Wednesday 7th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 21 ذو الحجة


الجزيرة تكشف عن تفاصيل دور المملكة في حل قضية لوكربي ومساعي الدول العربية
مسؤولو الجامعة العربية: المملكة أعادت صياغة النظام العالمي الجديد وأهلّت العلاقات العربية والأفريقية والدولية
نزع فتيل التوتر الذي خيم على المنطقة لأكثر من 7 سنوات

* القاهرة مكتب الجزيرة محمد السيد:
انتصرت المملكة العربية السعودية للإرادة العربية والدولية وكسرت حاجز الخوف الذي انتاب شعوب العالم النامي من تهميش دورها في النظام العالمي الجديد,, هذا ما تؤكده معطيات الانجاز الكبير الذي حققته المملكة في تسوية أزمة لوكيربي، ونزع فتيل التوتر ليس من المنطقة العربية فحسب، وإنما من العلاقات العربية الدولية.
الجزيرة تكشف من خلال هذا التقرير كيف استطاعت المملكة لعب دور كبير في إعادة صياغة النظام العاليم الجديد وتأهيل العلاقات العربية والأفريقية والدولية من خلال دورها في تسوية لوكيربي، وذلك بشهادة المسؤولين بالجامعة العربية.
لقد جاءت أزمة العلاقات الليبية الغربية والتي عرفت بأزمة لوكيربي، في ظل مناخ عربي غير موات، وفي حالة من التفكك والضعف العربي التي لم يسبق لها مثيل بفعل تداعيات أزمة الخليج، ورغم هذه الظروف المتردية إلا ان المساعي العربية التي تجسدت في الجامعة العربية تمكنت من اصدار قرار بتأييد الموقف الليبي في ديسمبر عام 1991, فيما بدا الغرب في استخراج ملفات هذه القضية.
بعد ذلك اصدر مجلس الجامعة العربية قرارا أكد فيه على تضامن المجلس مع ليبيا، كما أشاد بتجاوب ليبيا من أجل كشف الحقائق حول هذا الحادث المؤسف, ودعا القرار الى تشكيل لجنة مشتركة من الأمم المتحدة والجامعة العربية لدراسة كافة الوثائق المتعلقة بالموضوع، وذلك انطلاقا من التعاون القائم بين المنظمتين مع إمكان قبول مشاركة أطراف أخرى كمراقبين.
وعندما استشعرت الجامعة العربية ان الأمم المتحدة لم تتجاوب مع مقترح تشكيل لجنة مشتركة، تقرر عقد اجتماع طارىء لمجلس الجامعة في شهر مارس 1992 لدراسة تطورات الأزمة الليبية الغربية, واتفق المجلس على بذل المساعي العربية على كافة الأصعدة لعدم توجيه أية تهديدات لليبيا، ومحاولة حل الأزمة سلميا، واستند المجلس في تحركه الجديد على الاستعداد الذي أبدته ليبيا للتعاون مع أي جهد للقضاء على ظاهرة الإرهاب.
ولجدية هذا التحرك تم تشكيل لجنة وزارية من سبع دول عربية وهي: مصر وسوريا وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والمغرب وبرئاسة الامين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد، وكلفت هذه اللجنة بإجراء كافة الاتصالات اللازمة بالاطراف المعنية، بهدف إيجاد حل للأزمة وفقا لأحكام ميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة والقانون الدولي.
وحملت هذه اللجنة في اتصالاتها مع المجتمع الدولي، مقترحات جديدة تتضمن موافقة ليبيا على تسليم المشتبه فيهما في قضية لوكيربي الى الجامعة العربية او لإحدى الدول العربية او الاوروبية باستثناء الدول الثلاث الأطراف في القضية وهي :الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا قبل انسحابها وذلك لمحاكمتهما مع التزام الجماهيرية بدفع التعويضات لضحايا الطائرة في حالة إدانة المحكمة للمشتبه فيهما, مع المطالبة برفع الحظر الاقتصادي المفروض على ليبيا.
وبدلا من ان تسفر هذه الجهود والمقترحات عن فتح حوار بين أطراف الأزمة، كما كانت تأمل اللجنة السباعية العربية، وأيضا اللجنة الخماسية المنبثقة عن منظمة الوحدة الافريقية، واللجنة السداسية التي تم تشكيلها بعد ذلك من حركة عدم الانحياز, تأزم الموقف بصورة مزعجة بسبب تشدد الأطراف الغربية التي اندفعت في اتجاه تصعيد العقوبات على ليبيا، لتشمل فرض حظر على البترول الليبي، وهو الأمر الذي كان سيترتب عليه حدوث كارثة اقتصادية, ليس بالنسبة لليبيا التي يشكل البترول 90% من دخلها، وإنما بصورة اوضح لدول الجوار والدول الغربية التي تربطها علاقات تجارية مع ليبيا.
الأخطر من ذلك ان استمرار تأزم الموقف طيلة السنوات السبع الماضية, التي تم فيها تعليق المقترحات العربية من الجانب الغربي، كاد أن يحدث شرخا جديدا في الأمة العربية، خصوصا بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية باختصاصها في نظر القضية وليس مجلس الأمن, وبناء عليه طالبت ليبيا برفع الحظر عربيا على الأقل وعندما تحفظت الجامعة العربية على هذا التوجه الذي قد يفسر دوليا على انه مخالفة لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية, رغم تأكيد الجامعة على عدم شرعية هذه القرارات بالنسبة لقضية لوكيربي، أمام ذلك اتجهت ليبيا الى تقليل مستوى تمثيلها في الاجتماعات الوزارية للجامعة العربية وأعلنت انها ستوجه قبلتها شطر القارة الافريقية التي بادرت بكسر الحظر.
تحرك المملكة العربية السعودية
من هنا جاءت أهمية التحرك السعودي، على الصعيدين: الاقليمي والدولي وقد نجح هذا التحرك في تحقيق خمسة أهداف عربية ودولية بشهادة الجامعة العربية والمجتمع الدولي، تجسدت أولى هذه الأهداف في إعادة اللحمة للصف العربي الذي كادت ان تعصف به أزمة لوكيربي الممتدة, ايضا ترتب على النتائج القومية التي حققتها وساطة المملكة العربية السعودية إعادة تأهيل ليبيا عريبا ودولياً، وفي الوقت ذاته إعادة تأهيل دور الجامعة العربية ليس فقط على مستوى القطيعة وإنما كذلك بتفعيل حضورها وأدوات اتصالاتها مع الأمم المتحدة بشأن تسوية النزاعات الاقليمية والدولية.
البعد الثالث للتحرك السعودي، هو تعميق العلاقات والمصير المشترك بين الدول العربية والافريقية، وكانت هذه القضية قد فرضت نفسها في السنوات الأخيرة على فعاليات الجامعة العربية بهدف الحفاظ على الرصيد الحضاري والامتداد الأمني والقومي للدول العربية في افريقيا, وصيانة هذا الرصيد الكبير من الاختراق الإسرائيلي الأخير للقارة.
وجاءت المهمة التي قامت بها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع جنوب افريقيا لتجسد من جديد المصير العربي الافريقي المشترك, وتفتح الباب على مصراعيه أمام تعزيز وتقوية العلاقات العربية الافريقية.
ومن أهم ما حققه الدور السعودي في تسوية الأزمة هو إعادة صياغة العلاقات الدولية في إطار النظام العالمي الجديد, حيث بددت هذه الجهود مساحة واسعة من المخاوف التي انتابت دول العالم الثالث طيلة السنوات الماضية، من تهميش دورها وحقوقها في النظام الدولي الجديد,, وفتحت تسوية لوكيربي نافذة جديدة أمام الدول النامية كي تتبوأ مكانتها في النظام الدولي الذي لا يزال قيد التشكيل.
وأهم ما اسفرت عنه جهود الوساطة التي قامت بها المملكة العربية السعودية وجنوب افريقيا، انها طوت صفحة دامية من تاريخ الشعب الليبي الشقيق، وعملت على نزع فتيل التوتر الذي ظل يخيم على المنطقة لأكثر من سبع سنوات.
وفي هذا الصدد تفيد تقارير الجامعة العربية ان الخسائر والأضرار المادية التي لحقت بالجماهيرية من جراء هذه العقوبات بلغت أكثر من 28 مليار دولار، فضلا عن ان استمرار الحظر حال دون ايفاد نحو 20 ألفا من الحالات المرضية المستعصية والحرجة التي يتعذر علاجها في المستشفيات الليبية الى العلاج خارج البلاد، الامر الذي أدى الى وفاة نسبة كبيرة من الليبيين الذين اصيبوا بأمراض القلب والمخ والأعصاب وحالات الكسور الخطيرة, مثل كسور العمود الفقري والقفص الصدري والجمجمة وزرع النخاع الشوكي وزرع الكلى وكذلك بعض الأمراض الخبيثة.
كما ارتفعت نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة وعدد كبير من النساء أثناء الولادة بسبب نقص كميات الأدوية الوقائية والأمصال واللقاحات وتأثرت الأوضاع الصحية والاجتماعية أكثر بسبب توقف الاسعاف الطائر في ليبيا لعدم توافر قطع الغيار، وتأثر المرافق الحيوية والقطاعات الاقتصادية والثروة الغذائية بالبلاد من جراء امتداد الحظر.
دور قومي
وتثمينا لهذا الجهد يشيد الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية بالجهود التي قام بها كل من صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز ممثلا لحكومة المملكة العربية السعودية, وجاكس غيرويل مبعوث الرئيس نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب افريقيا، لدعم المساعي الرامية الى التوصل الى حل عادل لقضية لوكيربي والتي اسفرت عن نتائج إيجابية أدت الى الوصول لحل يرضي الطرفين.
ومن جانبه يؤكد السفير احمد بن حلي الأمين العام المساعد للشؤون العربية بالجامعة على أهمية الدور الذي قامت به المملكة في طي هذه الصفحة الدامية في العلاقات العربية الدولية، ويقول بن حلي,, ان المملكة العربية السعودية عودتنا دائما انها تناصر الحق والقومية العربية، وان الجهد الكبير الأخير الذي بذلته المملكة تضافر مع الجهود المتواصلة لمصر والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية لتأكيد الحق الليبي والإرادة العربية بنزع فتيل التوتر من المنطقة.
وفي هذا الصدد يشيد السفير وجيه حمدي مندوب مصر الدائم لدى جامعة الدول العربية بدور المملكة في تسوية الأزمة مؤكدا على أهمية تكامل وتكاتف الجهود العربية من أجل نصرة القضايا والحقوق العربية، وإعادة التضامن والوئام الى الصف العربي, ويشير مندوب مصر الى ان النتائج التي اسفرت عنها هذه الجهود سوف تساعد على إعادة بلورة وتعميق العلاقات العربية الافريقية والعربية الدولية خلال المرحلة المقبلة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved