Friday 2nd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 16 ذو الحجة


العولمة : النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية

عرض : محمد مأمون
العولمة: النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية هو عنوان احدث اصدارات المشروع القومي للترجمة بالمجلس الاعلى للثقافة في القاهرة.
ويهدف هذا المشروع الى تقديم الاعمال الاجنبية باللغة العربية، سواء تلك الاعمال التي تعد من امهات الكتب او الاعمال الحديثة التي تطرح قضايا الساعة على الساحتين السياسية والثقافية، او تطرح الاتجاهات الجديدة في النقد والكتابة الادبية, وقد قدمت السلسلة التي يشرف عليها الدكتور جابر عصفور شخصياً ان لم يقم بمهمة التحرير او التقديم لبعض من اصداراتها، حوالي خمسة وسبعين كتاباً وقريباً يصل العدد الى مائة كتاب مع صدور الاعمال التي تحت الطبع.
تعد هذه الترجمة الاولى الى العربية للكتاب الصادر باللغة الانجليزية في لندن عام 1996، من تأليف عالم الاجتماع رونالد روبرتسون.
ينقسم الكتاب الى اثني عشر فصلاً يليهم ثبت بالمراجع والمصطلحات الواردة، ويسبقهم مفتتح يمهد فيه المؤلف لقراءة عمله متحدثاً عن موقعه من الدراسات التي تسبقه في هذا المجال، وعن علاقته بأبحاث المؤلف نفسه ومسعاه العلمي على مدى دراسته في علم الاجتماع, ومنذ الاطلاع على عنوان الكتاب يتجه افق التوقع لدى القارىء نحو الافكار المسبقة المتكونة عن مصطلح العولمة فيما انها مجرد تعبير جديد عن هيمنة سلطة سياسية واحدة على العالم او مجرد تحايل جديد يؤدي بلاشك الى سيادة قوة عظمى واحدة على العالم، هي بالطبع القوة الأمريكية، الا انه بعد التوغل في صفحات الكتاب يجد القارىء نفسه يكتشف سياقاً جديداً لهذا المصطلح خارج مساعي السياسات الحاكمة الراهنة والتي ربما تهدف الى اضفاء صبغة واحدة على جميع الثقافات ليسهل اقتيادها كقطيع واحد تحدد اتجاهاته الثقافة الاستهلاكية التنميطية السائدة، وذلك تحت ادعاء العولمة المرادفة في هذه الحالة لمحو الخصوصيات الثقافية للقوميات والطباع الاقليمية او المحلية الاصيلة, وان بدا تركيز عملية العولمة التجريبي يتماشى في الاساس مع الشارع المتزايد للاعتماد الاقتصادي المتبادل والوعي بالكل الكوني في القرن العشرين الا انه من الضروري وفقاً لقناعة المؤلف، ان نؤكد على ان العولمة ليست معادلة لأية حداثة مفهومة بشكل غير واضح اونتيجة مباشرة من نتئجها.
ولقد تطورت كلمة عولمة مؤخراً، والمؤكد انه لم يكن معترفا بها في الدوائر الاكاديمية على انها مفهوم له اهميته، رغم استخدامها المنتشر والمتقطع قبلاً حتى اوائل الثمانينيات، او حتى قبل منتصفها, اما خلال النصف الثاني من ذلك العقد، فقد ازداد استخدامها زيادة هائلة، لدرجة يستحيل معها تتبع انماط انتشارها المعاصر في مجالات الحياة أو في مناطق العالم المختلفة وحتى اليوم، ورغم استخدام هذا المفهوم استخداماً فضفاضاً، وبطرق متناقضة في الحقيقة، فقد اضحى هونفسه جزءا من الوعي الكوني، اي احد جوانب الانتشار الملحوظ للمفاهيم التي تدور حول كلمة كوني
ولاشك ان ثورة الوعي كان لها تأثير مهم لاحداث العولمة، مع ظهور المؤسسات الدولية والمتعدية للقوميات والفرق القومية، والشركات متعددة الجنسيات وثورة المعلومات والاعلام والتكنولوجيا بشكل عام، الا ان العولمة من ناحية اخرى لها وجه انساني خارج نطاق الايديولوجيا والتنظيم الاستراتيجي للعلاقات الدولية، انه الوجه المرتبط مثلاً بملمح الحنين ليس الى الوسط المكاني المباشر للفرد وانما لو سطه الاعم والاشمل، الا وهو الكون بأكمله، او العالم على الاقل ، وهذا الملمح قديم قدم وعي الانسان بوجود العالم اي انه سابق على تطور انظمة الهيمنة السياسية على البلدان، اما اكتشاف ارتباط الحنين نفسه بالعولمة، بل وبلورة مايسمى النظرية الحنينية فلم يتم الا حديثاً، مثلما لم تتم صياغة معاني العولمة المطروحة منذ زمن بعيد في مصطلح العولمة الا مؤخراً.
وفي الحقيقة يختلف اسلوب الكتاب عن معظم الكتابات السوشيولوجية السابقة، فالمؤلف رونالد روبرتسون يعمد الى تنحية اسلوب الدراسة الاكاديمية التي ربما يتعذر على القارئ العادي التواصل معها، مفضلاً اسلوب التداعي الحر للافكار دون الاخلال بتقديم خلفية مرجعية وافية للموضوع مع مايلزمها من اقتباسات او استشهادات, ونجد ان هذا الاسلوب في التعامل مع القارئ يتلاءم كثيراً مع طبيعة الموضوع من حيث انه مازال - وربما سوف يظل الى الابد - في طور التكون وليس هناك نتائج نهائية بخصوصه، ومن ثم فالقارئ لايجد نفسه بازاء رسالة مكتملة يسعى المؤلف لتوصيلها اوتلقينها له من خلال خطاب معرفي يصح ان نصفه بأنه سلطوي في الاغلب، وانما يجد نفسه مشاركاً مع المؤلف في صياغة مفاهيم والبحث عن نتائج تقريبية من خلال تحصيل المعلومات والآراء والنظريات بموضوعية لاتتفق مع سيطرة المؤلف التقليدي على وعي القارئ، فرونالد روبرتسون لايخجل مثلاً من الاعتراف بوجود مناطق مجهولة من موضوعه، او بعدم استقراره على رأي بخصوص احدى القضايا التي تخص موضوعه، فالعمل بمثابة منطقة جدلية مفتوحة دون ان تكون له نهاية, فالصفحات الاخيرة يعنونها روبرتسون بتأملات ختامية وكأن الكتاب يبتغي فحسب فتح افق جديد للموضوع وتهيئة القارئ وتحضيره للمشاركة الذهنية الواعية في صنع العولمة او في نفيها.
يرسخ الكتاب ايضاً في الفصل المعنون بحثا عن اسس في المنظور العالمي للاعتراف بأن مفاهيم المجتمع والعلاقات الدولية والافراد والجنس البشري لاتصبح مميزة كلا عن الاخرى وفحسب، وانما تمر بنقلات داخلية ايضاً، ومن هذه النقلات الاكثردلالة فيما يتعلق بالمجتمعات القومية، النقلة في اتجاه التعددية الثقافية والتعددية الإثنية بعد ان كانت المفاهيم الخاصة عقب القرن الثامن عشر موجهة بقدر واسع بفعل مبدأ الهيمنة، ويعتبر المؤلف العولمة بمعناها الاساسي عملية مستقلة بذاتها نسبياً، وتتضمن آليتها المركزية عملية ذات شقين، الا وهما تخصيص ماهو كوني، وكوننة ماهو خاص؛ اما الشق الاول فيعرف عادة بوصفه تحويل مشكلة الكونية الى شكل مادي عالمي يسهل البحث عن اسس عالمية، واما الشق الثاني فيشير الى البحث عما هو خاص ونشره ومعه الانماط المتجذرة لتجسيد الهوية, وعلى سبيل المثال اضحت الاصولية نمطاً شائعاً من التفكير والممارسة مؤسسيا على مستوى العالم في القرن العشرين بمعنى انها ليست وقفا على بلد معين اوثقافة محددة بالرغم من الربط الشائع بينها وبين شعوب العالم الثالث, وكذلك ينبغي التعامل بحذر اكثر مع مقولات شائعة مرتبطة بالعولمة دون ان تكون اكثر من استجابة مصاحبة لها، مثل الحجة القائلة بأن ماهو محلي هو الذي يصنع العالمي (الانطلاق نحو العالمية ينبع من الاغراق في المحلية) او حجة ان المواطنة العالمية تعتمد على المحلية، فلا يصح اصدار تعميمات او الاعتماد على الانطباعات دون اقامة وصل بين العولمة والتراث والاصولية وما بعد الحداثة والحنين و دراسة ابعادهم، ويستشهد روبرتسون بزميله جيرتز الذي يقول في عمله الصادر عام 1988: اننا نحيا الآن في عالم ذي اطياف متدرجة من الاختلافات الممتزجة, انه العالم الذي يتعين فيه على اي مؤسس لخطاب قادم، ولمدة طويلة قادمة، ان يمارس فعاليته، حيث تغيرت مرة اخرى طبيعة الهنا والهناك فأصبحت اقل عزلا لهذا عن ذاك واقل دقة في التعريف واقل تباينا على نحو ظاهر, ويمضي جيرتز في القول بان شيئاً جديدا قد بزغ في الواقع وفي التخصص الاكاديمي ومن ثم فشيء جديد ينبغي ان يظهر على الورق، وهنا يدخل موضوع البحث عن اسس في قلب النظرية الثقافية والاجتماعية الحساس امبيريقياً لنهاية القرن، طالما يجمع بين المناداة المتزامنة بالشمولية وضدها، وبطرق اشكالية لكنها قابلة للاستيعاب,
من هنا يزيد الكتاب من وعي اتفاق القارئ او اختلافه كلما واصل الانصات لاسئلته ومحاولاته للاجابة.
ويمكننا ان نختصر كثيراً من الجدل اذا ماتأملنا عبارة بول فاليري الشهيرة: لن يتم اي شيء بعد ذلك دون تدخل العالم بأسره فيه , والامثلة اليومية على صحة هذه المقولة عديدة ولانهائية، وربما مانحتاجه حقا الان ان نكف عن ادراك العولمة بطريقة احادية، فرهان الكتاب الاول يكمن في طرح منظور طيع يتركز حقاً على التنوع العالمي بكل ظواهره المعقدة, ولعل هذا المعنى التسامحي والمرن في التعامل مع العولمة خاصة، ومع الموضوعات الاجتماعية عامة، قد دفع الدكتور جابر عصفور لتقديم اكثر من تناول علمي ل العولمة سواء من خلال الكتاب السابق عالم ماك - التواجه بين التأقلم والعولمة أو مساءلة العولمة او ماسوف يستجد من اعمال مترجمة تقدمها نخبة من المترجمين نتعرف منهم في هذا الكتاب على احمد محمود الذي ترجم الفصول الاربعة الاولى، ونورا امين التي ترجمت الفصول الثمانية الباقية، بينما قام الاستاذ الدكتور محمد حافظ دياب بمراجعة الترجمة وتقديم مقدمة للطبعة العربية تسبقها كلمة عن الترجمة مما اثرى العمل وقربه الى القارئ العربي ولاسيما مع المجهود الواضح في ثبت المصطلحات الواردة الذي يصل وحده الى اربع عشرة صفحة ويسهل مهمة الترجمة او توحيد المصطلحات في الاعمال القادمة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved