Friday 2nd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 16 ذو الحجة


حرب الاستهلاك في منافسة الإعلان
إنهم يحبون الثروة قبل حبهم للحياة,.

الإعلان، آخر عنف انتجته الحضارة الحديثة فهو يحملك على الرغبة بما ليس لك رغبة فيه ,.
هذه المقولة - اقتطفت - من رأي احد علماء الاجتماع بحمى الاعلانات التي تتدفق علينا، عبر أجهزة الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, حيث حرب المنافسة على أشدها بين شركات الاعلان لتنميط المستهلك واسره داخل قضبان السلعة التي كان بغنى عن اقتنائها في الاساس.
يقول الروائي الفرنسي جورج بيرس في روايته المشهورة الأشياء :
** ,,, اول ما تقع عليه العين هو ذلك البساط الرمادي الممدد في الرواق الطويل الضيق والمرتفع الجدران.
في الداخل بدأ كل شيء يتصدع تحت وطأة تراكم الاشياء وقطع الاثاث والكتب، والاطباق، والأوراق القديمة، والزجاجات الفارغة كانت قد بدأت حرب الاستهلاك ولن يخرجوا من نقيع غبارها ظافرين قط.
وسيعرجون الى باريس في سبيل رؤية مقعد وثير سمعوا عن كماله وخلوه من العيوب,, لقد وقعوا تحت تأثير الثروة انهم يحبون الثروة قبل حبهم للحياة,,,
انه ملخص مبسط لما يمكن ان يقتله فينا - الاعلان - فهو يجردنا من حبنا للحياة إذ للاعلان تأثير كبير على حياة الناس في البلدان التي ينتشر فيها على نطاق واسع.
حيث يشجعهم على تناول انواع معينة من الطعام او ارتداء ملابس معينة او اقتناء سيارات معينة او استعمال انواع معينة من السلع المستخدمة في المنازل.
ويروج الاعلان لاستعمال الادوات الموفرة للوقت، ومن ثم يقترح عليهم كيفية الاستمتاع بوقت الفراغ المتاح وعلى هذا النحو فان الاعلان يساهم في تشكيل الذوق العام والعادات والامزجة والثقافات السائدة في البلد وقد يساهم الاعلان في رفع المستوى المعيشي، وذلك عن طريق الترويج لبيع عدة انواع من السلع ومن هنا يتضح للاعلان وظيفتان هما:
اولاً: حث المستهلكين على اقتناء السلع او شراء الخدمات.
وثانياً: تهيئة هؤلاء المستهلكين لتقبل السلع أو الخدمات أو الافكار او الاشخاص أو المنشآت.
ولكن الهدف الرئيسي للاعلان يبقى تغيير الميول والاتجاهات وسلوك المستهلكين ليتصرفوا بطريقة اكثر قبولاً.
أي ان المعلن يحاول ان يغري المستهلكين لشراء سلعة لم يكونوا على قناعة بشرائها.
فعلى سبيل المثال:
قد تقنع ربة المنزل بمفتاح للعلب ثمنه ريال واحد, ولكن بتأثير (المطرقة الاعلانية) تجد نفسها مضطرة لشراء مفتاح علب كهربائي ثمنه اغلى بخمسة أضعاف.
واذن يسعى النشاط الإعلاني الى تغيير سلوك المستهلكين من خلال ثلاثة اساليب هي:
أ) من خلال توفير المعلومات.
ب) من خلال العمل على تغيير الرغبات.
ج) من خلال تغيير تفضيل المستهلك للماركات المختلفة وتبرز خطورة - الاعلان - إذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر, ففي القديم، لم يكن امام الانسان تنوع في الاختيار في المأكل أو الملبس، أو حتى المسكن وسائر احتياجات الحياة.
وأما اليوم.
فالمنافسة على اشدها بين المنتجين للوصول الى المستهلك وإقناعه باختيار سلعة معينة دوناً عن غيرها.
في الماضي كان الاختيار سهلاً، وأما اليوم فقد بات مشكلة نواجهها غالباً ونحن بصدد اختيار الافضل نظراً لكثرة المشوقات الاعلانية والشعارات التي تتردد ألف مرة في الراديو والسينما والتلفزيون وعلى الجدران والصحف واللوحات الاعلانية الضوئية المنتشرة على عرض طريقنا,, بحيث تسجل أعيننا، وآذاننا، ولا وعينا، هذه الرسائل التي يرسلها التاجر عبر وسائل الاعلان للجمهور وتتنبه لهذه الرسائل ذاكرتنا عندما يترتب علينا الاختيار بين عدة اصناف - من ذات السلعة - عند الشراء,.
والاعلان بهذا المعنى بمثابة برقية ناطقة مغناة ومصورة يرسلها التاجر الى جمهوره وهو يمتطي صهوة الاعلان,, ورغم ان الاعلان قد غدا مستخدماً في كافة الدول تقريباً حيث تملك الولايات المتحدة الأمريكية اكبر صناعة للاعلان في العالم، تليها في ذلك فرنسا والمانيا واليابان والمملكة المتحدة إلا ان العديد من الدول تفرض قيوداً على الاعلان فعلى سبيل المثال:
تحد بعض دول أوربا الغربية من حجم الاعلانات في التلفاز، ونوع السلع التي يروج لها الاعلان, ويعتبر الاعلان ممارسة غير قانونية في كل من السويد والنرويج.
والاعلان باختصار هو قوة ضخمة على مجتمعنا، وانه جزء هام من محتوى أجهزة الإعلام، وربما كان له تأثير على حياتنا أخطر من اي نوع آخر من رسائل وسائل الاعلام الأخرى.
وقد انتقد البعض - الاعلان - لانه يقوم بتحويلنا الى مجتمع مادي، غير متكافىء، فهو يقوم بطريقة غير مباشرة على عزل الشرائح الفقيرة من المجتمع التي لا تستطيع شراء معظم المنتجات التي تبهر العين على اللوحات وشاشات التلفزيون ووسائل الاعلان الاخرى.
كما اعتبر البعض - الاعلان - مسؤولاً عن خلق حاجة مصطنعة للمنتجات التي لا نحتاجها، والتي تكون - في الحقيقة - ضارة لنا وهنا تبرز قوة الاعلان في إغراء الجمهور على الشراء أو الاقتناء واقوى الاعلانات ما يخاطب الغرائز ويدغدغها وإعلانات الغرائز افعل في النفس من إعلانات العقل.
واقوى الغرائز- غرائز الجنس - ولذلك نجد المعلن يستغل هذه الغريزة جيداً عند الجمهور فيسعى الى ارضائها بشتى السبل عبر حشد اكبر عدد ممكن من النساء الجميلات المثيرات ضمن إعلانه مستغلاً - جمال وجوههن وفتنة اجسادهن - في اصطياد المزيد من الزبائن, وفي الواقع يتفنن المعلن في تصميم او تقديم اعلانه على طبق - الغاية تبرر الوسيلة - وبحيث يلفت اليه اكبر عدد ممكن من الزبائن والمستهلكين.
ويحرص من هذا المنطلق ان يكون إعلانه جذاباً ومثيراً فيكون بذلك فاعلاً لانه يملك قوة تأثير يختزنها عند الجمهور لاطول فترة ممكنة وتوجه سلوكهم عند الشراء فلا يختارون الافضل لانه الافضل فعلاً بل لان الاعلان نجح في ايهامهم - بانه الافضل - ولو كان هو الأسوأ,.
والسؤال الذي يبقى أخيرا:
كيف يتحرر الجمهور من ابتزاز الاعلان واحياناً ابتذاله؟!,, ولماذا نترك لأمواج الاعلان - الرخيص - الهادرة ان تجرفنا وراء تياراتها؟!!
إن الناس تحب المحاكاة وهي تشتري لان الاخرين يشترون كما ان المعلن يعرف بذكاء كيف يبتز مشاعر الامومة والابوة في إعلانه فالناس تحب ان يكون للابناء كل ما يرغبون فيه ويهتمون بذلك ولو كان هذا علىحساب - حاجاتهم الشخصية والأساسية - والحاجة الى التملك والمباهاة تدفع الناس الى الاقتناء وتحفزهم على الشراء دون تحفظ او ترشيد.
فما هو الحل؟ وما هي حقيقة شعورنا تجاه الاعلان؟!,.
للاجابة عن هذا السؤال قامت الجمعية الامريكية لوكالات الاعلان بدراسة هذا الموضوع ووجدت بان موقفنا الصريح من الاعلان يتأثر بصورة اساسية بالاعلان الذي نشاهده في التلفزيون ومن الطبيعي ان لاعلانات الصحف والراديو والمجلات تأثيرها ايضاً، ولكن الدراسة اظهرت ان القضايا التي تستحوذ على اهتمامنا اكثر هي مصداقية الاعلان والقيمة الترفيهية له بمعنى اخر.
إننا مهتمون بكيفية تأثير الاعلان فينا وتشكيله لدوافعنا وبضوضائه واقتحامه لحياتنا وبمضمونه وبدعم وسائل الاتصال للاعلان وتجييرها في كثير من الاحيان لصالحه.
ولكن الاهم من ذلك كله ان نبدأ بالتفكير- كيف نوجه الاعلان - ونرتقي به ليكون دليلنا الذي نثق به في الاختيار وليس مضللنا, ان هذا اقل ما نتوخى تبنيه ونحن نسعى لرسم ملامح سياسة إعلانية ناجحة حيادية التأثير والتوجهات، والاهم من هذا وذاك اخيراً ان نعرف البلدان النامية، كيف نجير الاعلان لحماية سلعنا الوطنية، ازاء المنافسة غير المتكافئة بينها وبين ما يتدفق الينا من سلع استهلاكية وافدة عبر قنوات العالم الرأسمالي الذي وجد في بلادنا سوقاً صالحة لاستهلاك السلع التي لم يعد يرغب في استهلاكها او فات اوان صلاحيتها للاستهلاك,, فهل أدركنا - الجحيم - الذي يمور تحت الستار البراق للاعلان.
المصادر:
* حسن حسن - الاعلان آخر عنف للحضارة الحديثة.
* الدعاية والإعلان، لقحطان بدر العبد لكي.
* الاتصال الجماهيري، د, عمر الخطيب.
ملك خدام

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved