Monday 15th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 27 ذو القعدة


يارا
أبكي على ما جرى لي يا هلي
عبد الله بن بخيت

وقعت هذه الأيام في هواية جديدة, فقد كنت اسمع كل يوم عن برنامج الفوتوشب الذي يعالج الصور ويسمح لك بالابداع اذا اردت دون موهبة فنية في الرسم, وفي كل مرة منذ سنوات انوي ان اتعلمه او على الاقل افهم خصائصه لكي انضم لطائفة الفنانين بلا كلفة, وبعد تردد طويل عقدت العزم واشتريت نسخة منه مع كتاب تعليمي, فلا يمكن لعاقل بالغ ان يكون بلا هواية فنية تهفهف على روحه امام هذا الجفاف المنتشر في كل الانحاء والرسم اما ان ترسم مثل الناس وهذا صعب يحتاج الى تعلم منذ الطفولة, او تعفط في الالوان والريشة وتقول ان هذا رسم حديث, ولأني لا اقدر على الاثنين (الرسم الحقيقي وتعفيط الألوان) رأيت ان الصنعة الالكترونية يمكن الالمام بها في اي وقت,, شكرا للمهندسين.
على فكرة انا تواق دائماً لاكتساب مهارة فنية فقد بدأت في طفولتي بتعلم العزف على الناي (البوص) وبدأت بالفعل امتلك المقدرة على العزف على هذه الآلة الحزينة, ولكن والدي رفض رفضاً قاطعاً ان امضي قدماً في تعلمه في المنزل, فشق علي مواصلة العزف في الشوارع فهدرته, مؤخراً اشتريت ناي متوسط المستوى، على اساس انني الآن اصبحت سيد البيت كما ظننت ولن يمنعني احد ولكن الأمر اختلف, فأطفالي ظنوه لعبة, ففي كل مرة ابدأ العزف يتحلقون حولي ويطالبون بدورهم في التزمير, خلصت من ابوي الله يرحمه وطحت في عيالي.
اما قصة التعلم الحقيقية فهي قصتي مع العود,, فقبل سنوات بدأت تعلم العزف على العود، فاشتريت عودا من الحلة وفي تلك الايام لا يوجد من يعلمك اي نوع من الفنون فلا معاهد ولا مدار س(وهل تغير شيء اليوم لك الحمد والشكر!!) المهم بدأت في الدندنة وتقليب الأوتار, وبعد شهرين من العمل المضني توصلت الى عزف مقدمة (أبكي على ما جرى لي يا هلي), وكان ذلك نصراً عظيماً, وقد اكد ذلك احد اصدقائي عندما قال: ان هذه المرحلة التي قطعتها في شهرين كلفت محمد عبده سنة كاملة للوصول اليها، فتشجعت وقررت الخروج من مقدمة (ابكي) الى وسطها ثم آخرها لأنتقل بعد ذلك الى اغنية اخرى واخرى الى ما لا نهاية واصبح فنانا, وبعد ثلاثة اشهر اخرى من العمل الجاد اكتشفت اني اصبحت قادراً على عزف مقدمة (ابكي) بصورة نموذجية, ولكنني لم ابرحها بعد, فنصحني صديق: ادا اردت الخروج من عنق الزجاجة الفنية هذه فعليك ان تغني بصحبة العزف, منها ان تطور التوافق بين العزف والأداء وفي الوقت نفسه تسلك الحلق, وهذا يكسبك الثقة مما يساعد على التقدم, نفذت الوصية وبعد خمسة عشر يوماً اصبحت اتقن مقدمة (أبكي) عزفاً وعناء، لكني لم اتزحزح عن البيتين الاولين (ابكي على ما جرى لي يا هلي قبلي انا في المحبة مبتلي ولا حصل من يحل المشكلي).
وعندما ذهبت فترة الانتشاء احسست بأني في موقف لا احسد عليه, تصور انك تردد مدة ثلاث ساعات متواصلة كلمتين (ابكي على ما جرى لي يا هلي قبلي انا في المحبة مبتلي) ثم تعيدها ثم تعيدها, وتسكت لتلقط نفسا ثم تعود اليها من جديد (ابكي على ما جرى لي يا هلي,, ) والمشكلة ان الانسحاب اصبح مستحيلاً, لان معظم اصدقائي ومعارفي ينتظرون ان أكون فنانهم الذي يفخرون به, فاصبح بيني وبينهم عقد صامت, فلا بد إذاً من الخروج من هذا النفق الفني المروع, وامام هذا التحدي العصي لمعت في ذهني فكرة خلاقة,, حيث قررت ان ارجىء التطور الكمي واسعى في طلاب التطور النوعي, وبالفعل بدأت اشعر انني انتقلت الى مرحلة الابداع الحقيقي حتى قبل ان اتجاوز عقدة مقدمة (ابكي).
سألت نفسي لماذا (أبكي)؟ لماذا البكاء واللغة العربية لغة ثرية؟ فغنيت اول مرة من باب التجربة (احزن على ما جرى لي يا هلي) وهذه قريبة من ابكي, فلاقت استحسان الجماهير المتشوقة، بعدها انطلقت في سموات الابداع لا ألوي على شيء, فكنت ابدأ بأن اغني (أبكي على ما جرى لي ياهلي) واذا شعرت الجماهير بالملل غنيت لهم (اشكي على ما جرى لي يا هلي) واذا جاء ضيف غنيت (ارحب على ما جرى لي يا هلي,,) وفي منتصف الحفلة اغني (ابسط على ما جرى لي يا هلي) ثم وقبل السرية والنوم اغني (اسكت على ما جرى لي يا هلي) بل في بعض الاحيان لا اقف عند حدود العواطف والشكاوى, بل اتحول الى نوع من الدراما واكسب الفن نوعا من الحركة حيث اغني (امشي الى ما جرى لي يا هلي) وايضا (اوقف عند ما جرى لي يا هلي) وبذلك اصبحت الفنان الوحيد في العالم الذي يستطيع ان يخصص اغنية لكل واحد من جماهيره على حدة فالحزين اغني له (احزن على ما جرى على يا هلي) والطفشان اغني له )اطفش على ما جرى لي يا هلي).
فاكتشفت بانني لم اعد ذلك الفنان الجامد المحجور في المقدمة فأفقي يتسع بسعة افعال اللغة العربية بأسرها.
اسوق هذه التجربة الثرية لأقول انه في كل مجال من مجالات الابداع هناك مخرج سري لانعدام الموهبة اذا اكتشفته فلن يعرف احد هل انت موهوب ام دخيل؟ بلغة اخرى هل انت مع الابداع النوعي ام مع الابداع الكمي؟ فتش في الجرائد وفي اسواق الفن لترى كم (ابكي على ما جرى لي يا هلي) فيها, وعندما نستمع لهذا النوع من الابداع علينا جميعاً ان نردد (اضحك على ما جرى لي يا هلي).
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الاقتصـــادية
ملحق جائزة حائل
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved