الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 25th April,2006 العدد : 170

الثلاثاء 27 ,ربيع الاول 1427

ثقافة السفر
حبُّ السفر يمكن لي أن أصفه بأنه أشبه ما يكون بغريزة حب عند الإنسان..
إذ لم أجد أحداً يكرهه أو ينكره على غيره..
بما في ذلك أولئك الذين يحبذون - دون كره - عدم السفر..
وبعيداً عما يقال: سافر ففي الأسفار سبع فوائد..
فالسفر متعة وثقافة..
والسفر راحة واسترخاء..
والسفر علم وتعلّم..
والسفر علاج واستشفاء..
وبالسفر من الفوائد الكثير مما يميل إليه كل مسافر، أو بما يتوافق وطبعه واهتماماته، وبالتالي ما يشجعه إلى شد الرحال كلما وجد ما يحفزه إلى ذلك.
***
السفر رحلة استكشافية، لا يمكن لها إلاّ أن تتفق مع القائلين بأنها تفضي إلى ثقافة ضرورية للإنسان قبل أي شيء آخر..
وليس مهماً أن نحدد نوع هذه الثقافة..
أو نختلف حول مفهومها الواسع..
فليأخذ كل منا ما يناسبه منها، ويلتقط ما يفيده أو يضيف إلى معلوماته شيئاً مما يراه..
وكلما كانت نظرتنا إلى السفر تنطلق من الشعور بالحاجة إلى المزيد من المعرفة، كان السفر يعطي للمسافر الكثير مما يختزنه من ثقافة لا يحتاج للحصول عليها إلى دراسات أكاديمية.
***
ففيه تَتَعرّف على الناس..
وتَعَرْف عنهم ما كانت تخفيه عنك محدودية اللقاءات بهم وتباعدها..
تصطفي في السفر أصدقاء لم تكن لك صلة بهم من قبل، لكن السفر حببك بهم، وقرَّبك إليهم وعرَّفك عليهم..
في السفر تلتقط ما يناسبك من ثقافة الشارع..
ومن سلوك المجتمع..
دون أن يلزمك أحد بشيء منها وأنت لا تريده، أو يمنعك من شيء آخر قد تتجه إليه محبذاً إياه، وكل هذا ضمن ثقافة السفر.
***
نعم، كل المتناقضات قد تراها في دول الغرب والشرق على حد سواء..
وبينها مشاهد مؤذية أحياناً..
وصور غير لائقة في بعض الأحايين..
وهذا جزء من ثقافة السفر، وأعني أن المرء لا يغيّب عن الجانب المعتم في حياة الإنسان هناك..
لأن معرفة حقيقة الدول والشعوب والمؤسسات من خلال السفر إلى الخارج تمكِّن المرء بأن يكون أقرب إلى تطبيق مشاهداته والاعتماد عليها في تحليل آراء الآخرين بما يقرؤه لهم.
***
لا شيء من وجهة نظري يمكن أن يرسخ الثقافة ويضيف إليها في عقول البشر اعتماداً على القراءة فقط طالما فضلوا الانكفاء وعدم الرغبة في السفر..
إذ إن الجمع بينهما يفتح الطريق أمام العقول نحو مزيد من الثقافات المتنوعة، ويعرّف الإنسان بما كان يجهله، فيساعده ذلك على انتقاء ما هو مفيد له والانصراف عما عداه..
نحن لا نختلف على أهمية السفر من أجل تلمس العلاج في كبرى مصحات الغرب..
ومثله عند السفر من أجل مواصلة التعليم في تخصصات مهمة لدى دول متعددة..
وينبغي أن نتفق أيضاً لا أن نختلف على أن في السفر لغير هاتين المهمتين فوائد كثيرة ومهمة لا ينبغي إغفالها.
***
هذه ليست دعوة مفتوحة مني للسفر..
وليست تشجيعاً للسياحة في الخارج..
وإنما هي تأكيد على أن في السفر فوائد كثيرة..
من بينها - وأهمها - ثقافة السفر التي قد تستحضرها من جلسة في مقهى أو من زيارة لمتحف أو من خلال من يتعامل معك في المطار وفي الشارع وعند التسوق وأثناء متابعة وسائل الإعلام..
بما لا ينبغي أن نتعامى عنه، أو نتجاهله، أو نحاول أن ننقصه شيئاً من الإنصاف والموضوعية التي يجب أن نقولها عنه، وهذا بعض ما أردت أن أشير إليه في عُجالة وباختصار شديد، ونحن على أبواب صيف حار، وبانتظار أن نجد حجزاً يؤكد سفرنا وسفركم على خطوطنا أو على أي طيران آخر إن استطعنا، لنعود إلى الوطن أكثر نشاطاً وحيوية وقدرة على العطاء والعمل.


خالد المالك

طهران تتحدّى.. وواشنطن تواجه مأزق الخيارات المحدودة
أزمة الملف النوويّ الإيرانيّ تدخل حافة الهاوية!

* إعداد - أشرف البربري
على الرغم من كثرة مَن أدلوا بدلوهم في قضية الملف النووي الإيراني من محللين ومسؤولين وكتاب، فإن هناك ما يشبه الاتفاق على أن إعلان إيران نجاحها في تخصيب أول كمية من اليورانيوم بدرجة 3.5 في المئة، وهو ما يسمح باستخدامه وقوداً نووياً لمحطات الطاقة، قد ألقى - هذا الإعلان - بقفاز التحدي في وجه الجميع، وبخاصة الدول الغربية. ولم تكن مثل هذه الخطوة لتمرّ دون كثير من الضجيج الذي يحيط بها؛ فسارعت الصحف العالمية إلى التعقيب والتحليل.
وفي تحليل نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تحت عنوان (ضرب إيران خيار وليس حتمياً) بقلم سيث جونز المحلل السياسي في مؤسسة راند كورب للدراسات الاستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية وأستاذ الدراسات الأمنية والسياسية في جامعة جورج تاون الأمريكية، تم تناول القضية من زاوية احتمال إقدام الولايات المتحدة أو إسرائيل على استخدام القوة لوقف البرنامج النووي الإيراني.
وقالت الصحيفة إن التقارير التي صدرت مؤخراً وتحدثت عن خطط أمريكية وإسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية دفعت إيران إلى المزيد من التشبث ببرنامجها النووي رغم المعارضة الدولية لذلك. في الوقت نفسه فإن أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي ضد إيران سيكون بمثابة تفجير لكامل منطقة الشرق الأوسط وضربة قوية للحرب الأمريكية ضد ما يسمى الإرهاب.
وتؤكد إيران أنها غير مستعدة للتراجع عن رغبتها في امتلاك القدرات النووية للاستخدامات السلمية؛ وأدى هذا إلى تنامي الشعور بحتمية توجيه ضربة عسكرية محدودة ضد المنشآت النووية الإيرانية لدى بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين. وفي الوقت نفسه فإنه أدى إلى انطلاق سلسلة من الاختبارات والتجارب العسكرية على جانبي الصراع؛ حيث أجرت إيران اختباراً لمجموعة من الصواريخ الحديثة، منها صاروخ مضاد للرصد الراداري وصاروخ بحري فائق السرعة.
في المقابل أجرت الولايات المتحدة اختباراً لقنبلة تقليدية عملاقة تصل قدرتها التدميرية إلى 700 طن وهي قادرة على اختراق الدشم والخنادق الحصينة تحت الأرض.
***
حتمية الضربة
يقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون في جلساتهم الخاصة إن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران أصبح أمراً حتمياً لعدة أسباب، منها:
- فشل الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الترويكا الأوروبية التي ضمت فرنسا وألمانيا وبريطانيا في التوصل إلى تسوية تضمن وقف البرنامج النووي الإيراني. في الوقت نفسه فإن إيران تمضي قدماً في عمليات تخصيب اليورانيوم وتقيم منشآت لتصنيع واختبار أجهزة الطرد المركزي حيث أقامت بالفعل مركزاً تجريبياً لتخصيب اليورانيوم يضم 1000 جهاز طرد مركزي، إضافة إلى وجود منشأة تحت الأرض تستطيع استيعاب 50 ألف جهاز طرد مركزي.
- أن أي تأخير يمكن أن يزيد صعوبة تنفيذ أي هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية. وهناك على سبيل المثال منشأة نتانز لتخصيب اليورانيوم وتوجد تحت الأرض على عمق أكثر من 15 متراً تحميها طبقة هائلة من الخرسانة المسلحة والأتربة. وهناك أدلة على وجود صعوبات مماثلة فيما يتعلق ببقية منشآت البرنامج النووي الإيراني.
- من وجهة نظر أصحاب هذه الرؤية فإن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل تستطيعان مواجهة أي ردّ انتقامي إيراني؛ فإيران يمكن أن ترد على ضرب منشآتها النووية عسكريا، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، كما يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز في الخليج العربي لدفع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية. ولكن أمريكا وإسرائيل تستطيعان الرد، سواء باستخدام أسلحة تقليدية أو غير تقليدية على أي هجوم إيراني، سواء أكان مباشرا أو غير مباشر، كما أن الولايات المتحدة تستطيع نشر قوات عسكرية كافية لإفشال أي محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز.
وهناك تقارير تؤكد وجود خطط أمريكية وإسرائيلية لتوجيه ضربة محدودة إلى المنشآت النووية الإيرانية.
***
ثلاثة أشكال للضربة
يمكن أن تتخذ هذه الضربة أحد ثلاثة أشكال على الأقل: الأولى هجوم جوي من جانب القوات الجوية الأمريكية أو الإسرائيلية، والثانية هجوم صاروخي باستخدام صواريخ أرض - أرض، وأخيراً الهجوم الصاروخي باستخدام صواريخ تطلق من سفن أو غواصات أمريكا المنتشرة في البحر المتوسط أو البحر العربي.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحديث عن جدوى استخدام الآلة العسكرية ضد البرنامج النووي يفتقد المنطق إلى درجة كبيرة لسبب بسيط جداً، وهو أن هناك صعوبة هائلة في ضمان نجاح مثل هذا الهجوم العسكري في تحقيق الهدف، وهو تدمير البرنامج النووي الإيراني؛ فالمسؤولون في العديد من أجهزة المخابرات الغربية يؤكدون صعوبة تحديد مواقع العديد من المنشآت النووية الإيرانية حتى يمكن ضربها، كما أن المنشآت النووية الإيرانية غير مجمعة في موقع واحد، كما كان الحال مع المفاعل النووي العراقي الذي دمرته إسرائيل بضربة واحدة عام 1981؛ فالمنشآت النووية الإيرانية موزعة على عدد كبير جدا من الأماكن، وهو ما يجعل من المستحيل تدميره في هجوم واحد.
وعلاوة على ذلك فإنه ما زال من الممكن استخدام الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لإجبار إيران على وقف أعمال تخصيب اليورانيوم إلى أجل غير محدد في مقابل حصولها على ضمانات بتدفق إمداداتها من الوقود النووي من الخارج. وهناك بديل آخر محتمل وهو السماح لإيران بتخصيب محدود ومنخفض لليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحيث تحصل على الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعلات الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وفي التحليل النهائي يمكن القول إن أخطر ثمن ستدفعه الولايات المتحدة في حالة ضرب إيران ليس الرد العسكري أو الاقتصادي الإيراني، وإنما تدهور موقف الولايات المتحدة بصورة أكبر في العالم الإسلامي، وهو ما يمكن أن يلحق ضرراً بالغاً بالحرب الأمريكية ضد ما يسمى الإرهاب.
وقد كشف الغضب العارم الذي اجتاح العالم الإسلامي بعد نشر رسوم كاريكاتورية تسيء إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الصحف الدنماركية، المدى الذي يمكن أن تصل إليه مشاعر العداء للغرب لدى ملايين المسلمين وبخاصة في الشرق الأوسط في حالة ضرب إيران.
وسوف يستغل المتطرفون في غالبية الدول الإسلامية أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على إيران من أجل استقطاب مئات الآلاف من الشباب المسلم الغاضب لتنفيذ هجمات انتحارية ضد المصالح الغربية في كل أنحاء العالم.
بالطبع يمكن القول إن السياسة الخارجية الإيرانية وبرنامجها النووي يثيران المشكلات، ولكن توجيه ضربة إجهاضية إلى إيران اليوم لا يخدم المصالح السياسية والاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أخيراً بأن الولايات المتحدة تعاني بشدة في جهودها من أجل تقليص التأييد الأيديولوجي على مستوى الشارع الإسلامي للتيارات المتطرفة.
وإذا كانت أمريكا جادة في حربها ضد الإرهاب والأفكار المتطرفة وتسعى إلى كسب قلوب وعقول الشعوب العربية والإسلامية فإنها في حاجة إلى تبني سياسات تقربها من هذه الشعوب وليست سياسات تعمق الكراهية لها.
***
خيارات محدودة
إذا كان سيث جونز قد انتهى في تحليله في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى حقيقة واحدة وهي أن الخيار العسكري ليس الحل للمشكلة النووية الإيرانية في كل الظروف فإن بول ريختر الصحفي والمحلل في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية يرى أن (خيارات أمريكا في مواجهة إيران محدودة)، وهذا هو عنوان التحليل الذي نشرته له الصحيفة.
يقول هذا التحليل إن الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي دافع عن تعامله مع إيران بأسلوب المواجهة وليس الحوار منذ أيامه الأولى في الحكم يجد نفسه الآن مطالباً باتخاذ خطوة أخرى في اتجاه مزيد من الوضوح في التعامل مع الملف الإيراني بعد أن أكدت إيران قبل أيام نجاحها في بدء إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه وقوداً نووياً؛ فعلى مدى سنوات من التصريحات الصارمة والتهديدات المبطنة لعب الرئيس الأمريكي وأفراد إدارته دور المؤيد الرئيسي لممارسة الضغوط الدولية على إيران من أجل وقف أبحاث تخصيب اليورانيوم.
وفي البيان الذي حدد ملامح استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للسنوات المقبلة أكدت الإدارة الأمريكية ضرورة نجاح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف البرنامج النووي الإيراني إذا ما أراد الجميع (تجنب المواجهة الشاملة) بين إيران والولايات المتحدة.
والحقيقة أن إعلان إيران الأخير عن بدء تخصيب اليورانيوم يفجر العديد من الأسئلة ليس فقط بشأن أسلوب الرئيس بوش في التعامل مع الملف النووي الإيراني أو بشأن التقييمات الأمريكية الأخرى المتعلقة بهذه القضية وإنما أيضا بشأن مدى قدرة أجهزة المخابرات الأمريكية المختلفة على تقديم تقييم دقيق للقدرات النووية الإيرانية.
يبني المسؤولون الأمريكيون موقفهم على أساس الاقتناع بأن استمرار الضغوط السياسية الدولية على إيران سوف يجبر طهران على التراجع بدعوى أن هذا هو أسلوب تعامل الإيرانيين مع مختلف الأزمات. ولكن راي تاكيه خبير الشؤون الإيرانية في مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أمريكي، يرى ضرورة تخلي واشنطن عن هذه الفكرة؛ لأن الإيرانيين يقولون الآن إن (هذه الضغوط لا تفيد معنا وسوف نرد على هذه الضغوط بإجراءات مضادة). والمسؤولون في إدارة الرئيس بوش يرفضون الاقتراحات الداعية إلى التفاوض المباشر مع إيران، في حين أنهم يؤيدون هذه المفاوضات غير المباشرة من خلال الدول الأوروبية.
وفي الوقت الذي يرفض فيه الأمريكيون استبعاد الخيار العسكري يضغطون من أجل فرض عقوبات اقتصادية على إيران من خلال الأمم المتحدة. ومع ذلك وإذا تأكد فشل هذا الأسلوب فإن الإدارة الأمريكية ستواجه السؤال الحاسم من مختلف أطياف المشهد السياسي الإيراني عن الأسلوب البديل للتعامل مع هذه القضية.
الإيرانيون يصرون على أن هدفهم الوحيد هو الاستخدام السلمي للطاقة الذرية وأن برنامجهم النووي هو برنامج مدني بحت، ويقولون إنهم نجحوا في تخصيب اليورانيوم بنسبة تركيز منخفضة لا تصلح إلا للاستخدام المدني. وما زال من غير الواضح إذا ما كان الإيرانيون قد نجحوا بالفعل في الوصول إلى التقنية اللازمة لإنتاج اليورانيوم المخصب على نطاق صناعي بحيث يمكن لهم في مرحلة لاحقة استخدامه في إنتاج السلاح النووي.
الرئيس بوش من جانبه ذكر كثيراً في الماضي أنه يرفض امتلاك إيران تقنيات تخصيب اليورانيوم، حتى تلك التي تستخدم في الأغراض المدنية؛ خوفاً من تحويلها في وقت لاحق إلى الأغراض العسكرية. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الشهر الماضي: (تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم على الأراضي الإيرانية أمر غير مقبول من المجتمع الدولي).
ويرى محللون أن توقيت إعلان نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم يهدف إلى بعث رسالة إلى مجلس الأمن الدولي الذي يجتمع بعد أيام لاتخاذ قرار جديد بشأن إيران. والرسالة الإيرانية تقول إنه لم تعد هناك حاجة إلى مواصلة الضغط على إيران من أجل وقف أبحاثها في مجال تخصيب اليورانيوم بعد أن توصلت إلى هذه التقنية بالفعل.
في الوقت نفسه فإن التحدي الإيراني للمجتمع الدولي بهذه الصورة يشكل اختباراً لقدرة الولايات المتحدة على مواجهة إيران بموقف دولي موحد. والحقيقة أن بعض الدول أصبحت أكثر حماساً من أجل استخدام القوة ضد إيران في حين أن هناك دولاً أخرى مثل روسيا والصين ترى أن إيران أصبحت قادرة على امتلاك التكنولوجيا النووية إن عاجلاً أو آجلاً؛ ولذلك فإن روسيا - ومن يرى رأيها - قد تجد نفسها أقل رغبة في الدخول في نزاع مع إيران بشأن البرنامج النووي بعد أن وصل إلى نقطة اللا عودة.
أما داخل الولايات المتحدة فإن إعلان تخصيب اليورانيوم في إيران يمكن أن يشكل تحدياً لسياسة الرئيس بوش من جانب المحافظين المناوئين لسياسة الاحتواء في مواجهة إيران، والذين يطالبون بمواقف أشد صرامة ضد إيران. ويرى هؤلاء المحافظون أن الإدارة بددت وقتاً طويلاً جداً من أجل إيجاد اتفاق عام وزيادة الضغط التدريجي على إيران. ويقول مسؤولو المخابرات الأمريكية إن إيران تحتاج إلى ما بين خمس وعشر سنوات حتى تمتلك القنبلة النووية. ولكن قبل الإعلان عن بدء تخصيب اليورانيوم في إيران تقول أجهزة المخابرات الإسرائيلية إن إيران تستطيع بناء أول قنبلة نووية خلال شهور قليلة. وقد نقلت الصحف الإسرائيلية الأسبوع الماضي عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى أن إعلان إيران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم صحيح تماماً ويتفق مع التقديرات المخابراتية لإسرائيل.
وفي الشهر الماضي قال أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب النشاط النووي في العالم خلال اجتماع مع دبلوماسيين أجانب إنهم يعتقدون أن إيران تتحرك في برنامجها النووي بأسرع من التوقعات، وأنها قد تكون قادرة على إنتاج القنبلة النووية خلال ثلاث سنوات. ويقول باتريك كلاوسون نائب مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: (إذا اتفقنا على أن الإيرانيين يتحركون على المسار النووي بصورة أسرع مما كنا نعتقد فعلينا أن نتحرك للضغط عليهم بصورة أكبر).
ومن الصحافة والتحليلات الأمريكية لهذه الأزمة التي يراها الكثيرون الأخطر على الصعيد الدولي منذ الغزو الأمريكي للعراق إلى الصحافة الروسية لنرى كيف ينظر الروس - من خلال صحافتهم - إلى الأزمة النووية الإيرانية.
***
برنامج سلمي
نشرت صحيفة برافدا الروسية تقريراً تحت عنوان (صراع دولي وشيك بسبب البرنامج النووي الإيراني). تقول الصحيفة إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعلن (انضمام إيران إلى نادي القوى النووية)، مؤكداً أن بلاده لا تسعى ولا تريد الحصول على أسلحة نووية وإنما فقط تريد الاستفادة من التطبيقات السلمية والمدنية للطاقة النووية.
المعنى نفسه تكرر على لسان الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني هاشمي رافسنجاني عندما أعلن عن بدء تشغيل 461 جهاز طرد مركزي متصلة معاً لتخصيب اليورانيوم بأساليب صناعية. أما غلام رضا أغا زاده مسؤول الملف النووي الإيراني فقال إن بلاده تعتزم تشغيل نحو ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بنهاية العام الحالي.
والحقيقة أن إنتاج يورانيوم مخصب كاف لإنتاج قنبلة نووية يحتاج إلى تشغيل عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي وهو أمر غير متاح لإيران حتى الآن. ولكن الخبراء يرون أن نجاح إيران في توصيل المجموعة الأولى من أجهزة الطرد المركزي وتشغيلها يعني امتلاكها المعرفة اللازمة لهذه العملية وتصبح المسألة مجرد قرار سياسي.
وقد قال دبلوماسي إيراني لوكالة أنباء نوفوستي الروسية مؤخراً إن بلاده قدمت على مدى السنوات العديدة الماضية كل الأدلة الممكنة على الطابع السلمي لبرنامجها النووي؛ لذلك فهي غير مستعدة لتعليق أبحاث تخصيب اليورانيوم الذي تحتاج إليه لمواصلة برنامجها النووي السلمي.
وربما يشعر الرئيس بوش الآن بالندم؛ لأنه تعهد شخصياً بعدم مهاجمة إيران عسكرياً. وقد تزامن إعلان إيران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم مع وجود الرئيس الأمريكي جورج بوش في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية لإلقاء خطاب هناك حيث أكد تمسكه بالبحث عن حل دبلوماسي للموقف الصعب الذي تمر به الأزمة النووية الإيرانية، مؤكداً أهمية العمل مع أوروبا وروسيا من أجل منع حصول إيران على السلاح النووي. وليس هذا فحسب بل إن الرئيس بوش وصف التقارير الصحفية الأمريكية التي تحدثت عن استعدادات أمريكية لضرب المنشآت النووية الإيرانية باستخدام قنابل نووية تكتيكية لتدمير تلك المنشآت الموجودة على أعماق كبيرة تحت الأرض، بأنها (محض تكهنات جامحة).
وعلى الرغم من أن التصريحات الروسية التي جاءت بعد إعلان إيران بدء تخصيب اليورانيوم قريبة من التصريحات الأمريكية التي اعتبرت الإعلان الإيراني خطوة في الاتجاه الخطأ، فمن الواضح أن روسيا لن تدعم أي تصعيد أمريكي ضد إيران لأسباب عدة، في مقدمتها المصالح الاستراتيجية التي تربط بين طهران وموسكو، والمخاطر التي ينطوي عليها أي تصعيد في منطقة الشرق الأوسط؛ لذلك تبدي روسيا دعماً كبيراً للمهمة التي قام بها محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للملف النووي الإيراني.
وقد أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً مؤخراً قالت فيه إن (الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الجهة الدولية الأقدر على التعامل مع هذا الملف بما تمتلكه من خبرات وسلطات في هذا المجال).
وعلى الرغم من تأكيد صحيفة برافدا الروسية صعوبة حصول الولايات المتحدة على دعم روسيا في أي تحرك عسكري ضد إيران نشرت الصحيفة تحليلا للكاتب ديف إيركات تحت عنوان (لماذا ستهاجم أمريكا إيران خلال 2006م؟). ويقول التحليل: إن هناك تكهنات كثيرة بشأن الموقف الأمريكي من إيران، وإذا ما كانت واشنطن ستلجأ إلى الخيار العسكري أم لا. والمفارقة أن هناك انقساماً واضحاً تجاه هذه القضية؛ حيث إن عدد الأصوات التي ترى أن الولايات المتحدة ستهاجم إيران تساوي تقريباً عدد الأصوات التي تستبعد مثل هذا الخيار الدامي.
ويمكن القول إن الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط هو فرض السيطرة على منابع النفط بها. وكانت هناك عقبتان تحولان دون تحقيق هذا الهدف هما العراق وإيران. أما وقد أزالت الولايات المتحدة عقبة العراق بالغزو والاحتلال فإن الدور أصبح على إيران التي باتت تشكل تحدياً مزدوجاً للسياسة الأمريكية؛ فهي من ناحية تهدّد النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج، ومن ناحية ثانية تسعى إلى امتلاك سلاح نووي يعيد توزيع موازين القوى في المنطقة، وربما في العالم.
وفي ضوء تحول مغامرة الغزو الأمريكي للعراق إلى كارثة إنسانية وعسكرية وأيضاً سياسية بالنسبة للرئيس بوش وحزبه الجمهوري فربما يرى صقور الحزب أن ضرب إيران خلال الشهور القليلة المقبلة، وقبل حلول موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، يمكن أن يقلب المشهد الانتخابي في أمريكا رأساً على عقب؛ لتظل لهم السيطرة على الكونجرس بعدما أصبحت في مهبّ الريح؛ فالدرس الذي خرج به صناع القرار في الحملات الانتخابية للجمهوريين في الولايات المتحدة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وغزو العراق هو أن الشعب الأمريكي يلتف حول الرئيس وحزبه في أوقات الحرب والأزمات؛ ولذلك قد يجدون أنه من المفيد شن حرب ضد إيران قبل موعد الانتخابات. ليس هذا فحسب بل إن الإعلام الأمريكي الموالي للمحافظين الجدد نجح بالفعل في رسم صورة لإيران في عقول الأمريكيين باعتبارها الخطر الداهم الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي تماماً كما حدث قبل الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003م؛ ولذلك تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من نصف الأمريكيين يؤيدون عملاً عسكرياً ضد إيران، وهو ما يجعل القرار أكثر إغراءً لصناع القرار في واشنطن.
وعلى الرغم من كل هذا التباين في الآراء والتحليلات بشأن الملف النووي الإيراني تظل الحقيقة التي يتفق عليها الجميع، وهي أن الأيام المقبلة حبلى بالكثير.

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن السابع
فن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
نادي العلوم
خارج الحدود
الملف السياسي
استراحة
اقتصاد
حياتنا الفطرية
مجتمعات
لقـاء
روابط اجتماعية
صحة وغذاء
شاشات عالمية
رياضة
تميز بلا حدود
أنت وطفلك
تقارير
حوارات
سوق الانترنت
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved