Monday 15th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأثنين 27 ذو القعدة


تحليل إخباري
الانفراد بالعراق: سياسة واشنطن المرئية المستورة معاً
سمير كتاب*

يوم الجمعة لخص الرئيس كلينتون في خطاب ألقاه في سان فرانسيسكو اهداف سياسته الخارجية في العامين الاخيرين من ولايته تحت شعار جامع يحذر من مغبة انسياق امريكا في تيار الانعزالية ويدعو الى تفاعلها مع العالم الخارجي ومشاركتها النشطة فيه, خمسون دقيقة بكاملها حدد فيها السيد كلينتون محاور استراتيجيته الدولية وعرج على القضايا الساخنة التي تواجه امريكا، واهمها نزاع كوسوفو والعلاقات مع الصين وتهريب المخدرات من المكسيك وسلام الشرق الاوسط والعراق, مشكلة العراق التي ما تزال تدوخ الساسة الامريكيين وتقلق مضجعهم لم تفز في خطاب الرئيس كلينتون الا باشارة سريعة في سياق الحديث عن اسلحة الدمار الشامل, هل في ذلك اي مغزى؟ الكثير.
على الصعيد الداخلي، تتعرض سياسة الرئيس كلينتون العراقية الى انتقادات حادة في الكونجرس وخارجه، وهي انتقادات يجمعها رافد واحد يتمثل في اتهام البيت الابيض بالتذبذب والبلبلة والتناقض احياناً واعتماد مبدأ رد الفعل لا الفعل في المعترك الدولي, ولذا فان تفادي تسليط الاضواء على المواجهة مع العراق في خطاب رئاسي هام يعفي البيت الابيض من مغبة احياء الانتقادات المحلية وتسخين الجبهة الاعلامية، بشراستها المعروفة، من جديد.
على الصعيد الخارجي، الذي لا يقل حساسية عن رديفه الداخلي، تواجه امريكا ثلاثة هموم رئيسية بالنسبة للعراق: مواقف الدول والشعوب العربية، ومعارضة الصين وروسيا وفرنسا لسياستها، وتردي العلاقة مع الأمم المتحدة وامينها العام, بدءاً بالعالم العربي، باتت واشنطن تدرك بشكل اوضح تأثير الرأي العام العربي على تفكير الحكومات العربية كافة من حيث الاعتراض على المخطط الامريكي للاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين باعتبار ان ذلك ليس من شأن احد غير الشعب العراقي, وهناك ما يشير الى ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، في زيارتها الأخيرة الى الشرق الاوسط، وبعدها مارتن انديك مساعدها لشؤون الشرق الادنى في جولته الخليجية الاخيرة تلمسا تحفظات بعض زعماء المنطقة ازاء المخطط الامريكي وتخوفهم مما قد يسببه ذلك من مخاطر وسوابق، رغم اقرارهم بأن صدام ما يزال يشكل تهديداً لجيرانه، وتدرك بعض الدوائر الامريكية ان الشارع العربي المعادي للسياسات الامريكية لا يريد لامريكا ان تكون صاحبة الحل والربط في العراق, وعليه فان تلويح كلنتون علناً في الوقت الحاضر بهدفه الرامي الى تغيير نظام الحكم العراقي لن يخدم مصلحة امريكا او يساعد اصدقاءها في العالم العربي، بل وربما يخدم بغداد في وقت تعاني فيه من عزلة متزايدة في المنطقة، بل وربما من وهن بدأ يتراءى للبعض في قوة صدام الداخلية رغم ما يطلقه من تهديدات جوفاء يتوعد بها القاصي والداني.
ولأن مواصلة اخضاع العراق للحصار الاقتصادي لا يزال محوراً رئيسياً في سياسة امريكا فان واشنطن تجد نفسها في خلاف مكشوف مع فرنسا وروسيا والصين التي تنادي برفع الحصار عن العراق وايجاد وسائل اخرى للتعامل مع حكومتها بغية دفعها الى التعاون مع نظام تفتيش دولي اكثر حياداً واستقلالية واقل مجابهة, ولا ترى واشنطن داعياً لاعطاء خلافاتها مع دول تهمها جداً طابعاً اكثر علنية في الوقت الحاضر عن طريق خطاب رئاسي، مكتفية بالرد على موقف ومقترحات فرنسا وغيرها على مستوى اقل بكثير من مستوى الرئيس, ولما كانت واشنطن عاجزة عن تجاهل الانتقادات الموجهة اليها دولياً ومن بعض مواطنيها لاصرارها على استمرار الحصار، فقد بادرت في الاسابيع الماضية الى دعوة الأمم المتحدة السماح للعراق ببيع ما تقدر عليه من البترول ثم اعلنت بعد ذلك بقليل انها ستعجل في عملية مراجعة الأمم المتحدة للطلبات العراقية بشراء قطع غيار لمعداتها ومرافقها البترولية مشيرة الى انها ستراقب عقود شراء قطع الغيار للتأكد من انه لا يمكن استخدامها لاغراض اخرى.
وهناك ثالثاً ما بدأ يتسرب من انباء ومعلومات عن وجود خلافات بين واشنطن وكوفي انان، امين عام الامم المتحدة حول كيفية التعامل مع صدام حسين ومع ان واشنطن هي التي ضمنت وصول انان الى منصبه الحالي الا انها غير راضية عنه حالياً بسبب الخلافات في آرائهما حول العراق، اذ ان كوفي انان اقرب الى مواقف وآراء فرنسا والصين وروسيا منه الى موقف واشنطن, ويحرص انان طبعاً على عدم الحديث عن خلافاته الفكرية مع اقوى عضو في المنظمة العالمية - وهو ما تحبذه واشنطن ايضاً - لئلا يزيد المشكلة تعقيداً وسوءاً.
عدم تسليط الأضواء الاعلامية والسياسية الكاشفة على العراق هو اذن مسعى الادارة الامريكية لانه يسمح لها ان تواصل السياسة التي تمارسها ضد نظام صدام بهدوء نسبي وفي مأمن من ضجيج المنتقدين في الداخل الذين يتهمون كلنتون بالميوعة والتردد في سياسته العراقية او صراخ المعارضين في الخارج, واذا كانت هناك فعلاً سياسة امريكية محددة ازاء العراق فما هي؟ انها باختصار وضع حد لنظام صدام كأفضل ضمان لمنع العراق من انتاج اسلحة الدمار الشامل وتهديد جيرانه وادامة عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة, وتسعى واشنطن الى محاولة تحقيق ذلك عن طريقين: مواصلة الحصار الى اقصى مدى ممكن وتجاهل الاتجاهات المعارضة في الأمم المتحدة وتحجيم كوفي انان، من ناحية، والاستمرار في تدمير البنية التحتية للدفاعات العسكرية العراقية عن طريق حرب استنزاف جوية وكسر معنويات القوى التي تحمي صدام, وما يشجع واشنطن في مرادها ما تعتبره حالات جديدة من زيادة التصدع والوهن والبلبلة في الكيان الصدامي, وهو ما تعتقده انه سبب تصرفاته الغريبة عربياً وعراقيا في الآونة الاخيرة, وفيما عدا ذلك ليس في جعبة واشنطن سلاح آخر او حل سحري يخلصها من عفريتها البغدادي وينقذها من مأزقها الأخلاقي المتمثل في انها شريكة لا طوعية لصدام في استمرار الفاجعة الانسانية التي يتعرض لها شعب العراق المسحوق.
* محلل سياسي مقيم في واشنطن

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الاقتصـــادية
ملحق جائزة حائل
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved