة الهمجية وتكنولوجيا العنف التي مكنتها من غزو العالم. وفي الوقت الذي كانت تغزو فيه شعوب العالم كانت تحاول فرض أنظمة الدولة القومية في أي مكان ذهب إليه الغزاة الأوروبيون من خلال العنف والكيانات المصطنعة أيضا. وإذا ما نظرت اليوم إلى الصراعات الكبرى في مختلف أنحاء العالم فإنك ستكتشف أنها ثمار الجهود الأوروبية لفرض نظام الدولة القومية في مناطق لا يصلح لها هذا المفهوم وهي الجزء الأكبر من العالم بالفعل. وهناك بالطبع بعض الاستثناءات مثل المستعمرات الأوروبية التي نجح فيها الغزاة الأوروبيون في القضاء على السكان الأصليين تماما مثل الولايات المتحدة وأستراليا. ففي الدولتين تجد مجتمعات أكثر انسجاما وتناغما. في المقابل فإن السبب الرئيس الذي جعل الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945 آخر الصراعات الهمجية العدوانية في أوروبا هو أن الأوروبيين أدركوا أن استمرار الصراعات سوف يقضي عليهم تماما. ولهذا انتشر السلام بين الأوروبيين من عام 1945 ولم يعد هدف حياة الفرنسيين والألمان أن يقتل كل منهم الآخر كما كان الحال على مدى قرون طويلة.
وفي الوقت الذي كان يتشكل فيه نظام الدولة القومية كان هناك على الجانب الاقتصادي كيان جديد يتشكل هو الكيان الذي اصبح يعرف الآن بالشركة الرأسمالية المعاصرة باعتبارها المكون الأساسي لمجتمع الاقتصاد والأعمال. وهذه الشركات كانت تقام في الغالب وفقا لترتيبات قضائية وليست تشريعية.
كما انها ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدول القوية. ولا يمكن التمييز بين نظام الدول الحديثة المسيطر على نظام الشركات متعددة الجنسية، والكيانات العملاقة التي تعتمد على تلك الدول بعد أن أصبحت العلاقة بين الدول الكبيرة والشركات متعددة الجنسية تجمع بين الاعتماد والسيطرة المتبادلة في الوقت نفسه.
وقد وصف جيمس مادسون منذ نحو قرنين من الزمان وفي فترة مبكرة جدا من تاريخ الرأسمالية الحديثة العلاقة بين الشركات والحكومة بأنها علاقة (الادوات والطغاة). وقال إن الشركات هي (أدوات وطغاة) الحكومات. وبمرور الوقت أصبح هذا التعريف هو تعريف العالم. وقد أصبحت الشركات متعددة الجنسية الأدوات والطغاة للدول الكبرى وهو ما يجعل التمييز بينها صعبا للغاية.
تكون الدول القومية
* في بداية تكون الدول القومية.. ما هي القوى الاجتماعية التي وقفت وراء ظهور هذا الكيان ولماذا فعلت هذا؟
- سأبدأ بالعصر الاقطاعي في أوروبا حيث كان الصراع يدور بين السادة الاقطاعيين والحكام وبابا الفاتيكان وغيرهم من مراكز القوة التي تطورت تدريجيا إلى أنظمة الدول القومية وفيها ظهر مزيج من القوى السياسية والمصالح الاقتصادية يكفي لمحاولة فرض أنظمة واحدة على مجتمعات متنوعة للغاية. أعني أنه وبعد كل ذلك فإن مفهوم الدولة الوطنية بدأ يتقلص في أوروبا ومنذ سنوات مضت.
فهناك الكثير من الناس في أوروبا لا يستطيعون الحديث مع جدتهم مثلا لأنها تتكلم لغة مختلفة. ثم إن هذا الاندماج المعروف للسلطات السياسية والاقتصادية والثقافية بدأ يتحلل. لذلك فإنه من أكثر التطورات الصحيحة في أوروبا من وجهة نظري هو ظهور تلك النزعة الاستقلالية لدى أبناء العديد من الأقاليم في الدول الأوروبية وإن كان بدرجات مختلفة مثل إقليم الباسك في أسبانيا وهو ما يفتح الباب أمام درجات مختلفة من الحكم الذاتي للأقاليم ذات التركيبة العرقية المختلفة في الدول الأوروبية الحديثة.
وقد كنت في إنجلترا من وقت قصير والحقيقة أنني لم أكن في إنجلترا على وجه الدقة وإنما كنت في اسكتلندا. وقد أصبح لاسكتلندا اليوم درجة من الحكم الذاتي أكبر كثيرا من ذي قبل باعتبارها أحد أقاليم المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى. كما أن إقليم ويلز وهو أحد أقاليم هذه المملكة يتمتع أيضا بدرجة من الحكم الذاتي. وأنا أعتقد أن هذا تطور طبيعي يعود إلى أشكال التنظيمات الاجتماعية التي ترتبط أكثر بالمصالح والاحتياجات الحقيقية للإنسان. وقد خضعت للتحقيق قبل فترة قصيرة وربما يكون هذا التحقيق مازال مفتوحا في تركيا لإنني تحدثت أثناء وجودي في منطقة ديار بكر بجنوب تركيا عن الدولة العثمانية بطريقة إيجابية. وبالطبع لا أحد يريد عودة الإمبراطورية العثمانية ولكن هذه الإمبراطورية كان لديها العديد من الأفكار الجيدة بشأن الكثير من الأمور. ولعل من أهم مزايا تلك الإمبراطورية مقارنة بالإمبراطوريات الأوروبية هو أنها تركت شعوب الدول التي وقعت تحت سيطرتها يعيشون حياتهم وفقا لقواعدهم.
وربما كان هذا ناتج جزئيا عن ضعف الإمبراطورية أو تفشي الفساد فيها ولكنه أيضا كان نتيجة أسباب مبدئية. فلم يكن هناك ما يمكن اعتباره دولة في الولايات التي خضعت للحكم العثماني وإنما كان هناك في المقام الأول مدن تعيش فيها المجموعات العرقية المختلفة وتدير شئونها باستقلالية كبيرة مع احتفاظ الدولة العثمانية بسلطانها. ففي مدينة واحدة مثلا كان يمكن أن تجد أن الطائفة اليونانية تعتني بشئونها والطائفة الأرمينية تعتني بشئونها والطائفة اليهودية كذلك. وكان هذا يخلق نوعا من التكامل بين سكان تلك المدن. وقد كنت تستطيع السفر من القاهرة إلى بغداد إلى اسطنبول دون أن تعبر أي حدود دولية أو تمر بنقاط تفتيش أو غير ذلك مما تعرفه الدول القومية الحديثة. وربما كان هذا هو أفضل أشكال التنظيم لهذا الجزء من العالم وربما لكل أجزاء العالم أيضا. وقد بدأت هذه التوجهات تظهر في أوروبا حاليا. ورغم أن البداية كانت في الحقل الثقافي فإن بعضها امتد إلى المستوى السياسي. واعتقد أن السبب وراء ظهور هذه التوجهات في أوروبا هو رد الفعل على الاتجاه الرسمي نحو المزيد من المركزية ممثلة في الاتحاد الأوروبي وبخاصة بنكه المركزي على وجه التحديد. وربما يكون هذا التوجه أيضا نتيجة تركز السلطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أيدي كيانات خاصة غير خاضعة للمحاسبة مثل الشركات متعددة الجنسية والتي ترتبط بشكل أساسي على قوة الدولة وربما تعتمد عليها.
بدايات الشركات متعددة الجنسية
* هل يمكن أن تشرح لنا بالتفصيل كيف أصبحت للشركات متعددة الجنسية كل هذه القوة؟
- لقد شهد القرن التاسع عشر عدة كوارث وانكسارات للأسواق والاقتصاد وكان الأمر يبدو وكأنه يتجه نحو كارثة شاملة. وبدأ في أواخر القرن التاسع عشر تحركا للتغلب على هذا الانهيار الكامل للأسواق مما أدى إلى ظهور أشكال من تركيز رأس المال مثل مؤسسات الائتمان والاحتكارات الاقتصادية وغيرها. وفي إطار هذه التطورات ظهرت الشركات بشكلها الحديث. وأعطت المحاكم في ذلك الوقت للشركات حقوقا واسعة. وأنا على الأقل أعرف تماما التاريخ الأنجلوأمريكي في هذا المجال. واعتقد أن الأمر تكرر بنفس الصورة بدرجة أو بأخرى في أماكن أخرى من العالم. إذن فالشركات خرجت في المنطقة الأنجلوأمريكية من رحم المحاكم وليس من رحم المؤسسات التشريعية وحصلت الشركات على حقوق استثنائية. فقد أعطت المحاكم الأمريكية الشركات حقوق الأشخاص الطبيعيين مثل حرية التعبير وحرية الدعاية والإعلان بل وخوض الانتخابات. وفي الوقت نفسه وفرت للشركات الحماية ضد تفتيش سلطات الدولة عليها وهو ما يعني عمليا أن الشرطة لا تستطيع الدخول إلى مقار هذه الشركات أو الاطلاع على أوراقها مما يعني أن الرأي العام لن يتمكن من معرفة ما يدور داخل تلك الشركات التي تحولت إلى كيانات شمولية. وفي أغلب الأحوال لا يملك العامة محاسبة هذه الشركات. بالطبع فالشركات ليست أفرادا حقيقيين فهي لا تموت كما أنها كيانات شرعية جماعية. والحقيقة أن هذه الشركات تشبه كثيرا الأشكال المؤسساتية الأخرى التي نعرفها وهي أحد أشكال الشمولية التي تطورت في القرن العشرين. والآن ومن خلال ما تسمّى بالاتفاقات التجارية بين الدول وهي أبعد ما تكون عن التجارة أصبحت الشركات تتمتع بحقوق لا يتمتع بها الأفراد الحقيقيون. فالشركات عندما تتجه للعمل في دولة أخرى تحصل على الحق فيما يمكن تسميته باسم (معاملة المواطن) وهو أمر غير متاح للإنسان العادي الذي يغادر بلده للعمل في بلد آخر. فعندما يأتي المكسيكي للعمل في نيويورك مثلا لا يمكن أن يطالب بمعاملته كأمريكي ولكن إذا ذهبت شركة جنرال موتورز الأمريكية للعمل في المكسيك فإنها تستطيع المطالبة بمعاملتها كشركة وطنية مكسيكية. بل إن الشركات تستطيع مقاضاة الدول ولكن الأفراد لا يستطيعون غالبا. إذن فالشركات أصبحت تتمتع بحقوق تفوق حقوق البشر. فهذه الشركات لا تموت وتتمتع بسلطات غير عادية وبالتالي أصبحت المعادل العصري للشمولية. والحقيقة أن هذه الشركات غير متنافسة فهي ترتبط ببعضها البعض بصورة أو بأخرى. لذلك نجد أن (سيمنس) الألمانية و(آي. بي. إم) الأمريكية و(توشيبا) اليابانية تشترك معا في مشروعات مشتركة. كما أن هذه الشركات تعتمد بشدة على قوة الدولة. فالقوة الدافعة للاقتصاد الحديث ما زالت تأتي من جانب الدولة في أغلب الأحوال لتصب في القطاع الخاص. ولعل أبرز دليل على ذلك هو أن كل مكونات ما يسمّى حاليا باسم (الاقتصاد الجديد) تم تصميمها وتطويرها في منشآت عامة وتحملت الخزائن العامة تكاليفها ولكن الشركات الخاصة هي التي استغلتها تجاريا لتجني من وراء ذلك الأرباح الطائلة بدءا من الكمبيوتر وحتى الإلكترونيات الحديثة وأنظمة الاتصالات المتطورة والإنترنت والليزر وغير ذلك. ونأخذ اختراع الراديو كمثال على ما أقول. فالقوات البحرية الأمريكية هي من صمم الراديو في البداية ثم بدأ انتاجه على نطاق واسع في البداية على يد الجيش. وإذا عدت بالذاكرة نحو مائة سنة إلى الوراء ستجد أن المشكلات الكبيرة في الهندسة الميكانيكية والكهربائية كانت تتعلق بكيفية وضع مدفع ضخم على منصة متحركة وبخاصة السفن بحيث تستطيع هذه المنصة التحرك لضرب هدف متحرك كسفينة متحركة مثلا. وكانت هذه أكبر مشكلة تواجه علم المعادن والهندسة الكهربائية والميكانيكية وهكذا. وقد بذلت ألمانيا وبريطانيا جهودا كبيرة من أجل التوصل إلى حلول لهذه المشكلات خلال النصف الأول من القرن العشرين في حين لم تساهم الولايات المتحدة بجهد كبير في هذا المجال في ذلك الوقت. وكانت نتيجة الأبحاث والاختراعات في هذا المجال قد ظهرت في عالم السيارات بشكل أساسي. واعتقد أنه من الصعوبة بمكان العثور على مجال اقتصادي لم يعتمد بصورة أساسية على الدولة أوالقطاع العام. وبعد الحرب العالمية الثانية قفز الاعتماد على الدولة قفزة نوعية كبيرة وبخاصة في الولايات المتحدة التي يتحدث فيها باستمرار آلان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي المنتهية ولايته وغيره من أساطين الاقتصاد الأمريكي المعاصر باستمرار عن (المبادرة الاستثمارية) و(خيارات المستهلك) وأشياء أخرى تعلمناها أثناء دراستنا الجامعية ولكن ليس لها وجود حقيقي في العمل الاقتصادي على أرض الواقع. ولعل أبرز مثال على ما أقول هو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المعروف بالأحرف الأولى منه إم. أي. تي وهو أهم مؤسسة علمية في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم وما حدث من تحول في مصادر تمويله مؤخرا. فعندما التحقت بهذا المعهد منذ خمسين عاما كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) هي المسئولة عن تمويله بنسبة 100 % تقريبا. وظل هذا الوضع قائما حتى حوالي عام 1970 حيث بدأ تمويل البنتاجون له يتراجع لتتدفق الأموال من جانب المعهد الوطني للصحة وغيره من المعاهد الوطنية العاملة في مجال الصحة. وقد كان السبب في ذلك التحول واضحا للجميع ربما باستثناء بعض خبراء الاقتصاد الغارقين في النظريات. ففي الستينيات والسبعينيات كان الاقتصاد الأمريكي يتحرك على قاعدة الألكترونيات في المقام الأول التي كانت المنجم الذي تغرف منه الشركات الأمريكية الأرباح الوفيرة. وكان معهد ماساتشوستس هو أحد أهم القواعد العلمية التي تقدم المبتكرات التي تحولها الشركات إلى أرباح. لذلك كان من الأفضل لخداع الرأي العام أن يتم الإنفاق على تطوير تلك الابتكارات من خلال وزارة الدفاع وكأن الأمر يتعلق بالأمن القومي والدفاع عن البلاد. ولكن مع حلول عقد السبعينيات أصبحت التكنولوجيا الحيوية والهندسة الجينية وغيرها قاطرة الاقتصاد لذلك فإنه من الأنسب تخصيص أموال دافعي الضرائب لتمويل أبحاث علمية تستفيد منها الشركات في المقام الأول تحت غطاء أغراض الأبحاث الطبية النبيلة.
الدول تواجه الشركات
* هناك جدل واسع بشأن ما إذا كانت الدولة تمتلك في لحظة معينة القوة بدرجة ما لمواجهة الشركات لأننا نسمع دائما من السياسيين في مختلف أنحاء العالم مقولة (أنني أريد بالفعل أن أفعل لكم كذا وكذا ولكنني لا أستطيع لأن الشركات لا تتركني أفعل)؟
- الحقيقة أن ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية كان مقصودا. حيث إن النظام الذي وضع كان يهدف إلى السماح للدولة باستخدام السيطرة على حركة رؤوس الأموال لمنع المستثمرين والمقرضين والشركات من التحكم في الاقتصاديات المحلية. والسماح بثبات نسبي للعملة يساعد الحكومة في منع المضاربات التي تشكل أسلوبا آخر لمهاجمة القرارات الحكومية. وليس سرا أن هذه الآليات ساعدت الحكومات في التحرك بحرية نسبية في مواجهة الشركات وهذا في المقابل أدى إلى أكبر نمو اقتصادي في التاريخ.
الحقيقة أنك إذا نظرت إلى كل برامج الليبراليين الجدد ستجد أنها تهدف إلى تدمير الديموقراطية بشكل أساسي. والحقيقة أن إلغاء نظم تثبيت قيمة العملات يعني إطلاق حرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود. والخصخصة تهدف أساسا إلى تدمير الديموقراطية. فهي تعني سحب السيطرة على الأشياء من أيدي الشعوب والرأي العام وتحويل الخدمات العامة إلى سيطرة القطاع الخاص ما يعني تجريد الحكومات من القدرة على عمل أي شيء..
* هل ما زال في استطاعتنا تغيير هذا التوجه المعادي لمصالح الشعوب؟
- بالطبع نستطيع تغيير هذا التوجه وقد تم تغييره بالفعل عام 1945م. ولن أتخذ موقفا راديكاليا وأقول إنه يجب العودة إلى نظام بيرتون وودز. أقصد أنه لا أحد يريد ذلك بالتحديد فهذا أمر مفهوم تماما. المطلوب القضاء على تلك الشركات متعددة الجنسية التي تشكل أكثر أشكال السيطرة استبدادا.
(عمال بلا مدراء)
* هل تعتقد أن سيطرة تلك الشركات هي السبب في التعتيم على حركة (عمال بلا مدراء) في الأرجنتين حيث لا يعرف أحد في أوروبا شيئا عنها ولا تحظى بأي اهتمام من جانب وسائل الإعلام؟
- عندما تقرأ أي إشارة إلى ما تسمّى بحركة (مناهضة العولمة) فإنك لن تجد سوى كلام عن أشخاص يقذفون بالأحجار على النوافذ ويهاجمون سلاسل مطاعم الوجبات السريعة الكبيرة. وعندما تسمع وصف المنتدى الاجتماعي العالمي الذي يعقد في مقابل المنتدى الاقتصادي العالمي الممثل لمصالح وتوجهات النخبة فإنك تسمع كلاما عن تجمع لأشخاص من مختلف التوجهات وكأنهم يتحدثون بلا هدف في حين أن وسائل الإعلام تتحدث عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد في منتجع دافوس بجبال الألب في سويسرا باعتباره الحدث الأهم الذي تشارك فيه النخب السياسية والاقتصادية في العالم. في حين أن المنتدى الاجتماعي يعقد في إحدى المدن الفقيرة في العالم الثالث ويناقش المشاركون فيه القضايا الاجتماعية التي تعني الفقراء والمعدمين. وعندما تابعت ما ينشر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وجدت وسائل الإعلام تتحدث عن صفوة العقول التي تجتمع لتناقش القضايا الكبرى. في حين يتم تصوير المنتدى الاجتماعي على أنه مهرجان لمجموعة من البشر توصف عادة بأنها معادية للسامية. ولا أدرى ما إذا كنت قد شاركت في المنتدى الاجتماعي العالمي عام 2003 ولكن ما أعلمه ان صحفيين امريكيين اعتبروا المشاركين فيه نازيين جددا لمجرد أنهم يرفضون تحكم المسئولين التنفيذيين للتكتلات الاقتصادية الضخمة في مصير العالم.
ليس هذا فحسب بل إنك إذا أردت مثالا آخر على كيفية تلاعب إعلام النخبة بتغطية الأحداث الكبيرة لدعم أجندة معينة يمكنك النظر إلى الانتخابات العراقية الأخيرة. فقد وصفها البعض بأنها انتصار للمقاومة السلمية وأن المقاومة الشعبية غير العنيفة أجبرت الولايات المتحدة وبريطانيا على القبول بالانتخابات. ولكن من يردد مثل هذه الأقوال؟ إنها الصحافة الاقتصادية وليس أي أحد آخر.
الانتخابات العراقية
* لقد تحدثت عن (عامل السيستاني) في مدونتك على موقع (زد نت) على الإنترنت.. لماذا؟!
- هناك الكثيرون اكتشفوا مثلي عبث الانتخابات العراقية ولكن القصة الرئيسية التي روجت لها وسائل الإعلام هي أن بريطانيا والولايات المتحدة تمكنتا من إجراء انتخابات رائعة في سعيهما لإقامة الديموقراطية في العراق. وانا أرى أن هذا الكلام هراء تماما ولكن في الوقت نفسه لا يمكن القول إن ما جرى في العراق كان مجرد (تمثيلية) كما يقول الكثيرون من أصدقائي.
* هل تقصد أن بريطانيا والولايات المتحدة أجبرتا على إجراء الانتخابات في العراق؟
- اعتقد أنهما أجبرتا على إجراء الانتخابات ولكن بأقل قدر من الموضوعية والنزاهة.
* ولكن ماذا عن وصفها بأنها (انتخابات شكلية)؟
- اعتقد أن معسكر اليسار هو فقط من أطلق هذا الوصف على الانتخابات العراقية. ولكن التيار العام للتغطية الإعلامية للانتخابات وصفها بأنها رائعة ونسب الفضل فيها إلى إصرار الرئيس جورج بوش على تحقيق الديموقراطية في العراق. والحقيقة أن تلك الانتخابات لم تكن بتلك الروعة كما لم تكن مجرد انتخابات شكلية. وما حدث هو أن المقاومة الشعبية أجبرت الاحتلال على السماح بقدر معين من الانتخابات النزيهة ولكن سرعان ما تبدأ التحركات لإجهاضها. والانتخابات التي أجريت في ظل الاحتلال بالعراق تختلف عن تلك الانتخابات التي سبق أن أجريت تحت سيوف الاحتلال في فيتنام والسلفادور قبل سنوات. إن الأخيرتين كانتا شكليتين تماما لمحاولة إضفاء غطاء من الشرعية على أنظمة الحكم العميلة للاحتلال في الدولتين.
الخلاصة أن الانتخابات في العراق انتصار للمقاومة العراقية وليس للاحتلال كما تروج وسائل الإعلام. بل إنني اعتقد أن الاحتلال النازي في أوروبا لم يواجه كم المشكلات والمقاومة التي يواجهها الاحتلال الأمريكي في العراق حاليا.

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
حوار
استراحة
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
روابط اجتماعية
آفاق
ملفات FBI
صحة وغذاء
شاشات عالمية
تميز بلا حدود
أنت وطفلك
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved