Friday 12th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 24 ذو القعدة


الخرافة والشعوذة
انتكاسة يشهدها الفكر العقلاني في المجتمعات الغربية والدجالون يمهدون الطريق لحوادث الانتحار الجماعي

تشهد الأوساط الثقافية والسياسية في فرنسا، نقاشا واسعا حول تزايد نشاط المشعوذين، والطوائف الدينية الغريبة التي باتت تهدد الأمن القومي في موطن ديكارت ابي العقلانية الحديثة.
وقد دخل هذا النقاش المحتدم الى البرلمان الفرنسي، بعد حادثة اكتشاف جثث 16عضوا في طائفة الهيكل الشمسي، بينهم ثلاثة أطفال كانوا قد انتحروا بشكل جماعي، باحراق أنفسهم في غابة بمنطقة ايزر قرب مدينة غرونوبل جنوب فرنسا، وأعادت هذه الحادثة الى الأذهان صورة تسميم آلاف الأشخاص، في مترو طوكيو من قبل طائفة الحقيقة المطلقة وكذلك انتحار 53 عضوا آخرين من طائفة الهيكل الشمسي نفسها، كانوا قد أحرقوا جثثهم في معابد تابعة لهذه الطائفة في كندا وسويسرا خلال شهر تشرين الأول عام 1994م.
وقد شكلت بعد حادثة غابة أيزر المذكورة لجنة برلمانية للتقصي حول مخاطر الطوائف الدينية في فرنسا، ورفعت هذه اللجنة تقريرا الى رئيس المجلس الوطني الفرنسي، طالبت فيه بتأسيس مرصد للطوائف الدينية يكون تابعا بشكل مباشر لرئاسة الحكومة، لمنع تكرار حوادث الانتحار الجماعي, كما طالبت اللجنة بسن قانون خاص لحماية الأطفال القاصرين، من تأثير وسطوة الطوائف الدينية, وخلال نفس الفترة، قامت لجنة خاصة تابعة لمديرية الاستخبارات العامة الفرنسية باعداد تقرير مطول عن نشاط الطوائف الدينية، يقع في أكثر من ألف صفحة، ونشرت بعض المقتطفات منه في الصحف الفرنسية.
وقد أحصت هذه اللجنة 173 طائفة دينية في فرنسا، يصل العدد الاجمالي لأتباعها الى 130 ألف شخص وصنف خبراء الاستخبارات، هذه الطوائف الى 3 فئات، أخطرها الطوائف الألفية وهي تظهر خلال العقود الأخيرة من كل ألفية من الزمن، وتتوقع هذه الطوائف، نهاية العالم مع نهاية هذه الألفية، وكثيرا ما يدفع زعماء هذه الطوائف اتباعهم، الى الانتحار الجماعي، للنجاة من كارثة نهاية العالم,, وتعد طائفة الهيكل الشمسي أشهر الطوائف الألفية الحالية التي يصل عددها في فرنسا الى 15 طائفة.
أما الفئة الثانية من الطوائف الدينية الغريبة، التي تزخر بها فرنسا، فهي أقل خطورة من الأولى، وهي طوائف تقوم على مبدأ معارضة كل ما له علاقة بالعلوم، والتكنولوجيا الحديثة، لذلك، فهي تمنع أتباعها من التداوي في المستشفيات أو تناول أية حقن أو أدوية، مما يعرض هؤلاء الأتباع لمخاطر الأمراض، والموت أحيانا، وعدد هذا النوع من الطوائف في فرنسا 18طائفة ، أشهرها فرسان اللوتس الذهبي، والحلف العلمي، وأما بقية الطوائف وعددها 140 طائفة فانها لا تشكل خطرا مباشرا على حياة اتباعها، وأغلبها تعتنق المبادىء والتعاليم البوذية، أو الهندوسية،والفرنسيون يقبلون عليها بكثرة مدفوعين بالفضول، وبمتعة التغيير، حيث ان تلك التعاليم تستهويهم، لما فيها من جوانب وميول غرائبية جديدة عليهم, ويرجع الباحثون الاجتماعيون أسباب الاقبال المتزايد على الطوائف البوذية، والهندوسية، الى انسداد الأفق الفكري، أمام الأجيال الجديدة، في خضم التحولات السياسية العالمية، وانهيار الايديولوجية التقليدية، بالاضافة الى انتكاسة يشهدها الفكر العقلاني في المجتمعات الغربية عموما، منذ مطلع الثمانينات، بسبب تصاعد الأزمات الاقتصادية، والمعيشية، مما يدفع بأعداد متزايدة من الناس الى الارتماء في أحضان الخرافة، والشعوذة، بدافع اليأس من أحوالهم المتأزمة,.
وتمتلك الطوائف البوذية قرابة 300 فريق، أو مجموعة صلاة كما يسمونها، منتشرة في كامل أرجاء فرنسا، وهي تضم بين اعضائها، عددا من المشاهير، ونجوم الفن، مثل النجمة السينمائية اللامعة في الساحة الفرنسية الفنية إيزابيل ادجاني ، والمطربة المشهورة فانيسا برادايز.
وقد دفع ازدياد عدد المعتنقين للبوذية في فرنسا، الى اعتراف وزارة الداخلية الفرنسية في سنة 1988 بأن الديانة البوذية ديانة رسمية في فرنسا.
وبالرغم من ان هذه الفئة الثالثة من الطوائف الدينية تعد أقل خطورة من الفئتين المذكورتين أولا، إلا ان العديد من زعمائها كثيرا ما يستغلون رضوخ اتباعهم وانبهارهم بالقيم الغريبة التي يروجون لها من أجل ابتزازهم ماليا، وقد اقترحت اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها مؤخرا في فرنسا ملاحقة زعماء هذه الطوائف، بتهم الاحتيال والابتزاز، وتطبيق قوانين محاربة لتشكيل جمعيات الأشرار على الطوائف الأخرى الأكثر خطورة، وحظر نشاطاتها واجتماعاتها العمومية بتهمة الإخلال بأمن فرنسا , واذا كان البرلمان الفرنسي حاليا، بصدد التفكير في سن قوانين صارمة، ضد الطوائف الدينية، فان المشعوذين بالمقابل لا يخشون أية ملاحقة قضائية، وبالرغم من ان المادة 504 من قوانين العقوبات الفرنسية، تنص على معاقبة كل من يمتهن التنبؤ بالمستقبل إلا ان السلطات العمومية لا تقوم بأية متابعة ضد المشعوذين.
ويفسر جان فرينيه وهو أحد أشهر المنجمين الفرنسيين في مارسيليا وباريس , احجام السلطات عن ذلك، نظرا الى ان مصلحة الضرائب تأخذ من كل منجم نسبة 18% من مجموع أرباحه الخيالية.
الأمر الذي يعود الى خزائن الدولة بمبلغ محترم جدا، ويعادل 10 ملايين فرنك فرنسي سنويا فقط.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
فروسية
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved