Saturday 17th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 2 محرم


مؤسسات التعليم العالي بيئة البحث العلمي (1 - 3)

تستضيف المملكة خلال الفترة من 1 الى 5 محرم المؤتمر السابع للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي، وقد حدد موضوع المؤتمر ليكون بعنوان التعليم العالي والبحث العلمي لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ويشارك في هذا المؤتمر احدى وعشرين دولة عربية بالاضافة الى سبع منظمات دولية وعربية, وبالقاء نظرة على البحوث المقدمة نجد انها تتوزع الى مجموعتين المجموعة الاولى منها وقدرها ثمانية يقدمها مجموعة من المستكتبين من اساتذة الجامعات وغيرهم، اما المجموعة الثانية فهي حول تجربة المملكة العربية السعودية في مجال البحث العلمي حيث يتم استعراض جهود الجامعات والهيئات المحلية في البحث العلمي.
ان التفكير والتخطيط لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين يستوجب جهودا تقويمية لما انجز من بحوث في الحقبة الماضية اذ انه لا يكفي استعراض الماضي بل لابد من ابراز الايجابيات والسلبيات في ذلك، لأنه وبدون معرفة جوانب القوة والضعف لا يمكن التخطيط للمستقبل خصوصا وان المؤشرات توحي بأنه مليء بالكثير من التحديات والمشاكل, مناقشة البحث العلمي في التعليم العالي لا يمكن ان تتم الا وفق اطار شامل يأخذ في اعتباره اهداف الجامعة والمناخ الاجتماعي ومتطلبات البحث العلمي, وغني عن التذكير من ان الجامعة ومؤسسة التعليم العالي بشكل عام لها ثلاثة اهداف رئيسية، اول هذه الاهداف التدريس من اجل نقل المعرفة الى المتعلمين، اما الهدف الثاني فهو البحث العلمي اما الهدف الثالث فيتمثل في خدمة المجتمع, وعلى هذا الاساس يدرك الفرد اهمية التوازن في الجهود التي تبذلها الجامعة في شأن هذه الاهداف الثلاثة فلا يكون الجهد والاهتمام منصبا على هدف دون الاهداف الاخرى، والا اختل التوازن وتأثرت الاهداف الاخرى سلبا في مثل هذا الوضع, ان المتأمل في واقع الجامعة في العالم العربي يدرك حالة اختلال التوازن بين الاهداف الثلاثة الكبرى للجامعة, لقد تحولت الجامعة في العالم العربي الى وضع غير محمود بسبب كثرة الطلاب وقلة الامكانيات المادية البشرية، ان ما تقبله الجامعات من الطلاب اصبح يفوق طاقاتها الاستيعابية بكثير مما ترتب عليه كثرة الطلاب في الشعب وزيادة العبء الدراسي حتى لم يعد امام الاساتذة من مهمات الا التدريس وتصحيح الاختبارات والواجبات, لقد اعتاد بعض الاساتذة في بعض الجامعات العربية على ان يتفرغوا اثناء الاجازات للتصحيح فقط، وفي وضع كهذا لن يكون امام الاستاذ من وقت لمتابعة الجديد في مجال تخصصه ولا لاجراء البحوث مهما كانت بساطتها بالاضافة الى ان مستوى التعليم لن يكون كما يتمنى الاستاذ وتتطلع اليه الامة.
ان من يرغب في معرفة وضع البحث العلمي في جامعات العالم العربي عليه ان يجعل من هذا العالم بواقعه اطارا مرجعيا للحكم على البحث العلمي, البحث العلمي كما هو متعارف عليه يفترض انه يحقق جملة من الاهداف ومنها زيادة المعرفة، البحث عن الحقيقة، ايجادالحلول للمشكلات الفردية والاجتماعية، الإسهام في نمو وتطور المجتمع، والاكتشافات,, الخ, ولو تمعنا في هذه الاهداف من خلال واقع عالمنا العربي لوجدنا الدليل تلو الدليل على تخلف البحث العلمي لدينا، فمشكلات عالمنا العربي الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية لم تنل من عناية البحث العلمي ما تستحقه ولذا استمرت هذه المشكلات معنا ولم يعد لنا مكان الصدارة الذي كنا نتبوؤه حين كانت حركة البحث العلمي على اشدها في عالمنا العربي والاسلامي كما ان نصيب علمائنا في قائمة المخترعين والمكتشفين تراجعت نسبته، اما مشاكلنا الاقتصادية وزيادة الفقر وانتشار الامراض فهذه امور يندى الجبين لها رغم توفر الثروات الطبيعية ومصادر الانتاج الا ان تأخرنا في مجال البحث العلمي جلب معه هذا النوع من المشكلات، اما الاوضاع المتردية في المجال السياسي وعدم القدرة على المصالحة مع الذات فهذا اكبر دليل على فشل البحث العلمي وفشلنا في توظيفه من اجل تجنب هذه المشكلات او على اقل تقدير الخروج منها حين الوقوع بها.
وهكذا يتضح جليا انه وبسبب النمو المتزايد في عدد الطلاب في الجامعات مع ما رافق ذلك من تراجع في امكانياتها المادية والبشرية تراجع البحث العلمي ولم تعد له تلك المكانة التي يجب ان يحظى بها سواء على مستوى المؤسسة او على مستوى الافراد, ولذا ومن اجل تنشيط البحث العلمي وزيادة كفاءته في مواجهة المشكلات وتقديم الحلول لابد من اعادة التوازن بين العناصر الثلاثة التي تضطلع بها الجامعة فلا يكون التدريس على حساب البحث ولا العكس والا تحولت الجامعات الى ما يشبه المدرسة الثانوية حين لا يكون للبحث العلمي المكانة والاهتمام اللذان يجب ان يحظى بهما.
ما أتمناه ويتمناه غيري من اساتذة الجامعات الا يتحول المؤتمر السابع لوزراء التعليم والبحث العلمي الى مناسبة لتمجيد الذات وتجاهل نقاط ضعفها، ذلك ان الوقوف على أطلال الماضي لا يغني شيئا اذ لا يكفي ان يستعرض الباحثون والوزراء المؤتمرون جهود الماضي بل لابد من نظرة تحليلية متعمقة تتسم بالصراحة والوضوح وتكشف للقيادات السياسية على امتداد العالم العربي واقع البحث العلمي واحتياجاته, لقد حان الوقت لتحتل الجامعات العربية مكان الصدارة في مجال البحث العلمي لكي نقود العالم نحو سعادته وأمنه واستقراره ونجنبه الكوارث التي يعيشها والتي يعود جزء كبير منها الى افتقاد الرشد في الجهود البحثية ولا أدل على ذلك من الامراض الفتاكة وتلوث البيئة وتحول الانسان الى حيوان شرس في سلوكه وتعامله مع الآخرين خصوصا في بعض أصقاع العالم حيث المافيا وعصابات الجريمة المنظمة.
* عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود
أ,د, عبدالرحمن بن سليمان الطريري *

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
ملحق الاحساء
مقالات
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
التقسيط والقروض البنكية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved