Wednesday 7th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 21 ذو الحجة


لنفكر سوياً
حينما ينسى الآباء
سلطانة السديري

رسالة تندي كلماتها دموع محبوسة عاجزة من ابن فاضل يتحلى بالصبر رغم الحيرة والمعاناة التي يعيشها,, واليكم بعضا مما جاء فيها,.
(لأنك أم اجد بين سطورها التي اقرؤها قلبا لازال به نبض الامومة الحانية,, اكتب اليك معاناتي التي لا ازعم انك ستجدين لها حلا ولكني فقط اريد ان اتنفس من خلال كلماتي فقد ضاقت انفاسي وانا الهث متعبا في هذه الدنيا بدون ان اجد حولي قلبا واحدا يحتضن احزاني او يلملم شتات مشاعري منذ طفولتي البائسة ولعلك - ان استطعتُ أن ابلغك في هذه الرسالة حجم القهر والتمزق الذي صحوت عليه الآن بعد ضياع سنوات من شبابي - تستطيعين تبليغ هذه الرسالة للآباء والامهات الذين يبحثون عن سعادتهم بعيداً عن صغار كانوا هم من اسباب وجودهم في هذه الدنيا ولكنهم عجزوا عن احتواء طفولتهم بالحنان والمحبة وتركوهم في مهب الرياح العاصفة يتلفتون يبحثون عن يد يتشبثون بالامساك بها لتلمس دروبهم في هذه الدنيا,.
انا يا سيدتي شاب في السادسة والعشرين من عمري طلق والدي امي حينما كان عمري خمس سنوات ونزحت والدتي الى حيث كان اهلها في بلدة اخرى وعلمت بعد ان وعيت على الدنيا انها تزوجت واني لن اراها مرة اخرى ولا ادري هل كان ذلك بمشيئتها ام ان ظروفها هي التي اجبرتها على ذلك,, تزوج ابي ايضا,, لم تكن زوجته امرأة سيئة ولكنها منذ البداية اعتبرتني ضيفا لادخل لهافي وجوده وهكذا نشأتُ بين اب مشغول في عمله وبإخوتي من المرأة الاخرى وزوجة ابي التي لا يهمها امري ولا تدري عني ان كنت جائعا او ضائقا او حزينا,, كل ذكرياتي عن تلك الطفولة تساؤل مبهم يدور في عقلي الصغير,, لماذا يفترق الابوان؟ وان افترقا فلماذا لا يسألان عن فلذات الاكباد,, كئيبة تلك الايام التي كنت ضائعا فيها لا ادري موقعي من هذه الدنيا,, ذهبت إلى المدرسة بعد ان اصبح سني يؤهلني للذهاب اليها,, لكن لا احد يهتم بنجاحي او رسوبي او مساعدتي في واجباتي الدراسية,, لا احد يهتم ان خرجت من البيت او عدت اليه,, ولعل من فضل الله على أنني سرت في طفولتي ومراهقتي على الطريق المستقيم فلم انحرف او انجرف لرفاق سوء,, ولكني للأسف حينما وصلت الى مرحلة الدراسة الثانوية تعثرت في دراستي ولم اعد راغبا في اكمالها ولم يكن احد يهمه هذا الامر,, وهكذا تركت الدراسة ولم يسألني ابي ابدا لماذا؟ حاولت ان اعمل وتنقلت بين اماكن عديدة ورغم ان مرتبي كان ضئيلا الا انه اصبح يفي بحاجتي من ملبس ومأكل ولم اعد اعتمد على ابي في مصروفي بل انني اعطيه ما يزيد عن حاجتي فأنا أعلم ان مرتبه لا يكاد يفي باحتياجات البيت واخوتي,, ومرت كل تلك السنوات وانا شبه انسان أسير بلا طموح أو هدف اراقب العالم من حولي بمشاعر ميتة بلا اهتمام لما يجري أو للمستقبل القادم,, ايامي لا طعم لها ولا لون وبيتي الذي اعيش فيه لا يعني لي شيئا اكثر من مأوى للنوم,, ابي اقرب الناس اليّ يمر يومان وثلاثة وانا لا اراه,, لم يسألني يوما أين كنت او ما طبيعة عملي,, اما امي التي لم اعد اتذكر ملامحها فقد علمت انها توفيت,, سمعت الخبر وكأنه بالنسبة لي موت اي إنسان بعيد فالموت خبر لا يسر ولكني ايضا لم اشعر بالفراق فقد اصبح فراقها شيئا عاديا بالنسبة لي او لعل مشاعري ماتت منذ فراقها,, لست ادري؟,, المهم انني منذ سنة شعرت ان الدنيا تغيرت بالنسبة لي منذ ان لمحتها,, هي صديقة اختي وزميلة دراسة لها حدثتني اختي عنها طويلا,, عن خلقها واسرتها الطيبة التي تجاورنا في السكن,, لا ادري كيف عاد إلىّ احساسي لاول مرة فقد شدتني تلك الفتاة للشعور بأن لي قلبا لازال ينبض ,, واحببتها اكثر من خلال حديث اختي عنها,, صارحت ابي اني اود خطبتها,, لم يعارض وذهبت الى والدها الذي لم يمانع ولكنه كان له مطلبان الاول ان يكون لي عمل ودخل ثابت منه، والثاني ان اعود للدراسة ومواصلة تعليمي,, وعدت لأجد في نفسي حيرة وفرحة وقهراً,, حيرة كيف اجد العمل وفرحة انني وجدت من يهمه امري ويشير عليّ بهدف اسير اليه,, والقهر لاني خلال سنوات طويلة في عمري بلا عمل جيد او دراسة مثمرة وادركت كم ضيعت من سنوات عمري بلا هدف او طموح يجعلني امضي لبناء حياة سليمة.
انني اشعر الآن أنني كنت في القاع ولكني احاول التشبث بجبال الامل للخروج منه فقد عدت للدراسة وبقي البحث عن عمل بدخل ثابت لقد صحوت من غيبوبة اللامبالاة من اجل فتاتي التي ايقظت في نفسي الطموح والذي كان لوالدها الفضل في دفعي للبحث عن مستقبل افضل فهل يحقق القدر احلامي؟!,, حقا لا ادري,, ولست ادري هل تعثري في دراستي وعدم اهتمامي بمستقبلي العلمي والعملي يعود لابي الذي لم يقربني اليه يوما او يهتم بأمري او ان ذلك يعود الى امي البعيدةالتي غابت شمسها عن حياتي,, كل الذي ادريه الآن انني اشعر بالأسف لكل يوم ضاع من عمري بلا معنى).
هذا بعض مما جاء في رسالة الابن ع,,م وقد اختصرتها بقدر استطاعتي بعيدا عن التفاصيل المحزنة عن معاملة الاب لابنه وأظن انها ليست بحاجة للتعليق الا ببضع كلمات اقول فيها للآباء والامهات الذين ينسون ان صغارهم لهم قلوب تحس وتشعر، تبحث وتتساءل تتلفت في حيرة باحثة عن الاسباب التي تدعو آباءهم وامهاتهم لاهمال مشاعرهم واهمال مسؤوليتهم,, وان كان هذا الابن الفاضل كان له من الايمان والخلق الفطري سياج منعه من الانحراف السلوكي فإن كثيرا من الابناء والبنات الذين يعانون من مشكلة كهذه يكون الانحراف سلوكا لهم حينما يغيب عنهم الالتفاف الاسري الذي يكون سياجاً يحميهم من نزوات المراهقة وضياع الطفولة الممزقة بين آباء يجدر بهم حمايتهم حتى لو افترقوا بانفصال عن الامهات وامهات يجدر بهن ان يكن صدورا حانية تحتضن صغارهن حتى وان كان الانفصال نصيبهن,, ورسالة هذا الشاب اضعها بين ايدي الآباء والامهات دليلا بليغا على المعاناة جديرة بالالتفات اليها,.
* * *
من مفكرتي الخاصة
الاطفال هم النظافة الوحيدة على وجه هذه الارض التي يجب ان لا نلوثها بالاحقاد فنجعل قلوبهم النقية تعصف بها الاحزان,.
* * *
مرفأ
كلنا يحمل طفلا شابا لم يلق حنانا للأمومة,, كلنا يبحث عن معنى السعادة,.
وهي لاشيء سوى البحث عن اليوم الجديد بعدان صار انتظار النفس,, للمجهول,, عادة والذي يأتي,, ظلالا,, من زمان لن يعود,, هكذا نشتاق ان نُصلح اخطاء الزمان بيقين الوهم,, كي نشعر في الخوف بمعنى للأمان.
الشاعر المرحوم محمد الجيار

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved