Friday 2nd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 16 ذو الحجة


من وحي المنبر
حكم إنكار النعمة

الحمد لله الذي منّ علينا بجميع نعمه وآلائه، الذي وعد الشاكرين بمزيد من فضله (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الحميد، وأشهد ان محمدا النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، أفضل من عبد ربه وقام بحقه فهو العبد الشكور، كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما قالت له حينما رأت تفطُّر قدميه من القيام: ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبدا شكورا .
أما بعد: أيها المسلمون: هذه سيرة نبيكم الكريم، افضل المخلوقين سيد ولد آدم، أكرم الخلق على الله يجتهد في عبادة ربه شكرا له على ما أنعم عليه من النعم العامة والخاصة، وقد أنزل الله عليه ذم الذين يسرحون ويمرحون، ويأكلون ويشربون، ويلبسون ويفترشون من نعمه ولا يشكرون.
قال جل شأنه:(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون), وقال تعالى:يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها, وأكثرهم الكافرون)، فالآية الكريمة تبين لنا تحريم انكار النعمة وبيان حكم من أنكرها بأنه من الكافرين، وذلك بعد ما بين الله للخلق شيئا منها في سورة النحل، أخبرهم بصفة من أنكرها بأنه من الكافرين فقال:(ينكرونها وأكثرهم الكافرون), وانكار النعمة أيها المسلم، بأن يستعملها الانسان في معصية الله أو لا ينسبها الى صاحبها وهو الله أو يعتقد بأنها ليست من الله.
فهذه الآية توجب التأدب مع جناب الربوبية عن الألفاظ الشركية الخفية لنسبة النعم الى غير الله فإن ذلك باب من ابواب الشرك الخفي وضده باب من أبواب الشكر، كما في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر مرفوعا من أوتي معروفا فلم يجد له جزاء إلا الثناء فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره وفي رواية جيدة لأبي داود من أبلى فذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره قال المنذري من أبلى أي من أنعم الله عليه، والابلاء الإنعام، فإذا كان ذكر المعروف الذي يقدره على يد انسان من شكره فذكر معروف رب العالمين، وآلائه واحسانه ونسبة ذلك اليه أولى بأن يكون شاكرا.
قال بعض العلماء ان من صفة انكار النعمة اضافة المال الى غير الله كقول الرجل هذا مالي ورثته عن أبي وقال هذه صفة كفار قريش انهم يعرفون ما رزقهم الله من البيوت والسرابيل فيضيفونها لغير الله .
فاحذروا أيها المسلمون ان تضيفوا مارزقكم الله لغير الله، وتأدبوا مع جناب الله فأضيفوا النعم اليه واصرفوها بما يرضيه، فإن فعلتم فأنتم من الشاكرين وان انكرتم كنتم من الجاحدين لنعم الله, الذين قال الله فيهم:(ان الانسان لربه لكنود) قال ابن القيم ما معناه لما أضافوا النعمة الى غير الله فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها الى غيره، فإن الذي يقول هذا جاحد لنعمة الله عليه غير معترف بها وهو كالأبرص والأقرع اللذين ذكرهما الملَك بنعم الله عليهما فأنكراها وقالا: إنما ورثنا هذا كابراً عن كابر وكونها موروثة عن الآباء في انعام الله عليهم اذ انعم بها على آبائهم ثم ورثها اياهم فتمتعوا هم وأباؤهم بنعم الله.
وان من انكار النعمة ايها المسلم، ما يتكلم به كثير من الناس في وقتنا الحاضر كقولهم: لولا فلان لكان كذا ومثل لولا السائق لانقلبنا، ومثل لولا النجدة لهرب اللص وهذا القول مثل قول القائل لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص, فإن ابن عباس رضي الله عنه جعل هذا من الشرك الأصغر فلنتنبه له ولنضف النعمة الى الله ثم الى اسبابها فيجب على الانسان ان يقول لولا الله ثم السائق أو يقول لولا الله ثم النجدة فهذا لا بأس, قال سليمان ابن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب يرحمهم الله على قول الناس: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا، فإذا نجوا من البحر، نسبوا السلامة لطيب الريح وحذق ملاح السفينة وهو السائق, قال رحمه الله: والمعنى ان السفن إذا جرين بريح طيبة بأمر الله جريا حسنا نسبوا ذلك الى طيب الريح وحذق الملاح في سياسة السفينة، ونسوا ربهم الذي أجرى لهم الفلك في البحر رحمة بهم, قال تعالى:(ربكم الذي يُزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما).
فيكون نسبة ذلك الى طيب الريح وحذق الملاح من جنس نسبة المطر الى الأنواء، وان كان المتكلم بذلك لم يقصد ان الريح والملاح هو الفاعل لذلك من دون خلق الله وأمره، وإنما أراد انه سبب لكن لا ينبغي ان يضيف ذلك إلا الله وحده لأنه غاية الأمر بذلك ان يكون الريح والملاح سببا أو جزء سبب ولو شاء الرب تبارك وتعالى لسلب سبيبته، فلم يكن سببا اصلا فلا يليق بالمنعم عليه المطلوب منه الشكر ان ينسى من بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، ويضيف النعم الى غيره بل يذكرها مضافة منسوبة الى موليها والمنعم بها وهو المنعم على الاطلاق كما قال تعالى:(وما بكم من نعمة فمن الله) فهو المنعم بجميع النعم في الدنيا والآخرة وحده لا شريك له.
فإن ذلك من شكره وضده من انكارها ولا ينافي ذلك الدعاء والاحسان الى من كان سببا أو جزء سبب في بعض ما يصل اليك من النعم على يد بعض الخلق, ولقد امتن الله على الناس بنعمه ثم نهاهم بأن يضيفوها الى غيره بقوله:(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أي تعلمون أنها من عند الله قال تعالى:(ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون, الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءً وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).
فمن تحقيق التوحيد أيها المسلمون الاحتراز من الشرك بالله من الألفاظ وان لم يقصد المتكلم بها معنى لا يجوز، بل ربما تجري على لسانه من غير قصد، كمن يجري على لسانه الفاظ من أنواع الشرك الأصغر لا يقصدها، ومن الألفاظ التي هي من الشرك الأصغر والتي لا يصلح النطق بها مثل الحلف بغير الله كائنا من كان كقول البعض لولا الله وفلان, ولقد دلنا صلى الله عليه وسلم على علاج من بلي بشيء من ذلك حينما حذرنا من الشرك وأخبرنا انه أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء فعلمنا كيف نحذره قال:قولوا اللهم إنا نعوذ بك من شرك نعلمه ونستغفرك مما لا نعلمه .
والله أسأل ان يجنبنا وإياكم الزلل في الأقوال والأعمال وأن يسدد اقوالنا ويصلح لنا أعمالنا ويغفر لنا ذنوبنا, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون).
* عضو هيئة كبار العلماء

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved