مشهد
محمد العثيم
وسائل المعلومات والتجريد,, وحجب شعبة المسرح بالجامعة
أحاول هذا اليوم ان استكمل ما فاتني في حديث الاسبوع الماضي حول تفعيل الثقافة في الحياة الجديدة ومع وسائل الاتصال,, وهو حديث وصفي ولكنه ضروري لفتح باب
منهجة الثقافة والحياة لتسجيل شهادة في قضية متداولة,, ولأني لا أزال اعتقد ان الثقافات الواردة عبر وسائل الاتصال الحديثة ومنها شبكات المعلومات
والوسائل الالكترونية المختلفة لن تشكل أي خطر أو تهديد أو غزو للثقافة المحلية,, على شرط ان تلقى الثقافة الأولى النخبوية والابداع دعما كافيا يجعلها في
الواجهة بدل التفريغ الثقافي الذي تفرضه واقعية الممارسة مثل اللجوء للتسطيح الثقافي ودعمه ماديا ومعنويا بحجة انه هو اليسير والمفهوم وما يريد الجمهور
الى ما الى ذلك من مبررات,
والمهمة الأولى لوسائل الاتصال الحديثة كما يعرف المختصون- ليست ثقافية، بل تجارية، بينما تتاح فرص البث الثقافي والحوار لكل من يملك المقدرة على تقديم
مادة ذات قيمة,, كما ان للجميع الحق في الاطلاع على المعلومات المتاحة في المكتبات ومراكز المعلومات وآخر بحوث الجامعات الى ما هنالك,, ومشكلة المدينة
والوسائل الحديثة ان التميز الفردي يحول الى رقم ذي رصيد والرصيد نفسه مترجم بأرقام لا حروف مما يعني انتفاء كثير من المرجعيات والايدلوجيات والأخلاق
وتحويلها الى مقاييس رقمية للتعامل والاستفادة وهي ذات قيمة بقدر ما تدر ربحا,
هذا جعل كثيرين يصرخون في وجه المعطيات الحديثة ولكن الصراخ في وجه العالم لا ينفع وإغلاق الأبواب يجعلنا كمن يسجن نفسه في عالمه وعزلته الى ان ينتهي,
من هنا لابد لنا من ثقافة مواجهة,, وهي ثقافة لا تكون بطرح النمط التراثي فقط بل بطرح ابداع متجدد للمعطيات التراثية يفهمه العالم ونعايشه نحن في يومنا
لنكون جزءا من العالم,
وفي مثل حالنا الثقافي الخصوصية,, كما نسمّيها لم تتعرض الثقافة لتسييس كما حدث في مواطن كثيرة وان جنحت احيانا بتقنياتها الى مصطلحات تتكىء على مصطلحات
سياسية وتعبوية لكن التشكل الثقافي في الآداب والفنون أخذ ترفا وجدانيا ذاتيا رومانسيا من منطلقات الابداع الشخصي,, وقليل من التوجه في السياق القبلي,, أو
القومي, وحاول النقد تتبعه او رسم طريقه منذ الخمسينات الهجرية التي ميزت بالقراءات الكلاسيكية ثم المنهجية الغربية، واخيرا قراءات الفهم الحدثي للنص,,
وهي مراحل احيانا غرّبتنا عن روح الابداع في سياقه الحسن النية,, وجعلت في الأفق فرصة سانحة للادعاء بالتجاوز الفكري الى مفاهيم لا معنى لها من مصطلحات
السياسة أو الأدلجة أكثر منها فطرية كما هو حال المبدع الذي لمس تقنيات تجريبية من وحي النقد,, وبقينا نحاور في العاطفيات الأيدلوجية بينما العالم حولنا
يتجرد منها,
ورغم ان السياسة تستفيد من أدبيات الثقافة من الجانب العملي الواقعي- على الأقل- وأكرس كلمة أدبيات، فإن التاريخ لم يعط مثالا واحدا وجدت فيه الثقافة
والابداع نفسها في خندق واحد مع التسيس ما لم تهدد الأمة بقيمها ومعطياتها الفكرية والروحية,, وهذا يعود لسبب بسيط ومباشر وهو جنوح السياسة لحل المشكلات
الآنية في الواقع الاقتصادي وطموح الثقافة الى حل مثالي يغير الواقع المعاش نحو الأفضل من خلال الحلم المتجاوز للواقع وعند انتهاء الخطر والاستقرار تعود
الثقافة الى عالمها الحلم وعود السياسة الى الواقع ليدور الجدل حول النفع والجدوى,
وأحيانا تساق الثقافة في ركب السياسة بكل اختلافاته كما حصل في المانيا النازية أو الفترة اللينينية تظهر مقولات ايدلوجية التثاقف مثل الرفض والتغيير
ولكنها تتجه لنسف كل شيء بحال من الثورة العارمة التي قد تكون بنيت على أسس طويلة من التصورات المثالية,, بفعل ايدلوجي,, ويظهر مثقفون واقعيون شديدو
الالتصاق للواقع السياسي لا يمكن اتهامهم بخيانة أممهم لكنهم يركبون الموجة بصفتها أولى درجات تحقق الحلم, لعالم الروح المثالي كما يصورها لهم الساسة
والمؤدلجون لكنهم يكتشفون بعد حين انها ليس ولا الدرجة الأولى من الرقي بصفة الواقع يكرس نفسه مهما طال الحلم,
من هنا فإن العملية الأساسية للتثاقف في مقامها النخبوي لا تقدم الفهم الكامل بدون جعلها متراسا متقدما للدفاع وهو ما يذهب اليه هذا الحديث من ان الخوف من
عالم اليوم لن يقينا منه اذا لم ندعم ثقافات نخبوية ابداعية متوازنة للمواجهة,, تواجه العالم بعقله اليوم,
شعبة المسرح في
جامعة الملك سعود
حجبت شعبة المسرح هذا الفصل واقفلت في وجه الطلبة الذين سجلوا في قسم الاعلام اصلا للانضمام اليها,, ليس هذا فحسب بل قامت كلية الآداب بإسناد مواد في
الاعلام لأساتذتها,
مما يذكر في هذا المقام ان الشعبة بدأت تؤتي ثمارها وسدت فراغا هائلا في مجال تشد الحاجة اليه,, وقدم طلابها نماذج للعارفين بالتقنيات المسرحية جعل بعضهم
يعمل الآن مخرجا في الجامعة نفسها, بل وفاز منسوبوها بأول جائزة مسرحية سعودية في تنافس مع دول سبقتنا بعشرات السنين,
نرجو من معالي الدكتور عبدالله الفيصل مدير الجامعة وهو الرجل الحريص دائما على هذه الشُعب التخصصية ان يطلب من الكلية اعادة النظر في قرارها المبني على
آراء شخصية ربما فردية,, والا تترك المصلحة العامة في أيدٍ لا تقدرها,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved