Friday 2nd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 16 ذو الحجة


الشاعر السوري علي عبدالكريم لالجزيرة
الشعر قائد أساسي في عملية التغيير عبر التاريخ
أغلب ما يقدم حاليا يحمل قليلا من الشعر وكثيرا من الثرثرة

عمل علي عبدالكريم محررا ثقافيا وتدرج مديرا لوكالة الانباء السورية بالقاهرة,, ورغم عمله بالصحافة والاعلام الا انه بدأ مشواره مع الشعر مبكرا,, ولانه يعرف امانة الكلمة ظل ثلاثين عاما مترددا قبل صدور ديوانه الاول (ابتهالات الصيف البارد) وفيه نشم رائحة بحر اللاذقية وهدير الموج,, وثمة طيات من الحزن والهم العربي المشترك,, عن كل هذا كان هذا الحوار مع شاعر دأب ان يفر من ذاته المبدعة.
تجربة ممتدة وديوان وحيد
* برغم مرور اكثر من ثلاثين سنة على صدور قصيدتك الاولى الا انك لم تصدر سوى ديوان واحد مؤخرا,, فلماذا؟
- الابداع ليس بالكم,, وبالنسبة لي ترددت كثيرا في عملية النشر واعدمت اكثر ما كتبت - ولست نادما -0 ولكن هذا لا يعفيني من صفة الكسل فمنذ عشرين عاما اعد مجموعتي الاولى ودفعت بها الى المطبعة ثم ترددت وسحبتها لان المكتبة الشعرية لا ينقصها اضافات كمية ولا تحكم قيمة الشعر بعدد المجموعات فمن الشعراء من لم يكتب سوى قصيدة واحدة لكنها تفوق مئات القصائد التي يكتبها آخر فمثلا ابن زريق البغدادي اكتسب شهرته من قصيدة واحدة.
* من القراءة الاولى في الديوان يتضح تكرار بعض الصور والمفردات مثل: البحر - الامواج - وارف,, ما سبب هذا الالحاح او التكرار؟
- اظن اننا جميعا نستخدم بعض المفردات ونكررها فاللغة التي يستخدمها ابو نواس قد يستخدمها حجازي وامل دنقل واي شاعر معاصر فالحكم على الشاعر لا يكون من خلال المفردة وانما من خلال الاسلوبية وانا لي طريقتي الخاصة في استخدام الصور ولم احاول ان اكون نمطا من شاعر آخر مع تقديري الكبير لاساتذة اثروا فيَّ لكني حاولت ان اشبه نفسي فيما اكتب وان اكتب بطريقة تذوقتها وامتحنها قبل ان اعتمدها.
* وماذا يميز هذه الطريقة؟
- لعلك تلاحظ في الديوان الميل الى المقاطع الشعرية والقصائد القصيرة التي تكثف الحالة والتي تتلاءم مع العصر الملول سريع الايقاع دون اغراق في الغموض او ان اكون مباشرا انني اصب الفكرة في كلمات معدودة وليس هذا عيبا,, فقصيدتي أقدام الظلام تعبر عن هموم الشاعر وعن محاولات اجهاض الكتابة المضيئة المنتمية الى الكرامة خصوصا مع تعدد انواع الحصار التي تطوق عنق الكتابة.
* ولكن هذا الايجاز والتكثيف يتنافى مع التكرار الوارد في بعض الالفاظ مثل وارف - راعف,, او تكرار استخدامك لصيغة اسم الفاعل؟
- قد يكتشف القارىء هذا الملمح الاسلوبي وكثرة استخدامي لاسم الفاعل اما انا صاحب الشعر فلم انتبه لذلك ولا اعرف لماذا سيطرت عليَّ هذه الصيغة! وما يعنيني في النهاية هو ان اصل الى المتلقي حاملا رؤيتي في افضل شكل,, ربما يكون هذا الاشتقاق قد سيطر على ساحة الذاكرة عندي ولكني لا ارسم هيكلا مكتملا واعيا ثم افرغ القصيدة عليه لانني لست مهندسا معماريا وانما الحالة تكون موجودة واشعر بالحنين الى الكتابة واظل اعيد النظر كثيرا فيما كتبت لان الابداع ليس محض وجدان يفيض على الورق.
* وماذا يعني البحر في تجربتك الشعرية؟
- الانسان ابن بيئته، فابن الصحراء يتأثر بها وانا ابن بحر وابن طبيعة بها شجر وطيور ولهذا كان جو البحر مسيطرا علي وعندما زرت الاسكندرية عقدت جوارا بينها وبين مدينتي اللاذقية وقرأت فيها طفولتي واجريت حديثا مع الامواج,, وتكرر نفس الشيء حين ذهبت الى فاس بالمغرب.
* يقول البعض انك تطرح موضوعات كلاسيكية تقليدية في شعرك؟ مثل ماذا؟
- مثلا قضية فلسطين وقصيدتك عن مذبحة الاقصر ورثاء بعض الشخصيات والاحتفاء بالاولاد من خلال الشعر؟
بداية انا لا احب التصنيف وارى ان من مصلحة الشعر ان يتنفس خارج المدارس الصارمة ولا يهمني هل انا شاعر كلاسيكي ام حداثي لكل قارىء ان يرى ما يشاء,, والشعر الحديث في رأيي هو شعر الحالة فحين كتبت عن مذبحة الاقصر لم اكتب عن الحادثة وانما استدعيت حالة تاريخية اوحت لي بما تختزنه هذه الارض من قوى ومواهب وتساءلت لماذا لا يجري الحوار بين هؤلاء الاجداد وهؤلاء الاحفاد لكي نمحو هزائمنا وهي بذلك ليست قصيدة مناسبة.
قصيدة النثر
* اغلب قصائد الديوان جاءت في قالب التفعيلة,, هل هذا موقف من قصيدة النثر؟
- انا مع الشعر الحقيقي ومتى وجد فأنا احتفي به وكما افرح بقصيدة عبدالله البردوني على نظام الشطرين ارحب بقصيدة جوزيف حرب وعلي جعفر العلاق وابراهيم ابوسنة وآخرين من شعراء التفعيلة وبنفس القدر - ان لم يكن اكثر - ارحب بقصيدة النثر التي يكتبها الماغوط.
ولكن امام كل اشكال القصيدة هناك حشو يبلغ اضعاف الشعر الحقيقي نراه عبر الصفحات الثقافية والبرامج والمنشورات التي تحمل قليلا من الشعر وكثيرا من الثرثرة.
وهذا لا ينفي انني متأثر اكثر بقصيدة التفعيلة لانها تحافظ على روح الشعر العربي لان الايقاع اصيل وموروث في هذه اللغة، تنبض به الارض ويتحرك في حكايا الجدات فعلينا ان نستوعب لغتنا وان نكون شعراء اولا ثم نكتب بعد ذلك باي شكل نشاء لان الابداع تمرد ولا يحب ان يؤطر.
الفضائيات
* توليت العديد من المناصب في الاذاعة والتلفزيون في سوريا,, فهل كانت الوظيفة قيدا على الشاعر الذي بداخلك؟
- طبيعة العمل الاعلامي انه يأخذ وقتك كاملا وطبيعة الشعر انه يحتاج الى طقس كي تولد فيه القصيدة ونتيجة لظروف العمل كانت هناك سنوات لم اكتب فيها سوى قصائد قليلة بجانب العديد من الاوراق التي تحمل ولادات شعرية غير مكتملة لان الحالة الشعورية كانت تمر أو تتبدل في زحام العمل، ومن الصعب وصل ما انقطع من خيوطها.
* هل يعني هذا ان الوظيفة تضعف روح الشاعر؟
- الوظيفة عامل تشويش على عالم القصيدة ولكنها لا تضعف روح الشاعر,, فقد ظل الشعر هو الصديق الاقرب الى روحي في كل الحالات فعند الاحباط في العمل كنت اهرب الى الشعر كقارىء وكنت استقوي في مواجهة الحياة بالشعراء العظام واتخذ من الشعر الحقيقي وجبة اساسية اتناولها على مدار اليوم,, فالشعر كان دائما صديقا.
* ربما يفسر هذا ان تقدم برنامجا عن الشعر؟
- لا اعتد كثيرا بما قدمت لا بشعري ولا بالبرنامج الذي قدمته عن الشعر ربما أكون قد اسهمت في استقطاب بعض الخامات الابداعية، لكني لا احب ان يبالغ الانسان فيما انجزه.
* وهل ترى في تلك القنوات الفضائية وفي تلك البرامج,, خدمة حقيقية للشعر العربي؟
- يجب اولا ان نقرأ العصر قراءة عادلة فالمؤثرات تداخلت ووسائل الاتصال تطورت والشواغل الاستهلاكية كثيرة بعضها يرتقي بملكات الانسان وبعضها الاخر يشوش وبشدة على هذه الملكات فالفضائيات ليست كائنا مفصولا عن اجناس الابداع ولا تستقيم بدون الدراما والثقافة والمنوعات وكلها وسائط تستند الى الكتاب والكاتب,, فالمسلسل رواية وقد تدخل فيه اللوحة او لغة الشعر,, اذن هناك تكامل لكن المطلوب ان يقدم مسؤولو المحطات مادة افضل ترتقى بالفعل بملكاتنا ووعينا لانه يفترض في البرامج الجادة ان تحمل الثقافة لا أن تتناقض مع الثقافة.
* في جملة واحدة,, ماذا يعني لك الشعر؟
- الشعر بالنسبة لي تنفس,, اتنفس فيه على الورق.
شريف صالح


رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved