هكذا
فهد العتيق
ضوء خلفي,,,
خرجت من البيت الى الرصيف المبتل من اثر مطر خفيف ، هطل قبل لحظات,
كنت أتأمل السماء المليئة بالغيوم، وأستمتع بهواء بارد ولذيذ,
وقفت تحت مظلة قماش امام مكتب العقار المجاور، حتى توقفت سيارة صغيرة وقديمة ترجل منها شاب طويل ونحيل يلبس نظارات سميكة تميل الى السواد,
اقترب مني فرأيت علامات الزمن بادية بشكل واضح على وجهه المتعب، توقف جواري تحت المظلة وبدأ ينظف نظارته من آثار المطر بطرف (غترته) البيضاء، لبس نظارته
فبانت ملامح وجهه وبدأت أوقن انه زميل الدراسة وصديق الطفولة الذي لم أره منذ سنين,
يا الله,, هذا هو صديقي الذي كان يجمع كتب التاريخ من المكتبات ثم يقرأها علينا، هذا هو مثقفنا الكبير الذي قرأ علينا عن البتراء وجنة عدن وعن المغول
والصليبيين و,,,, هذا هو الطالب الذي يحصل على الترتيب الاول في المدرسة كل عام,
,,, بعد عشرين عاما من العمل، سيارة صغيرة منتهية الصلاحية ووجه متعب و,,,
لم اره منذ كنا نفتش عن مستقبلنا وفي الطرقات الضيقة للحارة، لم اره منذ كنا نركض في الشوارع طويلا حتى كلت اقدامنا، كانت روحه المرحة بعفوية تملأ اوقاتنا
بالمتعة والحب وكنت أضحك منه كثيرا وهو يحاول ان ينشىء جماعة للمسرح في المدرسة ، وحاول اقناعي بالفكرة وبقدراته حين وقف امامي بقامته النحيلة والطويلة
ذلك المساء القديم، ليقدم عرضا مسرحيا منفردا وصامتا، حتى عانقت ذراعاه عنان السماء,
بدأ المطر ينزل هادئا وخفيفا ويرشق وجهينا اللذين فوجئا ببعض ، اقتربت منه وعرّفت بنفسي، فسألني باندهاش: أنت,,,,، وبادرني: هل تسكن هنا؟
قلت: نعم,, وأنت؟
،- أجاب: اسكن في منطقة نائية,
،- سألته: كيف وأين عملت طوال عشرين عاما؟
،- قال بهدوء حزين: بعد التخرج عملت عشر سنوات في وظيفة لا احبها، ثم حولت الى مدرس فتعينت في منطقة نائية لمدة خمس سنوات والآن اعمل مدرسا في الرياض منذ
قرابة خمس سنوات,
،- وماذا عن الزواج والاولاد؟
،- قال وهو يضحك: لازواج ولا اولاد,,
،- سألته ,, كيف؟
،- وضعت مالي الذي ادخرته من الوظيفة في ارض للمساهمة قبل عدة سنوات، وحتى الآن لا اعرف شيئا عنها، وكل من سألته قال لي ان صاحب الارض مديون وان (فلوسنا( ،
لا امل في عودتها!!، ذهبت الى قريبي الذي ورطني في المساهمة، قال لي بالحرف الواحد: هذا هو حظك؟!,
،- وماذا عن الحقوق المدينة؟
،- يقولون: ان الرجل مسجون لانه معسر، لقد خدعوني ياصديقي,
كانت السماء مليئة بغيوم سوداء، وكنت ارى في عيني صديقي آثار جروح وحزن عميق ، وبدا لي بضحكته الصافية، كأنه يخفي رغبة في البكاء,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved