Friday 2nd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 16 ذو الحجة


نقاط فوق الحروف
(اختبر إيمانك)

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).
ذكر ان يهوديا كانت له حاجة عند هارون الرشيد فاختلف الى بابه سنة، فلم يقض حاجته، فوقف يوما على باب هارون، فلما خرج هارون سعى اليهودي اليه حتى وقف بين يدي هارون وقال: اتق الله يا امير المؤمنين، فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا، فلما رفع رأسه امر بحاجته فقضيت، فلما رجع قيل له: يا امير المؤمنين نزلت عن دابتك لقول يهودي؟
قال: لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى (واذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).
ياله من موقف عظيم لا يصدر الا من رجل قلبه حي ينبض بالايمان والخوف من الله عز وجل ، قلب استشعر عظمة الله وسلطانه فاحتقر ما هو فيه من عز وسلطان، واعلن دون حياء ولا خجل عبوديته لله ووقوفه امام اوامره ونواهيه.
فالخدم والجنود والمستشارون ومن حوله، الجميع تحت ولايته ينتظر امره، ومع ذلك كله لم تمنعه نفسه المتوقدة بالايمان من ان ينزل من فوق دابته ويخر ساجدا لله معلنا انه العبد الذليل الفقير الضعيف وان ما هو فيه من عز وابهة وملك وجاه لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
اخي الحبيب: هذا هو موقف من كان يخاطب السحابة فيقول: امطري حيث شئت فسيأتيني خراجك فكيف هو حال من هم دونه امام قوله تعالى (اتق الله) وامام هذه الوقفة العظيمة.
تذكرت اولئك الذين يتحدثون عن النصيحة، ويحثون عليها غيرهم، ولا عجب في ذلك فهي من الوصايا الخالدة على صاحبها افضل الصلاة وازكى التسليم.
ولكن اولئك يبدون رغباتهم الملحة بانهم على اتم الاستعداد لتقبل النصيحة مهما كانت، بل ويمدون لسامعيهم بساطا اخضر مليئا بالورود والرياحين، محفوفا بالحب والقبول والرضا.
عندها يسعى الصادق في ايمانه، الواثق بعبارته، المشفق على امته المتألم من واقعه المرير يسعى وهو يحدوه الامل في اعلان الحق واظهاره ، مطمئنة نفسه.
كيف لا !
وهو يتذكر تلك العبارات الجميلة والترحيبات المطمئنة التي تدعوه لان ينصح بصدق، وفق ضوابط وآداب الشرع.
عندها وبينما الناصح الصادق يبدأ في وضع النقاط على الحروف ويشرع في تلمس مواقع الداء واصفا الدواء ومبينا الخلل، اذ بالآذان تصم، والابتسامات تضمحل، ويحل الغيظ والحنق، وتتغير النظرة اليه، فبعد ان كان صديقا مقربا، اصبح عدوا مبعدا ووصم بالتهور، ووضع تحت المجهر؟!
وماذاك الا لأن طالب النصيحة لم يعتد سماع صوت صادق لا يخشى في الله لومة لائم.
يقول صاحب الظلال رحمه الله:
فذلك المخلوق الذي يتحدث ويطلب النصيحة من الصادقين، ويصور لك نفسه خلاصة من الخير ومن الاخلاص، ومن التجرد ومن الحب ومن الترفع، ومن الرغبة في افاضة الخير والبر والسعادة والطهارة على الناس.
هذا الذي يعجبك حديثه وتعجبك نبرة صوته، وتحدثه عن الخير والبر والصلاح، هو في حقيقته يتناقض ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره، هذا الذي يتقن الكذب والتمويه، فاذا جاء دور العمل ظهر المخبوء وانكشف الستار، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد .
قال احد السلف: كفى بالمرء اثماً ان يقول له اخوه اتق الله فيقول: عليك بنفسك مثلك يوصيني.
ورحم الله القائل
اخذته عزة من جهله
فتولى مغضبا فعل الضجر
اللهم ثبت قلوبنا على دينك واصلح ما بها من فساد، اللهم اجعل اعمالنا خالصة لوجهك الكريم يارب العالمين، اللهم واجعلنا من الوقافين عند حدودك المتبعين لشرعك.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد بن علي بن محمد الجابر
المرشد بادارة التوعية والتوجيه بالرئاسة العامة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved