في مثل هذا اليوم، قبل تسعة وأربعين عاماً (1/1/1371ه) افتتح سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز، نائب جلالة الملك عبد العزيز في الحجاز آنذاك، رحمهما الله، الاستوديو الاذاعي في مكة المكرمة على جبل هندي، بعد أن تم تزويده ببرج للإرسال يصل هذا الاستوديو الجديد بمقر الاذاعة الرئيسي بجدة، كما تم ربطه بخط تليفوني مع المسجد الحرام.
وقد خصصت هذه الحلقة للحديث عن هذه المناسبة لأن ذكراها تصادف تاريخ اليوم، ولأن كثيراً ممن تناول تاريخ الإذاعة كان يخلط بين هذه المناسبة وبين افتتاح الاذاعة السعودية نفسها - في جدة - قبل عامين من ذلك التاريخ.
ومصدر الالتباس هو أن الأمير فيصل كان له صلة بالمناسبتين بالنيابة عن والده، الملك عبد العزيز، في الأولى، وبالأصالة في الثانية، إلا أنه من شبه المؤكد، ان المناسبة الأولى لم تصوّر، لأنه لم يرافقها احتفال رسمي خاصة وأنها افتتحت مساء يوم عرفة بكلمة منه مسجّلة.
ومن يعود الى صحف تلك الفترة - أم القرى والبلاد السعودية والمدينة المنورة والمنهل - يجد فيها توثيقاً كافياً لكل مناسبة على حدة، كما ان الاذاعة السعودية، قد وثقت تلك الفترة بشكل جيد.
وتكمن أهمية مشروع استوديو مكة المكرمة - موضوع هذه الحلقة - والذي تم إنجازه عام 1370ه، وافتتح في مثل هذا اليوم الأول من محرم عام 1371ه، أن الحرم المكي الشريف اقترن لأول مرة باستوديو البث الرئيسي في جدة بواسطة استوديو مكة المكرمة الجديد، مما جعل من الممكن فنيّاً، بدءاً من سنة 1371ه، نقل الأذان والصلوات وخطبتي الجمعة من المسجد الحرام، وكذلك البث من مكة المكرمة عند الحاجة، وهو أمر ما كان من الممكن تحقيقه في العامين - الأول والثاني من عمر الإذاعة السعودية، وقد سبق لهذه الزاوية ان أوضحته في معرض الرد على من قال بأن الإذاعة بدأت البث من عرفات.
أقامت الاذاعة هذا الاستوديو على جبل هندي (قعيقعان) كما أقامت مكاتب إدارية في حارة الشبيكة غرب الحرم الشريف، نظراً لصعوبة الوصول الى الاستوديو، وهو وضع كان يشبه وضع الاذاعة الرئيسية بجدة، حيث كان الاستوديو في حي النزلة اليمانية جنوب جدة، بينما وضعت مكاتبها الإدارية بجوار فندق الكندرة الحالي.
الحفل، الذي أقيم في مكة المكرمة منذ نصف قرن، على جبل هندي، كان حفلاً خطابياً، ما يزال هناك العديد ممن يتذكره من حاضريه أو معاصريه، بدأ بعد مغرب يوم الثلاثاء - غرة محرم، الموافق 2 أكتوبر 1951م - وحضره سمو الأمير عبد الله الفيصل، وكان وزيراً للداخلية والصحة آنذاك، ثم افتتح الأمير فيصل الاستوديو الإذاعي بكلمة قصيرة نشرتها أم القرى (العدد 1381 في 4/1/1371ه) ثم ألقى الأستاذ إبراهيم فودة كلمة هيئة الإذاعة، ثم أعقبه أحمد إبراهيم الغزاوي (شاعر الملك عبد العزيز وعضو مجلس الشورى آنذاك) بقصيدة، ثم ألقى فؤاد شاكر (رئيس التشريفات في القصر الملكي) قصيدة أخرى، ثم قدمت الإذاعة برنامجاً خاصاً بهذه المناسبة، بعنوان (صوت المسجد الحرام).
* * *
كلمة أخيرة:
مع انتهاء السنة الهجرية 1419ه، تتوقف هذه السلسلة الوثائقية، ويتوجه كاتبها بخالص الشكر والتقدير لكل من تفاعل معها، قراءة أو تعليقاً أو تصحيحاً أو إمداداً بالمعلومات، ويرجو أن يتحقق أمله في إصدار هذه الحلقات وكل ما يتصل بها، في كتاب قريباً، بإذن الله، يكون إضافة متواضعة لما صدر مع هذه الذكرى المئوية العزيزة.
عبد الرحمن الشبيلي