Friday 12th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 24 ذو القعدة


الطفيليون في التراث العربي

يُنسب الطفيليون في التراث العربي الى,, طُفيل العرائس.
والطفيليون,, هم, المتهافتون على الموائد,, بدون دعوة,, والمتكالبون على,, الولائم,, من غير ان يعزمهم اهلها.
عدتهم في ذلك سماكة جلد الوجه,, وبرادة الدم,, والتنازل عن الكبرياء,,
واسقاط الكرامة.
فلا,, يأنفون من التوبيخ ولا يزعلون من,, البهدلة,, ولا تجرحهم الاهانة,, ولا يوجعهم الاستخفاف بهم وازدراؤهم.
قال طفيل العرائس مؤسس,, الطائفة الطفيلية مرسياً مبدأها,, ومرسياً,,دستورها:
اذا,, دخل احدكم عرساً فلا يتلفت تلفت المريب,, وعليه ان يتخير,, افضل الامكنة في المجالس,, واذا دخل الى حفل عرس, فليمض ولا,, ينظر في عيون الناس,, حتى يظن اهل المرأة انه من اهل الرجل ويظن اهل الرجل انه من اهل المرأة واذا,, كان البواب,, وقاحاً,, فأبدؤوا,, به,, وكلموه,, بلهجة الامر,, والنهي,, دون ان تغلظوا,, له القول,, لكن,, تمرجحوا,, بين النصيحة والادلال!!
انتهى,, كلام طفيل.
وقال كبار الطفيليين: ليس في الارض عود اكرم من ثلاثة اعواد,, عصا موسى وخشب منبر خليفة المسلمين وخوان الطعام.
ونقش وجيه من وجهاء بني طفيل وهو ابو العرنين الطفيلي على خاتمه,, اللؤم شؤم,, ويروى ان طفيلياً مر على قوم وعندهم وليمة فاقتحم عليهم المجلس واتخذ له مكاناً بينهم فأنكروا تصرفه واستهجنوا فعلته وقالوا,, موبخين ساخرين:
لو,, تأنيت او,, وقفت حتى يؤذن لك او يُبعث اليك او تُدعى,.
فقال: انما اتخذت البيوت ليدخل فيها ووضعت الموائد ليؤكل عليها,, وما حملت هدية حتى اتوقع الدعوة,, والحشمة قطيعة,, وطرحها صلة,, ولقد دعينا الى ان نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا,, ثم انشد قائلاً
كل يوم ادور في عرصة الدار
اشم القتار,, شم الذباب
فاذا,, ما رأيت,, آثار عرس
او دخان او دعوة الاصحاب
لم اعرج دون التقحم لاارهب
طعناً او لكزة البواب
مستهيناً بمن دخلت عليهم
غير مستأذن ولا هياب
فتراني الف بالرغم منهم
كل ما قدموه لف العقاب
ومن اشهر الطفيليين اشعب الطماع,, سئل يوماً ما هو اقصى طمعك قال مانظرت الى اثنين يتناجيان الا ظننتهما يأمران لي بصلة.
وأشعب هو رمز الطمع في التراث العربي حتى قيل اطمع من اشعب.
مر اشعب على رجل يصنع طبقاً فقال له سألتك الله ان توسعه فقال الصانع وما شأنك به فقال لعل صاحبه يهدي الي به الطعام!!
وساوم رجلاً يبيع الاقواس,, فقال له ان القوس بدينار فقال اشعب:
والله لو انها ترمي طائراً في السماء ويقع مشوياً بين رغيفين مادفعت فيها دينارا!!
ومن طرائفهم ان طفيلياً سئل اثنان في اثنين كم تساوي فقال اربع رغفان! وشم احدهم رائحة طعام عند اهل بيت ووجدهم اغلقوا الباب دونه فتسلق الجدار ونزل عليهم قائلاً منعتوني من الارض جئتكم من السماء!
ومن نكتهم ان احدهم رأى جماعة يأكلون فجلس معهم دون معرفة فقالوا له موبخين.
هل تعرف احدا منا؟!
فأشار الى الطعام وقال هذا!!
اما اكثرهم استماتة في تطبيق الدستور الطفيلي فقد اقتحم المائدة على جماعة وقال في شفحة ودناعة ماذا تأكلون,, فقالوا,, نأكل سماً فقال,, الحياة بعدكم حرام!!
قال المغني ابراهيم الموصلي في طفيلي كان يلازمه
نعم النديم نديم لا يكلفني
ذبح الدجاج ولا ذبح الفراريج
يكفيه لونان من كشك ومن عدس
وان يشاء فزيتون بطسوج
والطسوج نوع من المكاييل.
وقال احدهم
نحن قوم اذا دعينا اجبنا
ومتى نُنس يدعنا التطفيل
ونقل علنا دعينا فغبنا
وأتانا فلم يجدنا الرسول
وقال آخر
دعوت نفسي حين لم تدعني
فالحمد لي لا لك في الدعوة
وكان ذا احسن من موعد
مخلفه يدعو الى الجفوة
ودخل طفيلي على رجل,, يكره رؤيته
ازوركم لا اجازيكم بجفوتكم
ان المحب اذا مالم يزر زارا
ومما قالوا
الا ليت لي خبزاً تسربل رائباً
وخيلاً من البرني فرسانها الزبد
فأطلب فيما بينهن شهادة
بموت كريم لا يشق له لحد
ومن حكاياتهم ان رجلاً كبيراً في السن وشاباً خرجا الى البر كان الشيخ الكبير متخلع الاسنان اما الشاب فيأكل القرص الوحيد الذي يصنعانه ثم يجلس يحكي للشيخ عن حبيبته ويبكي من العشق واسم الصبي جعفر فقال الشيخ
لقد رابني من جعفر ان جعفرا
يطيش بقرصي ثم يبكي على جمل
فقلت له لو مسك الحب لم تبت
سمينا وانساك الهوى شدة الاكل
فرد عليه الشباب قائلاً
اذا كان في بطني طعام ذكرتها
وان جعت يوماً لم تكن لي على ذكر
ويزداد حبي ان شبعت تجدداً
وان جعت غابت عن فؤادي وعن فكري
ولهم في الحرص حكاية ان احدهم كان يعشق فتاة ويظهر لها شدة الحب والهوى الى ان سألته يوماً ان يقرضها نصف درهم فانقطع عنها وكلما رآها في طريق سلك طريقاً آخر فما كان منها الا ان صنعت له نشوقاً وأقبلت عليه به فقال ماهذا؟ قالت نشوق صنعته لهذا الخوف الذي فيك فقال اشربيه انت للطمع الذي فيك فاذا انقطع طمعك انقطع خوفي وقال الابيات
اخلفي ماشئت وعدي
وامنحيني كل حد
قد سلا بعدك قلبي
فاعشقي من شئت بعدي
انني آليت الا
اعشق من يعشق نقدي
وقيل لأشعب
ما احسن الغناء,, قال نشيش المقلى
يقصد صوت الطعام وهو يقلى
قيل فما,, اطيب الزمان؟
قال اذا كان عندك ما تنفعه
وله,, هذان البيتان المشهوران:
الا اخبرت اخباراً
اتت في زمن الشدة
وكان الحب في القلب
فصار الحب في المعدة!!
وقال هشام اخوذي الرمة لرجل اراد سفراً ان لكل رفقة كلباً يشركهم في فضلة الزاد فان استطعت ألا تكون كلب الرفاق فافعل!!
هذا,, جزء بسيط من تاريخ التطفل والدناعة في التراث العربي.
اما في الحاضر فان لهم ايضاً اخبارهم وحكاياتهم.
ولعل المتوافدين والمتوافدات على الاعراس ببراقعهن لا احد يعرفهم او يعرفهن هو امتداد لهذه الفئة فهل نستطيع ان نؤرخ لهم ونكتب عنهم بالاسم كما كتب السالفون,,
طبعاً,, مستحيل.
ريميّه

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
فروسية
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved