Saturday 3rd April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,السبت 17 ذو الحجة


يارا
سعد التنكة ( 2 - 2 )
عبدلله بن بخيت

استيقظت مفزوعاً، فالخبط على الباب يقتلع أقدم الموتى من اعماق القبور فقفزت الدرج، كل ثلاث درجات او اربع معاً فلا بد ان هناك كارثة تنتظرني على الباب وانا اصيح بملء صوتي: طيب، طيب، جاك, اصبر لحظة، ولمت نفسي على بطئي الرهيب وعلى عضلات جسدي المرتخية واخيراً حدثت المعجزة ووصلت الباب وفتحته، كان سعد التنكة يلهث ومعه شخص آخر لا أعرفه لم اقل نعم ولم اقل لا, فأنا لم اشاهد سعدا منذ فترة طويلة ولا يمكن ان يكون حضوره الساعة الثالثة فجراً وبهذه الصورة المرعبة الا لشيء لا يمكن تأجيله، واقل مصيبة سأسمعها منه لا بد ان الموت العظيم جزء منها, ولكني قلت بحكم العادة وحفاظاً على بقايا تقاليد زعزعتها الروعة: تفضلا! فقالا معا: يزيد فضلك والله مستعجلين, لا شك انهما كانا مستعجلين حيث فتح سعد الموضوع وقال بتهدج وأنفاس متقطعة وهو يشير الى صديقه، ان اخو زوجة ناصر موقوف في مرور الناصرية، وجايين نبي فزعتك, وعلى الرغم من اني ما زلت تحت تأثير صدمة القرعات التي كادت تحطم اعصابي وبابي, تذكرت بأني لست ضابطا في المرور ولست موظفاً في الإمارة ولا في اي قطاع من قطاعات وزارة الداخلية, ولكن سعد عاجلني بقوله: انت تعرف سليمان وهو ضابطا في الشرطة ولا شك انه يعرف ضابط في المرور نبغاه تكفى يطلع الولد قبل ما تنجن امه العجوز, ارجوك تروح معنا لبيت الرائد سليمان لأنك تمون عليه اكثر مني.
بتحليل بسيط للموقف قدرت ان المسألة اكبر من مجرد توقيف مروري لمخالفة عادية,, فلا يمكن ان تأتي ام المراهق الموقوف الى زوج ابنتها ثم يأتي زوج ابنتها الى سعد التنكة ثم يأتي سعد التنكة الي لكي اذهب معهما الى ضابط الشرطة لنأخذه الى ضابط مرور ربما يعرفه، وضابط المرور لا بد انه يعرف ضابط الخفر الذي يحرس المراهق الموقوف, كل هذه اللفة لمجرد اخراج مفحط.
فسألت من باب الفضول وليس من باب التأكد: وما هي الجريمة التي تم ايقاف الشاب بسببها, فقال سعد: ابدا يا ابا عابد، دورية متسلطة على الناس ثم التفت الى صديقه ليكمل القصة (وهذه من آداب سعد وتهذيبه فقد تنحى لكي يترك اصحاب القضية (انا وزوج اخت المراهق) يتفاهمان بشكل مباشر): فأخذ زوج اخت المراهق يشرح لي قائلاً: يا أخ عبد الله فيه دورية مرور متبلية الناس, فولدنا هذا مهوب أول واحد يقبضونه ما خلوا احد يمشي في حال سبيله, لم استطع ان اقاطعه فقد كان في سورة من غضب على نظام العالم ونحن في آخر الليل وبدعم من سعد التنكة الذي لم أره منذ زمن طويل استمعت اليه بكل جوارحي ولكي اؤكد له اصغائي الكامل، اخذت اطرح عليه سلسلة من الاسئلة التوضيحية حتى شعرت بأن امر اطلاق سراح الولد ضمن صلاحياتي, وبعد قليل وبتأثير من النعاس وبيانات سعد وصديقه وتحت الحاح من الضغط النفسي تعاطفت مع القضية خصوصاً ان اخت المراهق التي هي زوجة صديق سعد التنكة تنتظر في البيت على احر من الجمر وعلى الخط الساخن مع والدتها التي هي والدة المراهق ولكيلا يضيع الوقت طلب مني سعد التنكة ان ألبس بسرعة ثم نكمل القصة في السيارة.
لأني لا احب تضييع الوقت مثل سعد بالضبط، لبست ثيابي على عجل حتى انني لم اشرح لزوجتي واطفالي ما الذي يجري في الخارج, فالوقت كما قال صديق سعد التنكة ليس في صالحنا, فوالدته سوف تجن اذا لم يخرج الولد قبل ان ينبلج الصبح, فربما جاء الصباح وجاءت الساعة الثامنة واطلق سراحه بحكم النظام وتصبح كل هذه الجرجرة لا قيمة لها.
كانت الساعة الثالثة فجراً واطلاق سراح المراهق سيكون في الثامنة صباحاً امامنا اذاً اقل من خمس ساعات نعمل فيها فأخذنا نوجه شتائمنا للمرور ورجال المرور والذين اخترعوا المرور بل والذين اخترعوا السيارات حتى قررت ان اكتب صباح الغد مقالاً مفصلاً اطالب فيه بالغاء فكرة المرور نهائياً, فليس من المعقول ان يتم ايقاف شاب صغير في عمر الورود يوسع صدره ويزعلون امه، ويسهرون اخته، ويوقظون سعد التنكة من عمق نومه, ولقطع الصمت الرهيب الذي يلفنا في السيارة قال زوج اخت المراهق: لازم يطلع الولد قبل الصبح, امه ترى ما راح تنوم بدونه ابدا, فقال سعد التنكة من باب التأثير علي وهو يوجه الحديث لصديقه: تعلمني فيها الله يهديها.
فانتخيت أنا فقلت: أفا عليك.
كدت اسأل في لقافة لا مبرر لها: لماذا لا يبقى في التوقيف حتى الساعة الثامنة ويطلق سراحه مثل غيره, ولكني فكرت ان المسألة ليس مجرد اطلاق سراح، وانما تتعلق بالكرامة, فزوج اخت المراهق دق صدره لأم المراهق وتعهد باخراجه ثم دق سعد صدره لزوج اخت المراهق ثم جاء دوري لأدق صدري فقلت من باب النخوة: لا ما يصير يقعد في التوقيف حتى الساعة الثامنة، اجل هو مثل غيره, كيف يصير مثل غيره وزوج اخته يعرف سعد التنكة وسعد التنكة يعرفني وانا اعرف ضابطا في الشرطة وضابط الشرطة لا شك يعرف ضابطا في المرور واكيد ضابط المرور، يعرف ضابط الخفر المسؤول عن توقيفه, وفي حالة الفشل في اخراجه قبل الثامنة صباحاً وخرج المراهق حسب النظام فضابط المرور سيتفشل مع ضابط الشرطة، وضابط الشرطة سيتفشل معي وانا سأتفشل مع سعد التنكة وسعد التنكة سيتفشل مع صديقه وصديقه سيتفشل مع زوجته وزوجته ستتفشل مع امها، وهذه قمة الفشيلة في مدينة الرياض بأسرها، ما الذي سيقوله الناس عندما يعرفوني ان هذه السلسلة الذهبية من الرجال والنساء لم تستطع ان تخرج مراهقا من التوقيف.
لا بد من إخراج المراهق قبل الثامنة صباحا, مهما كان الثمن.
هل اخرجناه ام لا هذا ما ستعرفه يوم الاثنين القادم.
لمراسلة الكاتب:
E-mail,albakeet@sufuf net sa
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved