Al Jazirah Magazine Tuesday  28/08/2007 G Issue 233
القادمون
الثلاثاء 15 ,شعبان 1428   العدد  233
 

دروس في التنمية من الملايو (3-3)
التعليم الذكي رهان المستقبل في ماليزيا

 

 

* إعداد - أحمد عبداللطيف

ما كان في مقدور ماليزيا تحقيق ما وصلت إليه من نمو اقتصادي لولا ما انتهجته من سياسة تعليمية وضعت الفرد في المقام الأول واهتمت به وجعلت من استثماره هدفا للتعليم. فقد أدركت ماليزيا أن الأخذ بأسباب النهضة يبدأ من الفرد، وأن رأس المال البشري هو أساس التنمية ومحورها، ولذلك أولت التعليم عناية قصوى من أجل خلق الفرد المؤهل ذهنيا وروحيا، وحرصت على أن تكون مناهجه قائمة على احتياجات التنمية، وساهم كل ذلك في رفع قدرات الشعب الماليزي وزيادة الطاقة الإنتاجية التي تعتبر الميزة التفضيلية للاقتصاد الماليزي.

مجانية التعليم

تتميز السياسات التعليمية التي اختطتها ماليزيا بعدد من الخصائص التي قادت في مجملها إلى نجاح هذه السياسات في تحقيق الأهداف المنوطة بها، ومن أهم هذه الخصائص مجانية التعليم، وخاصة التعليم الأساسي. وينبغي الإشارة هنا إلى أن إجمالي الدعم الحكومي المقدم للتعليم العام يبلغ حوالي عشرين في المائة من الميزانية السنوية في المتوسط، ما يشير إلى توجه للاستثمار بسخاء في هذا القطاع. وكان من نتائج هذه السياسة أن انخفضت نسبة الأمية إلى حوالي 7 في المائة من السكان في عام 1970م. وتشمل مجانية التعليم بناء المدارس على أحدث المواصفات ودعمها بأحدث المعدات، ومنح القروض لمواصلة الدراسة في الخارج، وتسير في تلازم مع سياسة مجانية التعليم سياسة أخرى تقضي بإلزامية التعليم العام، حيث يعاقب القانون الماليزي أولياء الأمور الذين يتسببون في حرمان أبنائهم من الدراسة، وحصدت ماليزيا نتائج هذه السياسة اقتصادا قويا ومزدهرا ووصولا إلى مجتمع المعرفة ولحاقا بالتطور الرقمي.

ومن ميزات التعليم في ماليزيا أيضاً الاهتمام بالتعليم قبل المدرسي في رياض الأطفال، ويعتبر القانون الماليزي هذا النوع من التعليم، الذي يشمل الأطفال بين سني الثالثة والسادسة من العمر، جزءاً من نظام التعليم، ويشترط تسجيل رياض الأطفال لدى وزارة التربية، وهناك رياض تديرها مؤسسات خاصة وهيئات تطوعية. وتضع وزارة التربية لرياض الأطفال خطوطا عامة تشمل تعليم اللغة الرسمية للبلاد واللغة الإنجليزية ولغات المجموعات العرقية المختلفة (الصينية، الهندية، التاميل) والاهتمام بالتعليم الديني.

التعليم الابتدائي والثانوي

يركز التعليم الابتدائي على غرس القيم الوطنية ومهارات التفكير وتزويد الطالب بالمعارف الأساسية مثل الرياضيات والعلوم، ويبدأ الطفل الدراسة في هذه المرحلة في سن السادسة ويستمر فيها لفترة ست سنوات، وهناك نوعان من المدارس الابتدائية، المدارس القومية التابعة لوزارة التربية، ولغة التدريس فيها هي اللغة الملايوية، والمدارس الخاصة، حيث اللغة الصينية أو لغة التاميل هي لغة التدريس.

وفي المرحلة الثانوية يتلقى الطلاب دراسة شاملة تتناول العديد من المواد مثل العلوم والآداب والمواد الفنية والمهنية. وتنقسم هذه المرحلة إلى مستويين هما المرحلة الثانوية الصغرى والمرحلة الثانوية العليا، والأخيرة أكثر تخصصا وتعتمد الدراسة فيها على أداء الطالب ورغبته معا، وبإمكان الطالب أن يختار التوجه الفني أو المهني في هذه المرحلة، ومن ثم يتخرج منها مباشرة إلى سوق العمل بمهارات في أي من المجالات الهندسية المتنوعة، أو يختار إكمال المستوى السادس، وفي هذه الحالة يصبح مؤهلا للتنافس للجامعات المحلية والأجنبية.

وتولي وزارة التربية والتعليم عناية خاصة للتعليم المهني والفني في المرحلة الثانوية بهدف توفير القوى العاملة للقطاعين الصناعي والتجاري وتزويد الطلاب بالمهارات والمعارف الأساسية، ويدرس الطالب في هذا النوع من التعليم لفترة عامين يجلس بعدها لامتحان شهادة التعليم الماليزية، التي تتيح للطالب فرصة مواصلة الدراسة في الكليات التقنية أو المعاهد التعليمية الأخرى.

وفي السنوات القليلة الماضية قطعت ماليزيا شوطا بعيدا في تخصيص المدارس الثانوية المهنية، ونعني بذلك تخصيص كل مدرسة مهنية في صناعة معينة حسب موقعها من المصانع المتخصصة في تلك الصناعة. وتسعى الدولة من هذا التوجه إلى تزويد الطلاب بالخبرات العملية بتدريبهم في مواقع العمل وتخريج الكفاءات المتنوعة حسب احتياج سوق العمل. ويشارك القطاع الخاص في هذا الاتجاه بتوفير البرامج التدريبية، مستفيدة من التسهيلات التي توفرها المدارس المهنية والكليات التقنية لأغراض التدريب.

التعليم الذكي

من أجل مواكبة التطورات المتسارعة في مجالي الاتصالات والمعلومات خطت الحكومة الماليزية خطوة مهمة في تبني ما يعرف بالتعليم الذكي الذي يوفر للطلاب فرصة استيعاب التقنيات الجديدة في هذين المجالين بالتركيز على مواد مثل أنظمة التصنيع الذكية وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة وغيرها. فالمدرسة الذكية تقوم على تطبيقات ونظم تدريس جديدة ونظم إدارية جديدة تساعد الطلاب على اللحاق بعصر المعلومات، وما تزال التجربة الماليزية في هذا المجال في مرحلة المراجعة وإعادة الهندسة على أعلى المستويات من أجل التوصل إلى أفضل التطبيقات.

وقد بدأ تطبيق مفهوم التعليم الذكي في ماليزيا في عام 1996م باستثمار الحاسوب في مجال التعليم، حيث وضعت خطة تقنية شاملة تجعل البلاد في مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2020م، وكانت دول عديدة قد سبقتها في هذا التطبيق، منها الولايات المتحدة واستراليا. ويعتقد صناع القرار في ماليزيا أن التعليم الذكي سوف يساعد البلاد على الدخول في عصر المعلومات وتطوير قدرات المعلمين ورفع المستوى المعرفي للطلاب وتمكينهم من الوصول إلى مصادر المعلومات مباشرة والارتقاء بمخرجات التعليم.

وكان من المتوقع استكمال تنفيذ الجزء الأول من هذه الخطة في 19 مدرسة نموذجية قبل حلول عام 2002م ولكن العملية تأخرت نسبة للانتكاسة الاقتصادية التي منيت بها البلاد في عام 1997م، وعلى الرغم من ذلك فقد بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت أكثر من 90 في المائة، إضافة إلى ربط جميع مدارس وجامعات ماليزيا بشبكة ألياف بصرية سريعة تسمح بنقل حزم المعلومات الكبيرة لخدمة نقل الوسائط المتعددة.

وأول جامعة تأسست بالبلاد هي جامعة الملايو في عام 1949م، وتوجد اليوم حوالي مائة جامعة ومعهد عالي تمنح درجة البكالوريوس، وتهتم الحكومة بتوفير الأجهزة والبرامج الحديثة لتطوير التعليم العالي والجامعي، بينما تتبع الجامعات المعايير العالمية في التدريس ونظم الدراسة وتحديد التخصصات وتكوين الروابط بالجامعات المحلية والعالمية المماثلة بغرض اكتساب الخبرة.

وتتجه مؤسسات التعليم الجامعي حالياً لتصبح مراكز إقليمية لطلاب الدراسات العليا، وخاصة من الدول النامية، ولذلك فهي تسعى إلى المزيد من التجويد وتوفير التسهيلات التعليمية مثل المعامل والشبكات الحاسوبية ودعم هيئات التدريس بالخبرات.

وقد حظيت المرأة بنصيب وافر من التعليم، مثلها في ذلك مثل الرجل، حيث تشير سجلات وزارة التربية والتعليم إلى ازدياد مطرد في حصتها من التعليم، ويعود ذلك إلى اهتمام الدولة بتعليم الفتيات وإشراكهن في قوة العمل.

ويلاحظ أن نظام التعليم في ماليزيا يتجه نحو الانفتاح على النظم الغربية (البريطانية والأمريكية) والتوسع في استعمال اللغة الإنجليزية في التعليم. ويؤدي القطاع الخاص دوراً مهماً في التجويد واتباع المعايير العالمية من حيث المناهج والتخصصات العلمية، حيث توجد فروع للعديد من الجامعات الأمريكية والبريطانية والاسترالية والنيوزيلندية. وهناك أكثر من 400 معهد وكلية جامعية تقدم دراسات جامعية وبرامج توأمة مع جامعات في الخارج، إضافة إلى إتاحة الفرص لمواصلة الدراسة في الجامعات الأجنبية.

وخلاصة القول إن ماليزيا قدمت نموذجا يحتذى في مجال التعليم واستطاعت تحقيق نهضة تنموية كبيرة عندما أدركت الاستثمار في العقول هو مفتاح التحول نحو الاقتصاد الصناعي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة