وجهة نظر الفقر مشكلة القرن القادم 3 د, محمد يحيى اليماني * |
لانكون قد ابتعدنا عن الصواب اذا قلنا ان حل مشكلة الفقر يكمن في انتشال من يعاني من هذه المشكلة من براثن الفقر وجعله قادرا على اكتساب دخل يكفي لتوفير المتطلبات الضرورية للحياة الكريمة وهذا الحل لا يتأتي عن طريق منح المساعدات والهبات التي تعمل على توفير سلع وخدمات استهلاكية للمجتمع ينتهي مفعولها بمجرد استهلاكها ويظل الفقير معتمدا على هذه الهبات والمساعدات للحصول على ما يحتاجه, لكن يكمن الحل في توفير رأس المال بنوعيه البشري والمادي للمجتمعات والفئات التي تعاني من هذه المشكلة فتعليم وتدريب وتأهيل الفرد يجعله قادرا على دخول سوق العمل وعلى المنافسة والحصول على عمل مناسب وتوفير الآلات ورأس المال المادي بشكل عام يعمل على ايجاد فرص العمل القادرة عل استيعاب العديد من العاطلين عن العمل, فكلا الامرين ضروريان فلا يكفي وجود احدهما في ظل غياب الاخر إذ لا معنى لوجود الاشخاص المؤهلين القادرين على العمل في ظل عدم وجود فرص عمل شاغرة، كما ان وجود فرص عمل شاغرة تتطلب قدرا معينا لمن التدريب والتأهيل غير متاح ليساهم بشكل كبير في تشغيل وتوظيف العاطلين عن العمل.
وعلى الرغم من اهمية الاستثمارات بالنسبة للدول النامية الا ان الكثير منها يواجه صعوبة بالغة في الحصول على القدر الكافي منها نظرا لتدني الدخول وعدم توافر البيئة الاستثمارية المناسبة للاستثمارات الاجنبية والمفترض بالنسبة للدول النامية ان تنمو الاستثمارات سنويا بمعدل يفوق معدل النمو في عدد من السكان حتى تكون قادرة على الخروج من دائرة الفقر والارتقاء بمستويات معيشة سكانها لكن الحاصل في الوقت الحاضر هو العكس تقريبا الامر الذي يعني ببساطة اسهلاك ما لدى المجتمع من اصول رأسمالية وعدم تمكنه من تعويض ما يفقدة سنويا وبعد هذا كافيا جدا لابقاء هذه المجتمعات في دائرة الفقر ولفترة زمنية طويلة ومما يزيد الحالة سوءا ان الدول النامية بحاجة الى استثمارات ضخمة جدا ولفترة زمنية طويلة ولتوضيح الصورة تشير بعض الدراسات الى ان الفرد في الولايات المتحدة الامريكية بحاجة الى استثمارات بشرية ورأسمالية قيمتها 240 الف دولار امريكي ليكون قادرا على العمل والانتاج واذا كانت الاستثمارات مهمة للدول الفقيرة وهي غير قادرة على توفيرها بمصادرها الذاتية فمن اين تحصل عليها بكميات كافية؟ ربما يمكن ذلك عن طريق الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي يكثر النقاش حول جدواها وما اذا كانت ستعمل على مساعدة الدول النامية في حل مشاعلها ام ستعمل على تكريس هذه المشاكل.
واذا كان الاستثمار مهما بالنسبة للدول الفقيرة وشرطا اساسيا للخروج من دائرة الفقر فان كذلك بالنسبة للدول الغنية للابقاء على مستويات المعيشة عند معدلاتها المرتفعة بل لابد ان يكون هناك زيادة مستمرة في الاستثمار قادرة على تلبية حاجات الاجيال الجديدةويقع الكثيرون في الخطأ عندما يتصورون ان الموارد الطبيعية تمثل مصدرا دائما لمستويات المعيشة العالية ومرد الخطأ ان هذه الموارد قابلة للنضوب واسعارها عرضة للتقلبات الشديدة، لكن يمكن النظر اليها على انها مصادر جيدة لتوفير الموارد المالية اللازمة لعملية الاستثمار ولو نظرنا الى واقعنا المعاش لوجدنا ان مستويات المعيشة العالية والمستمرة مرتبطة بالاستثمارات المرتفعة سواء في الجانب البشري او في الجانب الرأسمالي والتي تؤدي الى زيادة معدلات الانتاجية وزيادة الدخول ويمكن ان توفر الموارد الطبيعية مستوى معيشة عالية لفترة زمنية قصيرة نسبيا ما لم تستثمر عوائدها وانفقت على السلع والخدمات الاستهلاكية فقط ويمكن تشبيه عوائد الموارد الطبيعية في حالة انفاقها على السلع والخدمات الاستهلاكية فقط بمن يرث مدخرات ينقق منها على ما يحتاجه ولا يستثمر جزءا منها لضمان الحصول على دخل في حال نفادها ، فهذا سيجد نفسه يوما ما قد نضبت هذه المدخرات وسيتأثر حتما مستوى معيشته.
* جامعة الإمام محمد بن سعود - قسم الاقتصاد الإسلامي
|
|
|