الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 29th November,2005 العدد : 151

الثلاثاء 27 ,شوال 1426

كنت في تونس
زرت تونس كثيراً..
تجوّلت بين مدنها ومنتجعاتها وسواحلها البحرية..
واختلطت بناسها ليلاً ونهاراً..
فتعرَّفت على كثير من كنوزها الظاهرة والمختبئة..
ووجدتني أفضِّل ألا أكتب عنها حتى لا أغرق في التعبير عن حبي لها، بما قد يري بعض مَن يقرأ سطوري بأني أبالغ في الحديث عنها.
***
وهذا هو سرُّ عدم تناولي للشأن التونسي بالحديث بعد عودتي ولو من زيارة واحدة من زياراتي لها التي أشرت إلى كثرة عددها وتنوّع مناسباتها..
وهو مبرِّر قد لا يكون مقبولاً أو سليماً، وهذا ما شجعني لمراجعة هذا الموقف، وكتابة بعض ما تحتفظ به ذاكرتي من انطباعات سابقة لزيارات سابقة.
***
لقد تنوَّعت زياراتي لها من حيث مُددها ومناسباتها والمناخ الذي تمت به هذه الزيارات..
فقد زرتها في الصيف والشتاء والربيع والخريف؛ بمعنى أنني كنت هناك في كل فصول السنة..
فاستمتعت بشمسها وأجوائها الغائمة والممطرة، أي أنني لم أغب عن طقسها الجميل..
***
كانت بعض هذه الزيارات في مهمات أو دعوات رسمية.. وبعضها الآخر لم يكن كذلك..
وما يهمني أن أشير إليه، أنه ما من زيارة قمت بها لتونس، إلا وشعرت بمتعة خلال إقامتي فيها..
وإنه ما سبق لي أن غادرتها، وكان سبب ذلك الملل أو التشبّع أو الشعور بالضيق مما أجده هناك.
***
في تونس وجدت أن هناك تشابهاً كثيراً في السلوك والعادات وفي مجمل مظاهر الحياة بين ما هو هناك وبين ما هو موجود لدينا في المملكة..
وللمواطن السعودي عندهم مكانة خاصة ومعاملة متميزة - وقد تأكدت من ذلك بنفسي - وانطباعهم الجميل عنَّا يريح من يقضي بعض الوقت سائحاً أو مدعواً من جهة رسمية هناك.
***
غير أن ما لفت نظري في كل زياراتي لتونس الخضراء، ومن نظرة عامة ليس إلا، قلة السياح السعوديين، مع أني لا أملك أرقاماً إحصائية رسمية أوثِّق بها هذا الانطباع..
ولهذه أسبابها، مما لا تخفى على التونسيين المعنيين بتنمية السياحة، وبينها توفير فرص ومجالات الجذب، وتسهيل وزيادة عدد الرحلات الجوية بين بلدينا، وإيجاد الحوافز التشجيعية لذلك.
***
لكن وفي ظل محدودية عدد السياح السعوديين، فهناك مشروعات سعودية تونسية مشتركة بين رجال الأعمال هنا وهناك..
وبين بلدينا يوجد تعاون اقتصادي جيد ومتميز، واستثمارات سعودية كبيرة هناك..
والعلاقات السعودية التونسية - مثلما هو معروف - يسودها الكثير من الود وظلَّت - تاريخياً - تتمتع بأجواء دافئة، ويمكن اعتبارها أنموذجاً للإخاء والحب في العلاقات الثنائية بين بلدين شقيقين.


خالد المالك

مجلة (تايم) تحاور عدداً من ضباط المخابرات الأمريكية
صدام نجح في وضع خطة للثأر بعد سقوطه!

إعداد - أشرف البربري:
في ظل تدهور موقف الاحتلال الأمريكي في العراق وتجاوز خسائره البشرية حاجز الألفي قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى كان لا بد من الاقتراب من العالم السري للوجود الأمريكي في العراق من أجل رسم صورة أكثر وضوحا لواقع الاحتلال الأمريكي هناك.
وكانت الوسيلة هي سلسلة من الحوارات المفتوحة مع عدد كبير من ضباط ومسؤولي المخابرات الأمريكية ذوي الصلة بالشأن العراقي سواء السابقون أو الحاليون. وقد نجحت مجلة (تايم) الأمريكية في القيام بهذه الجولة داخل عقول نخبة من ضباط المخابرات الأمريكية الذين رسموا صورة شديدة الكآبة للموقف الأمريكي في العراق.
وبدأت المجلة بالنقل عن مصادر في المخابرات الأمريكية القول إن خمسة رجال اجتمعوا في سيارة في إحدى ساحات انتظار السيارات بالعاصمة العراقية بغداد بعد أسابيع قليلة من سقوط نظام حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في التاسع من أبريل عام 2003.
وكان صدام حسين أحد هؤلاء الخمسة. أما الأربعة الآخرون فكانوا من بين أقرب مستشاريه. وكان جدول الاجتماع يشمل مناقشة كيفية العودة لقتال الأمريكيين في العراق. وكان نائب الرئيس العراقي الأسبق عزت إبراهيم الدوري مشاركا في الاجتماع.
ولكن كان أكثر الشخصيات المشاركة في الاجتماع إثارة للقلق والريبة جنرال متقاعد يدعى محمد يونس الأحمد وكان عضوا رفيع المستوى في المكتب العسكري وهو جهاز مخابرات سري في حزب البعث الحاكم أثناء حكم صدام حسين. وكانت وظيفة هذا المكتب هي مراقبة الجيش العراقي وتنظيم مقاومة حزب البعث المسلحة في حالة تعرض النظام الحاكم لأي محاولة انقلابية. وعندما عقد الاجتماع كانت الولايات المتحدة قد نفذت بالفعل انقلابا أطاح بحكم صدام حسين وحزب البعث. والتفت صدام حسين إلى يونس الأحمد وباقي الحضور وقال لهم (علينا أن نبدأ إعادة بناء شبكاتنا). وقد حصلت المخابرات الأمريكية على المعلومات الخاصة بالاجتماع الذي استمر 45 دقيقة بعد عقده بشهور عدة. وقد كان هذا الاجتماع إحدى لحظات الوضوح النادرة في ظل عواصف العنف التي تهب على وسط العراق. وقد نمت المقاومة المسلحة بصورة تجاوزت أصلها البعثي لتشمل الجماعات المتطرفة والمنظمات الوطنية العراقية.
رسالة صدام
ولكن رسالة صدام حسين الرئيسية التي تقول (لنعيد بناء شبكاتنا) ظلت المبدأ التنظيمي الرئيسي للمقاومة العراقية. ورغم أن خبراء المخابرات الأمريكية وغير الأمريكية لا يستطيعون تقديم تقدير دقيق لعدد أفراد المقاومة العراقية فإنهم يؤكدون أن أغلب عناصر هذه المقاومة من العراقيين. ولا يشكل الأجانب أكثر من اثنين في المائة من المسلحين الذين اعتقلتهم القوات الأمريكية أو قتلتهم. في الوقت نفسه فإن المقاتلين الأجانب يشكلون الغالبية العظمى من منفذي التفجيرات الانتحارية في العراق. ويتزايد العنف بصورة مطردة في العراق. وقد بلغ متوسط عدد الهجمات ثمانين هجوما يوميا خلال الأسابيع الأخيرة. وخلال أيام قليلة قتلت الهجمات الانتحارية أكثر من مائتي شخص في بغداد.
وتحدثت مجلة (تايم) الأمريكية مع أكثر من عشرة من مسؤولي المخابرات الأمريكية الحاليين والسابقين الذين على صلة بالملف العراقي في محاولة لرسم صورة واضحة للموقف في العراق.
وقد اتفق هؤلاء المسؤولون على شعورهم بالاحباط المتزايد تجاه تلك الحرب التي يعتقدون أن الإدارة الأمريكية لم تتوقعها على نحو صحيح. فالقوات الأمريكية تخوض تلك الحرب دون إمكانيات كافية وقد تحولت إلى صراع لا يمكن حسمه عسكريا. ويقول جنرال أمريكي متقاعد حديث وعلى دراية بمنطقة الشرق الأوسط نحن نجيد محاربة الجيوش النظامية، لكننا لا نعرف كيف نحارب هؤلاء (المسلحين في العراق).. فليس لدينا العدد الكافي من خبراء المخابرات القادرين على تحليل الموقف والتعامل معه. فقد ركزت وكالة المخابرات العسكرية الأمريكية الجزء الأكبر من تركيزها وقدراتها على إيران وكوريا الشمالية والصين.
وببساطة المقاومة العراقية ليست على قمة أولويات المخابرات العسكرية الأمريكية وهذا قمة العار. يؤكد ضباط المخابرات الأمريكيون على عدد من النقاط هي:
الدائرة الضيقة لمعاوني الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وبخاصة أعضاء المكتب العسكري الذين تولوا في البداية دعم هيكل المقاومة والشبكات التي يقودها أشخاص من يونس الأحمد وعزت الدوري مازالت تقدم الدعم المادي واللوجيستي لعناصر المقاومة.
تركيز إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2003 في أعقاب الغزو على البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق التي لم يكن لها وجود بددت موارد المخابرات الأمريكية فيما لا طائل منه وتركت شبكات المقاومة تنظم نفسها دون ضغط.
منذ بداية المقاومة المسلحة سعى ضباط أمريكيون إلى الاتصال والتفاوض مع قادة المقاومة بما في ذلك أشخاص اعتبرهم خبير رفيع المستوى في الشأن العراقي (ممن تلوثت أيديهم بالدماء).
تكرار عمليات الإحلال والتبديل للأطقم العسكرية والإدارة الأمريكية في بغداد جعل من الصعب تطوير استراتيجية مضادة للمقاومة.
وكانت الخلاصة التي توصل إليها أحد كبار الخبراء في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) هي أن الأمريكيين كرروا (كل الأخطاء التي ارتكبناها في حرب فيتنام).
لم يعد سرا أن الجنرال تومي فرانكس قائد القيادة المركزية الأمريكية التي قادت غزو العراق لم يكن يريد البقاء طويلا في العراق. وقد قاد فرانكس الهجوم الأمريكي على بغداد الذي انتهى باحتلالها في أبريل 2003 وكان هدفه وهدف وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد هو الاستيلاء على العاصمة العراقية بأسرع وقت وأقل عدد ممكن من الجنود. وقد حقق فرانكس هذا الهدف بمنتهى المهارة ولكن ضباط المخابرات الأمريكية يؤكدون أن فرانكس لم يكن معنيا بما يمكن أن يحدث في العراق بعد ذلك. يقول ضابط سابق في المخابرات العسكرية الأمريكية إن فرانكس لم يطلب منا أبدا أي تقرير عما يمكن أن يحدث بعد الاستيلاء على بغداد. وكان يقول إنها ليست مهمتي. وقد أدركنا أن كل ما كان يريده هو دخول بغداد ثم تركها ثم تأليف كتابه كبطل منتصر.
الاندفاع نحو بغداد
يقول منتقدو الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في العراق إن الاندفاع ناحية بغداد هو الذي مهد الطريق أمام المشكلات التي حدثت بعد ذلك. ففي عرض لأحد التقارير قبيل الحرب على سبيل المثال سأل اللفيتينانت جنرال الأمريكي ديفيد ماكيرنان الذي قاد إحدى الوحدات البرية لقوات التحالف، سأل فرانكس عما يجب أن يفعلوه إذا اكتشفوا اختباء الجيش العراقي من أمامهم في الطريق إلى العراق فرد عليه فرانكس بالقول (أغلق عليه المخبأ فقط واتركه وأتقدم يا ديفيد) وفقا لما قاله أحد ضباط القيادة المركزية الأمريكية في ذلك الوقت. وعندما دخلت القوات الأمريكية بغداد في التاسع من أبريل كانت هناك نشوة هائلة في البنتاجون. واعتبر المسؤولون الأمريكيون أن عمليات السلب والنهب واستمرار الهجمات على القوات الغازية مجرد ظاهرة مؤقتة سوف تختفى سريعا. وفي الأول من مايو عام 2003 وقف الرئيس بوش على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن ليعلن أن العمليات العسكرية الكبرى في العراق انتهت ووراءه لافتة تقول (المهمة انتهت).
وفي الثالث والعشرين من مايو من العام نفسه ارتكب الأمريكيون ما اعتبر الخطأ القاتل عندما أعلن الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر حل الجيش العراقي والهيئات الحكومية العراقية بناء على أوامر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. يقول دبلوماسي غربي كان ملحقا بسلطة الاحتلال المؤقتة التي تولت حكم العراق في أعقاب سقوط نظام صدام حسين: لقد فجرنا غضب مئات الآلاف من العراقيين ضدنا. وقد كان هؤلاء الغاضبون من أكثر الناس في العراق المزودين بالقدرة على استخدام السلاح ضدنا، وفجأة تحول هؤلاء العراقيون إلى معسكر المقاومة المسلحة ليس فقط بالنسبة للعسكريين وإنما أيضا للمدنيين الذين لديهم دراية واسعة بشبكات الكهرباء والمياه وأنابيب النفط في العراق وهي المعلومات التي استخدمتها الجماعات المسلحة في تدمير هذه الشبكات. وقال دان سينور المتحدث باسم بريمر إنه غير نادم على هذا القرار. ويضيف الأكراد والشيعة (حلفاء أمريكا الأساسيون) لم يكونوا راغبين في استمرار جيش صدام في العمل. وقد كان أفراد الجيش العراقي قد ذهبوا إلى منازلهم بالفعل بعد أن دمرنا خنادقهم. فكيف يفترض إعادتهم وتصنيفهم لاستبعاد الأشرار من بينهم؟ ونحن حتى لم يكن لدينا القوات الكافية لوقف عمليات السلب والنهب في بغداد.
أسلحة الدمار الشامل
أما ثالث القرارات الكارثية في ربيع 2003 فكان قرار جعل البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق على رأس أولويات المخابرات الأمريكية هناك ما حد كثيرا من قدرة القوات الأمريكية على مواجهة التمرد المسلح. وفي يونيو عام 2003 وصل ديفيد كاي المفتش السابق على الأسلحة إلى بغداد لقيادة فريق أمريكي للتنقيب عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وضم هذا الفريق حوالي 1200 ضابط مخابرات ومساعدين. وقد جمع هذا الفريق أطنانا من الوثائق الورقية التي تم جمعها من مكاتب نظام حكم الرئيس السابق صدام حسين. وقد اصطدم كاي مع قادة عسكريين أمريكيين لأنه كان يريد الحصول على ما هو أكثر من مجرد الوثائق حيث كان يريد المزيد من المحللين والمترجمين والعملاء الميدانيين لتنفيذ مهمته.
يقول مسؤول عسكري أمريكي: كنت أشارك في أحد الاجتماعات عندما كان الجنرال جون (أبو زيد) يدق على المائدة بحثا عن مساعدة. ولكن ديفيد كاي لم يكن لديه ما يقدمه. ليس هذا فحسب بل إن بعض ضباط المخابرات الأمريكيين الذين كانوا يعملون في فريق ديفيد كاي أبلغوا مراسل مجلة تايم الأمريكية أن الأوامر صدرت إليهم بعد الاتصال بالمصادر العراقية التي ليس لها صلة بملف أسلحة الدمار الشامل. وهذا القرار جعلهم يتوقفون عن مقابلة عشرات العملاء العراقيين الذين كانوا يقدمون لهم وثائق وخرائط صور لمواقع التنظيمات المسلحة للنظام البعثي المنهار ومخابئ الأسلحة والمسلحين العراقيين في منطقة الموصل. وقال ديفيد كاي لمجلة تايم: الرئيس بوش كلفني بمهمة محددة وهي العثور على أسلحة الدمار الشامل. وجون أبو زيد كان يحتاج إلى المساعدة في مواجهة التمرد العراقي المسلح. وقد كنا نحن المنظمة الوحيدة التي تعمل في العراق. ولكن العسكريين الأمريكيين لم يعتادوا التعامل مع أشخاص يقولون لهم لا. وأنا قلت لهم لا لذلك حدثت الخلافات. ورغم أطنان الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية من العراق فإنها لم تتمكن من الاستفادة منها.
فمثلا حصلت المخابرات الأمريكية على ثلاثة صناديق كبيرة من الوثائق عن الفلوجة التي كانت أحد أهم معاقل المقاومة العراقية ولكن أغلب هذه الوثائق لم يترجم حتى الآن.
بل ربما يكون في تلك الوثائق التي لم نترجمها ما يكشف عن وجود غاز الأعصاب مثلا لكننا لا نجد الأعداد الكافية من المحللين والمترجمين للتعامل مع أطنان الوثائق.
في أوائل يونيو 2003 أبلغت المخابرات المركزية الأمريكية الرئيس جورج بوش في تقرير لها أنه يواجه (ثورة مسلحة كلاسيكية في العراق). ولكن البيت الأبيض لم يكن يثق تماما في وكالة المخابرات المركزية. وفي الثلاثين من الشهر نفسه قال رامسفليد للصحفيين (أستطيع أن أقول لكم لماذا لم استخدم تعبير حرب العصابات في الحديث عن العنف في العراق لأن ما يحدث في العراق ليس حرب عصابات ولا أي شكل من أشكال المقاومة المنظمة). أضاف أن العكس هو الصحيح فالذين يهاجمون القوات الأمريكية في العراق هم مجموعات من اللصوص والمجرمين وبقايا النظام البعثي وقلة من المقاتلين الأجانب. بالطبع كان في مقدور رامسفيلد أن يزعم حدوث تقدم في العراق من خلال اعتقال أو قتل أغلب كبار المسؤولين في نظام صدام حسين الذين تضمنتهم قائمة الخمس والخمسين اسما وعلى رأسهم صدام حسين. فقد اعتقلت أو قتلت القوات الأمريكية 44 شخصا من القائمة حتى الآن. ولكن لم يمر سوى أسبوعين على تصريحات رامسفيلد التي قال فيها إن ما يحدث في العراق ليس حرب عصابات ولا مقاومة منظمة حتى جاء تصريح مناقض له من داخل وزارة الدفاع أيضا على لسان الجنرال جون أبو زيد قائد القيادة المركزية المسؤولة مباشرة على العمليات العسكرية في العراق حيث اعترف بأن القوات الأمريكية تواجه في العراق (حرب عصابات كلاسيكية). والحقيقة أن كلا من أبو زيد ورامسفيلد على صواب جزئيا. ففي العراق حرب عصابات نموذجية كما يقول أبو زيد، وهناك الآلاف من بقايا حزب البعث يقومون بأعمال المقاومة كما قال رامسفيلد.
وقد كشفت الوثائق التي حصلت عليها القوات الأمريكية فيما بعد أن صدام حسين الذي كان يتنقل باستمرار قبل اعتقاله وحرص على أن يظل قائدا للمقاومة حيث وجه مئات الرسائل إلى مرؤوسيه تحمل تعليماته بشأن العمليات المضادة للقوات الأمريكية.
حرب عصابات
وفي إحدى هذه الرسائل كان صدام حسين يشرح لأقرب مساعديه قواعد حرب العصابات وكيفية الاتصال ببعضهم البعض وكيفية إقامة شبكات اتصال جديدة وكيفية البقاء تحت الأرض. وبالطبع المقاتلون في حرب العصابات ليسوا في حاجة إلى مثل هذه التعليمات العامة وإنما ينتظرون قرارات بشأن الأهداف التي يتم مهاجمتها وتوقيت الهجوم الذي ستنفذه الخلايا.
ورغم أن كبار مساعدي صدام مثل عزت الدوري ويونس الأحمدي بعيدون عن الخطوط الأمامية فإنهم يقدمون الدعم المادي واللوجيستي للخلايا الميدانية. ولكن صدام حسين اتخذ قرارا استراتيجيا واحدا ساعد في تغيير مسار التمرد المسلح. ففي أوائل خريف 2003 أرسل رسالة إلى مساعديه يأمرهم فيها بتغيير تركيزهم من قوات التحالف إلى (العراقيين المتعاونين) مع الاحتلال وبخاصة مراكز الشرطة العسكرية. وبحلول الصيف كان المسلحون العراقيون قد أعلنوا عن جديتهم وخطورتهم في موجة التفجيرات التي اجتاحت العاصمة العراقية.
ففي السابع من أغسطس عام 2003 انفجرت قنبلة خارج السفارة اليابانية في العراق أسفرت عن مقتل 19 شخصا. وفي التاسع عشر من الشهر نفسه وقع انفجار ضخم في مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد ما أدى إلى مقتل مبعوث الأمين العام للمنظمة الدولية سيرجيو فيارا دي ميلو و22 آخرين. ورغم أن زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي أعلن مسؤوليته عن الهجوم فإن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن بقايا جهاز مخابرات صدام حسين هو المسؤول عن هذا الهجوم. يقول مسؤول رفيع المستوى في المخابرات الأمريكية (إنها عملية بعثية صرفة.. فالعراقيون الذين كانوا يعملون في مقر بعثة الأمم المتحدة لم يذهبوا إلى عملهم في ذلك اليوم. كما أنها لم تكن هجوما انتحاريا. وقد غادر سائق الشاحنة الملغومة المكان قبل الانفجار. كما أن خبراء المتفجرات الأمريكيين اكتشفوا آثار مخابرات صدام على بقايا القنبلة).
وفي السابع والعشرين من أكتوبر عام 2003 وقع هجوم على أربعة مراكز للشرطة العراقية التي طالب صدام باستهدافها باعتبار عناصرها من المتعاونين مع الاحتلال. وقد كشفت تلك الهجمات عن تحالف مميت بين البعثيين والجماعات المتطرفة وفقا لما توصل إليه مسؤولو المخابرات الأمريكية فيما بعد من خلال استجواب أحد الانتحاريين وكان سودانيا فشل في تنفيذ الهجوم الانتحاري المكلف به. فقد أكد الانتحاري أن العملية التي كان مكلفا بها كانت تتم بالتعاون بين البعثيين وجماعة الزرقاوي. ويقول مصدر مخابراتي أمريكي إن الزرقاوي وجماعته توفر الأشخاص المستعدين لتنفيذ الهجمات الانتحارية في حين يتولى البعثيون نقلهم داخل العراق وتوفير المأوى والسلاح وتنسيق التنفيذ لهم. ومن الواضح تماما أنه كان هناك تعارض واضح بين قائد القوات الأمريكية بالعراق الجنرال ريكاردو سانشيز والحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر. وقد كان التناقض والصراع بينهما أمرا متوقعا.
فالعسكريون يميلون إلى التعامل مع الواقع بالسلاح في حين أن المدنيين والمثاليين يسعون إلى بناء عراق جديد، وكانت النتيجة فشل العسكريين والمدنيين في تحقيق أي من أهدافهم.
ولكن المفارقة أن الصراع حدث ولكن لأسباب مختلفة. فالعسكريون كانوا يسعون إلى تبني الدبلوماسية وتمكنوا من الاتصال بقادة المقاومة العراقية الأقل تشددا وبدؤوا يتفاوضون معهم، في حين أن المدنيين والدبلوماسيين كانوا يتبنون مواقف متشددة ورفضوا التفاوض مع العدو.
وقد تمكن ضباط المخابرات العسكرية الأمريكية من التوصل إلى اتفاق مع حوالي 19 عشيرة تنتمي أغلبها إلى قبيلة الدليم المتمركزة في محافظة الأنبار معقل المقاومة المسلحة في قلب المثلث السني، ولكن المحاولة فشلت بسبب رفض القيادة المدنية الأمريكية مثل هذا الاتفاق.
اعتقال صدام
وقد اعتقل صدام حسين في الثالث عشر من ديسمبر عام 2003 وكانت حقيبته مليئة بالوثائق التي تحدد هوية قادة حزب البعث الذين يديرون شبكات المسلحين في العراق. وكان اعتقال صدام حسين أول انتصار كبير للقوات الأمريكية في المعارك التي أعقبت سقوط بغداد. فبفضل هذه الوثائق تمكنت القوات الأمريكية من اعتقال 188 مسلحا في أوائل عام 2004. وأغلب هؤلاء كانت أسماؤهم موجودة في الوثائق المضبوطة مع صدام حسين. ورغم أن عزت الدوري الرجل الثاني في نظام حكم صدام حسين مازال طليقا فإن العديد من أقرب مساعديه في منطقتي الموصل وكركوك وقعوا في الأسر. كما أن شبكة تمويل مجموعات البعثيين في العديد من المحافظات العراقية تم تفكيكها تقريبا.
ويعتقد مسؤولو المخابرات المركزية الأمريكية أن اعتقال صدام أربك الجناح البعثي في التمرد العسكري بالعراق. وقال مسؤول في المخابرات الأمريكية (شخص مثل عزت الدوري أصبح رمزا أكثر منه عنصرا فاعلا. فالأحداث تجاوزته في العراق).
ولكن ضباط في المخابرات العسكرية الأمريكية كانوا في العراق أوائل عام 2004 قالوا إن عناصر حزب البعث استطاعت تجاوز أزمة اعتقال صدام وتمكنت من إعادة تجميع صفوفها في ربيع 2004 عندما كانت القوات الأمريكية مشغولة بمحاربة التمرد الشيعي الذي قاده الزعيم مقتدى الصدر في جنوب العراق ثم محاربة المسلحين وأغلبهم في مدينة الفلوجة في المثلث السني في ذلك الوقت.
تبديل أمريكي
وفي أواسط عام 2004 عادت الولايات المتحدة الى تبديل فريقها العامل في بغداد حيث خرج بريمر وسانشيز ليحل محلهما السفير جون نجروبونتي والجنرال جورج كاسي. في الوقت نفسه كانت هناك حكومة انتقالية في العراق يرأسها رئيس الوزراء المؤقت أياد علاوي. شكل نجربونتي فريقا دبلوماسيا عسكريا مشتركا لمراجعة الموقف في العراق.
وكان الاتفاق العام هو أن الأمر أصبح فوضى وأن الأمريكيين لم ينجزوا سوى القليل جدا سواء على الصعيد المدني أو العسكري وأنه لا توجد أي خطة فعّالة لمواجهة التمرد المسلح.
وانتهى الفريق سريعا إلى استنتاج أنه لا يمكن هزيمة المقاومة العراقية عسكريا ولكن يمكن تقسيمها. وبدأت محاولات الاتصال ببعض قادة المقاومة تتحول إلى سياسة غير معلنة للأمريكيين في العراق. كما بدأ المسؤولون العراقيون الموالون للأمريكيين البحث عن سبل لعزل الإرهابيين الأجانب من أمثال أبو مصعب الزرقاوي في العراق. ولكن القيادة الأمريكية تغيرت مرة ثانية في العراق هذا العام حيث غادر نجربونتي بغداد ليصبح المدير العام لأجهزة المخابرات الأمريكية. وحل محله في بغداد زلماي خليل زاده.
ولكن تغيير الحكومة العراقية كان الأكثر الأهمية حيث تولى رئاسة الحكومة العراقية إبراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة الشيعي. ويقول مسؤول مخابراتي أمريكي إن (المسلحين في العراق ينظرون إلى الجعفري باعتباره خائنا لأنه أمضى سنوات الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات في إيران. وأن الكثيرين من ضباط الجيش العراقي الجديد الذين دربناهم سواء من السنة أو من العلمانيين الشيعة الذين خدموا من قبل في جيش صدام حسين ينظرون إلى الجعفري نفس النظرة).
ثم جاء الجعفري ليزيد الطين بله بتبني سياسة انفتاحية تجاه إيران ويعتذر للإيرانيين عن الحرب العراقية الإيرانية ويعقد معهم اتفاقات اقتصادية كبرى. والحقيقة أن هناك اعتقادا شائعا في أوساط مجتمع المخابرات الأمريكي بأن الخطوات التي اتخذت في العراق حاليا في اتجاه الديمقراطية مثل إجراء الانتخابات في يناير الماضي وكتابة دستور جديد يعطي السلطة للشيعة والأكراد ويعارضه السنة تضع العراق في موقف خطير. ويعتقد خبراء الشأن العراقي في المخابرات الأمريكية أن الدستور المقترح الذي يخلق مناطق حكم ذاتي للأكراد والشيعة في المناطق الغنية بالنفط في الشمال والجنوب يمكن أن يزيد مخاطر الحرب الأهلية في العراق.
وهناك قضية ساخنة أخرى يثور حولها الجدل داخل مجتمع المخابرات الأمريكي تتعلق بما إذا كان من الضروري إجراء تغيير جذري في استراتيجية مواجهة التمرد المسلح من خلال التخلي عن عمليات الاجتياح العسكري الأمريكي الضخمة للمناطق التي يسيطر عليها المسلحون في العراق وتركيز الموارد وعمل القوات على هدف تحسين الحالة الأمنية والظروف المعيشية اليومية للعراقيين في المراكز السكنية الكبرى مثل العاصمة بغداد. يقول ضابط مخابرات أمريكي (سيطرنا على مدينة سامراء أربع مرات وفي كل مرة كنا نفقدها ويستعيد المسلحون السيطرة عليها.. نحن نحتاج استراتيجية جديدة).
ولكن من غير المحتمل أن تؤيد قيادة وزارة الدفاع الأمريكية مثل هذه الفكرة التي تعني من وجهة نظر هذه القيادة التخلي عن الأرض للعدو. والحقيقة أن أيا من ضباط المخابرات الذين تحدثوا مع مجلة تايم أو حتى قادتهم المباشرين يمكن أن يقدموا خريطة طريق واضحة نحو استقرار العراق. ولكن من الواضح تماما أن قرار غزو واحتلال العراق كان قرارا غير حكيم منذ البداية كما سبق وحذر العديد من حلفاء واشنطن في المنطقة قبل أكثر من ثلاث سنوات. ورغم ذلك فإن كل ضباط المخابرات الأمريكيين الذين تحدثت إليهم المجلة تقريبا يؤيدون استمرار المجهود العسكري الأمريكي في العراق حاليا. فهم مؤمنون بأن انسحاب القوات الأمريكية في الوقت الراهن سوف يحول العراق إلى مستنقع للفوضى وهو ما يمكن أن يهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل. ثم إن عناصر القاعدة مثل أبو مصعب الزرقاوي وغيره سوف يجدون ملاذا آمنا دائما لهم فيه. ويقول ضابط أمريكي متقاعد (نحن لم نتعامل مع هذه الحرب بالجدية المطلوبة أبدا. فنحن لم نوفر القوات الكافية. ولم نوفر المعدات الكافية ولم نختر المعدات المناسبة. ولم نتعامل مع الجانب المخابراتي في هذه الحرب بالجدية الكافية. لقد خذلنا الشعب العراقي وخذلنا قواتنا).

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
أنت وطفلك
خارج الحدود
الملف السياسي
استراحة
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
دراسة
من الذاكرة
روابط اجتماعية
x7سياسة
شاشات عالمية
صحة وتغذية
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved