أول قرار اتخذه المؤسس بشأن الصحافة هو إنشاء جريدة أم القرى
الهدف الأول من إنشاء الإذاعة كان خدمة الحج وأداء وظيفة الدعوة
رسائل الملك عبدالعزيز حوت أهم مقومات الرسالة الإعلامية بالمفهوم الحديث
كما أشار في كتابه المذكور إلى بدء انتشار الراديو في مناطق المملكة، وإلى تعلق الناس به ومتابعتهم لما يذاع، وتمنى ، بالمناسبة ، على الحكومة السعودية
النظر في إمكانية استخدام مكبرات الصوت في الحرمين الشريفين، لإسماع المصلين خطبة الجمعة ، ولنقل مناسك الحج، خصوصاً أن الكهرباء كانت متوافرة في الحرمين
الشريفين منذ مطلع الأربعينيات الهجرية ، وبتتبع هذا الموضوع ، تبين للباحث أن استخدام المايكروفون في الحرم المكي الشريف قد بدأ في حج عام 1366ه (1947م) ،
،(8) ,
ومن بين من وصفوا اهتمام الملك عبدالعزيز بالأخبار العالمية وأشاروا إليه في كتبهم وكتاباتهم الصحفية، الكولونيل جيرالد دي جوري ، الذي قال في مقال
نشرفي مجلة المستمع العربي (9) عام 1364ه، وكان قد عمل في المملكة : إن مجتمع البادية لم يكن يعلم بالحرب العالمية الثانية ، لكنه وجد في الرياض حالة
خلاف ذلك، فكل من قابله كان يقظاً يتوق لسماع أخبار الحرب، إذ كانت أخبار الراديو تجمع مرتين يومياً لتتلى على جلالة الملك ، وكانت نشرات الأخبار تتلى
نشرة بنشرة، وقد نهج جلالته على هذا المنوال، سواء كان مسافراً أو مقيماً في الصحراء ,
ثم يقول : وقد تَبِعَنَا الراديو أينما سرنا، حيث كان جلالته يجلس في خيمته مساءً ثم يدخل عليه ثلاثة أو أربعة ، يجلسون في حلقة أمامه، يقرأ كل واحد منهم
، بدوره ، نشرة من روما ولندن ونيويورك وباريس وبرلين وهكذا، وكان جلالته يقاطعهم أحياناً ليناقشهم فيها، أو يدلي بتعليق أو تعقيب ,
ولا يوجد توثيق دقيق لتاريخ دخول أجهزة الراديو إلى المملكة ، ولكن بعض المراجع تشير إلى أنها وجدت في الحجاز ونجد في حدود عام 1354ه (10) ، فقد ذكر علي
الجفالي للباحث أن الراديو كان موجوداً عند بعض وجهاء مكة المكرمة في ذلك العام ، حيث كان يصطحبه والده في زياراته إليهم,
وأضاف الدكتور عبدالعزيز الخويطر ، الذي انتقل إلى مكة المكرمة عام 1357ه ، أن الناس كانوا يحرصون على اقتناء الراديو لمتابعة أخبار الحرب العالمية
الثانية ,
أما بالنسبة لإنشاء الإذاعة السعودية، فتتوافر معطيات عديدة ، تدل على أن الهدف الأول من إنشائها ، هو أن تكون في خدمة الحج والحجاج ، وأن تؤدي وظيفة
الدعوة والإرشاد والتوجيه الإسلامي، فلقد أقيمت في مكة المكرمة، وافتتحت مساء يوم عرفة، الأحد، ليلة عيد الأضحى المبارك عام 1368ه (2 أكتوبر 1949م)،
وألقى فيها الأمير فيصل كلمة الملك عبدالعزيز ، المرحّبة بالحجاج والداعية إلى التناصح والتمسك بأهداب الدين وجمع كلمة المسلمين (11) ,
وكان الملك عبدالعزيز قد وافق على اقتراح ولي عهده الأمير سعود بإنشاء الإذاعة، فقام وزير المالية عبدالله السليمان ، بتاريخ 13 رجب 1368ه
،(1949/5/11م)، بتوقيع عقد التأسيس في القاهرة مع شركة أمريكية لتوريد مرسلات بقوة 2,5 كيلووات (12) ,
وأصدر - رحمه الله - مرسوماً تأسيسياً للإذاعة في 1368/9/23ه ( 1949/7/19 م)، أوكل فيه أمر الإشراف عليها إلى نائبه في الحجاز الأمير فيصل، وفيما يلي
النص الكامل للمرسوم:
مرسوم ملكي رقم 7/3996/16/3
من عبدالعزيز آل سعود إلى جناب المكرم الابن فيصل ، سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
لقد عرض علينا الجماعة موضوع الإذاعة في جدة ، ونحن نرى فيها ما يأتي :
أولاً : ينتخب مدير أو مستشار مسئول أمام الحكومة عن محطة الإذاعة ، وما يذاع فيها ، وعن الأعمال الإدارية وهي : تهيئة المقالات والأخبار التي ستذيعها
وتدقيقها وتمحيصها ، والعمل على تحسين هذه البرامج وتمرين المعاونين وتدريبهم على هذه الأعمال ,
ثانياً : يوضع برنامج للإذاعة تشرفون عليه ، وينفذ بعد موافقتكم عليه ,
ثالثاً : يلاحظ في البرنامج :
،(أ)نشر الأخبار الخارجية كما هي ، وإنما يلاحظ عدم شتم أحد أو التعريض بأحد ، أو المديح الذي لا محل له , (ب) يلاحظ في الأخبار الداخلية الواقع ، وتلاحظ
عاداتنا في السكوت على ما اعتدنا عليه ، ونشر ما اعتدنا نشره , (ج) النظر فيما يمكن إذاعته من القرآن الكريم والمواعظ الدينية والمحاضرات التاريخية عن
الإسلام والعرب ,
يكون معلوماً والسلام ,
الختم الملكي
عبدالعزيز
وبدأت الإذاعة - خلال عام من افتتاحها - برنامجين باللغتين الأردية والإندونيسية (الجاوية)، قصد منهما مخاطبة الناطقين بهما من الحجاج، أو القاطنين منهم
في مكة المكرمة والمدينة المنورة وما جاورهما ، واستمر هذان البرنامجان بعد تطويرهما إلى اليوم,
وكانت الإذاعة - في برنامجها العربي - تذيع ثلاثاً إلى أربع فترات قصيرة في اليوم، مدتها جميعاً في حدود سبع ساعات ، مقتصرة وفق ما نص عليه المرسوم
الملكي، على القرآن الكريم والأحاديث ، والروايات، ومختارات من الأدب العربي والأخبار,
وفي غرة محرم 1371ه ، افتتح الأمير فيصل ، نائب الملك عبدالعزيز في الحجاز استوديو جبل هندي (قعيقعان) في مكة المكرمة (13) ، وتمكنت الإذاعة في العام
نفسه من البدء بنقل أذان المغرب والعشاء مباشرة من الحرم الشريف ، والاقتران مساء يوم 1371/10/19ه (1952/7/11م) ، - لأول مرة منذ افتتاحها - مع إذاعة
لندن ، لنقل حديث للأمير عبدالله الفيصل، متزامناً مع وقت إذاعته من هناك، والبدء بطبع برنامجها الشهري في مجلة بحجم الجيب,
وتوالى على إدارة الإذاعة السعودية - منذ افتتاحها وحتى عام 1373ه - كل من إبراهيم الشورى ثم محمد شطا، ثم إبراهيم فودة (تحت إشراف وزير المالية عبدالله
السليمان أو وكيله حمد السليمان ، أو مستشار المالية في تلك السنوات محمد سرور الصبان) فقد ألحقت مديرية الإذاعة - بموجب هذا المرسوم - بوزارة المالية،
ثم صدر في 1372/2/1ه (1952/10/20م) أمر من سمو ولي العهد الأمير سعود رحمه الله، يقضي بدمج مديريتي الإذاعة والحج في مديرية واحدة، ضمن وزارة المالية,
كانت المديريتان تابعتين لوزارة المالية منذ إنشائهما ، إلا أن الوزارة كونت ، في حدود عام 1355ه إدارة للدعاية للحج ، استجابة - على ما يبدو - لحرص
الدولة على زيادة عدد الحجاج ، لموجبات سياسية واقتصادية ، وربما يكون تجانس النشاط الإعلامي سبب دمج المديريتين فيما بعد ولفترة محدودة ، وخصوصاً مع وجود
إبراهيم الشورى قاسماً مشتركاً في الإشراف على الإذاعة ومديرية الدعاية للحج ,
كانت تلك ، أبرز الأحداث والتطورات التي مرت بها الإذاعة ، في السنوات الخمس التي عاشتها في ظل عهد الملك عبدالعزيز ، قبل وفاته - رحمه الله - في 3 ربيع
الأول 1373ه (1953/11/9ه) ، واتسمت هذه السنوات بعدد من السمات، التي لازمت الإذاعة في عهودها اللاحقة، منها على سبيل المثال، أن الإذاعة السعودية - ومنذ
إنشائها - ظلت إذاعة رسمية، تتكفل الدولة بالانفاق والإشراف عليها، ولم تكن فكرة الملكية الخاصة للإذاعة فكرة واردة ، كما حصل في بعض الدول العربية أو
الأوروبية والأمريكية، كما أمر الملك عبدالعزيز - بعد عام من افتتاح الإذاعة - بإلغاء الرسوم السنوية على اقتناء الراديو، وهو الرسم الذي كانت الدولة
تتقاضاه منذ منتصف الخمسينيات الهجرية (14) ، ولم تفكر الدولة باستثمار الإذاعة في مجال الإعلان التجاري ، رغم حاجتها لزيادة الموارد آنذاك,
ظلت هذه الأسس وأمثالها تقاليد إذاعية يسار عليها حتى اليوم، وصارت تلك الفترة مرجعاً لكل من يريد النظر في تاريخ هذه التقاليد والتوثيق لها ومعرفة
أسبابها ودراسة موجباتها، على أنه لا بد هنا من الإشارة إلى أن شركة أرامكو في الظهران ، كانت قد فتحت إذاعة لبث الموسيقى والأخبار إلى منسوبيها ، وذلك في
عام 1367ه، أي قبل عام واحد من افتتاح الإذاعة السعودية ,
سادساً : الملك عبدالعزيز والإعلام الخارجي
يدخل تحت هذا العنوان جملة من الأمور ، التي لم تطرق من قبل في بحوث الإعلام، ولم تعط من الاهتمام ما تستحق ، والمرجو مرة أخرى، أن يتجه الاهتمام
مستقبلاً إلى دراسة علاقة المملكة مع وسائل الإعلام غير السعودية في تلك الفترة ، ومتابعة ما صدر عنها، لمعرفة حجم التعاون معها، وصورة المملكة فيها،
وكل ما يسمى الإعلام الخارجي في عرفنا الحاضر,
ففي حدود عام 1355ه قامت مديرية الدعاية للحج في وزارة المالية بطبع الأدلة والنشرات الإرشادية لتوزيعها في الداخل والخارج ، كما أرسلت بعض موظفيها ممن
يتحدث اللغات الإسلامية مثل عبدالحميد الخطيب ، للدعاية للحج في عدد من الدول الإسلامية وهو نشاط يصب جزء كبير منه في مجال الإعلام الخارجي ,
واستطاع سفراء الملك عبدالعزيز ، الذين كانوا من خريجي مدرسته - عن اقتناعٍ بحسن مقصده وإيمان بسلامة نهجه ونواياه - أن يوظّفوا العديد من قادة الفكر في
الدول المجاورة، وبخاصة في العراق ومصر وسوريا ، للدفاع عن صفاء عقيدته ونهجه في الحكم، وحملته التوحيدية، وحرصه على إخراج بلاده من عزلتها فاستماتوا في
خدمته وأخلصوا لقيادته وزعامته ,
وذكرت وثائق الخارجية البريطانية لعام 1931م، أن فيلبي كان يرسل الأخبار إلى وكالة رويترز البريطانية، عن طريق الشركات التي كان يمثلها في المملكة ، وأنه
كان يراسل صحفاً بريطانية وهندية، كما أشارت إلى مجيء وفود صحفية بريطانية ومصرية وسورية وعراقية ,
فقد زار المملكة العديد من المراسلين الصحفيين ، من أمثال الصحفي الأمريكي نويل بوش مراسل مجلة لايف الأمريكية ، الذي أجرى مقابلة موسعة في عددها الصادر
في 1362/3/15ه (1943/3/21م) وظهرت صورته على غلافها، كما زار المملكة عدد من الصحفيين العراقيين والمصريين، لإجراء مقابلات صحفية مع الملك عبدالعزيز،
نشرت في المصور والمقطم والأهرام المصرية والدستور العراقية ,
ونشط السعوديون المقيمون في الخارج في إصدار صحف خاصة تتعاطف مع المملكة ، مثل صحيفة الرياض والحياة وجريدة العرب في بغداد، وصحيفة الحرم في القاهرة،
وأقيمت جسور التعاون مع بعض الصحف والمطابع الخارجية وأصحابها مثل صحيفة المنار المصرية ومطبعتها لمحمد رشيد رضا، ومطابع عديدة في الشام ولبنان والمغرب
والهند، للدفاع عن المملكة ومواقفها من القضايا الداخلية والخارجية (15) ، ويتضح ذلك جلياً من تتبع ما كتبته الصحف العربية والأجنبية في تلك الفترة، ومن
عشرات الكتب التي تزخر بها المكتبات، مما كتب عن الملك عبدالعزيز من مؤلفين ، أو مستشرقين عرفوه عن قرب أو عملوا معه ، إذ أحصى الزركلي مجموع ما كتب عن
الملك عبدالعزيز، حتى تاريخ صدور كتابه : شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز في الثمانينيات الهجرية ، ما يقرب من خمسة وثمانين كتاباً بمختلف
اللغات,
كتب عنه عمالقة الأدب والثقافة العرب والأجانب ، من أمثال عباس محمود العقاد والزيات والريحاني وفيلبي ، ممن التقوا به أو تعرفوا عليه ، ونظم فيه القصائد
فحول من شعراء مصر والشام والعراق، مثل أحمد شوقي وبولس سلامة وعلي محمود طه ومحمود حسن اسماعيل وخليل مطران والكاظمي والزهاوي والزركلي والخطيب,
واتسم عهد الملك عبدالعزيز بسمة إعلامية متقدمة في عصره، وهي إصدار كتب ومذكرات وثائقية لتسجيل المداولات والمفاوضات السياسية والحدودية والعسكرية،
المتعلقة بأبرز القضايا التي حدثت في تلك الفترة، فأصدرت تلك المذكرات ، التي تصب في خدمة أغراض التوثيق والإعلام والدراسات الأكاديمية التاريخية ، ومن
أمثال ذلك كتيب عن مهمة الوفد الهندي في الحجاز ، مخابرات رسمية ، 1343ه (1924م) والكتاب الأخضر النجدي ، الذي صدر بعد مؤتمر الكويت ، في شوال 1342ه
،(أبريل 1924م) ، بشأن الحدود مع العراق والأردن ، ومثل الكتاب الأخضر، الذي أصدرته مطبعة أم القرى في 1353/1/14ه (1934/4/28م)، بالتعاون مع وزارة الخارجية
والشعبة السياسية عن الخلاف الحدودي مع اليمن ، ثم صدر الجزء الثاني من الكتاب الأخضر عن العلاقة مع الإدريسي ، كما طبعت مطبعة الحكومة مجموعة من
الاتفاقيات والمعاهدات الخارجية التي تمت في عهده ,
وفي حج عام 1357ه (1937م) قام بنك مصر - بواسطة شركة مصر للتمثيل والسينما - بإنتاج فيلم عن الحج باسم بلادنا المقدسة ، وقد ظهر فيه الملك عبدالعزيز يلقي
كلمة موجهة إلى العالم الإسلامي، ضمن مناظر أخرى لأداء مناسك الحج ، وهو الفيلم الوحيد الذي ظهر فيه بالصوت والصورة (16) ، وتدل موافقة جلالته على
تسجيل هذه الأفلام ، على إدراكه لأهمية توثيق الأحداث ، فهي التي بقيت حتى الآن شاهداً على بعض مظاهر الحياة في تلك الفترة,
ولقد كان للتصوير السينمائي - التوثيقي والإخباري على وجه الخصوص - دور كبير في حفظ بعض الأحداث التي وقعت في عهد الملك عبدالعزيز، فقد تم تصوير حوالي
عشرين لقطة إخبارية لتوثيق زياراته إلى مصر والبحرين ، وتغطية احتفالات تدشين إنتاج الزيت وتصديره ، جمع صالح المحمد الذكير - الذي يحتفظ بالعديد من
اللقطات الوثائقية المصورة عن تاريخ المملكة وتطورها - حوالي ست عشرة لقطة سينمائية إخبارية منها (17) ,
هذه فصول موجزة تصور بعض نشاط الإعلام الخارجي الذي تم رصده في عهد الملك عبدالعزيز ، وهو نشاط يمكن أن يكوّن بحثاً أوسع ، لو أمكن تتبعه في وسائل النشر
الخارجية ,
سابعاً : الخطاب الإعلامي في مراسلات الملك عبدالعزيز
ظهر الملك عبدالعزيز في مطلع القرن الميلادي العشرين، ووحّد مملكة شاسعة الأطراف ، وشعباً متباين القبائل، دون أن تكون لديه إذاعة، أو صحيفة، أو مطبعة،
أو مبرقة، أو هاتف، أو آلة نسخ أو استنساخ أو تصوير ، إلا بعد مرور ربع قرن من استعادة الرياض,
لكن مراسلات الملك عبدالعزيز، وتعاميمه وخطاباته ومنشوراته ثم برقياته فيما بعد، والتي بدأت تخضع لمزيد من التحليل والاستنباط من قبل الباحثين، لم تكن
كلها مجرد رسائل أو مكاتبات ثنائية، فبينما كان بعضها موجهاً لأفراد أو جهات معينة ، تستهدف إبلاغ تعليمات أو الاستفسار عن وقائع ، كان هناك أيضاً رسائل
تُعد وسائل إعلام موجهة للعموم، في غياب وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة ، يتأسى فيها - من حيث قواعد المخاطبة وأسلوب الخطاب ومنطقه - بالسلف الصالح
والمنهج الإيماني، والوقوف عند حدود الشريعة ، وتنطوي على لغة سياسية تعبر عن منهج متميز سار عليه في إرساء دعائم حكمه ,
ظل عبدالعزيز ، يجاهد في كل اتجاه ، مدة تزيد على ربع قرن ، ولم تتهيأ له وسيلة حديثة واحدة، للاتصال أو الإعلام أو النقل حتى أكمل توحيد أجزائها، ومع ذلك
فقد ساد الجزيرة ، وأقنع أهلها، واحتوى قبائلها، واستنفر رجالها، وجند فرسانها، وأخضع أطرافها,
فاجتمع التوفيق والإيمان ، والإرادة والهمة ، والأصالة والقوة ، ووضوح الهدف وسلامة القصد، والمؤهلات الذهنية والشخصية، لتدين لحكمه القبائل والإمارات،
وتذعن لسلطته وتعلن له الولاء والتبعية,
كانت رسائله الخطية والشفوية، أهم وسيلة اتصال وإعلام، مع رعاياه المقيمين خارج عاصمته، سواء كانت معنونةلفرد أو موجهة لجماعة، أما بالنسبة لمن هم بقربه،
فإن طريقة المشافهة والالتقاء الشخصي ، كانت وسيلته النافذة,
ومع أن المراسلات الرسمية والخاصة لا تؤخذ عادة على أنها وسيلة إعلام بالمعنى الحقيقي الحديث - إذ لا تتوافر فيها كل مقومات هذه الصفة وسماتها وشروطها -
لكنها بالنسبة لحالة توحيد المملكة، كانت وسائل الإعلام شبه الوحيدة المتوافرة أمام قائدها ، وأحد أساليبه في بناء الرأي العام ,
جاء كتاب الشيخ عبدالعزيز التويجري لسراة الليل هتف الصباح 1418ه (1997م) أول محاولة متقدمة، لقراءة رسائل الملك عبدالعزيز قراءة تاريخية تحليلية
وثائقية، لكن الموضوع بحاجة إلى قراءة شاملة أخرى، تظهر كيف كانت المراسلات الخطية والشفوية فعلاً من وسائل الإعلام المؤثرة والفاعلة في يد القائد
والزعيم ، في غياب وسائل الإعلام التقليدية المتعارف عليها، أو ما يمكن أن يسمى إعلام المراسلات,
ومن يتأمل في معظم الرسائل التي تضمنها وحللها كتاب عبدالعزيز التويجري، يجد أنها قد استكملت عناصر الرسائل الإعلامية (المُرسِل ، المحتوى، الرسول،
المُرسَل إليه) ولذلك أحدثت تلك الرسائل تأثيراتها الإيجابية الجيدة، وتركت دلالتها العميقة في أوساط الجهات التي أرسلت إليها، داخلية أو خارجية,
فالمُرسل ، هو الإمام، أو السلطان، ثم الملك عبدالعزيز فيما بعد، يستهل الرسائل بنفسه أو بختمه، ويوقعها، دون ألقاب، على أنها من عبدالعزيز ذاته، فالتواضع
هنا، والطريقة المباشرة في المراسلة، كان لهما وقع خاص ومؤثر على المُرسَل إليه ,
ومضمون الرسائل، وهو أساس العملية الإعلامية ومحورها، ينبثق من فكر الإسلام وتوجهاته ومعانيه، ويتفق مع قيم المجتمع وأصالته وتقاليده، أي أنه مضمون عفوي
بسيط واضح الأسلوب والمعاني والدلالات,ويتم اختيار الرُسُل والمبعوثين بكل عناية، لشخصياتهم ومظهرهم ومنطقهم ومصداقيتهم وتخصصاتهم، لأن الأمر قد يتطلب
جهداً إقناعياً إضافياً، أو تعبيراً عن هيبة ، فهو يصطفيهم من صفوة ذويه أو مستشاريه أو مرافقيه أو موظفي ديوانه، وذلك حسب طبيعة الحال والموضوع,
فمن المعروف ، أن عملية الاتصال والإعلام تؤدي غرضها بكفاءة أفضل، كلما ارتقت في محتواها ومفرداتها واختيار عناصرها,
لم يستخدم البلاغة أو الخطابة أو الشعر، لكن الله أنعم عليه ووفقه بالحجة والحكمة والروية والنظرةالبعيدة والبصيرة، حتى عده التاريخ أحد الأفذاذ النوابغ
، الذين قادوا أمتهم في الحروب وخلّصوها من الأخطار والأطماع، وأوصلوها إلى بر الأمان,
ولو أراد أي باحث ، أن يجري مقارنة مع من عاشوا فترته، من أمثال غاندي ، لوجد أن المقارنة غير متكافئة، لأن الظروف والإمكانات غير متناظرة، والأرضية غير
متشابهة، ولا يُظن أن أحداً في العصر الحديث ، قد استطاع أن يفعل ما فعله عبدالعزيز ، أو ينجزه في مثل الظروف الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، التي كان عليها قلب الجزيرة العربية ,
إن من يقرأ في رسائل الملك عبدالعزيز ، التي كانت - في معظمها - من عباراته ، وفكره، وإملائه، لا دخل كبيراً للمستشارين في صياغتها، يجد فيها الفكر
العميق والمحتوى والتوجيه، وهي أهم مقومات أي رسالة إعلامية حديثة,
إنه يخاطب شيخ القبيلة، وأمير البلدة، وقاضي القرية، وهو قد يقصد كل من يتبعهم، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنه يعلم أن مضمون رسالته سيصل إلى كل
من حولهم ، ممن يخضعون لإشرافهم والحاضر لا بد أن يبلغ الغائب ، في منظومة عجيبة، ليل نهار ، في توجيه المستشارين والمراسلين والسفراء ومسؤولي الضيافة
والتجهيزات,
ومع أنه لم يتخرج من مدرسة حديثة ، فقد امتلك المقدرة على مخاطبة كل جهة، بما يتناسب مع عقلها وفكرها واهتمامها ، وبما ينسجم مع مقامها ومركزها ومحيطها،
والوثائق البريطانية بالذات ، والأمريكية والتركية وغيرها - التي صارت تستخرج تباعاً - تبيِّن عبقرية عبدالعزيز وحنكته ونبوغه السياسي، وقدرته على مناورة
خصومه ، وكسب الجولات الدبلوماسية قبل العسكرية ، وتظهر حسن توظيفه لأبنائه ومساعديه ومستشاريه وتوجيههم ومتابعة مهامهم التي يكلفهم بها,
وخاطب حكومة صاحب الجلالة في بريطانيا، والباب العالي في تركيا، وشريف مكة، وملك اليمن، والأدارسة، وأمراء آل رشيد، وولاة الأقاليم، والعلماء، وشيوخ
القبائل، وأمراء الألوية ، وزعماء الإمارات المحيطة ، وتبادل معهم الرسائل، التي قيل إنها تصل إلى مئات الآلاف وأصبحت تزخر بها مراكز التوثيق، مما اكتُشف
حتى الآن وحوفظ عليه، محررة بلهجة واحدة لم تتغير، لا يلحظ فيها تناقض أو تنافر أو تضارب أو اختلاف، منذ أن دخل الرياض، حتى وفاته - رحمه الله - بعد
أربعة وخمسين عاماً، فهو يطلب أدق التفاصيل والمعلومات، ويستحث التوسع في إعطاء آخر المستجدات، ويعطي التوجيهات، ثم يعد بإعطاء المزيد منها بعد حين، في
تكتيك متناغم عجيب، يد على القلم ، وأخرى على الزناد، سواءً كان في خيمته ، أو على راحلته، أو في قصره، يشعر كل من كان يراسله ، كما لو كان عبدالعزيز
متفرغاً له، ولا يشغل ذهنه إلا هو ، فهو يهتم بكل رسالة ، ولا يترك أمراً صغيراً أو كبيراً ، إلاّ حرر عليه الرد بما يستحقه ، وعندما استحدثت البرقيات،
صار يطيل الإجابة عندما يتطلب المقام والموضوع ذلك، ويختصر الرد بكلمة واحدة ، أو يستشهد بآية أو مثل عربي أو عامي أو بشطر من بيت، مما يفهمه الطرف الآخر
ويغني عن مئات الكلمات، حتى صارت بعض رسائله وبرقياته مضرب مثل في البلاغة والإيجاز والدلالة والتأثير ، كما هو شأن أسلوب التوقيع المعروف في العصور
الإسلامية الأولى , وبعد :مع هذا النجاح الباهر، الذي اعترف به كل المفكرين والقادة ، الذين عاصروه أو أتوا من بعده ، فإن جهود عبدالعزيز في مشوار
التوحيد ، لم تصدر عن إرهاب فكري، أو دعاية زائفة، فامتزج الولاء مع الحب ، والقوة مع العطف، والإحاطة مع السياسة، والهدف مع الإجراء ، حتى صارت حياته -
فكراً وبناءً وحكمة - منطقاً يخاطب العقول ويمتزج بالوجدان ,
لقد كان بإمكانه أن يصطفي لنفسه أفضل الوسائل الإعلامية المتاحة، وأن يوظف مجموعة من المستشارين المتخصصين في الحملات الإعلامية، الذين راج سوقهم أيام
النازية في عهده، لكنه اختار خطاً إعلامياً هادئاً مقنعاً ، مبتعداً عن الخطب الحماسية والمهاترات والمزايدات، لأنه كان يهدف إلى ما هو أكبر من ذلك وأرفع
، بأن يدخل التاريخ ويكون من عظمائه، بما رسمه في سياسته الإعلامية العفوية، من قول الصدق ، وسلامة التوجه ، ونبل المقصد ، والبعد عن القدح أو التعريض
بأحد,
الهوامش
،(1)مطبعة الماجدية ومطبعة شمس الحقيقة (مكة المكرمة 1327ه - 1909م) ، ومطبعة الإصلاح (الشرقية) والماجدية (جدة 1327ه - 1909م)، والمطبعة العلمية ومطبعة
الحجاز ومطبعة طيبة (المدينة المنورة 1329ه - 1910م), (المرجع : الصحافة في الحجاز د, محمد الشامخ ، دار الأمانة ، بيروت 1391ه),،
،(2) رصد المحاضر مقابلات قصيرة ومحدودة مع مندوبي صحف خارجية ، مثل الدستور العراقية والمقطّم والمصور والأهرام المصرية ولايف الأمريكية ، ومقابلة قصيرة
جداً مع صوت الحجاز ,
،(3) جورج ليبسكي: المملكة العربية السعودية، شعبها: مجتمعها وثقافتها (1959م) ،
،( 1959.New Haven, HRAF Press)its culture , Society, its people, George Lipsky: Saudi Arabia
،(4) أورد كتاب أعلام الحجاز لمحمد علي مغربي، جدة 1414ه ، أن أول محطة لاسلكي جلبت إلى المدينة المنورة في عام 1318ه (1901م) ، وأن الخط الحديدي الحجازي
افتتح في 25 شعبان 1326ه ، وفي اليوم نفسه بدأ تشغيل كهرباء الحرم النبوي الشريف ,
،(5)جريدة أم القرى العدد 87 تاريخ 1345/2/4ه ، ص 2 ,
،(6)وثائق معهد الإدارة العامة ,
،(7)استبعد البيان ذكر صحف الرياض والحياة وجزيرة العرب التي أصدرها سليمان الدخيل في بغداد ، والمشار إليها سابقاً ، كما استبعد مجلة الحرم ، التي أصدرها
فؤاد شاكر في رجب 1349ه ، وجريدة القاهرة ، التي كان يملكها الأمير فيصل بن عبدالعزيز وصدرت عام 1372ه ، على أساس أنهما ظهرتا في القاهرة ، كما استبعد
تسجيل صحف خطية، مثل صحيفة الشباب الناهض لأحمد عبدالغفور عطار، وصحيفة المعرض لعبدالله عريف ، في عام 1345ه، لأنهما أقرب إلى الصحف المدرسية الحائطية ،
كما استبعد البيان مجلة الرياض (المصورة) ، التي أصدرها أحمد عبيد في جدة عام 1373ه، لكونها صدرت بعد وفاة الملك عبدالعزيز بعدة أشهر ,
،(8) جريدة أم القرى ، العدد 1182 ، الجمعة 1366/12/16ه ، وانظر كتاب : مشاهداتي في جزيرة العرب لمؤلفه : أحمد حسن ، القاهرة 1950م ,
،(9) العدد 18 السنة الخامسة عام 1364ه (1944م) ,
،(10) يتفق هذا التاريخ مع ظهور الإذاعة في العالم العربي ، مصر 1353ه (1933م)، ثم إذاعة باري من إيطاليا باللغة العربية عام 1355ه (1935م) ثم إذاعة لندن
العربية عام 1358ه (1938م) ، ثم إذاعة برلين ، وكان أحمد إبراهيم عيسى قد ذكر في كتابه : الحجاز عام 1356ه ص 206 ، أن الراديو كان موجوداً عند بعض أهل
مكة ، بينما لم يشر محي الدين رضا إلى شيء من ذلك في كتابه المماثل الذي أصدره عام 1353ه ,
،(11) جريدة أم القرى ، العدد 1281، بتاريخ 1368/12/23ه (1949/10/14م)، وتتضمن نص كلمة الملك عبدالعزيز ، وقد جاء في وصف الحفل ، أن الإذاعة افتتحت بصوت
عبدالرحمن نصر، وهو أحد المصريين ، الذين استعانت بهم الإذاعة في بداياتها، وكان مديراً لوكالة الأنباء العربية في القاهرة، ويعتقد الباحث أنه مؤلف كتاب
: عاهل الجزيرة ، المطبوع في مطبعة مصر بالقاهرة بدون تاريخ ,
،(12) أنظر كتيب قصة الإذاعة في ثلاثة أعوام - 1369ه و1370ه و1371ه ، وانظر جريدة الحوادث المصرية العدد 64 في 1949/4/11م، التي أجرت مقابلة مع وزير
المالية ,
،(13) جريدة أم القرى ، العدد 1381 ، يوم الجمعة 1371/1/4ه (1951/10/5م),،
،(14) خطاب رئيس ديوان جلالة الملك الموجه إلى نائب جلالته برقم 4393/2/21 وتاريخ 1369/12/5ه ، المبني على قرار مجلس الشورى (وثائق معهد الإدارة العامة),،
،(15) أوردت الوثائق البريطانية رسالة من الملك عبدالعزيز إلى محمد رشيد رضا (صاحب المنار المصرية مؤرخة في 1332/10/2ه وقد صادرتها رقابة البريد
،(الاستخبارات البريطانية),،
،(16) يوجد ضمن وثائق معهد الإدارة العامة مراسلات دارت في أواخر عام 1358ه بين الديوان الملكي ووزارة الخارجية والسفارة السعودية في القاهرة ، تبيّن أن
الفيلم قد صور بموافقة الديوان ، بالإضافة إلى معلومات أخرى مفيدة ,
وأوردت وثائق الخارجية البريطانية معلومات عن لقطات سينمائية صورها اثنان من الحجاج الهنود ، وعرضت عرضاً خاصاً في فندق هايدبارك بلندن في 1353/8/9ه
،(1934/11/16م)، أمام أغا خان واللورد لويد,
،( عن سيرة الملك عبدالعزيز ، وأنه قابل جلالته Fiction( كتب سيناريو فيلم خيالي )Kuharskyكما أوردت تلك الوثائق أن المنتج (أو المخرج) السينمائي كوهارسكي )،
في الرياض ، لكن الفكرة رفضت بسبب طبيعتها غير الواقعية,
أما بعد وفاته ، رحمه الله ، فقد جرت عدة محاولات لإنتاج أفلام عن سيرته ، لم يتحقق منها إلا فيلم (جزيرة العرب) الذي أنتجته أرامكو عام 1375ه (1955م) ,
،(17) أرسل بياناً بها في رسالة خاصة إلى الباحث بتاريخ 1418/11/17ه ,
المصادر والمراجع
مصادر الوثائق : - مجلس الشورى , - مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية , - معهد الإدارة العامة ,
،- مكتبة الملك عبدالعزيز العامة , - مجموعة الوثائق البريطانية والأمريكية , دارة الملك عبدالعزيز ,
الكتب : 1- مديرية الإذاعة : الإذاعة السعودية في ثلاثة أعوام ، 1371ه ,
2- التويجري، عبدالعزيز : لسراة الليل هتف الصباح، لندن ، 1418ه (1997م),،
3- الجاسر ، حمد ، مجلة العرب المجلد الخامس ذو القعدة 1386ه مارس 1967م,
4- حسن ، أحمد : مشاهداتي في جزيرة العرب القاهرة 1950م ,
5- الزركلي ، خير الدين : شبه جزيرة العرب في عهد الملك عبدالعزيز ، بيروت 1985م ,
،6- الشامخ ، محمد : الصحافة في الحجاز ، دار الأمانة، بيروت 1391ه,
،7- عيسى ، أحمد إبراهيم : الحجاز في عام 1356ه , مطبعة الاعتماد ، القاهرة ,
،8- ليبسكي، جورج : المملكة العربية السعودية 1959م , 9- مغربي، محمد علي : أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر ، أربعة أجزاء ، جدة
،1414ه ، وكتاب الحياة الاجتماعية في الحجاز في القرن الرابع عشر (1402ه)، منشورات تهامة, 10- النجعي ، علي بن محمد : القوة الثالثة : مطابع العبيكان،
الرياض 1417ه,
الصحف والمجلات :
،-جريدة أم القرى ، الأعداد 87، 1182 ، 1281 ، 1381، 1436 ,
،-جريدة الحوادث المصرية العدد 64 جريدة المستمع العربي العدد 18
اتصالات خاصة : - الأمير سلطان بن عبدالعزيز ، عبدالله بلخير ، د, عبدالعزيز الخويطر ، صالح الذكير ، علي النفيسي ، وأحمد عبدالجبار ,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved